علي المؤمن ||
فهم مصادر الدين وما ينتج عنها من عقيدة وأحكام، لايتم وفق المزاج والميول والرغبات ونمط الحياة، بل من خلال التخصص في معرفة مراد النص ودلالته، وفق قواعد منهجية علمية، تسمى العلوم الإسلامية.
مصدر الإسلام الأساس ومنزِّله هو الله (تعالى)، وفهم الإسلام محصور بقصد الله فقط، وهو المعيار حصراً، ولا مدخلية لقصد الإنسان وأهدافه وتمنياته وميوله استحساناته في ذلك. وينتج عن هذه الحقيقة أن معرفة قصد الله وقراءة شريعته، تحتاجان الى تخصص عميق في فهم قصد الشارع و نصه المقدس والصحيح من سنة نبيه وأهل بيته.
وتزداد أهمية التخصص كلما تراكمت المعرفة الدينية وازدادت الحاجة الى علوم وأدوات جديدة في الفهم الديني، وهو ما يتناسب طردياً مع الابتعاد عن عصر النص. وكما لايجوز الاستهانة بأي تخصص علمي إنساني، فلا يجوز الاستهانة بعلوم فهم الدين، فيأتي أي شخص؛ أيا كان عمله وتخصصه المعرفي ومستواه التعليمي، ويفسر القرآن والحديث، ويلغي وينفي ويثبت وينسخ مايعجبه من الآيات والأحاديث، ثم يغير الأحكام، ويجتهد، ويقدم نظريات وطروحات، دون أن يكون متخصصاً.
صحيح أن هناك قراءات وتفسيرات واجتهادات وأفهام بشرية، وهو حق كفله الله للانسان، ليجتهد ويؤول ويفسر؛ لكنها قراءات المتخصصين حصراً، لأن قراءة الدين (نصوصه وأدوات قراءاتها) عمل تخصصي عميق، ولا يمكن أن يخرج عن المنهج الديني ومقصد الدين وفلسفته الإلهية.
والاختلاف في الاجتهادات والقراءات بين المتخصصين لايعد مثلبة في الدين أو المتدينين، بل هو أمر طبيعي، خاصة مع عدم وجود النص في الواقعة و الموضوع، وهو كأي إختلاف بين المتخصصين في العلوم والمعارف الأخرى. فضلاً عن أن اختلاف القراءات بين المتخصصين لا يصل الى كليات العقيدة والشريعة وأحكامها العامة، بل في الموضوعات التفصيلية. وهذه القراءة تعبر عن بذل الفقيه أو المتكلم جهده ووسعه للتوصل الى قصد الشارع أو ما يعرف بالحكم الظاهري. ولا يعني ذلك القطع أو الجزم بالتوصل إليه، لا سيما مع عدم وجود نص، لكنه في الحد الأدنى يمثل مقاربة تخصصية عميقة، وليست عشوائية أو ارتجالية أو مزاجية. أما القطع أو الحكم الحقيقي فلا يتوافران إلّا للمعصوم.
و حيال هذا الجهد العميق الذي يبذله المتخصص، يهدف الى براءة الذمة الشرعية، يمكن تفسير المأثور: (( إن الفقيه إذا أخطأ كان له حسنة، وإذا أصاب فله عشر))، أي أن الخطأ والصواب مقيدان بالفقاهة والإجتهاد، أي القدرة على استنباط حكم الشرع من مصادره وعبر أدواته التخصصية، وليس الباب الفتيا أو البت في المسائل العقدية والفقهية مفتوحاً دون ضوابط، وهو ما أكد عليه المأثور: ((من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه)).
و لذلك؛ لاخيار إلّا بالأخذ بالقطع النسبي الذي ينتجه المتخصص ( عالم الكلام والفقيه). وهذا اللون من القطع يتوافر عند المتخصص حصراً، لأنه بذل الوسع والجهد عبر استخدام أدوات التخصص المنتزعة من جنس الموضوع، للتوصل الى قصد الشارع والحكم الحقيقي، سواء في الموضوعات العقدية أو الفقهية، فكان فهمه مبرءاً لذمته وذمة الملكف الذي يرجع إليه.
ـــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha