محمد صادق الحسيني ||
منذ ان انتقل الحاج قاسم سليماني في تسعينات القرن الماضي من ميدان العمل القتالي على ساحة وطنه الاول الذي تشبع به في جبهة الدفاع المقدس عن ثغور الثورة الاسلامية الى خارج حدود الجغرافيا الايرانية بعد تسلمه قيادة قوة القدس في الحرس الثوري ، بدأت عملياً التطبيقات الميدانية للمشروع الذي طالما حلم به وعمل لاجل انجازه الامام الراحل روح الله الموسوي الخميني وسائر قيادات الثورة الاسلامية وعلى رأسهم خليفته الامام السيد علي الخامنئي...
فهذه الثورة المحمدية العلوية الحسينية الاصيلة لم يكن هدفها الاساس تحرير ايران فحسب من ربقة الاستعمار والتبعية والخنوع لنظام الهيمنة العالمي ، بل تحرير المسلمين جميعا حيثما استضعفوا ، في مقدمة... لقيام ثورة المستضعفين في العالم كله..
ولما كانت البوصلة الاساس هي التوجه بجيش مليوني نحو القدس وفلسطين ، فقد كانت قوة القدس هي محط آمال هذا التحول والامال المعقودة على الثورة الجديدة ...
لقد تمكن الحاج قاسم من خلال مجموعة من الصفات والسمات والاخلاق والسلوكيات التي اكتسبها منذ النشأة في بيته وبين اهليه في كرمان... الى ان تبلورت في شخصيته اكثر فاكثر في جبهات قتال الثماني سنوات من الدفاع المقدس ...ان يتحول الى النموذج المطلوب الذي سرعان ما سيغير كل خرائط واقدار المنطقة وجغرافيا العلوم العسكرية والامنية والمجتمعية وكذلك اخلاقيات ومناهج حركات التحرر العربية المحيطة بفلسطين والثورة الاسلامية الفتية...
كيف كان ذلك ؟:
v لبنان وفلسطين
لقد تمكن الحاج قاسم سليماني.. انطلاقا من معتقده الراسخ بشعار ومذهب الامام الخميني القائل اليوم ايران وغداً فلسطين ..... ان يتحرك سريعاً بروحه ونفسه وتفكيره واتصالاته وصداقاته ان يحجز لنفسه مقعدا متقدما في صف القيادة اللبنانية المقاومة التي قررت تحرير التراب اللبناني ومقارعة العدو الصهيوني في لبنان وامتداداً في فلسطين المحتلة ...
١- فكانت اولى نتائج حضوره ان حول القتال في لبنان من قتال فردي الى معركة تحرير جماعية تتجاوز الجولات الفردية البطولية المهمة وكذلك المجموعات والقوى الجهادية المتناثرة...
٢- ثانيا قام بتوسيع اطار الحرب ضد العدو لتصبح اكثر شمولية من الساحة اللبنانية ضاماً بذلك سورية وايران اليها كشريكين فاعلين واساسيين وضرورين في الحرب التحررية الكبرى المنطلقة من الساحة اللبنانية ما احدث عمليا تحولا كبيرا في التكتيكات والاستراتيجيات وفي عمليات اللوجستيك والقراءات السياسية والفكرية لنوعية وجوهر الحرب المفتوحة مع العدو الصهيوني..
٣- وهكذا تحول القتال هناك من مجرد جهاد لبناني لتحرير الارض والانسان الى صراع عروبي صهيوني حول مصير الامة العربية من خلال ادخال سورية كطرف شريك وداعم فاعل ، والى صراع اسلامي صهيوني لاجل تقديم نموذج اسلامي تقدمي للصراع من خلال اضافة ايران كطرف شريك وفاعل وداعم اساسي... ما وسع مسرح العمليات المناهضة للعدوان الصهيوني ليس فقط بالجغرافيا العسكرية بل وبالجغرافيا الفكرية والعقائدية والمجتمعية وكذلك خلط دماء كل الملل والنحل والاقوام المتواجدة على امتداد المشرق الكبير...
v سورية والعراق
في هذه الاثناء تحركت قوى العدوان العالمي والهيمنة الدولية بقيادة الشيطان الاكبر امريكا بعمل مضاد ضد نهضة وتحرر شعوب المنطقة وفي محاولة لايقاف ما حصل من تحولات في المجال الذي ذكرناه آنفاً ما دفع المستعمر للقيام بهجوم كوني واسع النطاق على الارض السورية لايقاف هذا التحول التحرري بالقوة العسكرية الغاشمة ...
فماذا فعل الحاج قاسم هنا...؟
١- لم يقع في فخ ما سمي بالربيع العربي ، كما لم يبق متسمراً عند الفكر النمطي الديني الذي كان قد قسم العالم في لحظة ما الى فسطاطين اما ان تكون " جهاديا" او "كافرا"...!
بل انتقل بقوة الى احداث تحولات في تكتيكات قوة القدس واستراتيجياتها على الشكل التالي:
٢- توسيع نطاق جبهة الحرب ضد العدو الذي تسلل الى الجبهة الخلفية( الداخلية) لنا تحت عناوين دينية وطائفية ، من خلال ضخ دماء جديدة في الصراع موحداً بذلك ساحات النضال القطرية والقومية والعالمية فكانت فكرة الوية الحيدريبن والفاطميين والزينبيين وتاليا الى جيش كبير تحت قيادة الحرس الثوري الايراني الذي زج به في الساحة السورية بالتعاون الوثيق مع حزب الله دفاعا عن المعتدى عليه وهي الدولة الوطنية السورية وشعبها المظلوم دون ان يطالبها بتغيير عقيدتها العلمانية منعا لحصول اي شرخ داخل الجبهة الداخلية ، وتوسعة للفكر التحرري النضالي القاضي بوحدة الانسانية والمظلومية التاريخية ضد نظام الهيمنة الدولي...
٣- ثم ذهب الى ابعد من ذلك عندما قرر كسر قواعد اللعبة والاشتباك وموازين الحرب والسلام الدوليبن، من خلال اتخاذ قرار غاية في الفطنة والالمعية والاهمية عندما اتجه الى موسكو مزيلا عنها غبار الترديد والشك في احقية مكافحة الارهاب التكفيري على الساحة السورية وضرورة الانخراط الميداني لروسيا في هذه المعركة لقلب الموازين الدولية لصالح المظلوم وهذا ما حدث بالفعل ...
نحو ثلاث ساعات من الحوار المعمق مع شخص الرئيس بوتين كانت كفيلة بقلب موازين القوى في سورية بشكل كبير ، بعدما جعل الرئيس الروسي يقتنع تماما بان معركة الدفاع عن اسوار موسكو غدا وابواب الكرملين من تمددالناتو انما يتطلب وقف زحف العدو الغربي في سورية وكسر هيبته واحلامه على بوابات دمشق الشام وهذا هو ما حصل بالفعل والفضل فيه لشخص ومدرسة الحاج قاسم سليماني...
٤- اضافة الى ما تقدم ودفاعا عن وحدة الهوية السورية ومنعا لاختراقات اقليمية خبيثة ، قرر الحاج قاسم وبالتعاون المكثف مع شخص الاسد من تحشيد اكبر عدد ممكن من القطاعات الشعبية في القتال وذلك بطريقة غير تقليدية ومن خارج القتال النظامي فكانت فكرة التقاط المقاتل الضائع او التائه او المعرض للتيه في الحروب وتسليمه البندقية الهادفة ، وهكذا كانت فكرة ومشروع القوات الرديفة التي حصنت المجتمع السوري وقوت وعززت الجبهة القتالية فيه في الوقت نفسه...
٥-وهكذا كان الامر في العراق عندما تمكنت مدرسة الحاج قاسم من خلط دماء الايرانيين واللبنانيين مع اخوتهم في العقيدة والدين والقيم السامية من تشكيل منظومة قتالية جديدة تفوق تصور العدو الذي كان قد ظن انه سيقاتل في غزوة العراق فئة من العراقيين دون غيرها فيعزلها ويحاصرها حسب ظنه ببحر عربي او مذهبي فاذا بتلاحم الفكر المرجعي الديني (صحيح العراقي شكلاً واسماً ) لكنه العابر للعراق والملتحم جوهراً مع مدرسة الحاج قاسم سليماني التي اساسا كانت قد تعززت وترسخت واشتد عودها في كل من لبنان وسورية لتصبح فاعلة ونافذة في العراق لتمنع تقسيمه جغرافيا وضرب المشروع الفتنوي فيه مذهبيا او سياسياً..
وهكذا افرزت التجربة صنوه وعديله ونظيره وحافظ سره القائد الفذ والمدرسة المثال والنموذج القائد والفارس الشهم جمال العراق ابومهدي المهندس الذي لولاه لما تبلور الحشد الشعبي كما ينبغي وكما يجب بالشكل الذي نراه اليوم لولاه .
ان تتحول الفتوى الى جيش من القادة والابطال .
ان تتحول الفصائل المتناثرة والمتشعبة من حملة فكر المقاومة الى فرق متراصة وكتائب متلاحمة ، كل ذلك بفضل القائد الاستراتيجي ابو مهدي المهندس .
وسيكتب التاريخ كثيراً عن دور هذا الرجل الفدائي والمضحي ، كيف استطاع ان يجمع طموحات فصائل المقاومة وجهودها الجبارة ويصهرها في اطار جيش العراق المستقبلي .
انها صناعة فريدة من نوعها يكتب فيها الفضل من بعد الله لمدرسة الحاج قاسم سليماني ومدرسة ابو مهدي المهندس العابرة للاحزاب والتيارات والفصائل ، بل والعابرة للمذاهب والطوائف والتيارات .
v اليمن الثائر
من هرمز الى باب المندب
ومن البصرة الى بنت جبيل
وصولاً الى مابعد مابعد حيفا...!
كان الحاج قاسم سليماني شديد الاعتقاد مثل امامه باحقية ومظلومية الشعب اليمني الكبير تجاه عدوانية النظام الوهابي التابع للصهاينة الدوليين والاسرائيليين ...
لذلك كان منذ اليوم الاول مع الثورة اليمنية الحوثية الجديدة، لابل انه كان من رعاتها منذ كانت بعد في صعدة مطاردة ومحاربة سواء في مغاراتها وندواتها الاولى المصغرة او في المدن الكبرى من قبل حكام صنعاء الانتهازيين واتباع الوهابية السياسية التي حكمت اليمن في عهد علي عبد الله صالح ...
لذلك تراه كان من اول المتحمسين والمستقبلين بحفاوة لدخول الحوثيين الى صنعاء براية النصر والقائلين بضرورة التلاحم مع الثورة الجديدة وكانت بصماته واضحة في المشهد اليمني الجديد ودعوته المبكرة للقائد المناضل والزعيم الثوري البطل صالح الصماد على راس وفد كبير الى طهران حيث اعلن وقتها الانفتاح الكامل للثورة الاسلامية الاسلامية على حكام اليمن الجدد، وعقد الاتفاقيات طويلة الامد وذات الطابع الاستراتيجي معهم ...
وما ان اعلنت الحرب السعودية الامريكية الاسرائيلية عليهم حتى سارع رائد التغيير الاسلامي الحاج قاسم سليماني في ارسال طائرة انقاذ ومساندة خاصة الى اليمن مع وفد تضامني على رأسه احد كبار مساعديه القائد رستم قاسمي الذي جلس الى جانب الطيار وهو يلح عليه بضرورة النزول في مطار صنعاء رغم القصف الشديد والمكثف والمتكرر والذي منع للاسف بالطبع نزول الطائرة في حينها...
لكنه الموقف المبدأي والثوري الذي سجلته مدرسة الحاج قاسم مع اليمن المنصور بالله الحوثي والذي سيظل خالداً ويكتب بالذهب والدم حيث الدعم والاسناد القوي الذي لم يتوقف رغم كل العوائق المحيطة و التي تزال مستمرة...
لكن الحاج قاسم لم يستسلم وكما تمكن في الساحات الاخرى ونجح فقد نجح في اليمن ايضاً وكما كانت له اليد الطولى والبيضاء في نقل تكنولوجيا السلاح والقتال المتمرس الحديث الى غزة هاشم كانت له اضعاف ذلك الى يمن الصمود والتصدي لمشاريع الوهبنة والظلامية التكفيرية التي تكسرت امام مبدأية وصمود القادة اليمنيين الجدد والذين اثبتوا انهم انصار الله واحبائه عن جد وحقيقة...
ومع مرور الايام والسنوات واختلاط الدماء في الساحات المختلفة صار اللون الاحمر القاني المقاوم قد تهندس ليصبح نافذا في اعماق جبهة العدو مجنحاً كما هي الصواريخ المجنحة التي تهشم وتشظي جسم العدو وتجعله هشيما تذروه الرياح
ومحاصرا جغرافيا من كل حدب وصوب تتنافس فيه القوى الحية في الامة من انصار الله والحشد الشعبي والجيش العربي السورية والحرس الثوري الايراني وصولا الى المقاومة الفلسطينية العزيزة والشريفة في غزة ، في توجيه قذائفها وصواريخها وجهدها وجهادها ضد العدو الصهيوني المحتل المرتبط بالامبريالية العالمية بشياطينها الكبار والصغار...
من افغانستان الى العراق ومن البحر المتوسط الى البحر الاحمر ، مروراً بكل مدن ارض السواد...
هذه هي مدرسة الحاج قاسم سليماني الخمينية الجذور الخامنائية الفروع والتي تستعد لتثمر في صراع القوة في جغرافيا اخر الزمان قسطا وعدالة في زمن قائم ال محمد.
وحدة دم ووحدة ساحات وبوصلة مشتركة تشير الى القدس تماماً...
وتنتظر ساعة حلول البطشة الكبرى انا منتقمون
بعدنا طببين قولوا الله
ــــــــ
https://telegram.me/buratha