دراسات

القانون الدستوري الإسلامي:القانون الدستوري في إيران أنموذجاً


 

د. علي المؤمن ||

    النموذج التطبيقي الأبرز والأهم في مجال القانون الدستوري الإسلامي هو نموذج القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي أفرز دستورها القائم حالياً. وهذا النموذج ربما يكون النموذج التطبيقي الذي يمكن اعتماده عيِّنة علمية للبحث في موضوع القانون الدستوري الإسلامـي، ونشـوء قواعـده وأحكامه، والمقاربة بينه والقانون الدستوري الوضعي من ناحية الأشكال والمضامين. والسبب في ذلك يعود إلى أن القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية ونظامها السياسي يمثلان تجربة متفردة وعميقة على المستويات الفقهية والقانونية والسياسية، وقد تبلورا عبر سنين طويلة وبجهود مئات الفقهاء وعلماء القانون والسياسة.

    وبالقدر الذي يتميز فيه القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية عن القوانين الدستورية الوضعية في المداليل الفكرية والآيديولوجية، وخاصة في جانب الرؤية الكونية والأهداف والمصادر، فإنه يتساوق معها في القيمة العلمية والعملية، بالنظر لنوعية صياغاته الفنية ومداليله السياسية.

    وحين استهل الإيرانيون عملية تقنين الفقه السياسي الإسلامي بكتابة دستور دولتهم الجديدة؛ لم يكن بين أيديهم من قواعد تقنين ومبادىء قانونية دستورية ونصوص دستورية؛ سوى المحاولات التي رافقت تدوين دستور المشروطة في إيران في العام 1906، ثم مرحلة دستور الدولة العثمانية الذي أعيد إقراره في العام 1908، وجهود فردية وجماعية محدودة لبعض الشخصيات والحركات الإسلامية (سنية وشيعية)؛ في مقابل كم هائل من تجارب القانون الدستوري المتكاملة في أوروبا، والتي تعبِّر عن خبرة تراكمية بدأت قبل عصر النهضة الأوروبية بقرنين تقريباً. ولذلك كان لابد من المرور بالمراحل المنهجية الثمانية التي تحدثنا عنها في كتابنا "الفقه والدستور"؛ لكي يخرج دستور الجمهورية الإسلامية إلى النور.

لقد استندت نظرية القانون الدستوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى جملة من المباديء الأساسية؛ أهمها:

1-   أن الدولة الإسلامية هي دولة القانون والمؤسسات القانونية

2-  يتساوى الجميع أمام القانون، بدءاً برئيس الدولة (القائد) وانتهاء بأي مواطن عادي

3-  هذه الدولة وسلطاتها تستند في شرعيتها الدينية إلى الأصول الإسلامية وتفاصيلها الاجتهادية، وفي مشروعيتها القانونية الى إرادة الشعب

4-  إنها دولة دينية - مدنية، أي أن الإنتماء إليها هو انتماء سياسي- قانوني وضعي من جهة، بصفتها دولة المواطنة التي تراعي خصوصيات البلد وتنوعه الديني والمذهبي والفكري والقومي، وكذلك الإنتماء العقدي الخاص بالايديولوجية الإسلامية الشيعية من جهة أخرى.

5-  إنها دولة الشورى، التي لايستبد فيها الحكّام بقراراتهم، بل يستندون إلى الشعب في ذلك، عبر المؤسسات الشورية المنتخبة، التي تبدأ من قمة الدولة وحتى أدنى مستويات عملها، وأن دستورها يعبر عن إرادة الشعب وإجماعه.

6-  إن جميع قوانين الدولة هي قوانين تستند إلى الشريعة الإسلامية، بالشروط التي وضعها الدستور على سلطة التقنين (التشريع) وجميع سلطات الدولة.

    وتتنوع مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، تبعاً لخصوصيات الدولة في بعديها الإسلامي والوطني؛ فمصدراه الأساسيان هما: القرآن الكريم وسنة الرسول وآل بيته، ثم المصدران الكاشفان: الإجماع والعقل، بما يتيح استمرار عملية الاجتهاد، من أجل الإستجابة لمتطلبات الدولة والحكم والحياة السياسية. ثم تأتي المصادر الأخرى المتفق عليها تقريباً في القوانين الدستورية العالمية، وفي مقدمها وثيقة الدستور، ثم أحكام رئيس الدولة (القائد) وقراراته. وتعد أحكام رئيس الدولة الإسلامية ذات خصوصية في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية، تبعاً لطبيعة المنصب الذي يجمع بين البعد الزمني بصفته رئيساً للدولة، والبعد الديني بصفته الولي الفقيه الحاكم، ومايترتب على مبدأ ولاية الفقيه العامة (النظرية الفقهية السياسية الحاكمة في الدولة) من حقوق وواجبات مناطة بالولي الفقيه.

ــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك