حيدر الطائي
اشاع الإمام علي عليه السلام بين الناس مقتل ولده الحسين كما اشاع ذلك رسول الله ص. وقد أدلى أمير المؤمنين بذلك في كثير من المناسبات وهذه بعضها:
أولا: روى عبد الله بن يحيى عن أبيه إنه سافر مع علي ع. إلى صفين وكان صاحب مطهرته. فلما حاذوا نينوى (كربلاء حاليا)
تأثر الإمام علي عليه السلام ورفع صوته قائلاً
" اصبر أبا عبد الله. اصبر أبا عبد الله بشطِ الفُرات"
فذُهلَ يحيى وانبرى يقول من ذا أبو عبدالله ؟
فأجابه الإمام علي وقلبه يتقطع ألمًا وحزنًا قائلاً
( دخلتُ على رسول الله ص. وعيناهُ تفيضانِ. فقلت. يانبي الله اغضبك أحد؟ وماشأن عينيك تفيضان؟
قال: بل قام من عندي جبرائيل فحدثني أن الحسين يُقتلُ بشطِ الفُرات. وقال هل لك أن اشُمكَ من تربته. فقلت. نعم. فقبض قبضةً فأعطانياها فلم أملك عيني أن فاضتا ١)
ثانيا: حدث هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علي عليه السلام غزوةَ صفين فلما نزلنا بكربلاء صلى بنا صلاة. فلما سلّم رفع إليه من تُربتها فشمها ثم قال " واهًا لكِ أيتُها التُربة. ليُحشرنّ منكٍ قومٌ يدخلون الجنة بغيرِ حساب.
وبهر هرثمة وظل حديثُ الإمام علي يراوده في كل فترة وكان منكرًا له. فلما رجع إلى زوجته جرداء بنت سمير وكانت شيعية لعلي حدثها بما سمعه من الإمام فقالت له: دعنا منك أيها الرجل فإن أمير المؤمنين لميقل إلا حقا:
ولم تمضِ الأيام حتى بعث بن زياد بجيوشه لحرب ريحانة رسول الله وكان فيهم هرثمة. فلما انتهى إلى كربلاء ورأى الحسين ع. وأصحابه تذكر قول الإمام أمير المؤمنين فكرهَ حربه. واقبل على الإمام الحسين وأخبره بما سمعه من ابيه علي. فقال له الحسين ع. " معنا أنت أو علينا" فقال. لامعك ولا عليك. تركتُ أهلي وولدي أخافُ عليهم من ابن زياد فنصحهُ الإمام الحسين ع. وقال له: فولِ هاربًا حتى لاترى لنا مقتلاً. فوالذي نفسُ محمد بيده. لايرى مقتلنا اليوم رجلٌ ولايغيثنا إلا أدخله الله النار:
وانهزم هرثمة من كربلاء ولم يشهد مقتل الإمام الحسين ع.٢
ثالثا: خطب الإمام علي ع. فكان من جملة خطابه( سلوني قبل أن تفقدوني . فولله لا تسألوني عن فئةٍ تُضِلُ مائةً أو تهدي إلا نبأتكم بناعِقِها وسائقِها. ولوشِئتُ لاخبرتُ كل واحدٍ منكم بمخرجه ومدخله وجميع شأنه)
فانبرى إليه الوغد الخبيث تميم بن أُسامة التميمي فقال ساخرًا ومستهزئًا: كم في رأسي طاقة شعر؟
فرمقه الإمام علي بطرفه وقال له: أما والله إني لأعلمُ ذلك ولكن أين برهانه لو اخبرتُكَ به. ولقد اخبرتُكَ بقيامكَ ومقالك وقيل لي إن على كل شعر رأسك ملكا يلعنُك. وشيطانًا يستفزك. وآية ذلك أن في بيتك سخلاً يقتلُ ابن بنت رسول الله ص ويخُضُّ على قتله) وكان ابنه حصين يومئذ طفلاً صغيرًا يرضع اللبن. ثم عاش إلى أن صار على شرطة عبيد الله بن زياد وأخرجه عٌبيد الله إلى عمر بن سعد يأمره بمناجزة الحسين ع. ويتوعد على لسانه إن أرجأ ذلك. فقتل صبيحة اليوم الذي ورد فيه الحصين بالرسالة في ليلته٣)
رابعا: قال أمير المؤمنين عليه السلام( كأني بالقصور وقد شُيدت حول قبر الحسين. وكأني بالأسواقِ وقد حُفت حول قبره. ولاتذهب الأيامُ والليالي حتى يُسار إليه منَ الآفاق. وذلك بعد انقطاع بني مروان٤)
وتحقق مااخبر به الإمام علي ع. الذي هو باب مدينة علم النبي ص. ومستودع أسراره وحكمته. فإنه لم تكد تنقرض الدولة الأموية حتى ظهر مرقد ريحانة رسول الله وأصبح حرمه الذي تهفوا إليه قلوب المؤمنين وتتلهف على زيارته ملايين المسلمين. وتشد إليه الرحال من كل فجّ عميق فالسعيدُ السعيد الذي يحضى بالتبرك بزيارته ويلثم أعتاب مرقده. ولقد أصبح مرقده العظيم عند المسلمين وغيرهم رمزًا
للكرامةِ الإنسانية ومنارًا مشرقًا لكل تضحيةً تقوم على الحق والعدل. وعنوانًا فذًا لأقدس مايشرف به هذا الحي من بين سائر الأحياء في جميع الاعصارِ والآباد...
_
مصادر البحث
١. مسند أحمد بن حنبل ج١ص١٣٧ الحديث ٦٤٩. وتأريخ مدينة دمشق ج١٤ص١٨٨و ١٨٩. وسير أعلام النبلاء ج٣ص٢٨٨.
٢. شرح نهج البلاغة/ ابن أبي الحديد ج٣ص١٦٩و ١٧٠.
٣. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج١٠ص١٤و١٥.
٤. مسند الإمام زيد ص٤٧٠.
https://telegram.me/buratha