د.علي المؤمن ||
· مقدمة:
آل سعود يتعبدون بعقيدة أحمد بن تيمية. وقد بنى محمد بن عبد الوهاب مذهبه الوهابي على العقيدة التكفيرية الإرهابية لابن تيمية بالكامل. وهذه العقيدة هي المذهب الرسمي لدولة المملكة السعودية. لا أحد يتهمهم بذلك، بل هم يجهرون بذلك ويفخرون.
وتتوضح العقيدة الوهابية السعودية في آل بيت النبوة، ولاسيما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؛ من خلال إستعراض نصوص إبن تيمية فيه، وخاصة كتابه "منهاج السنة"، الذي يعد الدستور العقدي للدولة السعودية.
وتتضمن الدراسة التالية أهم نصوص ابن تيمية في بغض الإمام علي والحقد العجيب عليه، واتهامه بالانحراف عن الإسلام. كما تتضمن رد كبار علماء أهل السنة على ابن تيمية في هذا المجال. ولاتتضمن الدراسة أي رد أو رأي لعلماء الشيعة؛ بل اكتفت بردود علماء أهل السنة؛ ليتبين أن العقيدة الوهابية السعودية تختلف جذرياً عن عقيدة أهل السنة.
· إبن تيمية يتهم الإمام علي (ع) بالإنحراف:
ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة أن ابن تيمية خطّأ أمير المؤمنين عليًّا كرّم الله وجهه في سبعة عشر موضعًا خالف فيها نص الكتاب، وأن العلماء نسبوه إلى النفاق لقوله هذا في علي كرّم الله وجهه، ولقوله أيضًا فيه: إنه كان مخذولا، وإنه قاتل للرئاسة لا للديانة
وقد ذكر ابن تيمية ذلك في كتابه المنهاج فقال ما نصه: «وليس علينا أن نبايع عاجزًا عن العدل علينا ولا تاركًا له، فأئمة السنة يسلمون أنه ما كان القتال مأمورًا به لا واجبًا ولا مستحبًّا».
ويقول في موضع آخر ما نصه: «وإن لم يكن علي مأمورًا بقتالهم ولا كان فرضًا عليه قتالهم بمجرد امتناعهم عن طاعته مع كونهم ملتزمين شرائع الإسلام».
ويقول في نفس الكتاب بعد ذكره أن قتال علي في صفّين والجمل كان بالرأي ولم يكن علي مأمورًا بذلك ما نصه: «فلا رأي أعظم ذمًّا من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم بل نقص الخير عمّا كان وزاد الشر على ما كان».
ويقول: «وأما الإجماع فقد تخلَّف عن بيعته والقتال معه نصف الأمة أو أقل أو أكثر، والنصوص الثابتة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تقتضي أن ترك القتال كان خيرًا للطائفتين، وأن القعود عن القتال كان خيرًا من القيام فيه، وأن عليًّا مع كونه أولى بالحق من معاوية لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرًا».
ويقول: «والمقصود هنا أن ما يُعتذر به عن علي فيما أُنكر عليه يُعتذر بأقوى منه في عثمان، فإن عليًّا قاتل على الولاية وقُتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفار ولا فتح لبلادهم ولا كان المسلمون في زيادة خير».
ويقول: «ولم يكن كذلك علي فإن كثيرًا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه».
ويقول: «والذي عليه أكابر الصحابة والتابعين أن قتال الجمل وصفين لم يكن من القتال المأمور به، وأن تركه أفضل من الدخول فيه، بل عدُّوه قتال فتنة، وعلى هذا جمهور أهل الحديث وجمهور أئمة الفقهاء».
ويقول: «ولهذا كان علماء الأمصار على أن القتال كان قتال فتنة، وكان من قعد عنه أفضل ممن قاتل فيه، وهذا مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة والأوزاعي بل والثوري ومن لا يحصى عدده».
ويقول: «وخلافة علي اختلف فيها أهل القبلة، ولم يكن فيها زيادة قوة للمسلمين ولا قهر ونقص للكافرين».
ويقول أيضًا ما نصه بعد كلام: «وسائر الأحاديث الصحيحة تدل على أن القعود عن القتال والإمساك عن الفتنة كان أحب إلى الله ورسوله، وهذا قول أئمة السنة وأكثر أئمة الإسلام».
فقوله: «إنه ما كان القتال مأمورًا به لا واجبًا ولا مستحبًّا»، وقوله: «لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرًا» مخالف لما رواه النسائي بالإسناد الصحيح في الخصائص عن علي رضي الله عنه أنه قال: «أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين».
والناكثون هم الذين قاتلوه في وقعة الجمل، والقاسطون هم الذين قاتلوه في صفّين، والمارقون هم الخوارج، وهذا الحديث إسناده صحيح ليس فيه كذاب ولا فاسق كما ادعى ابن تيمية.
وكلامه هذا أيضًا ردّ لقول الله تعالى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [سورة الحجرات] ، وقد اتفق العلماء على أن عليّا رضي الله عنه هو أوّل من قاتل البغاة فشغل بهم عن قتال الكفار المعلنين اليهود وغيرهم حتى قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: «أخذنا أحكام البغاة من سِيَر علي».
وأيضًا فيه ردّ لحديث الحاكم وابن حبان والنسائي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن منكم من يقاتل على تأويل القرءان كما قاتلتُ على تنزيله» ، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: «لا» ، فقال عمر: أنا يا رسول الله، قال: «لا، ولكنه خاصف النعل» . (وكان علي يخصف نعله).
قال ابن تيمية في نقد مراتب الإجماع ما نصه: «قال – يعني ابن حزم – واتفقوا أن الإمام إذا كان من ولد عليّ وكان عدلا ولم يتقدم بيعته بيعة أخرى لإنسان حيّ وقام عليه من هو دونه أن قتال الآخر واجب، قال ابن تيمية: قلت: ليس للأئمة في هذه بعينها كلام ينقل عنهم ولا وقع هذا في الإسلام إلا أن يكون في وقعة علي ومعاوية، ومعلوم أن أكثر علماء الصحابة لم يروا القتال مع واحد منهما وهو قول جمهور أهل السنّة والحديث وجمهور أهل المدينة والبصرة وكثير من أهل الشام ومصر» اهـ. هذا نصه في التعليق على مراتب الإجماع وهو افتراء ظاهر على العلماء.
نقول: إن عليًّا رضي الله عنه خليفة راشد واجب الطاعة على المؤمنين لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [سورة النساء] . وهذا الذي فهمه الصحابة من كان منهم بدريًّا ومن كان منهم أحديًّا وكل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لأنه لم يكن مع معاوية واحد من هؤلاء. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم زكَّى قتال عليّ في جميع الوقائع بدليل ما أوردناه من الآيات والأخبار، نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الإمام أبي القاسم الرافعي محرر مذهب الشافعي ما نصّه: «وثبت أن أهل الجمل وصفين والنهروان بغاةٌ». قال الحافظ عقب قول الرافعي هذا: «هو كما قال، ويدل عليه: «أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين» رواه النسائي في الخصائص والبزار والطبراني. والقاسطين أهل الشام لأنهم جاروا عن الحق في عدم مبايعته».
وروى البيهقي في كتاب الاعتقاد بإسناده المتصل إلى محمد بن إسحـق وهو ابن خزيمة قال: «وكلُّ من نازع أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب في إمارته فهو باغ، على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس – يعني الشافعي – رحمه الله».
وقال الحافظ في الفتح ما نصه: «وقد ثبت أن من قاتل عليّا كانوا بغاة» اهـ. ويؤيد هذا ما رواه الحاكم في المستدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير: «لتقاتلنَّه وأنت ظالم له» .
فإذا كان الرسول اعتبر الزبير ظالمًا مع ما له من الفضل لأنه كان مع مقاتليه جزءًا من النهار، فكيف يقال عن هذا القتال الذي وصف الرسول مقاتلي علي فيه بالظلم والبغي: إنه ليس بواجب ولا مستحب، أليس هذا يدل على أن أحمد بن تيمية في قلبه ضغينة على سيدنا علي، ألا يعرف في نفسه أن قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [سورة الحجرات] يعود إلى الخليفة في قتال من بغى عليه، وكيف يقال لمن أطاع الله تعالى في أمره إنّ فعله ليس بواجب ولا مستحب، ومن المعلوم بالضرورة عند المسلمين أن قتال الخليفة لمن بغى عليه أمر مشروع بل فرض إذا لم تنكف الفئة الباغية، فانظروا كيف جعل ابن تيمية الامتثال لأمر الله لغوًا.
ويكفي أيضًا لإثبات ذلك الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار» أخرجه البخاري في كتاب الصلاة بهذا اللفظ، ورواه في موضع ءاخر في الجهاد والسير بلفظ: «يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار» ورواه ابن حبان أيضًا باللفظ الذي رواه البخاري في كتاب الصلاة، وروى ابن حبان في صحيحه عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: «تقتل عمارًا الفئة الباغية» ، وفيه أيضًا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: «ويح ابن سُميَّة تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» ، فالحديث بروايتيه من أصح الصحيح، فعمار الذي كان في جيش علي داعٍ إلى الجنة بقتاله مع علي، فعلي داع إلى الجنة بطريق الأولى. ورواية الطبراني فيها زيادة وهي: «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الحق» . وعمّار ما نال هذا الفضل إلا بكونه مع علي، فهو وجيشه دعاة إلى الجنة ومقاتلوهم دعاة إلى النار. فلو لم يكن إلا حديث البخاري هذا لكفى في تكذيب قول ابن تيمية: إن القتال مع علي ليس واجبًا ولا مستحبًّا، فهذا إنكار لما علم من الدين بالضرورة وردّ للنص، والرسول زكّى قتال علي في جميع الوقائع.
قال المناوي في شرح الجامع الصغير ما نصه: « (ويح عمار) بالجر على الإضافة وهو ابن ياسر (تقتله الفئة الباغية) قال القاضي في شرح المصابيح: يريد به معاوية وقومه اهـ وهذا صريح في بغي طائفة معاوية الذين قتلوا عمارًا في وقعة صفين وأن الحق مع علي وهو من الإخبار بالمغيبات (يدعوهم) أي عمار يدعو الفئة وهم أصحاب معاوية الذين قتلوه بوقعة صفين في الزمان المستقبل (إلى الجنة) أي إلى سببها وهو طاعة الإمام الحق (ويدعونه إلى) سبب (النار) وهو عصيانه ومقاتلته، قالوا: وقد وقع ذلك في يوم صفين دعاهم فيه إلى الإمام الحق ودعوه إلى النار وقتلوه فهو معجزة للمصطفى وعلم من أعلام نبوته.
وإن قول بعضهم: المراد أهل مكة الذين عذبوه أول الإسلام فقد تعقبوه بالرد قال القرطبي: وهذا الحديث من أثبت الأحاديث وأصحها ولما لم يقدر معاوية على إنكاره قال: إنما قتله من أخرجه فأجابه علي بأن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم إذن قتل حمزة حين أخرجه. قال ابن دحية: وهذا من علي إلزام مفحم لا جواب عنه وحجة لا اعتراض عليها، وقال الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتاب الإمامة: أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين والمسلمين أن عليًّا مصيب في قتاله لأهل صفين كما هو مصيب في أهل الجمل وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له لكن لا يكفرون ببغيهم، وقال الإمام أبو منصور في كتاب الفرق في بيان عقيدة أهل السنة: أجمعوا أن عليًّا مصيب في قتاله أهل الجمل طلحة والزبير وعائشة بالبصرة وأهل صفين معاوية وعسكره.
في الروض الأنف أن رجلاً قال لعمر رضي الله تعالى عنه: رأيت الليلة كأن الشمس والقمر يقتتلان ومع كل نجوم قال عمر: مع أيهما كنت؟ قال: مع القمر قال: كنت مع الآية الممحوة اذهب ولا تعمل لي عملاً أبدًا فعزله فقُتل يوم صفين مع معاوية واسمه حابس بن سعد».
وقال الشيخ ملا علي القاري الحنفي ما نصه: «(تقتلك الفئة الباغية) أي الجماعة الخارجة على إمام الوقت وخليفة الزمان، قال الطيبي: ترحم عليه بسبب الشدة التي يقع فيها عمار من قبل الفئة الباغية يريد به معاوية وقومه فإنه قُتل يوم صفين، وقال ابن الملك: اعلم أن عمّارًا قتله معاوية وفئته فكانوا طاغين باغين بهذا الحديث لأن عمارًا كان في عسكر علي وهو المستحق للإمامة فامتنعوا عن بيعته. وحكي أن معاوية كان يؤوّل معنى الحديث ويقول: نحن فئة باغية طالبة لدم عثمان وهذا كما ترى تحريف إذ معنى طلب الدم غير مناسب هنا لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر الحديث في إظهار فضيلة عمار وذم قاتله لأنه جاء في طريقٍ «ويح» قلت: ويح كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها فيترحم عليه ويرثى له بخلاف ويل فإنها كلمة عقوبة تقال للذي يستحقها ولا يترحم عليه، هذا وفي الجامع الصغير برواية الإمام أحمد والبخاري عن أبي سعيد مرفوعًا: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» وهذا كالنص الصريح في المعنى الصحيح المتبادِر من البغي المطلق في الكتاب كما في قوله تعالى {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [سورة النحل] وقوله سبحانه {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} [سورة الحجرات] فإطلاق اللفظ الشرعي على إرادة المعنى اللغوي عدول عن العدل وميل إلى الظلم الذي هو وضع الشىء في غير موضعه.
والحاصل أن البغي بحسب المعنى الشرعي والإطلاق العرفي خصص عموم معنى الطلب اللغوي إلى طلب الشر الخاص بالخروج المنهي فلا يصح أن يراد به طلب دم خليفة الزمان وهو عثمان رضي الله عنه. وقد حكي عن معاوية تأويل أقبح من هذا حيث قال: إنما قتله علي وفئته حيث حمله على القتال وصار سببًا لقتله في المآل فقيل له في الجواب: فإذن قاتل حمزة هو النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان باعثًا على ذلك، والله سبحانه وتعالى حيث أمر المؤمنين بقتال المشركين. والحاصل أن هذا الحديث فيه معجزات ثلاث إحداها أنه سيقتل وثانيها أنه مظلوم وثالثها أن قاتله باغ من البغاة والكل صدق وحق».
ثم قال: «قلت: فإذا كان الواجب عليه أن يرجع عن بغيه بإطاعته الخليفة ويترك المخالفة وطلب الخلافة المنيفة فتبين بهذا أنه كان في الباطن باغيًا وفي الظاهر متسترًا بدم عثمان مراعيًا مرائيًا فجاء هذا الحديث عليه ناعيًا وعن عمله ناهيًا لكن كان ذلك في الكتاب مسطورًا فصار عنده كل من القرءان والحديث مهجورًا، فرحم الله من أنصف ولم يتعصب ولم يتعسف وتولى الاقتصاد في الاعتقاد لئلا يقع في جانبي سبيل الرشاد من الرفض والنصب بأن يحب جميع الآل والصحب».
قال اللغوي ابن منظور في لسان العرب ما نصه: «والبغي: التعدي، وبغى الرجل علينا بغيًا: عَدَل عن الحق واستطال» اهـ، وقال الأزهري: معناه الكبر، والبغي: الظلم والفساد ثم قال: والفئة الباغية هي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام العادل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: «ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية».
وكيف يقول إنه لم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم وعلي كان داعيًا إلى الجنة ومن قاتل معه فله أجر ومن خالفه فهو باغ ظالم، فكيف يقول ابن تيمية هذا فيمن سمّاه الرسول داعيًا إلى الجنّة.
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه: «فائدة: روى حديث: «تقتل عمارًا الفئة الباغية» جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان كما تقدم، وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن
جماعة آخرين يطول عدهم. وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليًّا لم يكن مصيبًا في حروبه».
ومما يدل على طعنه في علي ما ذكره في منهاجه ونصه: «وأما قوله: «إنه بالغ في محاربة علي» فلا ريب أنه اقتتل العسكران عسكر علي ومعاوية بصفين ولم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء بل كان من أشد الناس حرصًا على أن لا يكون قتال، وكان غيره أحرص على القتال منه» اهـ، ثم يزيد في الافتراء مدعيًا أن من الذين قاتلوه قاتلوه بالنص والإجماع فيقول[(607)]: «كما أننا لا ننكر أن عليًّا ولى أقاربه وقاتل وقتل خلقًا كثيرًا من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون ويصلون لكن من هؤلاء من قاتله بالنص والإجماع».
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه[(608)]: «ودلَّ حديث: «تقتل عمارًا الفئة الباغية» على أن عليًّا كان المصيب في تلك الحرب لأن أصحاب معاوية قتلوه، وقد أخرج البزار بسند جيد عن زيد بن وهب قال: «كنا عند حذيفة فقال: كيف أنتم وقد خرج أهل دينكم يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف، قالوا: فما تأمرنا، قال: انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر علي فالزموها فإنها على الحق». وأخرج يعقوب بن سفيان بسند جيد عن الزهري قال: لما بلغ معاوية غلبة عليّ على أهل الجمل دعا إلى الطلب بدم عثمان فأجابه أهل الشام، فسار إليه علي فالتقيا بصفين»، وقد ذكر يحيى بن سليمان الجعفي أحد شيوخ البخاري في كتاب صفين في تأليفه بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: «أنت تنازع عليًّا في الخلافة أَوَ أنت مثله؟، قال: لا، وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلومًا وأنا ابن عمه ووليه أطلب بدمهِ، فأتوا عليًّا فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان، فأتوه فكلموه فقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إلي، فامتنع معاوية، فسار علي في الجيوش من العراق حتى نزل بصفين، وسار معاوية حتى نزل هناك وذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثين، فتراسلوا فلم يتم لهم أمر، فوقع القتال إلى أن قتل من الفريقين فيما ذكر ابن أبي خيثمة في تاريخه نحو سبعين ألفًا، وقيل: كانوا أكثر من ذلك»، ثم قال الحافظ: «وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي الرضا سمعت عمارًا يوم صفين يقول: «من سرَّه أن يكتنفه الحور العين فليتقدم بين الصفين محتسبًا»، ومن طريق زياد بن الحارث: كنت إلى جنب عمار فقال رجل: كفر أهل الشام، فقال عمار: لا تقولوا ذلك نبينا واحد، ولكنهم قوم حادوا عن الحق فحقَّ علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا».
وقد نصّ الإمام أبو الحسن الأشعري على أن مقاتلي علي آثمون، وأن ثلاثة منهم مغفور لهم: طلحة والزبير وعائشة، ومن سواهم خطؤهم مجوّز الغفران. نقل عنه ذلك الإمام أبو بكر بن فورك أحد رؤوس الأشاعرة القدماء فيما جمعه من كلام أبي الحسن. وفي إنكار ابن تيمية حقية قتال علي لهؤلاء الذين أوغروا صدره واستمروا على ذلك ثلاثة أشهر، وسفكوا دماء أكثر من عشرين ألف نفس فيهم أحد السبعة الذين أسلموا أوَّلا وهو عمار كما أخرج ذلك ابن حبان في صحيحه وغيره، وفيهم من شهد له الرسول بأنه خير التابعين أُويس القرني دليل على أن ابن تيمية كان في نفسه شىء على علي رضي الله عنه. فإذا كان لا يجوز الخروج على أي خليفة عدل بالإجماع فماذا يقال في الخارجين على علي وهو خير أهل الأرض في عهده بلا خلاف.
· بغض ابن تيمية لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام:
يعلم مما تقدم أن تسفيه ابن تيمية لقتال علي رضي الله عنه دليل على أنه يضمر ضغينة لسيدنا علي، ويؤيد هذا قول الحافظ ابن حجر في لسان الميزان عند ترجمة والد الحلي الذي ألف ابن تيمية كتابه منهاج السنة النبوية في الرد عليه ونصه: «وكم من مبالغة له لتوهين كلام الحلي أدت به أحيانًا إلى تنقيص علي رضي الله عنه».
أقول: ولقد صدق الحافظ ابن حجر في قوله هذا.
قال العلامة علوي بن طاهر الحداد في كتابه «القول الفصل فيما لبني هاشم من الفضل» في الجزء الثاني منه ما نصه: «وفي منهاجه من السب والذم الموجه المورد في قالب المعاريض ومقدمات الأدلة في أمير المؤمنين علي والزهراء البتول والحسنين وذريتهم ما تقشعر منه الجلود وترجف له القلوب، ولا سبب لعكوف النواصب والخوارج على كتابه المذكور إلا كونه يضرب على أوتارهم ويتردد على أطلالهم وءاثارهم، فكن منه ومنهم على حذر».
ومما هو صريح في بغض ابن تيمية لعلي ما ذكره في منهاجه ونصه: «فإن الناس متنازعون في أول من أسلم فقيل أبو بكر أول من أسلم فهو أسبق إسلامًا من علي، وقيل إن عليًّا أسلم قبله لكن علي كان صغيرًا وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء».
ويقول في موضع آخر منه ما نصه: «وعلي يثبت له حكم الكفر والإيمان وهو دون البلوغ، والصبي المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر في الدنيا باتفاق المسلمين، وإذا أسلم قبل البلوغ على قولين للعلماء، بخلاف البالغ فإنه يصير مسلمًا باتفاق المسلمين، وكان إسلام الثلاثة مخرجًا لهم من الكفر باتفاق المسلمين، وأما إسلام علي فهل يكون مخرجًا له من الكفر على قولين مشهورين، ومذهب الشافعي أن إسلام الصبي غير مخرج له من الكفر».
ثم لإظهار حقده وبغضه لعلي يفتري على الصحابة والتابعين فيقول في المنهاج ما نصه: «ولم يكن كذلك علي فإن كثيرًا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه» اهـ، ثم يقول فيه أيضًا ما نصه: «وقد علم قدح كثير من الصحابة في علي».
ولم يكتف ابن تيمية بذلك بل ذكر في منهاجه ما نصه: «وقد عتب – يعني النبي – على علي في غير موضع لما أبعد فإنه أراد أن يتزوج بنت أبي جهل واشتكته فاطمة لأبيها وقالت: إن الناس يقولون: إنك لا تغضب لبناتك، فقام خطيبًا وقال: إن بني المغيرة استأذنوني أن يزوجوا بنتهم علي بن أبي طالب وأني لا ءاذن ثم لا ءاذن ثم لا ءاذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم، فإنما فاطمة بَضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما ءاذاها»، ثم ذكر بعد نهاية بحثه ما نصه: «وعلي رضي الله عنه كان قصده أن يتزوج عليها فله في أذاها غرض» اهـ، نعوذ بالله من هذا الافتراء وسوء الظن بعلي بن أبي طالب.
وقال في منهاجه ما نصه: «ويقال لهم ثانيًا: أما أهل السنة فأصلهم مستقيم مطرد في هذا الباب، وأما أنتم فمتناقضون، وذلك أن النواصب من الخوارج وغيرهم الذين يكفّرون عليًّا أو يفسقونه أو يشكون في عدالته من المعتزلة والمروانية وغيرهم لو قالوا لكم: ما الدليل على إيمان علي وإمامته وعدله لم تكن لكم حجة».
وقال أيضًا في منهاجه ما نصه: «وقد أنزل الله تعالى في علي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [سورة النساء] ، لما صلى فقرأ وخلط».
والجواب: ما رواه الحاكم في المستدرك بالإسناد عن علي رضي الله عنه قال: دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر، فَحَضَرَت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [سورة الكافرون] فالتبس عليه فنزلت: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [سورة النساء].
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي هذا الحديث فائدة كثيرة وهي أن الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب دون غيره، وقد برَّأه الله منها فإنه راوي هذا الحديث»، ووافقه الذهبي على تصحيحه، فابن تيمية خارجيٌّ في هذا الطعن في علي.ـ
فمن عرف ما ذكرنا من أمر ابن تيمية من سوء رأيه في سيّدنا علي عرف أنه ينطبق عليه حديث مسلم أن عليّا رضي الله عنه قال: «والذي فلق الحبة وبرأ النسَمة إنه لعهد النبي الأمّي إليّ: أن لا يحبّني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق»، فليعلم ذلك أنصار ابن تيمية.ـ
تنبيه: سلك ابن تيمية عند كلامه على الأحاديث التي في فضائل علي رضي الله عنه مسلك التوسع في تضعيف هذه الأحاديث بل والحكم على أكثرها بالوضع وذلك ليصرفها عن إثبات فضائل لعلي رضي الله عنه، فحاله ما ذكر الحافظ ابن حجر أنه ردَّ في ردّه كثيرًا من الأحاديث الجياد، يعني الصحيح والحسن.
وليعلم الناظرون أن ابن تيمية يضعّف أحاديث ولا يُبالي بتصحيح الحفاظ لها لشدة تعلق قلبه بتأييد هواه، كما أن من دأبه دعوى اتفاق العلماء على البدع التي يهواها كذبًا وزورًا من غير استحياء من الله ولا من أهل العلم.
فهذا شأن ابن تيمية فإنه يحتج بالحديث الموضوع الذي يوافق هواه ويحاول أن يصححه، ويضعف الأحاديث والأخبار الثابتة المتواترة التي تخالف رأيه وعقيدته، حتى قال فيه تلميذه الذهبي في رسالة أرسلها له على شكل نصيحة بعد كلام ما نصه: «إلى كم تمدح كلامك بكيفية لا تمدح بها والله أحاديث الصحيحين، يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك، بل في كل وقت تغير عليها بالتضعيف والإهدار أو بالتأويل والإنكار».
ــــــــ
https://telegram.me/buratha