دراسات

الأسئلة والأجوبة القرآنية /١١...


د.مسعود ناجي إدريس ||

 

سؤال:في الآية  172 سورة الاعراف  (اخذ  الله العهد من بني ادم ) ممن اخذ العهد ؟ وكيف كان العهد ؟

جواب:إنّ للمفسّرين ـ في هذه الآية ـ آراء متعدّدة تعويلاً منهم على الروايات الواردة عن النبيّ صلى الله عليه واله وأهل بيته عليهم السلام ، ومن أهمّ هذه الآراء رأيان.

1 ـ حين خلق آدم عليه ‌السلام ظهر أبناؤه على صورة الذرّ إلى آخر نسل له من البشر ، وطبقاً لبعض الروايات ظهر هذا الذرّ أو الذرّات من طينة آدم نفسه ، وكان لهذا الذرّ عقل وشعور كاف للاستماع والخطاب والجواب ، فخاطب الله تعالى الذرّ قائلاً : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ )؟! فأجاب الذرّ جميعاً : ( بَلَى شَهِدْنَا ).

ثمّ عاد هذا الذرّ أو هذه الذرّات جميعاً إلى صلب آدم أو إلى طينته ، ومن هنا فقد سمّي بهذا العالم بعالم الذرّ ، وهذا العهد بعهد ( أَلَسْتَ )؟ فبناء على ذلك ، فإنّ هذا العهد المشار إليه آنفاً هو عهد تشريعي ، ويقوم على أساس الوعي الذاتي بين الله والناس.

2 ـ إنّ المراد من هذا العالم وهذا العهد هو عالم الاستعداد والكفاءات ، وعهد الفطرة والتكوين والخلق ، فعند خروج أبناء آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام الأُمّهات ، وهم نطف لا تعدو الذرّات الصغار ، وهبهم الله الاستعداد لتقبّل الحقيقة التوحيدية ، وأودع ذلك السرّ الإلهي في ذاتهم وفطرتهم بصورة إحساس داخلي ، كما أودعه في عقولهم وأفكارهم بشكل حقيقة واعية بنفسها.

فبناء على هذا ، فإنّ جميع أبناء البشر يحملون روح التوحيد ، وما أخذه الله من عهد منهم أو سؤاله إيّاهم : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ )؟ كان بلسان التكوين والخلق ، وما أجابوه كان باللسان ذاته!

ومثل هذه التعابير غير قليلة في أحاديثنا اليومية ، إذ نقول مثلاً : لون الوجه يخبر عن سرّه الباطني { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ } [الفتح: 29] ، أو نقول : إنّ عيني فلان المجهدتين تنبئان أنّه لم ينم الليلة الماضية.

وقد روي عن بعض أدباء العرب وخطبائهم أنّه قال في بعض كلامه : سل الأرض من شقّ أنهارك وغرس أشجارك وأينع ثمارك؟ فإن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً! كما ورد في القرآن الكريم التعبير على لسان الحال ، إذ جاء فيها : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [فصلت: 11] .

هذا باختصار هو خلاصة الرأيين أو النظرتين المعروفتين في تفسير الآية آنفة الذكر ، إلاّ أنّ التفسير الأوّل فيه بعض الإشكالات ، ونعرضها في ما يلي :

1 ـ ورد التعبير في نصّ الآية المتقدّمة عن خروج الذرّية من بني آدم من ظهورهم ، إذ قال تعالى : ( مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، مع أنّ التفسير الأوّل يتكلّم عن آدم نفسه أو عن طينة آدم.

2 ـ إذا كان هذا العهد قد أخذ عن وعي ذاتي وعن عقل وشعور ، فكيف نسيه الجميع؟! ولا يتذّكر أحد مع أنّ الفاصلة الزمانية بين زماننا ليست بأبعد مدى من الفاصلة بين هذا العالم والعالم الآخر أو القيامة؟ ونحن نقرأ في آيات عديدة من القرآن الكريم أنّ الناس سواء كانوا من أهل الجنّة أو من أهل النار لا ينسون أعمالهم الدنيوية في يوم القيامة ، ويتذكّرون ما اكتسبوه بصورة جيّدة ، فلا يمكن أن يوجّه هذا النسيان العمومي في شأن عالم الذرّ أبداً ولا مجال لتأويله!

3 ـ أيّ هدف كان من وراء مثل هذا العهد؟! فإذا كان الهدف أن يسير المعاهدون في طريق الحقّ عند تذكّرهم مثل هذا العهد ، وألا يسلكوا إلاّ طريق معرفة الله تعالى ، فينبغي القول بأنّ مثل هذا الهدف لا يتحقّق أبداً وبأيّ وجه كان ، لأنّ الجميع نسوه!! وبدون هذا الهدف يعدّ هذا العهد لغواً ولا فائدة فيه.

4 ـ إنّ الاعتقاد بمثل هذا العالم يستلزم ـ في الواقع ـ القبول بنوع من التناسخ ، لأنّه ينبغي ـ طبقاً لهذا التفسير ـ أن تكون روح الإنسان قد خلقت في هذا العالم قبل ولادته الفعلية ، وبعد فترة طويلة أو قصيرة جاء إلى هذا العالم ثانية ، وعلى هذا فسوف تحوم حوله كثيراً من الإشكالات في شأن التناسخ! غير أنّنا إذا أخذنا بالتفسير الثاني ، فلا يرد عليه أيّ إشكال ممّا سبق ، لأنّ السؤال والجواب ، أو العهد المذكور عهد فطري ، وما يزال كُلّ منّا يحسّ بآثاره في أعماق روحه ، وكما يعبّر عنه علماء النفس بالشعور الديني ، الذي هو من الإحساسات الأصيلة في العقل الباطني للإنسان.

وهذا الإحساس يقود الإنسان على امتداد التأريخ البشري إلى طريق معرفة الله تعالى ، ومع وجود هذا الإحساس أو الفطرة لا يمكن التذرّع بأنّ آباءنا كانوا عبدة للأصنام ونحن على آثارهم مقتدون!!

والإشكال الوحيد الذي يرد على التفسير الثاني هو أنّ هذا السؤال والجواب يتخذ شكلاً كنائياً ، ويتّسم بلغة الحوار ، إلاّ أنّه مع الالتفات إلى ما بيّناه آنفاً بأنّ مثل هذه التعابير كثير في لغة العرب وجميع اللغات ، فلا يبقي أيّ إشكال في هذا المجال.

ويبدو أنّ هذا التفسير أقرب من سواه!

 

ــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك