أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
تنــويــه
اشاع فيروس كورونا المستجد (Covid 19 ) فوبيا اصابت آلاف الناس عبر العالم،بعد ان تخطى معدل انتشاره المئات الى الآلاف في اليوم الواحد.فلدى متابعتنا لزيادة انتشاره في يومين متتالين،بلغ عدد الأصابات (414000) ألفا،والوفيات (18500)الفا ،والزام (2,6) مليار بالحجر المنزلي في (24/3/2020)،ارتفعت في اليوم التالي(25/3) الى(459،008)اصابة و(20)الف حالة وفاة،ودخول (3) مليارفي الحجر الصحي،وتجاوزت في يوم(26/3)النصف مليون بواقع(511,600) أصابة و(23,500) حالة وفاة ..مصحوبة بهوس وسائل تواصل اجتماعي وفضائيات على صناعة رعب احترافية غير مسبوقة عالميا.
تضمنت الحلقة الأولى تنظيرا صرفا موجزا للرّهاب (الفوبيا) هدف الى تزويد القاريء بمعرفة علمية تمكنه من تفنيد ما يتحدث به اشخاص ليسوا اختصاصا عبر فضائيات وصفحات فيسبوك وتويتر،فيما تتضمن الحلقة الثانية هذه تطبيقا محددا لأساليب التعامل في مواجهة فيروس ماكر وخبيث.
فـوبيــا الوبـــاء
ان التعريف العام للفوبيا (الرّهاب) هو: "خوف مفرط أو شديد من موضوع أو موقف،يعّد لدى الآخرين عادياً أو طبيعياً،لا يستطيع المصاب به السيطرة عليه بالرغم من معرفته بأن خوفه هذا غير مناسب".
غير ان الفوبيا من الوباء يختلف،وعليه نقترح له التعريف الآتي:
"هو قلق مفرط مصحوب بترقب شر مصحوب بمشاهد موت بشع له او لمن يحب، ناجم عن عدم قدرة الدولة بالسيطرة على احتواء الوباء، وتعدد مصادر الأصابة به".
وعالميا..تجسدت ابرز مظاهر هذه الفوبيا:بهوس تخزين الأغذية والمعقمات،هوس النظافة،المتابعة اليومية لأخبار الوباء،عدم القدرة على النوم في الليل، فوبيا الكومبيوتر بعدم الاقتراب من الحاسوب،الابتعاد عن مكان العمل،الخوف من غسل الوجه ومناطق حساسة في الجسم،فوبيا المعاشرة الزوجية،الشعور بالم شديد عند لمس شخص اخر،الشراهة في الأكل،الوسواس القسري،الخوف من الموت،وفوبيا التحدث عبر الهاتف!
مصادر الأصابة بفوبيا كورونا
تابعنا وما زلنا نتابع المصادر المسؤولة عن زيادة الأصابات بفوبيا كورونا فوجدنا انها تتحدد بمصدرين،هما:
1.الثقافة المجتمعية والوعي الصحي
يلعب نمط الثقافة المجتمعية دورا فاعلا في تقوية او اضعاف جهاز المناعة عند الانسان.ولتوضيح ذلك لنأخذ المجتمعين الكندي والعراقي مثالا.ففي كندا يشيع نمط الثقافة المجتمعية الصحي،كون الكنديين أصلا معتادون على نظافة حتى الشارع،فيما يشيع في العراق نمط متخلف من الثقافة المجتمعية.
ويلعب الوعي الصحي دورا فاعلا ايضا في تفسير سبب الوباء ،فالمجتمع الكندي،الألماني.. يتعامل مع الوباء بأسلوب علمي،فيما يكون التعامل في المجتمع العراقي قائما على الخرافة واللامبالاة والغيبيات واشاعة معتقد (قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا) وتجاهل قوله سبحانه (ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة وانت تعلمون).
ومن اكثر مظاهر تخلف الثقافة المجتمعية والوعي الصحي في العراق قول رجل دين لجمهور الزائرين داخل ضريح الأمام الكاظم،ان هذا المكان مطّهر لا تدخله الجراثيم،وتصديق هذا الجمهور لما يدعيه!.ومظهر آخر هو ان جماهير بغداد /الرصافة عزمت على التوجه لزيارة الأمام الكاظم يوم السبت 21 آذار،ولولا أمر المرجعية الموقرة لتوجهت زاحفة بالآلاف بعد ان وقفت الحكومة ،قبل يوم، عاجزة عن منعهم.ما يعني أن المجتمع الذي فيه مؤسسات او جهات لها نفوذ اجتماعي تنظر الى الوباء على انه ناجم عن قوة ارضية..بيولوجية،تكون فيه الفوبيا اقل انتشارا مقارنة بنظيرتها في مجتمع آخر تنظر له في البدءعلى انه قوة سماوية او قضاء وقدر او حكمة ربانية،وحين يزداد انتشاره ويخرج عن السيطرة عندها تزداد حالات الفوبيا بعلاقة طردية.
2.علاقة الحكومة بالشعب
تشكل حكومة الدولة سببا رئيسا في شيوع الوباء او الحد منه. ففي كندا مثلا،تعاملت الحكومة بمصداقية مع شعبها واتخذت اجراءات وقائية واقتصادية تحد من خوف المواطن وقلقه بخصوص المستقبل،فيما كانت علاقة المواطن العراقي بحكومته،سلبية ناجمة عن ازمة ثقة تثير لديه الخوف وتوقع الشر وعدم اتخاذ تدابير تحد من فوبيا الموت جوعا!..يزيدها حدة..انخفاض اسعار النفط.
والحالة السيكولوجية هنا ،ان العلاقة الايجابية بين المواطن ومؤسسات الدولة تؤدي الى الحد من انتشار الوباء، فيما العلاقة السلبية بينهما تؤدي الى انتشاره واشاعة الفوبيا.ومع ان أحزاب السلطة منشغلة بصراعتها السياسية وكأن ما يحصل لا يعنيها،فأن ما يشيع فينا الأطمئنان ان الكوادر الصحية العراقية بدءا من السيد وزير الصحة وكادره الطبي والأطباء الى الممرضات والكادر الخدمي..يجاهدون في احتواء الوباء بما يستحق التقدير والأمتنان.
كيفية التعامل مع فوبيا كورونا
ثمة حقيقتان واقعتان الآن:الأولى،ان العالم بعد وباء كورونا سيكون،سيكولوجيا، غير العالم قبله،والثانية،ان جهاز المناعة هو المسؤول الوحيد الذي نمتلكه في التعامل مع فيروس كورونا،ما يعني ان الجهاز اللمفاوي والغدد بانواعها والكريات البيض..هي الجهة الوحيدة التي تتمتع بالقدرة على اكتشاف اي فيروس او جسم غريب يدخل جسم الانسان والقضاء عليه.
وهنالك عاملان يؤثران في قوة او ضعف جهاز المناعة هذا،الأول نوع المواد الغذائية التي يتناولها الانسان لاسيما الفواكه والخضر والفيتامينات،والثاني هو نظام المناعة النفسي(الفكري،الأنفعالي،السلوكي) بوصفه الأكثر تأثيرا في الأضطرابات النفسية.اذ تؤكد الدراسات ان الخوف والتوتر والقلق المفرط تؤدي الى افراز هرمونات تربك او تضعف عمل جهاز المناعة وتمنح الفيروس فرصة التغلب عليه،فيما التمتع بالهدوء الفكري والنفسي وراحة النوم والضحك تؤدي الى افراز هرمونات تقوي جهاز المناعة وتساعد في القضاء عليه.
ونذكر لك هنا حادثة واقعية حصلت في بغداد يوم اجتاحها مرض الطاعون في 1831 ،فحين
بلغ عدد الموتى ثلاثة آلاف شخص في اليوم الواحد،وامتلأت الشوارع بالجثث التي اكلتها الكلاب..حدث ان مات بعض الأفراد..هلعا!..ما يعني ان الفوبيا من الوباء تميت صاحبها وان لم يكن مصابا بالمرض!
ما حصل ان هجمة فيروس(كوفيد 19)كانت مباغتة اثارت فينا مخاوف مشروعة: الخوف من ان نصاب به،او يصاب به أحبة،او ان ما لدينا من مؤونة ستنفد ونموت جوعا في بيوتنا،اوان العالم سيقف عاجزا عن احتوائه.وهنا علينا ان ندرك مفهوما سيكولوجيا مهما هو، ان نفهم الخوف بأنه عامل وظيفي مهمته انه يدفعنا الى اتخاذ التدابير التي تؤمن لنا الأمان ،وان تصاعد الخوف الى حالة الفوبيا يؤدي الى تعطّل وظيفته في خدمة غريزة البقاء ويساعد مصدر التهديد على الفناء.
ولتفادي ذلك ،اعني ان تبقى في حالة الخوف الذي يؤدي وظيفة البقاء،ولا تعبر الى حالة الفوبيا التي تساعد على الفناء،عليك بالآتي:
• في ازمات الوباء..تزداد الأفكار السلبية وهي حالة طبيعية ومفيدة،ولكنها تكون مشكلة اذا تحولت الى افكار توليدية..تبدأ بأن زيادة الأصابات بكورونا راح ينتشر الوباء..وراح وراح وراح..
• لا تشغل يومك بالتنقل عبر الفضائيات والفيسبوك وتويتر لمتابعة أخبار الوباء،واختر مصدر اومصدرين وفي اوقات محددة ومتباعدة.
• تواصل عبر النت مع اصدقاء ومحبين ..شرط ان لا يكونوا (مرعوبين)
• في الحجر الصحي او المنزلي..ستشعر في البدء بحالة تحوطية مقبولة،لكنها تتطور تدريجيا الى ملل ثم ضجر ثم اكتئاب مصحوبا بأحباط يدخلك في نفق التشاؤم.ولتفادي ذلك عليك بممارسة هواياتك والبحث عبر النت عن المشهورين فيها وكيف استطاعوا الوصول الى تحقيق الشهرة.
• ان كنت تشعر باعراض تثير لديك الخوف بانك مصاب بفيروس كورونا ،عليك ان تقطع الشك باليقين بمراجعة طبيب اختصاص، فان كانت تلك اعراضه فعلا فستنال العلاج في وقت مبكر وتضمن الشفاء،وان كانت تلك الاعراض وهما فسيمحنك الطبيب الشعور بالأطمئنان بأنك سليم.
• حذار من اثارة مشاعر الذعر بين اطفال أسرتك،فأنهم سيتعبونك وستعرضهم الى كوابيس وتبول ليلي لاارادي..واشاعة وساوس قسرية بين افراد الأسرة لاسيما الأم والزوجة والبنات.
• في حالة وجود فوبيا كورونا متعبة ومزعجة للفرد والعائلة،يجب مراجعة طبيب نفسي متخصص حصرا بالعلاج السلوكي المعرفي.
أخيرا:
تذكر دائما،ان الخوف المفرط والقلق المصحوب بتوقع الشر،يؤدي الى اضطراب في الهورومانات يضعف جهاز المناعة..سلاحك الوحيد الذي تمتلكه الآن في مواجهة فيروس خبيث وماكر و..قاتل.
26 / 3 /2
https://telegram.me/buratha
