حسن المياح ||
هذه مقدمة تمهيدية من أصل دراسة سياسية إجتماعية عامة شاملة -- على شكل حلقات --، لما يجري من صراع في ساحة الميدان السياسي في واقع المجتمع العراقي. وفيها سنتناول المعترك الآيدلوجي والصراع العقيدي بين الأحزاب والتشكيلات السياسية، والغاية التي تكونت من أجلها هذه الأحزاب، وتنافسها المحموم من أجل التصدي وتحمل مسؤولية قيادة الحياة والمجتمع والإنسان، ومعرفة درجة صدقها ونواياها، وما تصبو اليه، وتتأمل تحقيقه من خلال ممارسة السلطة وقيادة الامة وتدبير أمور وشؤون الشعب العراقي في وطننا الحبيب العراق العظيم الشامخ عزآ وكرامة، والغني بالخيرات والثروات التي وهبها الله تعالى للإنسان العراقي. وهل أن كل ما يقوم به الحزب أو التشكيل السياسي أو الفرد المنتمي في الحزب، هو عمل سياسي حقيقي، أو هناك غاية أخرى في نفسه يقضيها.
الجدل -- في الفكر الماركسي -- يعني الصراع بين متضادين، من أجل محو الآخر، والتسلط في محله.
والجدل -- في الفكر الإسلامي -- هو تهذيب التنافس على أساس التوازن وتقويمه، وتقديم الأهم على المهم.
والإنتماء هو الإيمان بالعقيدة، والإمتثال التام لتطبيق أحكامها وتشريعاتها، والإلتزام بكل مقرراتها ومفاهيمها، وما ينبثق عنها من نظام إجتماعي سياسي، وما فيها من قيم خلقية، والسير على هدى وإستقامة خطها الرسالي.
والولاء هو التطبيق العملي لغريزة حب الذات المتأصلة في الإنسان.
والولاء يأتي بعد الإنتماء، ولا يتقدمه.
نريد في هذا المقال أن نبحث تصرف الإنسان الذي يتصدى للمسؤولية ( المسؤول السياسي والحكومي )، والأساس الذي يبني عليه تصرفه العملي والخلقي في قيادة الأمة ( المجتمع )، ومدى توفيقه بين العقيدة التي يحملها ويؤمن بها، وبين التطبيق العملي لرسالته في قيادة البلاد والعباد.
هذه الدراسة ستوضح الخطوط العريضة لسياسة كل حزب، أو تجمع، أو تيار سياسي في قيادة الأمة في واقعها الحياتي، وستزيل كل اللبس والتضليل والإنتقاد اللاموضوعي، الذي من خلاله يتهجم على الطرف الآخر المقابل من دون وعي وفهم، ولكن لمجرد التحامل والتسقيط والمحاربة من أجل طرده من ساحة العمل السياسي، والغاءه من الوجود الفعلي في العملية السياسية.
فكل حزب، أو تيار سياسي له عقيدة يقوم على أساسها، والتي يؤمن بها كل أفراد ذلك الحزب، وعلى أساسها ينطلق عملهم الفكري والثقافي والسلوكي في الميدان السياسي الإجتماعي، ويخوضون الصراع تلو الصراع مع الأحزاب الآخرى في الإنتخابات للفوز بمقاعد أكثر، وعقد تحالفات مع أحزاب وتشكيلات سياسية أخرى، من أجل تكوين الكتلة الأكبر في البرلمان، والتي يحق لها تشكيل الحكومة على أساس تفوقها في عدد المقاعد. وتبقى الأحزاب والتشكيلات السياسية الاخرى معارضة في البرلمان لمراقبة الحكومة ونقدها وتقويم الإنحرافات، من أجل إستقامة مسيرة قيادة البلاد وإسعاد العباد في حياتهم وواقعهم الإجتماعي.
بطبيعة الحال، إذا كان حزب أو تشكيل واحد يفوز بتشكيل الحكومة، فإن برنامجه سيكون أكثر وضوحآ، وستعرف عقيدته التي يؤمن بها، وعلى أساسها يعمل، وهذا ما يسمى بالحزب الحاكم، لأنه هو وحده الذي يدير دفة قيادة الأمور، ولذلك هو يتحمل كامل المسؤولية في حالة الإنحراف والفشل وكل التبعات، وسينال الشكر والتقدير والإحترام وثقة الشعب إذا كانت مسيرة قيادته صالحة، ومحققة النفع للشعب مع الحفاظ على سيادة وثروات البلد، وحفظ الكرامات والتمتع بالحرية الإنسانية الحقيقة، وقيادة السفينة الى شاطيء الأمن والأمان، وتحقيق السعادة لأفراد المجتمع كافة.
لكن فوز حزب أو تشكيل سياسي واحد في واقعنا الإجتماعي، وتفرده في الحكم، وعلى أساس النهج الديمقراطي والإنتخابات الحرة النزيهة صعب جدآ، وبعيد المنال.
ولكن إذا تشكلت الكتلة الأكبر، وهي مزيج وخليط من عدة تشكيلات وأحزاب سياسية فائزة في الإنتخابات، لا أظن أن التوافق على برنامج عام شامل، تؤمن به هذه الكتل المتجمعة بدرجة واحدة، أو متساوية، سيكون سهلآ ميسورآ ؛ ولكن سيكون هناك رضآ الى حد ما، وبرؤى متقاربة على برنامج سياسي يكون منهاج عمل لهم في قيادة الأمور وتنفيذ المسؤوليات الملقاة على عاتق الجميع.
وهذه النقطة هي التي تشكل العقدة، ومفرق طريق، وتكون هي الشماعة التي يعلق عليها -- كل حزب وتشكيل سياسي في الكتلة الكبيرة المشكلة للحكومة -- إتهامه للآخر والتلكوء الحاصل. وهذه النقطة هي كذلك تشكل حالة ضعف للكتلة الحاكمة، والتي من خلالها تتعرض الحكومة للنقد والإنتقاد وكيل التهم والإخفاقات، وما يحدث من إنحرافات وفساد وفشل وتعطيل خدمات، وما الى ذلك من أمور أخرى في ميدان العمل السياسي، وفي واقع حياة الشعب العراقي.
https://telegram.me/buratha