الشيخ الدكتور محمد رضا الساعدي ||
(رد اجمالي على مدعي شرك الشيعة بالتوسل بال البيت ) :
ظهر لنا في الآونة الأخيرة مقطع لاحد المشايخ يتصل بأحد القنوات الناصبية (وصال) ويتكلم على عقائد الشيعة امام الأعداء في قضية التوسل بال البيت عليهم السلام ودعائهم والطلب من فضلهم وان هذا شرك بالله تعالى , وبهذه الدعوى قد ناغم الأعداء بطعن الاولياء فلم يكن كما وصف تعالى ( اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين ) بل بالعكس .
وفي مقام الجواب أقول : ان اتباع ال البيت عليهم السلام لا يتوسلون ولا يدعون ولا يطلبون الحوائج من النبي واله من باب الاستقلال بالعطاء وانما من باب انهم طريق ووسيلة الى الله تعالى فيسالون من فضلهم لان لهم عند الله جاها ووجها وليس استقلالا .
وهذا فيه إشارة لسنن قرانية وروائية وعقلائية :
أولا : انه سنة قرانية :
قال تعالى : (وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ )
فالاية الشريفة في مقام بيان ان الايتاء والفضل كما يكون من الله يكون من رسوله .
وقوله تعالى : (وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) .
فان الاغناء كما يصدر عن الله تعالى يصدر عن رسول الله غاية الامر الاغناء الإلهي ذاتي واستقلالي ولا محدود والاغناء النبوي محدد بعطاء الله وتابع لا مستقل .
وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
حيث ورد انه تقربوا اليه بالامام عليه السلام وفی روایة أخرى : (فنحن وَسِيلَتُهُ فِي خَلْقِهِ، وَ نَحْنُ آلُ رَسُولِهِ، وَ نَحْنُ حُجَّةُ غَيْبِهِ، وَ وَرَثَةُ أَنْبِيَائِهِ».
وقوله تعالى : (وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاَةِ وَ إِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ )
فالاية تامر بالاستعانة بما هو منسوب لله تعالى كالصوم والصلاة , فكذلك ما المانع من الاستعانة بأولياء الله تعالى كصورة من صور الاستعانة لمنسوبيتهم لله , فكما اننا نستعين في قضاء حوائجنا بصلاة الله فكذلك باولياء الله .
ثانيا :انه سنة روائية :
ففي كنز الفوائد ؛ ج2 ؛ ص36 : ( ذَكَرُوا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَكَلَ طَعَاماً مَعَ الْإِمَامِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع فَلَمَّا رَفَعَ الصَّادِقُ ع يَدَهُ مِنْ أَكْلِهِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَ مِنْ رَسُولِكَ ص فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَ جَعَلْتَ مَعَ اللَّهِ شَرِيكاً فَقَالَ لَهُ وَيْلَكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَقُولُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ النساء 59 فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَ اللَّهِ لَكَأَنِّي مَا قَرَأْتُهُمَا قَطُّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَ لَا سَمِعْتُهُمَا إِلَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع بَلَى قَدْ قَرَأْتَهُمَا وَ سَمِعْتَهُمَا وَ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِيكَ وَ فِي أَشْبَاهِكَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها وَ قَالَ كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ).
حيث استدل الامام الصادق في رد كلام ابي حنيفة في تهمة الشرك بالآيات الشريفة , فكذا يرد من يدعي الشرك على اتباع المذهب .
ثالثا : انه سنة الانبياء واقوامهم :
قد ورد في القران استغاثة الاقوام بانبيائهم لانهم لهم سلطان باذن الله .
1 ـ النبی موسى علیه السلام : (وَ إِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) .
2 ـ اخوان النبی يوسف لابيهم يعقوب عليه السلام : (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .
3 ـ شفاء عين النبي يعقوب بتوسط قميص يوسف : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا- فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً- وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) .
4 ـ قوم صالح عليه السلام , ففي الرواية : ( ... قَالُوا: يَا صَالِحُ، مَا أَسْرَعَ مَا أَجَابَكَ رَبُّكَ؟ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا فَصِيلَهَا...) .
رابعا : انها سنة سنة عقلية وعقلائية وعرفية :
ان الله جعل مجموعة من الوسائط المقدسة بينه وبين العباد كالرسل والانبياء والاولياء والملائكة , وقطعا هولاء الوسائط والشفعاء هم الاقرب لله والاحب له
فنحن نجعلهم وسائط لهم ليقبلنا نحن الظالمين , وهذا امر يقره العقلاء فانهم عندما يريدون ان يحصلوا على مكاسب معينة يجعلون بينهم وبين صاحب الملك ما يكون مقبولا لدى الملك .
فهذه مسالة عقلائية وعرفية واضحة في توسيط شخص الى شخص ذو قربة لدية او مقبولية .
خامسا : بعض الفتاوى :
أولا : نقل كلام أستاذ اساتذتنا المحقق الخوئي :
فی صراط النجاة ج1، ص: 467 سؤال 1313:
المتعارف حال النهوض أو القيام أو حال أي عمل الاستنجاد بالنبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أو الإمام علي أو أحد الأئمة عليهم السّلام، فهل يجوز ذلك عن قصد علما أن الاعتقاد هو أنهم الباب إلى اللّٰه تعالى؟
السيد الخوئي: لا بأس بتوسيطهم و الاستشفاع بهم إلى اللّٰه تعالى كوسيلة في قضائه هو حوائج المتوسّلين لأنه تعالى رغّب في التوسل بقوله تعالى وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ
سوال : عند ما يخاطب الإنسان الشيعي أحد الأئمّة في الاستغاثة بهم أو طلب حوائجه منهم و هو في البيت أو في الشارع و هو ماشي كما يكلم شخصاً أمامه فهل هذا صحيح و وارد من طرف أهل البيت و هل هو موجود حقاً في عقيدتنا؟ ما هو دليلنا عليه؟
باسمه تعالى:: إن قوله تعالى اتَّقُوا اللّٰهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ دال على رجحان التوسل بأهل البيت (عليهم السّلام) في قضاء الحاجة و تفريج الكربة في كل وقت، و اللّٰه العالم.
ثانیا : کلام الميزا جواد التبريزي : في صراط النجاة (للتبريزي)؛ ج9، ص: 78
س (209)ما هو رأي سماحة المرجع في صحة العبارة الواردة في دعاء الفرج المنسوب للحجة، و هي:يا محمد يا علي، انصراني فإنكما ناصراني و اكفياني فإنكما كافياني.حيث يشكك بها بعض المعممين من الشيعة، و يدعي بأنها من مدسوسات المغالين في أهل البيت عليهم السلام، و أن الناصر و الكافي هو اللّٰه تعالى فقط؟
الجواب : التوسل بأهل البيت عليهم السلام في مقام طلب الحاجات مشروع و منصوص عليه، و لا يعتد بتشكيك المشككين و إن كانوا ممن ينتسبون لمذهب أهل البيت عليهم السلام، و اللّٰه المسدد و العالم.
سادسا : للتوسع فی ذلك يلاحظ كلام استاذنا المحقق الشيخ محمد السند في كتابة الامامة الإلهية الجزء الرابع والخامس , فقد استوفى البحث .
والله الهادي للصواب .
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha