علي المؤمن ||
خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، بدأ بعض الكتّاب والخطباء والسياسيين المحسوبين على الحالة الدينية، من خصوم السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة، وخاصة في المهجر؛ الترويج لهذه المقولة، في إطار عملية الصراع التنافسي، والتسقيط السياسي. ولا يزال يرددها بعض المنتمين لتيارات إسلامية منافسة، أو بعض العلمانيين الذين يهدفون إلى إسقاط الحركة الإسلامية سياسياً، وعادة ما يستشهد هؤلاء بآراء السيد طالب الرفاعي والشيخ علي الكوراني في هذا المجال.
والحقيقة أنّ حديث الشيخ علي الكوراني بشأن تأثر السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين والفكر السني، ليس حديثاً موضوعياً ولا دوافعه موضوعية، بل هو حديث شخصاني، يعود الى ثأر قديم من السيد محمد باقر الصدر؛ بسبب عدم رضا السيد الصدر على تصرفات الشيخ علي الكوراني وأدائه خلال سبعينات القرن الماضي، حيث طلب حينها إبعاد الشيخ علي الكوراني من قيادة حزب الدعوة، إلّا أنّ الشهيد محمد هادي السبيتي (الرجل الأول في الحزب) كان يرفض تنحية الشيخ الكوراني من قيادة الحزب، كما رفض أيضاً طلب السيد كاظم الحائري والسيد مرتضى العسكري والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين تنحية الكوراني، والسبب يعود إلى تشدد الكوراني في الإخلاص للشهيد السبيتي وفكره، وهو الذي كان يرفض الإعلان عن مذهبية الحزب وشيعيته.
كما أنّ للكوراني ثأر من حزب الدعوة أيضاً، يعود إلى خلاف الشيخ علي الكوراني الشديد مع حزب الدعوة بعد تنحيته من القيادة وإبعاده عن الحزب نهائياً في العام 1981، في أعقاب تسلّم ما عُرف بخط الفقهاء لقيادة الحزب، في أعقاب عزل خط الشهيد السبيتي عن الحزب، بينما ظل الشيخ الكوراني يقاتل في الأعوام 1979 وحتى 1981 للإبقاء على فكر السبيتي وخطه داخل الدعوة؛ كونه التلميذ المقرب للشهيد السبيتي، والملتزم بتعليماته التنظيمية وتوجيهاته الفكرية حرفياً في مقابل ما عُرف آنذاك بخط الفقهاء في الدعوة، الذي يتصدره السيد كاظم الحائري والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري والسيد مرتضى العسكري وغيرهم، وهو الخط الذي أعاد كتابة فكر الدعوة، وأعاد الحزب إلى الفقه المذهبي، وجهر بانتماء الدعوة لمذهب آل البيت، وثبّت مبدأ ولاية الفقيه وقيادة المرجعية في نظريته، وهي مبادئ كان يرفضها خط الشهيد السبيتي منذ العام 1963، والذي كان الشيخ الكوراني رمزه والمقاتل من أجله خلال أزمة الخلاف بين الخطين.
وكثير من المعاصرين يعرفون جذور هذا الخلاف، والتي تعود الى العام 1963، وخاصة ما حصل بهذا الخصوص فيما بين الشهيد السبيتي ممثلاً القيادة في بغداد، والمرحوم الشيخ عبد الهادي الفضلي ممثلاً قيادة تنظيم الدعوة في النجف الأشرف. وبالتالي؛ فإنّ حديث الشيخ الكوراني عن تأثر السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة بالإخوان المسلمين، إن وُجد فعلاً، فإنّما يقصد به تأثر فكر المجموعة القيادية التي كان هو جزءاً منها، والذي كان يروّج له ويعدّه فكراً مقدساً وغير قابل للتعديل والنسخ، وذلك بالتزامن مع حملة استبعاد هذا الفكر كلياً بعد العام 1980، ولذلك؛ يعدّ الشيخ الكوراني عملية استبعاد هذا الفكر، واستبعاده هو شخصياً من الحزب، انقلاباً على الحزب وفكره وقيادته التاريخية. وهو بالفعل انقلاب فكري وتنظيمي؛ لأنّ الفقه السياسي الذي أنتجه الحزب بعد العام 1980، نسخ فكر ما قبل العام 1980، وهو الفكر الذي يعدّه الشيخ الكوراني فكراً متأثراً بجماعة الإخوان، والذي يتبنّاه هو وينتمي إليه، وكان يدافع عنه باستماتة.
والمفارقة المتصلة بهذا الموضوع؛ أنّ الشيخ الكوراني يرى أنّ الفكر الذي أنتجته الدعوة قبل العام 1980 هو فكر أصيل ويعبر عن نظرية الدعوة، وأنّ الفكر الذي أنتجته بعد العام 1980 لا يعبر عن أصالة الدعوة، ولا قيمة له، والحال أنّ فكر ما بعد العام 1980 يتبنى كل تفاصيل فقه مدرسة أهل البيت، بينما كان فكر ما قبل العام 1980 متأثراً بفكر الإخوان وبفكر الخلافة، كما يقول الشيخ الكوراني؛ فكيف تستقيم هنا إشكالاته؟!
وفي النتيجة؛ فإن رؤية الشيخ الكوراني شخصانية ثأرية لا علاقة لها بالحقيقة. ولديّ في أرشيفي حوارات خاصة مع السيد كاظم الحائري والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري والسيد حسن شبر والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ عبد الهادي الفضلي وآخرين، أحجم عن نشرها، مراعاة للمصلحة العامة.
أمّا يقوله السيد طالب الرفاعي (أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية) بهذا الخصوص؛ فإنّه يذكر بأنّه والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الصدر كانوا خلال مراحل تأسيس حزب الدعوة يطّلعون على أفكار جميع الأحزاب وأنظمتها الداخلية، بما فيهم جماعة الإخوان وحزب التحرير والحزب الشيوعي وحزب الاستقلال، دون أن يعني ذلك حالة من التأثر الفكري إطلاقاً، ويقصد بذلك أنّهم كانوا منفتحين وليسوا طائفيين، وأنّ المرجع السيد محسن الحكيم كان يتعاطف مع قضايا المسلمين المظلومين من أتباع المذاهب الأُخر، سواء في فلسطين أو الجزائر أو مصر، وهو ما دفعه لاستنكار إصدار حكومة جمال عبد الناصر في مصر حكم الإعدام على سيد قطب أحد مفكري جماعة الإخوان.
(للموضوع تتمة)
https://telegram.me/buratha