د. علي المؤمن ||
إن الفرق الأساس بين النصين الفقهيين الدستوريين التأسيسيين للسيد الصدر في العام ١٩٥٩ ( دولة حزب الدعوة) والعام ١٩٧٩ (دولة الإمام الخميني)، هو أن الأول كان ينسجم مع النسق التنظيري السائد في الفكر السياسي الإسلامي، والذي يؤسس لدولة إسلامية تقع خارج محددات القانون الدولي والقانون الدستوري وحدود الجغرافيا الوطنية والقواعد الفقهية المذهبية، بوصفها دولة عقائدية عامة. بينما يؤسس الثاني لدولة ذات حدود جغرافية وكيان وطني، وخاضعة شكلاً ومضموناً لضوابط القانون الدستوري الحديث وأحكام القانون الدولي وقواعد الفقه الشيعي، وإن كانت دولة عقائدية في جوهرها. أي أن السيد الصدر كان في النص الأول يؤسس لدولة إسلامية نظرية، والثاني لدولة واقعية. ولذلك؛ لم تكن التكييفات الفقهية والقانونية واللغة التخصصية في النص الثاني؛ أكثر نضوجاً وعمقاً من النص الأول وحسب؛ بل كانت تعبر عن تطور نوعي في وعي الزمن ومتغيراته ومتطلباته، وخبرة تراكمية في فهم المتطلبات القانونية الوضعية للدولة الإسلامية العصرية، بما في ذلك الجانب المتعلق بالضبط المذهبي لأسس الدولة وحركتها.
وتتطابق نظرية حزب الدعوة الإسلامية في موضوع الدستور مع رأي مؤسسه السيد محمد باقر الصدر؛ حتى بعد العدول عن رأيه في مبدإ الشورى؛ إذ تبنى الحزب نظرية الصدر التي لخّصها في دراسته عن «دستور الجمهورية الإسلامية» ودراسة «خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء». ويذهب حزب الدعوة في إحدى نشراته الفكرية الصادرة في العام 1980 إلى أن ما يقصده بالدستور الإسلامي «يشمل ما يلي:
أولاً: التصورات والقوانين العامة التي تشخص الإطار العام للقوانين الحاكمة في الدولة الإسلامية، والتي لها قابلية الثبات؛ أما إلى الأبد؛ على أساس أنها من الأحكام الثابتة في الشريعة الإسلامية، أو إلى أمد معتد به؛ على ضوء الظروف المنظورة، على أساس أنها وإن كانت من منطقة الفراغ التي تملأ وفق الظروف؛ ولكن لوحظت في ملئها ظروف طويلة.
ثانياً: المقررات الهامة الثابتة؛ حتى لو أنها لم تكن تعين الإطار العام؛ كلون العلم وأمثال ذلك.
كما نصطلح بالقانون على كل ما يوضع من قوانين لاتمتلك الصفة الدستورية الآنفة. وكل مادة من مواد الدستور أو القانون لايمكن الإستغناء في تحديدها عن آراء الفقهاء؛ يجب أن توضع من قبل الفقيه».
https://telegram.me/buratha