خالد غانم الطائي ||
الصلاة هي صلة روحية بين العبد وبين خالقه ـ تبارك وتعالى ـ وليست مجرد حركات رياضية مقترنة بألفاظ معينة وكما جاء في حديث رسول الله الانور الاكمل الاشرف الاقدس صلى الله عليه واله وسلم (الصلاة عمود الدين ان قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدت رُد ما سواها) وقد حكى لنا البارىء ـ سبحانه ـ عن لسان عيسى بن مريم (على نبينا واله وعليهما الصلاة والسلام) في قرآنه المجيد (..واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمتُ حياً...) سورة مريم الآية 31.
وايضاً فقد ذكر لنا القرآن الكريم بعض أوصاف المؤمنين وأولها (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) سورة المؤمنون الآيتان 1 و2 ومعنى الخشوع هو الخوف والخضوع والانكسار القلبي(1) والاستكانة والتذلل الذي يستشعرهُ المُصلي عندما يقف بين يدي الله ـ عزَّ وجلَّ ـ ليؤدي ما فرضهُ عليه بتوجه كامل لأنوار الحضرة والقُدس الالهي وملكوت الرحمة والمغفرة وقد دعاهُ الله إلى موعده والله حاضر شاهد سميع مجُيب اقرب إليه من حبل الوريد.
* حالنا مع الصلاة
وبعض الناس مَنْ يقف مُصلياً بجسمه لا بجوارحه ولا بروحه وبذلك تُفرغ الصلاة من محتواها الروحي وتتحوَّل إلى طقوس جامدة وحركات بلا معنى أو هدف وهم بذلك يحرمون انفسهم من نعمة الاتيان بها على الوجه المطلوب وصولاً إلى نيل المقاصد العُليا والارتفاع إلى اسمى المراتب.
* موانع الخشوع
من الموانع والعوائق التي تقف حائلاً ومانعاً عن الاحساس بالخشوع والذوبان الروحي في الصلاة هي الغرق في عالم الماديات والغفلة والتغافل عن التذكّر بين يديَّ الله ـ تبارك اسمه ـ وبالتالي يُلقي بضلاله سلباً على تحصيل الاستعداد والتهيؤ لـ (لقاء) رب الارباب جبار السموات والارض.
وقد قال احد العارفين: واذا نبتت في قلب المرء المصلي شجرة الامل وحُب زخرف الدنيا الدنيه وبقيت قائمةً سيكون القلب بمثابة طائر متنقل على اغصانها في طيرانه فلابد للعاقل المتعقل ترك هذه الشجرة بالرياضة الروحية والمجاهدة والتفكُّر بتبعات ومثالب وعواقب ذلك بعدها سيصبح القلب ساكناً ومطمئناً وسيحصل للعبد حضور القلب وزيادة على ذلك ضرورة تصور ان النفس كالطفل يتعيَّن ويتحتم تلقينها الذكر وادخال الكلام إلى ذهنه وتلقينه حتى تكون لهُ القدرة على لفظه والنطق به،
والقلب كذلك يحتاج وبالمداومة والاستمرارية والاشتغال بتعليم قلبه فالظاهر يمد الباطن وهكذا ينفتح القلب وينطلق كـ (لسان الطفل) وبالتالي يتحقق الاتحاد بين باطن المرء وظاهره ويظهر النشاط والبهجة في الأنسان وبالمواظبة والحرص على ذلك والابتعاد عن جميع الامور والمسائل التي تشتت الحواس في الصلاة والأذكار والادعية سيتحوَّل ذلك إلى عادة وملكة في النفس وكما يقول الشاعر:
والنفس كالطفل إن تتركهُ شب على
حُب الرضاع وإن تفطمهُ ينفطمِ
* كيف يحضر القلب؟
والاصل في حضور القلب في الاعمال هو تعظيم القلب لذلك العمل وعدَّهُ مهماً فلو ابدى واعطى المُصلي مناجاته للحق سبحانه قدراً وأهميةً ومكانةً بما يوازي حديثه ومكالمته ونجواه لاحد المخلوقين لما وصل إلى هذا المقدار من الغفلة والسهو والنسيان.
وعندما نقرأ قوله تعالى (وما تلك بيمنك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها واهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى) سورة طه الآيتان 17 و18 فإن الله لمَّا سأل موسى (على نبينا واله وعليه الصلاة والسلام) عن العصا فهذا السؤال لا يستلزم جهلاً أو نقصاً في علم الله ـ تعالى ـ إذ ان المقصود من السؤال هو تعظيم شأن وامر العصا وعندما أجاب موسى بقوله (قال هي عصاي) لم يتوقف بل استمر في حديثه (..أتوكأ عليها....) لأنه احسن بلذيذ المناجاة مع الله ـ عزَّ وجلَّل ـ واراد ان ينهل اكثر فأكثر من تلك اللذة الروحية.
* المؤثرات الداخلية على المُصلي
ومنها الوساوس الشيطانية اذ تقوم النفس والشيطان الرجيم بتحريك الأماني الكاذبة والأمنيات المتلاشية والوعود الزائفة والتعلُّق الشديد والأعمى بحطام الدنيا الزائف وتذكَّر المواقف الحزينة مثل وفاة شخص عزيز والقضايا المؤسفة التي مرت عليه مثل فساد زرع أو خسارة تجارة أو فشل في الدراسة أو وقوع طلاق بين زوجين فيُصيب المُصلي الحزن والاشتغال فيتوَّلد بذلك حاجزاً يمنعهُ من الوصول إلى مرتبة الخشوع وكما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه واله وسلم (الصلاة معراج المؤمن) فلا يتحقق العروج والتسامي الروحي في حضرة القُدس الالهي فيتذكَّر المصلي أحياناً معاملاته التجارية في السوق من بيع وشراء ودفع واستلام الاموال وحساب الديون والتكاليف والأرباح والتوسع في التجارة وتطوير عمله والماهية والسبيل والطرائق والمُقدمات لذلك...
هذا كله وربما أكثر يأتي ويدخل في ذهن المُصلي سريعاً لأنه فتح الباب على مصراعيه لحديث النفس والشيطان، فلابد من تهيئة الذات والتحصن والاستعاذة من الوساوس قبل الولوج في الصلاة ومن جملة المسائل المُلهية عن الصلاة الاشتعال والتفكير الدائم بـ بناء دار وترتيب المُقدمات كـ تحضير مواد البناء والمداومة والمباشرة به والبحث عن سيارة ذات مواصفات مُعينة لشرائها وكذا الاشتغال والتفكير بالماديات والانغماس فيها كما لو سقط انسان في مستنقع ويالهُ من مستنقع اذ سيبتلعهُ ويختفي فيه، اذن لابد من الحذر الشديد من السقوط في مستنقع الماديات فالجانب المادي يتناسب عكسياً مع الجانب الروحي فكلما رجحت كفة الاهتمام بالماديات وثقلت.. خفت (أو انعدمت) كفة الروحانيات.
والصحيح ان الماديات وسيلة وليست غاية، فالغاية من خلق الأنسان كما اخبرنا القرآن الكريم بقوله (..وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) سورة الذاريات الآية 56.
* مؤثرات خارجية أيضاً
وهنالك أيضاً مؤثرات خارجية تنعكس تبعاتها على المُصلي منها الضوضاء والجلبة والاصوات العالية وحديث بعض الافراد والناس سواء أكان ذلك في البيت اذا كان مكتظاً بأهله أو بضيوف أو من خلال تشغيل جهاز التلفاز أو المذياع أو اجهزة تسجيل صوتية أو حصول مشاجرة في البيت أو عند الجيران ووصلت اصوات المتشاجرين إلى مسامع المُصلي أو سماع اصوات عيارات نارية وامثال ذلك..
أيضاً فأن الالوان والرسوم والزخارف والنقوش التي قد يقع نظر المصلي عليها ربما تقوده للاشتغال بها سواء أكانت على الجدار أو الفراش أو سجادة الصلاة.
* ما الصلاة؟
الصلاة هي مزيج من الدعاء والتضرع والابتهال والتذلل والخشوع والخضوع في حال القيام والركوع والسجود ويجب على المرء (المُصلي) أن يؤديها بشرائطها الظاهرية والباطنية وان يسعى لتذوَّق حلاوة الذكر الذي يُدرك ولا يوصف ـ كما يُقال ـ وعليه استحضار اهوال يوم القيامة واستحضار واستشعار معاني ما يلفظهُ في الصلاة وكذلك يضمر في نفسه انه يُصلي صلاة مودع للدنيا.
وقد ورد عن رسول الله الاعظم الاكرم الانور الأقدس محمد صلى الله عليه واله وسلم (المصلي يناجي ربُه) ومن الواضح ان الكلام مع الغفلة لا يُعد مناجاة وعندما يوطن المرء المُصلي نفسه ويقصد احضار قلبُه في الصلاة فأن الله تعالى سيعينهُ ويوفقه بحيث يزداد حضور قلبه في الصلاة القادمة وكما جاء في الحديث القُدسي عن الله ـ تعالى ذكره ـ (مَنْ تقرَّب اليَّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً) والقرب المقصود في الحديث هو قرب معنوي روحي.
وعلى المُصلي اداء الصلاة في اوقاتها التي حُددت من قبل الشرع المُقدس من دون مماطلة أو تأخير أو تسويف (أي يقول العبد سوف افعل) قال تعالى (اقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر...) سورة الاسراء الآية 78 وقوله تبارك اسمه ـ (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) سورة النساء الآية 103 وقوله عز من قائل (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) سورة الماعون الآية 5 وعلى العبد ان تتعلق يداه بحبل الرجاء في كون صلاته مقبولة عند الله سبحانه وعلامة قبولها ان تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر...
وختامهُ مسك (ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) سورة العنكبوت الآية 45.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تُطلق كلمة القلب على ذلك العضو الكمثري الشكل الواقع إلى يسار صدر الانسان وبواسطة حركاته وضرباته يتدفق الدم من الي يولده الكبد ويصفيه جهاز التنفس ويتصاعد منه بخار لطيف فيجري إلى الدماغ وجميع اعضاء الجسم وبواسطته يتم الحس والحركة في البدن ويسميه الحكماء بالروح الحيوانية.
والثاني: عبارة عن ذلك المخلوق الابداعي والنفحة الربانية التي ليست من سنخ موجودات هذا العالم.. بل عالم الامر المُجرَّد عن المادة والمُتعلَّق بهذا البدن.
https://telegram.me/buratha