لاتزال دعوات التجديد في الفكر الإسلامي، أو الإحياء والتجديد الديني؛ تتزايد بمرور الزمن. وعلى الرغم من أن هذه الدعوات تتّفق على أصل التجديد، إلا أنها تختلف في الكثير من التفاصيل، بل لعل بعضها يختلف حتى في وعيه لمفهوم التجديد، الأمر الذي يجعل حقائق التجديد نسبية في معظم خطوطها. ولكن هناك قواسم مشتركة للنظرة إلى المفهوم، مستقاة من النصوص الإسلامية المقدسة (الأصول)؛ وهو ما يجعلها تمثّل الفهم الأكثر قرباً من حقائق التجديد في الإسلام. إن تفعيل حركة العقل، في البناء الفكري، يؤدّي إما إلى الإبداع والتجديد أو إلى إعادة الإنتاج والتقليد. ويمثّل التجديد - من جانبه - إما إنحرافاً بنسبة معينة، أو استقامة على الأصول، أي تجديداً أصيلاً. كما أن التجديد يكون حيناً بمستوى الفهم المتعارف لعصره، وحيناً آخر بمستوى يتجاوز الواقع إلى حد ما، مما يجعله بحاجة إلى جهود مضاعفة ليكون في حدود المقبولية. وليس الهدف من المقاربات هنا حول الثابت والمتغيّر ودعوات التجديد، تحديد المتغير أو المتجدد، ومفرداتهما ومصاديقهما، بل الهدف دراسة الإشكاليات التي تثار حول الموضوع؛ تمهيداً لتقديم فهم موضوعي لها. والحديث عن حقائق التجديد ودواعيه ومرجعيته ومناطاته، يتعيّن أن يسبقه بيان المراد من مفهوم التجديد. ومقدمة ذلك ترتبط بوعي هذا المفهوم أو منهج الفهم، فهو ليس وعياً مجرداً أو منفصلاً عن حقائق الدين نفسها؛ بل وعي ديني يرتبط بالأصول الشرعية الثابتة، باعتباره إطاراً لقضية دينية. التجديد الفكري في الإسلام ليس نسخاً لفكر قائم، أو تأسيساً لفكر جديد، أو إحياءً لفكر قديم، بل هو عملية تفاعل حيوي داخل منظومة عقدية فكرية فقهية قائمة، لإعادة اكتشافه وتطويره، وفقاً للفهم الزمني الذي يعي حاجات العصر، أي أنه لا ينطلق من فراغ، بل له قواعده ومنهجه ومرجعيته وثوابته. وفي النتيحة، يكون التجديد خطاباً نهضويّاً، يستهدف البنية الفكرية، لتلبي جميع حاجات الإنسان المعاصر. وبكلمة أخرى، فإن التجديد يهدف - في كل زمان - إلى صياغة المشروع الإسلامي الحضاري العصري الذي يشتمل على عملية استيعاب جميع متطلبات الحياة. أي أنه معلول الحاجات العملية، وليس حركة نظرية مجرّدة ومنفصلة عن الواقع. ولا يهدف التجديد في الفكر الإسلامي إلى الانسجام أو التوافق مع الفكر الآخر، ولا إلى درء شبهات التحجر والجمود، أو اختراع نظريات جديدة، تفصّل الشريعة على مقاس العصر؛ لكي تلاحق تطورات الزمن ولا تكون متخلّفة عنه؛ لأن الشريعة هي المقياس وليس متطلبات العصر، وهذه الأخيرة تعبّر عن طبيعة الحاجات. ويأتي دور المفكّر والفقيه خلال عملية التجديد، لإعادة الاكتشاف والاستنباط من جديد لسد تلك الحاجات. فالتضحية بالشريعة من أجل إرضاء الإنسان الجديد، أو التكيّف مع الأفكار الجديدة (وافدة أو محلية)، أو توظيف النص والتراث لخدمة الواقع. أي أن إخضاع النظرية للتطبيق، هي موازنات لا تتوافق مع ثوابت الدين وخصائص الديمومة فيه. أما صياغة الفكر الإسلامي في إطار خطاب جديد - ليكون معبّراً عن المشروع الإسلامي المعاصر - فإنه سيحول دون اضطرار الإنسان المسلم إلى التشبث بالأفكار والإيديولوجيات الوضعية التي تسعى لإعطاء تصور كوني عصري أو فهم عصري للحياة؛ متحرر من أية ضوابط إلهية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha