سراج منير العبادي ||
تعدُّ قضية القدس قضية إسلامية كبرى ومهدوية بامتياز ، حيث ستكون عند هذا البيت المبارك المعركة الكبرى والنهائية بين الامام المهدي من آل محمد(أرواحنا فداه)وعيسى بن مريم (عليه السلام) واتباعهما من المؤمنين الأحرار من جهة،وبين السفياني والدجال واتباعهما من اليهود والنصارى والأعراب النواصب من جهةٍ أخرى.
في السنين الأولى لاحتلال أرض فلسطين والمسجد الأقصى المبارك عام١٩٤٨م من قبل اليهود الصهاينة تم تحجيم قضية المسجد الأقصى وجَعْلها قضيّة قوميّة عربيّة محدودة، والصراعُ فيها قوميّ بين العرب (كقومية)وليس كمسلمين ضد اليهود الصهاينة، ولذلك رأينا فشل حملات العرب وحروبهم ضد اليهود وانهزامهم فيها شر هزيمة مرّة بعد أخرى.
و هاهم العرب يطبِّعون العلاقات مع اليهود الصهاينة على أعلى المستويات السياسية والأمنية والعسكرية والتجارية جهارًا نهارًا صاغرين أذلّاء لأنّهم لا يعون قضية القدس باعتبارها قضية إسلامية دينية إلهية وليست قضيّة عربيّة قوميّة محدودة،ولذلك رأينا حين نهض الإمام الراحل السيد الخميني (قدس سره) بثورته الإسلامية لم يطلق يومًا خاصًّا لفلسطين العربية؛ بل أطلقَ يومًا للمسجد الأقصى (القدس) فسماه يوم القدس العالمي، وطرد سفارة الكيان الغاصب وجعل مكانها سفارة لفلسطين لأن قضية المسجد الأقصى الذي هو بيت عبادة اللّه تعالى والبقعة التي صلى فيها الأنبياء(عليهم السلام) وقبلة المسلمين الأولى أعمق وأبعد من جعلها قضية قومية عربية وصراع عربي يهودي محدود بالعروبة وما شاكل ذلك من التُّرَّهات والتزم مراجعنا العظام في النجف الاشرف في موقفهم القوي والموحد ضد اليهود الصهاينة كابرا بعد كابر.
وقضية القدس هي محور المعركة الكبرى بين أُمَّة حزب اللّه وحزب الشيطان، ونقصد بحزب الله هنا حزب اللّه القرآني الذي يمثله المهدي من آل محمد(عليهم السلام) ونبي اللّه عيسى (عليهما السلام)وأتباعهما من المؤمنين، وحزب الشيطان هو الحزب الذي يمثله الدجال والسفياني وأتباعهما من اليهود والنصارى والأعراب والنواصب، والذي يطالع الروايات الشريفة يعرف أنّ سبب صناعة السفياني ودعمه من قبل الروم والأعراب النواصب هو تخطيط اليهود لإيجاد أداة لحماية اليهود ودويلتهم المزعومة بسبب وجود الخراسانيين الشيعة في الشام وتهديدهم دويلة الدجال في مرحلة ضعف تمر بها .
وقد ذكرت سورة الإسراء المباركة نبوءة إفسادَي بني إسرائيل واشارت إلى تجمُّعهم عند المسجد الأقصى في آخر الزمان لوعدِ الآخرة حيث إفسادهم الثاني والأخير وعلوِّهم الكبير والعقوبة عليه،قال تعالى: ((وَقَضَیۡنَاۤ إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَیۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوࣰّا كَبِیرࣰا. فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَیۡكُمۡ عِبَادࣰا لَّنَاۤ أُو۟لِی بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ فَجَاسُوا۟ خِلَـٰلَ ٱلدِّیَارِۚ وَكَانَ وَعۡدࣰا مَّفۡعُولࣰا . ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَیۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَـٰكُم بِأَمۡوَ ٰلࣲ وَبَنِینَ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِیرًا . إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ لِیَسُـࣳۤـُٔوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَلِیَدۡخُلُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةࣲ وَلِیُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوۡا۟ تَتۡبِیرًا))
[سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ٤-٧]
وهذه الآيات المباركات تتحدث عن نبوءة الإفساد الأول والذي نذهب الى القول بأنّه امتدَّ منذ عهود اليهود الأولى إلى عهدِ رسول الله (صلى اللّه عليه وآله) وجاءت العقوبة عليه في عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وحينها عاقبهم الله تعالى على يدِ محمَّد المصطفى وعليّ المرتضى (صلوات الله عليهما) بعد أن دعم اليهود قريشًا لقتال النبي (صلّى اللّه عليه وآله) وإنهاء الدعوة الإسلامية، فمكَّن حُيي بن أخطب رأس اليهود حينها أبو سفيان، وجمّع له الأعراب المشركين، وجاءت الأحزاب لتلك المعركة الكبيرة (معركة الخندق)، وانتصر المسلمون حينها بسيفِ عليًّ أمير المؤمنين (عليه السلام) حين قتل عمرو بن عبد ود العامري القرشي، وبعدها قلع باب خيبر و جندل بطل اليهود وفارسهم مرحب الخيبري وقتل النبي (صلى الله عليه وآله) مئات اليهود المقاتلين صبرًا وأخرجهم من جزيرة العرب.
وبعد أن نكث بيعة المسلمون بيعة الغدير وتركوا خليفة رسول اللّه( صلّى اللّه عليه وآله) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأبناءه المعصومين (عليهم السلام) وبدأ المسلمون شيئًا فشيئًا بقتل أولاد رسول الله و خلفائه المعصومين، وتركوا القرآن وسُنّة نبيهم إلى أن وصلوا إلى أن انهارت دولتهم (الخلافة العثمانية) وتقسَّمت بلدانهم في اتفاقية سايكس بيكو سنة (١٩١٦ م) المشؤومة في الحرب العالمية الأولى بتخطيطِ اليهود والنصارى، وتحالفهم مع الأعراب النواصب في نجد والحجاز وحينها رُدَّت الكَرَّة لبني إسرائيل وحان وعد الآخرة و تجمُّع اليهود في فلسطين عند المسجد الأقصى، وجاؤوا لها جماعات من الشّتات كما تُصرّح الآية المباركة،قال تعالى: ((وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ ٱسۡكُنُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِیفࣰا)) سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ١٠٤
وأفسد اليهود الصهاينة في الأرض وسفكوا أنهارًا من الدماء، و انتهكوا الأعراض ونشروا الفسق والفجور و المياعة والإباحية والشذوذ والحروب والفتن في العالمِ كلّه، وهذا يعني أنّهم لم يحسنوا وإنّما أساءوا وكانوا أكثر أموالا وأولادًا والإعلام الدولي معهم والدول الكبرى تنفر معهم في الحرب كما قال اللّه عز وجل ((ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَیۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَـٰكُم بِأَمۡوَ ٰلࣲ وَبَنِینَ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِیرًا ))
وينتظر اليهود مراحلَ ثلاث في عقوبتهم الثانية على إفسادهم الثاني الذي نرى أنّه بدأ منذ عهد شهادة المصطفى محمَّد (صلّى اللّه عليه وآله) إلى يومنا الحالي،ومراحل العقوبة هي :
أولًا: إساءة وجه اليهود (( لِیَسُـࣳۤـُٔوا۟ وُجُوهَكُمۡ ))
ومعناها تحقير اليهود وكسر شوكتهم وادّعاءاتهم أنَّ جيشهم لا يُقهَر وأنّ مخابراتهم (الموساد) لا يفوتها شيء، ونعتقد أنّ هذه المرحلة بدأت منذ ما حصل في عام ٢٠٠٠م و منازلة تموز ٢٠٠٦م والانتفاضات الفلسطينية ومعركة سيف القدس و طوفان الأقصى في يومنا الحاضر.
ثانيًا: دخول المؤمنين للمسجد الأقصى ((وَلِیَدۡخُلُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةࣲ ))
ثالثًا: تدمير إفسادات اليهود في الأرض وطمسها ((وَلِیُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوۡا۟ تَتۡبِیرًا))
وسيعود اليهود وبسبب ضعفهم ومحاصرتهم من قبل قوى المقاومة الشريفة التي عمادها وقادتها العمامة السوداء الشريفة وشيعة آل محمد أنصار الإمام المهدي المنتظر الموعود (أرواحنا فداه)، وسيعودون مرة أخرى للتحالف مع قريش وآل أبي سفيان كما فعلوا من قبلُ في معركة الخندق، وقد وصفت الروايات تحركات السفياني وعداوته للشيعة واتحاده مع الدجال اليهودي الذي يدّعي أنّه (المسيح المخلِّص) وكذلك اتّحاده مع الروم (النصارى) لدفع الشيعة (الخراسانيّين)
· الموروث الروائي
عن زرارة بن أعيُن، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السلام ـ قال: (استعيذوا بالله من شرِّ السفياني والدجّال... ثمّ يبعث السفياني جيوشاً إلى الأطراف ويُسخِّر كثيرًا من البلاد ويبالغ في القتل والفساد ويذهب إلى ملك الروم لدفع الملك الخراساني ويرجع منها متنصِّرًا في عنقه صليب) راجع كشف الحق/ الخاتون آبادي: ١٤٣، ترجمة السيد ياسين الموسوي
وقد ورد أنّ هناك مؤمنون يوطِّئون الأمر للمهدي (عليه السلام) عند بيت المقدس وحواليه كما في الحديث الشريف ( تخرج من خراسان رايات سود فلا يردُّها شيء حتى تُنصَب بإيلياء) راجع مسند أحمد ورواه الترمذي ايضا
و(إيلياء) هو اسمٌ للمسجد الاقصى، وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال : لا تزال عصابة[طائفة] من أُمّتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله،وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرُّهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة)راجع مجمع الزوائد ج١٠ ص٦٠
وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله ) أنّه قال:
(لا تَبْرَحُ عِصابَةٌ[جماعة] مِن أُمَّتي ظاهِرينَ عَلَى الحقِّ لا يُبالُونَ مَنْ خالَفَهُمْ، حَتَّى يَخْرُج المَسيحُ الدجال فَيُقاتِلونَه) راجع سنن سعيد بن منصور: ج٢ ص١٤٥
و روي عن رسول الله (صلّى اللّه عليه وآله) أنه قال :(لا تزال طائفة من أمّتي تقاتل على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل على المهدي) رواه أبو عمر الداني، عقد الدرر، ص: 220.
وعن الصادق عليه السلام: (فيُخرج اللّه على السفياني من أهلِ المشرق وزير المهدي فيهزم السفياني إلى الشام فيقصده المهديّ فيذبحه عند عتبة بيت المقدس كما تذبح الشاة ويغنمه ومن معه من أخواله الذين هم جُندُه من بني كلب ولا أكثر من تلك الغنيمة) راجع شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي ج ٢٩ ص ٦٢٠
و المعركة الكبرى التي سيخوضها الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) مع السفياني ستكون قرب المسجد الأقصى، ومن أجل تحريره من اليهود الصهاينة الذين هندسوا ومكّنوا السفياني ليكون أداتهم لتحطيم الإسلام المحمّدي الأصيل، وليكون خط دفاع لهم يحميهم من شيعة قالع باب خيبر وقاتل مرحب أسد اللّه الغالب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) ويُصلّي خلف إمامنا المهدي (أرواحنا فداه)، وقد ورد في هذا الشأن تفاصيل في هذا الحديث؛ فعن أبي أمامة الباهلي، قال: ذكر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه و[آله] (الدجّال) فقالت له أم شريك: فأين المسلمون يومئذ يا رسول الله؟ قال: (ببيت المقدس يخرج حتى يحاصرهم وإمام المسلمين يومئذ رجلٌ صالح، فيُقال: صلِّ الصبح، فإذا كبَّر ودخل فيها نزل عيسى بن مريم، فإذا رآه ذلك الرجل عرفه، فرجع يمشي القهقرى، فيتقدّم، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول: صلِّ فإنِّما أُقيمت لك، فيُصلّي عيسى وراءه، ثمّ يقول: افتحوا الباب، فيفتحون الباب، ومع الدجال يومئذ سبعون ألف يهودي، كلّهم ذو ساج وسيفٍ مُحلّى، فإذا نظر إلى عيسى ذاب كما يذوب الرصاص، وكما يذوب الملح في الماء، ثم يخرج هاربًا،فيقول عيسى: إنَّ لي فيك ضربة لن تفوتني بها، فيدركه فيقتله، فلا يبقى شيء مما
خلق الله يتوارى به يهودي إلّا أنطقه اللّه عز وجل، لا حجر ولا شجر ولا دابّة إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهوديٌّ فاقتله،...) الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس ج ١ ص ١٦٩
ونحن ننتظر تلك المعركة المقدسة، والصلاة المباركة في بيت المقدس بإمامة المهدي من آل محمد (أرواحنا فداه) ونسأل اللّه أن يعجِّل فرجه، ويرزقنا الجهاد تحت رايته والصلاة خلفه،إنّهم يرونه بعيدًا ونراهُ قريبًا برحمتك يا أرحم الراحمين.
ـــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha