د.علي المؤمن ||
لايوجد مجتمع شيعي في العالم يتعرض للتآمر والتهديد والخطر كما يتعرض له المجتمع الشيعي العراقي، لا اللبناني ولا الأفغانستاني ولا الباكستاني ولا الآذربيجاني ولا اليمني ولا الإيراني، ولا حتى في الدول التي يتعرض فيها الشيعة للقمع، كالبحرين والسعودية؛ فالشعبوية التضليلية باتت تنجح في استهداف أسس النظام الديني الاجتماعي الشيعي العراقي بوتيرة تصاعدية، أكثر من نجاحها في شيطنة ايران والحركات الإسلامية في العراق ولبنان وغيرها، لأن أغلب عناصر هذه الشعبوية التضليلية هم شيعة ومن داخل المجتمع الشيعي، ويستخدمون خطاباً نفاقياً تزييفياً، ويتمتعون بدعم داخلي وخارجي طائفي وغربي هائل، مالي وإعلامي وسياسي.
أما سبب الدعم الخارجي والداخلي المفتوح للشعبوية التضليلية التي تستهدف الاجتماع الشيعي العراقي أكثر من غيره؛ فلأن الخصوم يدركون بأن شيعة العراق هم الأكثرية الشيعية العربية الوحيدة في المحيط العربي السني، وهم الأكثر نشاطاً وفاعلية وتأثيراً في هذا المحيط، وهم مثقفون ينافحون عن المذهب وحقوق أبنائه بقوة ووعي وإصرار، وكما قال شيخ وهابي سعودي (( الشيعي العراقي هو حجر العثرة الأساسية أمامنا، لأنه عربي، يتكلم العربية، ثقافته عربية، ويستطيع التواصل بسهولة مع العرب والتأثير فيهم، مثقف بمذهبه، يقاتل بشراسه وإصرار عن انتمائه، يتطلع للدفاع عن عقيدته في خارج حدوده، ولولاه لما امتلأت المكتبة العربية بالكتب الشيعية، ولما انتشر التشيع في البلدان العربية)). وهذا يعني أن من الطبيعي أن يتركز الجهد الغربي، وكذا الطائفي الداخلي والخارجي، بأمواله ومخابراته وفضائياته ووسائل تواصله الاجتماعي، على محاولات كسر الشيعي العراقي أو تدجينه أو تحويله الى خصم لمجتمعه، وصولاً الى تدمير الهوية الشيعية العراقية، وتمزيق الاجتماع الشيعي العراقي من داخله.
وقد باتت أضاليل الشعبوية الداخلية المدعومة خارجياً تعشش في جزء مهم من العقل الباطن الشيعي العراقي؛ حتى اقتنع هذا الجزء المستغفل بأن الشيعة وجماعاتهم هم سبب الفتنة الطائفية في العراق، وأن من يدافع عن حقوق المكون الأكبر ومطالب أبنائه المعيشية والاقتصادية والسياسية والقانونية هو طائفي ولايمتلك هوية وطنية، وأن من يطالب بالاستقرار الأمني والمجتمعي في مناطق الوسط والجنوب هو مدافع عن فساد السياسيين وفشلهم، وأن الح شد الشعبي الذي دفع عن العراق خطر سلب الأرض وانتهاك الأعراض هو الخطر الذي يتهدد العراق، وأن حكم البعث أفضل من حكم الشيعة، وأن صدام أشرف من الحاكم الشيعي، وأن المرجعية مهمتها جباية الأموال وتخدير الناس واستغفالهم، وأن السعودية الوهابية دولة شقيقة تريد الخير للعراق، وأن ايران عدوة العراق وليست السعودية وأمريكا وإسرائيل، وأن الأحزاب الشيعية لوحدها هي سبب خراب العراق وليس داعش والبعث وأمريكا والسعودية والإمارات والأحزاب الكردية والجماعات السنية.
ولذلك؛ فإن مسؤولية الفرد الشيعي العراقي والمجتمع الشيعي العراقي صعبة جداً في مواجهة الشعبوية التضليلية، وإن إحساس الشيعي العراقي بعظم الخطر وضرورة مواجهته؛ يساوي الواقعية وحماية النفس والعائلة والمجتمع، وإن البحث عن الحلول يساوي الحكمة والعقلانية. وهذه المسؤولية تعاضدية شاملة، يتحملها عالم الدين والسياسي والأكاديمي والكاتب والإعلامي والخطيب والطالب والتاجر والوجيه وشيخ العشيرة، وكل طبقات المجتمع، وبخلافه سيستمر النظام الاجتماعي الديني الشيعي بالتعرض للهزات والضعف واستلاب الهوية.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha