د. علي المؤمن ||
يعتقد خصوم الشيعة بأن أقصر طريق لضرب التشيع وتدمير النظام الاجتماعي الديني الشيعي، هو طريق ضرب العقيدة المهدوية، كونها تمثل القوام التشريعي لوجود المرجعية الدينية، التي هي الزعامة الدينية الاجتماعية للشيعة وقيادة نظامهم الاجتماعي الديني، استناداً الى مبدأ نيابة الفقيه عن الإمام الغائب، وأن أسهل طريق لضرب العقيدة المهدوية هو نفي حقيقة ولادة الامام المهدي. أي أن نفي ولادة الإمام المهدي سيؤدي الى انهيار العقيدة المهدوية، لانتفاء وجود المهدي أساساً، وانهيار العقيدة الإمامية الإثني عشرية، وانهيارها يؤدي حتماً الى انهيار منظومة المرجعية الدينية الشيعية، باعتبارها تنوب عن الإمام المهدي في غيبته، وأن انهيار منظومة المرجعية، سيؤدي الى انهيار النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وأن انهيار هذا النظام يعني تشرذم الشيعة عقدياً وفقهياً واجتماعياً، وبالتالي؛ نهاية التشيع وطائفته الاجتماعية، أي الشيعة.
هذا هو السيناريو المتصوّر لدى الأذكياء من خصوم الشيعة؛ لذلك نشاهد تركيزاً خلال العقود الماضية على ضرب العقيدة المهدوية عند الشيعة، من خلال نفي وجود الإمام المهدي، وأنه لم يولد، وقد صدرت عشرات الكتب والدراسات، وأُقيمت عشرات الندوات والمؤتمرات لهذا الغرض، وأُنيط ببعض ذوي الأصول الشيعية، من علمانيين ومنحرفين، مهمة الكتابة والحديث في الموضوع، لاعتقاد خصوم الشيعة بأن ذوي الأصول الشيعية ربما يكونون أكثر تأثيراً في الرأي العام الشيعي، من الخصوم الطائفيين التقليديين.
والحقيقة أن هذا السيناريو متهافت شكلاً ومضموناً، لأن المرجعية الدينية ونيابة الفقيه عن الإمام، ليست نيابة عن شخص الإمام المهدي حصراً، بل هي نيابة عن منظومة الإمامة برمتها، فمنظومة نيابة الفقيه أو المرجعية هي امتداد لمنظومة الإمامة واستمرار لها في عصر غيبتها، وأبسط دليل على ذلك، هو أن أحاديث وراثة العلماء للأنبياء وحاكمية المحدثين والفقهاء ونيابة الفقهاء عن الإمام، سابقة لعصر الإمام المهدي، كما في روايات الرسول محمد: ((العلماء ورثة الأنبياء))، والإمام علي: ((العلماء حكام على الناس))، والإمام الصادق: ((فإني جعلته عليكم حاكماً))، والإمام العسكري: ((فعلى العوام أن يقلدونه))، حتى أن علماء الحديث يضعِّفون الحديث الصادر عن الإمام المهدي خلال غيبته الصغرى: ((فإنهم حجتي عليكم))؛ ما يعني أن ما يعتد به من الأحاديث التي تؤكد موقع الفقيه وولايته، وكونه مرجعاً دينياً وزمنياً للشيعة، لم تصدر عن الإمام المهدي، وهي سابقة عليه بفترات زمنية طويلة، وأن أحاديث الأئمة بهذا الشأن كانت عامة، ولم تخصص النيابة عن شخص الإمام المهدي.
والذي لاشك فيه ولاشبهة أن ولادة الإمام المهدي واقعة متحققة، وتؤكدها مئات الأدلة، الروائية منها والتاريخية، ومنها أدلة لقائه سفراءه الأربعة وبعض صحابة الإمام العسكري خلال غيبتة الصغرى، أي أن الجدال في ولادة الإمام المهدي ووجوده خلال غيبته الصغرى لمدة (72) عاماً، لامعنى له؛ لثبوت ذلك بالقطع واليقين، وقد كتبت في ذلك مئات الكتب. أما اختفاؤه عن أعين عامة الناس، بعد وفاة أبيه الحسن العسكري وبوصيته؛ فهو أمر طبيعي جداً، خشية قتله من السلطة العباسية التي كانت تبحث عن ولد تركه الإمام الحسن العسكري بعد وفاته، بعمر خمس سنين، وهو كاختفاء آلاف الزعماء والمجاهدين والمطارَدين سنين طويلة في السراديب أو في البراري أو في الأماكن النائية، اتقاء شر السلطة أو من يطاردونهم.
وقد يُشكل بعض الباحثين على إمكانية استمرار حياة الإمام محمد بن الحسن المهدي بعد نهاية غيبته الصغرى، أي بعد بلوغه (72) عاماً، وأنه ربما توفي بعدها، وهو أمر بايولوجي طبيعي، دون الحاجة الى كرامة وإعجاز. وبغض النظر عن تعارض هذا الإشكال مع الثابت من الأدلة الروائية؛ إلّا أنها، كغيرها من الفرضيات، ومنها فرضية عدم ولادة الإمام المهدي؛ لاتتعارض مع مبدأ نيابة الفقهاء عن الإمام أو عن منظومة الإمامة بكلمة أدق، ولاتؤثر في الأصل التشريعي للنيابة وتطبيقاتها، ولاتخل إطلاقاً في العقيدة الشيعية الإمامية الإثنى عشرية، ولا في قيادة الفقيه للشيعة ونظامهم الديني الاجتماعي.
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha