د.أمل الأسدي ||
كثيرا ما نسمع ونری من يتبنی النظرية النسوية الغربية بكل تحولاتها أو بعضها، وهو يحاول أن يجعل الإسلام سبب تخلف المرأة وسبب تراجعها، وأنها بمجرد التحرر من قيود الدين، ستصبح حرة، وتعود ملكية جسدها إليها، وهي بذلك لن تتساوی مع الرجل وحسب!! بل ستتفوق عليه وتتقدم!!
وهذه الأصوات تمارس عملية تزييف للحقائق،وفي الوقت نفسه تخدم الفكر﴿ الرأسمالي المسيطر علی العالم، فليس الإسلام من أخّر المرأة وظلمها وسلبها حقوقها، وإنما الأنظمة السياسية الفاسدة المدعومة من الدول الغربية الرأسمالية الكبری، هي من أخرت المرأة وسلبتها حقوقها ولاسيما في الوطن العربي، ولعل العراق من بين تلك البلدان التي تعرضت فيه المرأة الی السجن والتعذيب والتشريد والقتل والدفن وهي علی قيد الحياة في المقابر الجماعية، والامتهان وشتی أنواع الاعتداءات التي لا تخطر علی بال إنسان، ويكفي أن نذكر أن 3000 امرأة تم إعدامهن بعد سجنهن وتعذيبهن في سجون البعث، ناهيك عن جرائم الأنفال وحلبچة والتسفيرات(٥) ثم لا ننسی الحروب التي تشنها هذه الماكنة الرأسمالية والحصار الذي تفرضه علی البلدان والذي نال كثيرا من المرأة ووجودها وكيانيتها!!
وهكذا في شتی بلداننا العربية يتم دعم الأنظمة الفاسدة الظالمة من أجل مصالح هذه البلدان، وإذا تعارضت مع مصالحها يتم تغيير الأنظمة بشكل فوضوي تبقی آثاره كلعنة تصيب المجتمع برمته ولاسيما المرأة، وقد تعرضت المرأة العراقية إلی أقسی أنماط الظلم والجور والاعتداء علی يد تنظيم القاعدة وتنظيم داعش الإرهابي، فهناك 500 امرأة شيعية قد تم الاعتداء عليهن وحرقهن،وهناك نساء أيزيديات تعرضن للسبي والبيع في أسواق النخاسة، وهناك نساء تعرضن لشتی أنواع التعذيب والترهيب والسجن و العضاضة الحديدية...الخ من صور معاناة المرأة التي صنعتها دول الاستكبار البراغماتية وسلطتها علی الشعوب، ونلاحظ ما يحدث الآن في افغانستان وكيف تخلت أمريكا عنها معرضة الشعب عموما والمرأة خصوصا للتعذيب والاضطهاد والتهميش!
إذن، ليس الإسلام من ظلم المرأة وتسبب في تخلفها، فالإسلام قد سعی لتمكين المرأة وإنصافها وإحقاق حقوقها وعلی الأصعدة كافة، حتی علی صعيد الحكم والقيادة واتخاذ القرار، ولا يمكن التأسيس لنظرية نسوية عربية وإسلامية بعيدا عن القرآن الكريم، فهو الدستور الوحيد الذي وفر نظريةً آمنةً لحقوق المرأة إذا ما تم تطبيقها كما فعل رسول الله (صلی الله عليه وآله) فنجد القرآن قد قدم لنا أنموذجا ناجحا في القيادة والتمكين متجسدا في شخصية السيدة "بلقيس" حاكمة سبأ وكيف تمكنت من اتخاذ قرار حكيم بعد مشاورة قومها، هذا القرار أدی إلی تغيير مسار أمتها من حال الی حال،كما في قوله تعالی:(﴿قَالَتۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَؤُا۟ إِنِّیۤ أُلۡقِیَ إِلَیَّ كِتَـٰبࣱ كَرِیمٌ۞ إِنَّهُۥ مِن سُلَیۡمَـٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ ۞أَلَّا تَعۡلُوا۟ عَلَیَّ وَأۡتُونِی مُسۡلِمِینَ۞ قَالَتۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَؤُا۟ أَفۡتُونِی فِیۤ أَمۡرِی مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ۞قَالُوا۟ نَحۡنُ أُو۟لُوا۟ قُوَّةࣲ وَأُو۟لُوا۟ بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ وَٱلۡأَمۡرُ إِلَیۡكِ فَٱنظُرِی مَاذَا تَأۡمُرِینَ))(٦) ثم اُختتم المشهد بتوافق مع النبي (سليمان) وبقرار اتخذته(بلقيس) كما في قوله تعالی:((...قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))(٧) وعلی الرغم من الاستقرار النظري الذي يقدمه الإسلام للمرأة، إلا أن الماكنة الغربية تحاول علی الدوام تحميله كل الأخطاء السياسية التي قامت بها الأنظمة السياسية السلطوية ولاسيما حروب الفتوح وملك اليمين،محاولةً بذلك ـ هي ومن اتبعها ـ عدم تسليط الضوء علی تعامل الإمام المعصوم مع هذه الظاهرة،وكيف سعی دوما إلی تذويب هذه العنصرية بالزواج الرسمي ـ إن صح التعبير- من الإماء وعتقهن والحفاظ علی كرامتهن وصونهن!!
وهذه النظرية النسوية الغربية التي تتشبث بالماضي ومؤاخذاته وتبني علی ظواهر صنعتها السياسة السلطوية، و صنعها الحكام المستبدون، ظواهر اضمحلت وانتهت، وتتجاهل في الوقت نفسه ما أحدثته الدول الرأسمالية العظمی بالشعوب، جراء الحروب والاستعباد والفقر، فيتركون العمالة واستخدام النساء وبيعهن من قبل الشركات الكبری، ويسلطون الضوء علی الجواري قبل قرن ونصف القرن!!!
يتحدثون عن الزواج وطبيعة المرأة البيولوجية، ويغضون النظر عما فعلته هذه الأنظمة الرأسمالية التي تبنت قضية حرية المرأة في امتلاكها لجسدها، ودعت إلی تفعيل الثورة التكنولوجية من أجل تحرير المرأة من الزواج والحمل والإنجاب وتحمل المشاق، ومن ثم استغلتها من أجل مصالحها ومنافعها،وسخرتها لتعمل لها ليل نهار، في كبری الشركات، في الإعلانات والأفلام
· الإباحية والأزياء والعمالةوغيرها!!
هذه النظرية النسوية الغربية ومن يتبناها، يتحدث عن تهميش المرأة واضطهادها مع أنهم يمارسون أبشع أنواع الاضطهاد بحقها، فقد تُمنع من وضع الحجاب علی رأسها، وتمنع من الجلوس علی الشاطئ من دون تعرية!! وتُمنع من التمكين الاجتماعي إذا لم تتوافق مع متبنياتهم!!
وهذه النظرية تحاول الآن فرض رؤاها وأفكارها بطرق ملتويةعلی البلدان العربية والإسلامية، فبحجة إنقاذ المرأة من مشاق الحمل والإنجاب والعناية بالأسرة، تحاول فرض المثلية الجنسية ونشرها،علی الرغم من معرفتها بأن هذه الدول ترفض هذا الأمر وتستهجنه فضلا عن أنه أمر محرم!!
ـ وهذه النظرية النسوية الغربية ومن يتبناها يغض النظر عن التمييز العنصري الذي يعاني منه أصحاب البشرة السمراء في أوربا وأمريكا الی الآن!!
يغضون نظرهم عن كل ذلك،عن كل تلك المآسي، ويزعمون أن الإسلام هو من ظلم المرأة وجعلها متخلفة!!
بعد هذا ياسادة، نحن بأمس الحاجة إلی نظرية نسوية عربية وإسلامية، تحافظ علی هوية المرأة من جهة، وتسعی إلی تمكينها تمكينا حقيقيا، لاتمكينا فاسدا ولا تمكينا مزيفا!! وهذا ما عملنا عليه في هذا الكتاب، وفي هذا المبحث، كي نرد علی من يتبنی النظرية الغربية ويسعی إلی تصديرها مستنسخةً إلی مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ونرد أيضا علی من يقول: إن المرأة المسلمة لاتحتاج إلی تمكين، فهي ممكَّنة بالأصل!! أو من يقول : إن الحديث عن الإسلام وتمكين المرأة، يعني الإقرار بأن الإسلام لم يمكِّن المرأة؛لذا رددنا علی كل ذلك، وأكدنا علی ضرورة وجود نظرية نسويةعربية وإسلامية قابلة للتطبيق، هدفها الإصلاح الاجتماعي المتعلق بواقع المرأة العربية والمسلمة،المنطلق من النصوص الثابتة، والقيم الجمالية والأخلاقية الثابتة، وترجمة ما نطرحه إلی مواد قانونية دستورية مُقرّة معمول بها،
، بعيدا عن التسويق السياسي الذي وقعت به النظرية النسوية الغربية، فحولت المرأة إلی سلعةٍ رخيصةٍ بيد الأنظمة السياسية الغربية الرأسمالية أو الاشتراكية المادية المطلقة أو ما يتداخل بينهما، فمن أراد التمكين الحقيقي،عليه أن يتحرر من العبودية السياسية ويتجه نحو الحرية التي تنظمها القوانيين المستقاة من القرآن الكريم،التي لا تتعارض مع الواقع الاجتماعي والثقافي العربي والإسلامي، ولا تتعارض مع الهوية الإسلامية ولاتسعی الی تمييعها!
وأری أن أهم صور التمكين النسوي التي ينبغي تبنيها هو التمكين الاقتصادي، فمتی ما تحقق الاستقرار الاقتصادي أو المادي المالي للمرأة من قبل الدولة ومؤسساتها ومشاريعها وقوانينها،يتم حينها إغلاق أبواب اضطهاد المرأة وتبعيتها للرجل، وقبولها بواقع مجحف،فجل الأسباب التي تدفعها للإنحراف وبيع جسدها بثمن بخس تكمن في الجانب الاقتصادي الذي تعاني منه المرأة العربية والمسلمة؛ لذا لاجدوی من المحاضرات الندوات التي تبقی كلمات عاجزة، غير قادرة علی مغادرة حيز الورق والنزول إلی الواقع.
⭕ ملحوظة: هذه المادة جزء من كتابي الجديد عن تمكين المرأة" الإسلام والمرأة، كيانٌ وتمكين"
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha