دراسات

مقاربة تاريخية برؤية قرآنية…


 

الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||

 

" التاريخ يُعيد نفسه " عبارة نرددها باستمرار وهي فعلاً كذلك وأن كانت بإختلاف الشخصيات في الحوادث المختلفة ، فالحوادث التاريخية من الممكن أن تُعاد إذا كانت تسير وفق نمطية متسانخة مع الماضي عندها ستعطي نتائج تتشابه في المضمون الماضي نتيجة تشابه الظروف الموضوعية المكونة لذلك الموقف ، ونحن إذ نسلم بأن القرآن الكريم لم يكن طرحه مختصاً بزمن  أو بمكان معينين إنما ما يجري على أوله يجري على آخره ، وهو ما يصطلح عليه علماء الإمامية  بـ ( الجري ) ومعناه انطباق الآية على بعض مصاديقها وأن تقادم بها الزمن في المستقبل القريب والبعيد ، لأن القاعدة الأصولية القائلة " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " حلّت الكثير من الملابسات المرتبطة بجملة حوادث وجدت لها صدى وانعكاس موضوعي في حوادث مستقبلية أخرى مما مكّن بالتالي من الوقوف على التوظيف القرآني في غير زمان  أسباب النزول تاريخيّاً للأحداث ، وهذا الأمر قد بيّنه الإمام الباقر ( ع ) كما جاء في تفسير العياشي ج1 / ص10 بقوله ( ع ) " ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقى من القرآن شيء، ولكن القرآن يجرى أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض " أن السنن التاريخية تجري وفق مقاسات طردية على نفس الظروف المتوافرة ، إذ كلما تطابق فعلاً حاضراً مع حيثيات ظرفية ماضية فإن أمر تكرار الحادثة وبنفس النتائج وارد وبقوة ، ودلالة ذلك قرآنيا نجده في المقاربة بين فعل بني إسرائيل مع طالوت ( ع ) ومشركي قريش مع الرسول  ( ص وآله ) في أفعال مقابسة تماماً في الرد عليهما ، إذ كما أعترض بنو إسرائيل على طالوت ( ع ) بقولهم " وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "                البقرة / 247   ، نجد وفي سياق قرآني آخر اعتراض مشركي قريش على النبي محمد ( ص وآله ) بقولهم " وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ " الزخرف / 31 ، ويقصدوا بالعظيمين الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي لأن نظرتهم للرسالة كمنصب عظيم لا يليق إلا بعظيم ولم يعلموا أنها رتبة روحانية تستدعي عظم النفس بالتحلي بالفضائل والكمالات القدسية لا التزخرف بالزخارف الدنيوية  فالنظرة المادية البحتة فيما يخص قياس قيمة صاحب القضية بما يتناسب مع كمية امتلاكه للأموال  ،  فضلاً عن الوجاهة الاجتماعيّة ، والانتماء لنفس السلالة  كانت تمثل الرؤية العامة في التقييم الموضوعي لبني إسرائيل و مشركي قريش في تقبلهم للشخصية أو رفضها ، لا سيما مع وجود مصداق تاريخي آخر في عام 8هـ عندما فتح النبي محمّد ( ص وآله ) مكة ومرت الكتيبة الخضراء من أمام أنظار أبو سفيان فقال للعباس بن عبد المطلب قولته التي تحمل في طياتها البُعد المادي للقضية ، إذ قال " لقد أصبح مُلك أبن أخيك عظيما " فهو ينظر للقضية من منظار الملوكية والمادية لا من منظار النبوة وهذا ما دفع العباس بن عبد المطلب أن يصحح نظرته بقوله " أنها النبوة وليست الملك " ،   لذا يجب علينا أن ندرس القرآن ونتمعن بهِ بدقة بنحو تدبري لا سردي لا سيما وأن القرآن الكريم يحثنا على ذلك بالقول "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا " النساء 82 ، " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " محمّد / 24 .

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك