دراسات

ضرورات تجديد علم الكلام..

2117 2021-11-04

 

دراسة مشتركة بقلم: العلامة الشيخ محمد علي التسخيري وعلي المؤمن

 

·        ضرورات تجديد الشريعة الإسلامية ومناهجها * القسم الثاني:

 

    علم الكلام هو جزء من تراثنا. ويخضع تعاملنا معه للأُسس التي ذكرناها. وهو في الواقع نتاج معرفي ينتمي إلى واقع فكري سابق. ومع انتقال هذا الواقع إلى مرحلة جديدة حافلة بالتطورات والمتغيرات والتحدّيات، فإنّ علم الكلام ملزم بمواكبة هذه المرحلة، حتى يتجاوز الفصام بين الأُصول المعرفية وتحدّيات العصر، ويوضح أثر فاعلية الإيمان عبر كشف الترابط الوثيق بين الرؤية الكونية للعالم والمسألة الاجتماعية.

     والدعوات لتأسيس علم كلام جديد يجعل من الفكر الديني محوراً لحركة التغيير والدولة والحرية والتنمية والعدالة، وبالتالي تحديد مسار التاريخ وتوجيه حركة المجتمع وتوفير فرص استقبال التحدّيات العقائدية والفكرية التي ستظهر في المستقبل، والتي تفرزها معطيات الحاضر؛ يمكن تقويمها على أساس مضامينها ومخرجاتها؛ لأن المصطلحات هي قضية لا طائل من الحديث المطول عنها.

    نرى أنّ بعض الكتّاب والمثقفين والأكاديميين المسلمين ــ بغض النظر عن تعدد منطلقاتهم ــ لديهم نزوع نحو تحويل التجديد في الأسماء والمصطلحات إلى هدف بذاته وليس وسيلة علمية نتيجتها تحقيق الهدف من البحث والعلم. ولذلك؛ نراهم يلوكون صباحاً ومساءً المصطلحات الجديدة، سواء المخترعة من قبلهم أو المستوردة أو المصنّعة محلياً، وكثير منها مبهم. ويثقلون على مخاطبيهم بهذه المصطلحات، بل إنّ قسماً من هؤلاء يحاول أن يتحذلق وهو يتطفل على الموائد الفكرية، ويخرج علينا كل يوم بعلم جديد وأفكار جديدة، وكم نتمنى لو أنّها كانت علوماً حقيقية وأفكاراً نافعة، حينها لن أتردد في الوقوف إلى جانبهم والتصفيق لهم، وأن أعتبرهم أبطالاً، ولكن للأسف الواقع غير هذا.

    ولنأتِ الآن على علم الكلام تحديداً؛ هذا العلم مهما اتسعت موضوعاته وتضاعفت أهدافه وتطورت مناهج البحث فيه وأدوات الاستدلال، فإنّ هويته العامة لن تتغير.. غاياته الأصلية لن تتغير. وهذا ليس شأن علم الكلام وحده، بل كل العلوم الإنسانية والتجريبية والتطبيقية والنظرية، فمن الممكن أن تتسع العلوم وتنقسم على نفسها، ويتأسس علم جديد منشعب من العلم الأُم، ولكن العلم الأُم يبقى محتفظاً بهويته.

    لنأخذ ــ مثلاً ــ علم الفقه أو علم النفس، علم الفقه منذ مئات السنين وحتى الآن تضاعف وتضخم وتطور بشكل كبير، ولكن يبقى يحمل الاسم والهوية والغايات نفسها، خذ أيضاً علم الطب أو علم الفيزياء أو علم الرياضيات، علم الفيزياء ليس هو اليوم كما كان في العصور القديمة، بل إنّه تطور بشكل كبير، بل وانقسم على نفسه أكثر من مرة، وظهرت من بين ثناياه علوم جديدة، ولكنها حملت أسماء أُخر، مثل: علم الفيزياء النووية، وعلم الفيزياء النظرية، أو الميكانيك، وغيرها، ولكن لم يدعُ أحد إلى تأسيس علم فيزياء جديد. ومن هنا لا أرى مسوغاً موضوعياً وعلمياً لبعض المصطلحات التي يحاول بعضهم إضافتها لبحوث وعلوم عريقة. وهذا لا يعني أنّني أتعصب للتسميات أو أدعو للجمود عليها، فإنّا لا أتعصب ضد أو مع أي مصطلح أو بحث، جديداً كان أم قديماً، بقدر ما أتعصب للحقيقة، والحقيقة تكمن في ضرورة تحقيق علم الكلام لغاياته، وعدم التضحية بأيّ من العناصر التي تحدثنا عنها في جواب السؤال السابق، أي الأهداف الأصلية والمنطلقات الأساسية، والقوانين المنطقية في الاستدلال. فبدونها لا يمكن أن نسمّيه علماً أصلاً.

     ولعل هناك من يتساءل: كيف سيتمكن علم الكلام من مواكبة المتغيرات المتلاحقة في كل مجالات الحياة، وما يترتب عليها من تحولات فكرية، وشبهات جديدة، وموضوعات لم يكن لها وجود في السابق، بل وظهور علوم ومناهج وأدوات استدلال جديدة شكّلت التحدي الأساس لعلم الكلام وأدواته التقليدية؟

    لا شك أنّ ميدان علم الكلام ومساحة حركته اتسعا بمرور الزمن، وتطور الفكر الإنساني. ومن هنا يجب إحداث هزة قوية على مستوى تنمية موضوعات علم الكلام وتطوير أدواته في الاستدلال، فيأخذ هذا العلم شتى الاتجاهات الفكرية في العالم بعين الاعتبار، سواء كانت نظريات أو مناهج أو أفكاراً، ويأخذ الاكتشافات العلمية وما يترتب عليها من تطور فكري بعين الاعتبار أيضاً. والنتيجة أنّ علم الكلام معني بالإجابة عن كل التساؤلات الجديدة أيّاً كان إطارها ومنهجها ودوافعها، ولكن شريطة أن تكون الهزة التي ندعو لها مدروسة بعناية علمية.

    ونحن نؤيد وندعم الاتجاه الفكري الناضج الذي يدعو الى ضرورة استقبال علم الكلام للتحدّيات الفكرية والعقائدية التي ستظهر في المستقبل، من منطلق إمكانية استشراف هذه التحدّيات الآن؛ لأنّ المتغيرات الفكرية التي تتسارع يوماً بعد آخر في الواقع الإنساني ستظهر نتائجها في المستقبل: وكأنّنا نلمس هذه النتائج الآن.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك