بقلم:الدكتور السيد علاء الجوادي
صفحات قد لا تكون معروفة عن حركة السيد الشهيد الحكيم ودوره في اسقاط نظام العفالقة واقامة دولة الانسان في العراق يرويها بمناسبة الذكرى السنوية لشهادته احد اصحابه ومريديه
المقدمة
تعرفي الاول على السيد محمد باقر الحكيم ياتي من كونه من الشخصيات العراقية المعروفة بحكم سعة امتداد مرجعية والده الامام السيد محسن الطباطبائي الحكيم وشمولها للعراق والبلدان العربية وايران والقارة الهندية.
وبحكم روابط اسرية اخرى وبحكم انتمائنا المبكر للحركة الاسلامية العراقية. من هذه المقتربات كان تعارفنا العام وكان بحدود المجاملات العامة مع الشهيد اية الله السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه. كل ذلك جعل لقائي السياسي الجاد معه سنة 1980 غير نابع من فراغ بل يستند على اسس موضوعية وروحية متينة.
منهجية البحث
هذا البحث هو الخطوط العامة لمشروع كتاب عن السيد الحكيم ونضاله المتواصل المستمر منذ الثمانينيات لحين شهادته. كان هذا المشروع فكرة مهمة في ذهني اسعى الى تنفيذها لكن الذي كان يحول دون ذلك اسباب هي:
1- تكالب الانشغالات السياسية والاكاديمية والحركية مما كانت تقضم معظم وقتي وكنت وما ازال اتمنى ان يكون اليوم اكثر من 24 ساعة ليتمكن الانسان ان ينجز الكثير مما يصبو الى انجازه.
2- وثاني الاسباب هو اني لا ارغب ولا اريد الكتابة عن الاحياء لئلا تفهم كتابتي بصورة غير صحيحة. وها انا اكتب عن استاذي وقائدي واخي وصديقي الشهيد السيد محمد باقر الحكيم بعد سبع سنوات من شهادته دون اي هدف دنيوي بل لمجرد رغبة التقرب الى الله عز وجل بالكتابة عن احد كبار الشهداء في عصرنا الحاضر.
3- ان العاملين في الساحة السياسية العراقية ابتلوا بالكثير من المصائب ومن اهمها سوء الظن والتسقيط والاتهام السريع حيث تخصص بمثل هذه الفنون الكثير من الكوادر القادرة على العطاء الا انها آثرت ولوج الدروب السوداء لارسال الرياح الصفراء. لذلك فقد يسارع بعض المرضى للطعن والتسقيط بمجرد الكتابة عن السيد الحكيم. وحيث ان الرجل انتقل الى رحمة ربه بشهادة فريدة من نوعها اكرمه الله بها فلم يعد من ثمة اثر مادي لجسده في هذه الارض ولم تبقى الا روحه التي انتقلت للسماء. فاشعر انه من واجبي ان اكتب عنه ما رايته وما عرفته عنه.
4- لقد كتبت عن رموز وشهداء الحركة والمسيرة الاسلامية في العراق فكتب كتابا عن السيد الشهيد الاول الامام محمد باقر الصدر... وكتبت بحثا مطولا عن منهاج العمل السياسي عند السيد الشهيد الصدر الثاني المرجع الكبير محمد محمد صادق الصدروهو مشروع كتاب موسع عنه...وكتبت عن استاذي ومرشدي العلامة عز الدين الجزائري رائد الحركة الاسلامية العراقية وعن ابيه قائد جمعية النهضة وثورة النجف وساكتب عنه بحوثا اخرى وكتبت عن اخوة لي استشهدوا في طريق العمل ومن امثلتهم اخي الشهيد اللسيد عبد المجيد الخوئي. باسمي الصريح او باسم مستعار...وساكتب عن اخوة اخرين وعلى رأسهم اخي وحبيبي ورفيقي وصديقي الحاج ابو ياسين عز الدين سليم. فالسؤال اليس من حق السيد ابي صادق علي ان ادون ما عرفته من افاق جهاده وحركته؟؟
وانا وللامانة التاريخية كنت من اكثر الاشخاص الذين عملوا مع السيد القائد الشهيد الحكيم مخالفة له بالرأي وابداء الرأي الصريح امامه حتى كان بعض الاحيان يصل اختلاف الرأي معة لدرجات كبيرة وتشهد بذلك وثائق الاجتماعات ومحاضرها. الا انه ولله الحمد لم يفسد ذلك للود قضية. وما زال السيد الحكيم يعيش في اعماقي معلما وقائدا واخا نبيلا. وهو درس في ان الخلافات لو كانت في طريق العمل فانها لا تنتج الا المحبة والتفاني والاخلاص بين الفرقاء.
وللامانة التاريخية ايضا فقد وجدت ان بعض ما كانت لي وجهة نظر مخالفة له به، فان المستقبل كان يكشف ان وجهة نظره كانت هي الاصوب في الكثير من الاحيان.
لقد تعرض السيد الشهيد وعائلته الكريمة ومن عمل معه الى حملات نارية تقوم على شهوة محمومة في التسقيط لمجرد الخلاف او الصراع السياسي. انا لا اريد ان اقول ان عملنا لم تكن تشوبه اخطاء ولكن الحملة المضادة كانت قاسية جدا... لقد نالنا ولله الحمد الكثير منها وهو ما نحتسبه عند الله. وليحضر ابطاله اجوبتهم يوم الحساب.
وكما ان ابو طالب لم يسلم من الهجوم بسبب ابنه علي فكذلك الامام الحكيم لم يسلم من هجوم بسبب ابنه السيد محمد باقر فاخذ البعض يلوك بسيرته وهو من اكبر المراجع ودوره من اهم الادوار.
وارجع مرة اخرى الى الباعث لي الى الكتابة وهو متابعة اخي وصديقي الاستاذ الحاج ابو تقى صلاح التكمجي التميمي الذي يلح علي كثيرا ودائما ان ادون ارائي وتصوراتي عن تلك المرحلة المهمة وها انا اكتب الان هذه النقاط المتفرقة امتثالا لطلب اخ مؤمن اسأل الله له التوفيق.
وسأقدم خطوطا عامة في هذه الدراسة لتكون هيكلية اعتمد عليها عند تاليفي للكتاب الذي ذكرته انفا.
المصادر
اما مصادري التي ساعتمدها في هذه الدراسة وفي الكتاب لاحقا فهي:
1- اولا معايشتي الحية والفعالة لحقبة زمنية خطيرة وحساسة من تاريخ العراق الوطني والنضالي والسياسي مع السيد محمد باقر الحكيم. ومصدري في ذلك ما بقي بذاكرتي من احداث واحمد الله ان ذاكرتي قوية ولكن ككل انسان فان ذاكرته تتأثر بالزمان.
2- الوثائق المخطوطة والتي تنحصر بعدد قليل من العاملين الاوائل مع السيد الحكيم. وقد تنحصر بي فقط بعض الاحيان.
3- وثائق مطبوعة خاصة ولم تكن للنشر العام.
4- محاضر الاجتماعات التأسيسية للخط وعليها ملاحظات السيد محمد باقر الحكيم.
5- محاضر اجتماعات المجلس الاستشاري ومكتب العراق والدورات الستة الاولى للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق.
6- رسائل وكتب متبادلة مع السيد الحكيم.
7- كتب ومؤلفات وخطب السيد الحكيم.
8- لوثائق ومنشورات اخرى .
هيكلية الكتاب
ساركز في الكتابة على السيد الحكيم خلال الفترة من سنة 1980 الى شهادته في 2003 . وقد كتبت العديد من الفصول وجمعت وثائق من خلال العمل الميداني حول هذه الفترة وبمئات الصفحات. فالمادة العلمية والتاريخية جاهزة، لكنها تحتاج الى همة وعزيمة قويتين من جهة وتفرغ لانجاز العمل من جهة اخرى. ستكون هيكلية الكتاب او فصول البحث عبر العناوين التالية:
اولا: السيد باقر الحكيم النشأة وجذور التحرك الفكري والسياسي
وسأتناول به بيت الحكيم ومرجعية السيد الامام الحكيم وعلاقته مع السيد الامام محمد باقر الصدر وصلته مع الحركة الاسلامية وصولا الى هجرته من العراق الى سوريا ومن سوريا الى ايران.
ثانيا: القيادة والتأسيس
وسنتناول في هذا العنوان ان السيد كان صاحب مشروع متكامل. وسنمر على عناوين مهمة ضمن هذا الفصل منها:
1- المجلس الاستشاري لخطنا السياسي.
2- جماعة العلماء المجاهدين في العراق والمكتب الاعلامي.
3- تأسيس مكتب العراق.
4- تأسيس المجلس الاعلى ودوراته الستة الاولى.
5- تشكيل قوات بدر وتطوراتها.
6- ما تعرض له من صعوبات وصراعات.
ثالثا: المعارضة الضاربة للدكتاتورية
وسنتناول تحت هذا العنوان الجهود التي بذلها وقادها السيد الحكيم. وايمانه بضرورة تكامل الاعمال وسنشير الى نماذج من ذلك مثل:
1- التوعية والتبليغ الاسلامي والسياسي
2- النشاط الاعلامي مثل: الصحافة والاذاعة والتلفزيون والمنشورات.
3- العمل العسكري النظامي قوات بدر.
4- الكفاح المسلح في داخل العراق ضد الدكتاتورية.
5- العمل مع الجماهير العراقية
6- العمل الثقافي
7- العمل الخدمي
8- ميادين عمل اخرى
9- العلاقات الدولية والاقليمية
رابعا: مواصلة الطريق بعد تدويل القضية العراقية
وهذه المرحلة من اهم مراحل تحرك السيد الحكيم وبها محطات مهمة ينبغي الوقوف عندها مثل زيارته الى لندن في التسعينيات من القرن الماضي. وزيارته للدول العربية وبناء علاقات جادة معها.
خامسا: احتضار النظام العفلقي الصدامي
وسنتناول في هذا الفصل او العنوان السنة الاخيرة او الفترة الاخيرة من عمر النظام الصدامي المقبور والتي تجلت في عدد من الاجتماعات المهمة للمجلس الاعلى وعدد من التحركات الاقليمية والدولية. ثم انعقاد مؤتمر المعارضة في لندن قبيل سقوط نظام صدام ووجهات نظر السيد الحكيم ومشروعة في اليات اسقاط الدكتاتورية وانظلاقة النظام الجديد.
سادسا: دخول العراق
في هذا العنوان هناك الكثير من الامور التي ينبغي ان تثبت وتقال وقد عبر عنها السيد الحكيم رضوان الله عليه عبر خطب الجمعة التي كان يلقيها. ونتلمس من خلالها رؤيته في بناء الدولة العراقية الجديدة وتحرير العراق من الاحتلال. وسبل الارتقاء بالبلاد الى مصاف الدول التي ترعى الانسان وتمنحه استحقاقاته الحياتية والانسانية.
سابعا: خط متواصل
لم تنبثق ظاهرة السيد الحكيم فجأة وبلا مقدمات. فالسيد الحكيم هو امتداد لمدرسة الاسلام الكبرى ولمدرسة اهل بيت النبوة وامتداد لظاهرة المرجعية الدينية وهو كذلك امتداد لارادة شعب ونضال امة. ولكن السيد الحكيم كان مؤسسة لمرحلة من اصعب مراحل نضال وجهاد امتنا الكريمة وشعبنا العراقي الابي. النتيجة الطبيعية لمثل هذه الحالة ان ظاهرة السيد الحكيم ستكون متواصلة ومتنامية عبر السائرين على الطريق الذي سار عليه السيد الحكيم واسس فيه لمدرسة كبرى من مدارس الجهاد الاسلامي والوطني العراقيين. هكذا ستكون افاق نهاية البحث الذي سيتحول الى كتاب او مذكرات لشاهد عاصر الاحداث ويريد ان يرويها بعدما تجاوز عمر الشباب.
وهكذا ستكون منهجية الكتاب اذا وفق الله لاتمامه.
ومما احب ان اخبر به القارئ ابتدا في رحلتنا باجواء السيد الشهيد محمد باقر الحكيم. انني سوف لا التزم الهيكلية التي اشرت اليها انفا. بل سيكون البحث الذي نقدمه اليوم للاخوة الاعزاء عبارة عن اشارات متفرقة لكنها تسير في نفس الاتجاه المرسوم للكتاب بل وستكوّن فقرات مهمة منه مستقبلا.
السيد محمد باقر الحكيم
في بداية الحديث عن شهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم "قدس سره" نشير الى بعض المعلومات العامة عن حياته.
ولد آية الله السيد محمد باقر بن الامام السيد محسن الحكيم المرجع الاسلامي الاعلى لشيعة اهل البيت في "20 جمادي الاولى 1358 هـ الموافق لعام 1939م" في مدينة النجف الاشرف وسط العراق.
وعائلة آل الحكيم من العوائل العلمية العربية المعروفة في العراق ويرجع نسبها الى الامام الحسن المجتبى بن الامام علي "عليهما السلام".
ونشأ في بيت والده المرجع الاعلى للطائفة في زمانه وتلقى علومه العالية في النجف الاشرف على يد كبار الاساتذة المتخصصين في العلوم الاسلامية.
ابتدا السيد الحكيم تعلمه للقراءة عند الملة اي (الكتاتيب) في النجف على طريق اهل مدينته في ذاك الزمان. فتعلم فيها القراءة والكتابة.
ثم دخل مرحلة الدراسة الابتدائية في مدرسة منتدى النشر وأنهى الصف الرابع وتركها متوجها نحو الدراسات الحوزوية. لقد انتمى السيد للحوزة العلمية النجفية منذ فترة مبكرة من حياته في سن الثانية عشر من عمره.
وكان أول أساتذته ابن اخته الكبيرة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد سعيد بن السيد محمد علي الحكيم حيث درس عنده قطر الندى وألفية بن عقيل وجزءاً من مغني اللبيب، وحاشية الملا عبد الله وجزءاً من منطق المظفر، والمختصر وجزء من المطول، ومنهاج الصالحين والمعالم. وأنهى دراسة اللمعة الدمشقية سنة 1375 هـ – 1956م
وفي في تلك السنة دخل مرحلة السطوح العالية، فدرس عند أخيه الاكبر آية الله العظمى وتقي العلماء الذي قال عنه الامام الخميني رضوان الله عليه اذا نظر الانسان الى وجهه فكأنه ينظر لرجل من اهل الجنة وهو السيد يوسف الحكيم، وابو الشهداء اية الله السيد محمد حسين الحكيم، وآية الله العظمى الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر "قدس الله ارواحهم".
وبعد مرحلة السطوح حضر البحث الخارج عند آية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي "قدس سره" وآية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر "قدس سره" ، ونال سنة 1964م درجة الاجتهاد في الفقه واصوله وعلوم القرآن من آية الله العظمى الشيخ مرتضى آل ياسين "رض".
كان السيد محمد باقر الحكيم من اساتذة الحوزة المعروفين ودرس فيها في مرحلة السطوح العالية كفاية الاصول في مسجد الهندي في النجف الاشرف وهو محط طلاب العلم والمعرفة منذ قرون. ومنذ عام 1964م درّس في كلية اصول الدين في بغداد في مادة علوم القرآن.
كما اشترك مع الامام الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر "رض" في مراجعة كتابيه (فلسفتنا، واقتصادنا) وقد اشار الامام الشهيد الصدر "رض" الى هذا الموضوع في مقدمة كتاب اقتصادنا فوصفه بـ "العضد المفدى".
وفي ايران وبالرغم من انشغالاته بالتحرك السياسي، فانه اولى الدراسة الحوزوية اهتماماً يتناسب مع حجم انشغالاته الجهادية، فدرس على مستوى البحث الخارج باب القضاء والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وولاية الفقيه، كما ساهم وبصورة مستمرة في المؤتمرات الفكرية والندوات واللقاءات العلمية والثقافية التي تقام في الجمهورية الاسلامية الايرانية، وتناولت بحوثه: التفسير، والفقه، والتاريخ، والاقتصاد، والسياسة، والاجتماع، والفكر الاسلامي.
كان السيد الحكيم من اوائل العاملين والمؤسسين للحركة الاسلامية في العراق، كما كان واخوه الشهيد السيد مهدي الحكيم قطبين اساسيين في مرجعية والدهما الامام الحكيم "رض" . وباشر السيد مهمة التحرك في النشاطات الاجتماعية وزيارة المدن واللقاء بالجماهير. فضلا عن دوره الكبير في التبليغ والتوعية، وادارة البعثة الدينية لوالده الامام الحكيم في الحج ولمدة تسع سنوات حيث كان قد اسس هذه البعثة لاول مرة في تاريخ المرجعية الدينية.
كما مثّلَ (رض) والده الامام السيد محسن الحكيم في عدد من النشاطات الدينية والرسمية، ومن امثلة ذلك:
1- مثل والده في المؤتمر الاسلامي المنعقد بمكة المكرمة سنة 1965م،
2- مثل والده في المؤتمر الاسلامي المنعقد بعمّان بعد نكسة حزيران 1967م.
وفي فترة تصاعد المواجهة بين الامام الحكيم "رض" وبين نظام العفالقة في بغداد وخلو الساحة من اغلب المتصدين بسبب السجن والمطاردة لازم السيد محمد باقر الحكيم والده الامام الحكيم وادار اعماله، حتى وفاة المرجع الاعلى في 27 ربيع الآخر سنة 1390هـ.
تعرض للاعتقال عدة مرات من قبل نظام العفالقة في بغداد ونشير الى التالي:
1- اعتقل اول مرة عام 1972م، ثم اطلق سراحه.
2- اعتقل في عام 1977 مرة ثانية بسبب دوره في انتفاضة صفر، وحكم بالسجن المؤبد من دون تقديمه للمحاكمة، وتم اطلاق سراحه في "عفو عام" في 17 تموز 1978م، لكنه منع من السفر ووضع تحت المراقبة السرّية.
هاجر من العراق بعد استشهاد آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر "رض" في اوائل شهر نيسان عام 1980م، وذلك في تموز من السنة نفسها.
ومنذ اول هجرته من العراق سعى سماحته لتصعيد العمل الجهادي الشامل ضد نظام الطاغية صدام وقد قام بخطوات كبيرة في هذا المجال، اسفرت عن تأسيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق. وانتخب ناطقا رسميا له. في عام 1986م انتخب رئيسا للمجلس الاعلى واستمر بهذا المنصب لحين شهادته سنة 2003.
اهتم سماحته بتصعيد الروح القتالية لدى العراقيين المظلومين، فأسس في بداية الثمانينات التعبئة الجهادية للعراقيين وتشكلت نواة خيرة من المقاتلين ثم تطورت حتى صارت فيلقاً يعرف اليوم بأسم فيلق بدر.
عاد السيد الى العراق في 10/5/2003 ووصل لمدينة النجف الاشرف يوم 12/5/2003 واستقر بها.
وفي يوم الجمعة الاول من رجب 1424هـ استشهد (رض) بأنفجار سيارة مفخخة وضعت قرب سيارته بعد خروجه من الصحن الحيدري الشريف بعد اداء صلاة الجمعة. وادى الحادث الاجرامي الى استشهاد وجرح المئات من المصلين وزوار الامام علي عليه السلام.
السيد الحكيم رمز من الرموز الكبير في التاريخ السياسي العراقي المعاصر وعلم من اعلام الحركة الاسلامية العراقية منذ الخمسينيات لحين شهادته.
وهو فقيه مجتهد من فقهاء مدرسة اهل البيت عليهم السلام. ومدرس لعلوم القران ومن كبار اساتذة علم اصول الفقه.
ولا اريد ان اكثر من مدح السيد مع كونه كان مظلوما ويستحق الذكر باحرف من نور. واالسبب في ذلك اني سارجع الى كلمات مضيئة بحقه من مصادر نور.
الامام المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه
كانت العلاقة بين السيد الصدر والسيد الحكيم متميزة بكل ابعادها لذلك وصفه الامام الصدر بـ "العضد المفدى". والرسائل بين السيد ابو جعفر الامام الصدر الاول والسيد ابو صادق السيد الحكيم تطفح بايات المحبة والاحترام والتقدير. ووقد سلمني السيد الشهيد الحكيم منذ اوائل لقائنا مجموعة مستنسخة منها وسنعرض لعدد من هذه الرسائل في الكتاب المقترح ان شاء الله.
الامام السيد روح الله الموسوي الخميني رضوان الله عليه
من الامور المحسوسة الملموسة لي هي قرب السيد الحكيم للامام الخميني وصلته المستمرة به. وصفه الامام الخميني بـ "الابن الشجاع للإسلام" تقديراً منه لمواقفه المعارضة للنظام الصدامي وصبره واستقامته تجاه النوائب والمصائب التي نزلت به جراء تصديه للنظام، ومنها اعدام خمسة من اخوته وسبعة من أبناء اخوته وعدد كبير من أبناء اسرته في حقبة الثمانينات من القرن العشرين.
وفي زيارة اعضاء المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق في بداية الدورة الثالثة كنا بمعية السيد الحكيم رضوان الله عليه وكان عددنا يومها بحدود خمسة عشر وهو الذي عرفنا للامام الخميني فردا فردا. والقى بنا الامام الخميني بتلك الزيارة كلمة رائعة كأنها من كلام الاولياء والعارفين. وختمها قائلا حسب ما اتذكر لو قدر لكم الوصول للعراق واقمتم به دولة يرضاها الشعب العراقي فارجو ان تسمحوا لي بزيارة العراق وزيارة جدي الحسين عليه السلام.
بيان قائد الثورة الإسلامية في ايران آية الله العظمى السيد علي الخامنئي
آية الله السيد محمد باقر الحكيم هذا الشهيد العزيز كان عالماً مجاهداً صرف سنين متمادية من عمره الشريف من أجل إحقاق حقوق الشعب العراقي ومحاربة النظام الصدامي الخبيث، وبعد سقوط مجسّمة الشر والفساد كان في المواجهة مع المحتلين الأمريكان والانجليز سداً محكماً وخاض جهاداً صعباً ومريراً مع الخطط المشؤومة لها، وقد هيّأ نفسه للشهادة في طريق هذا الجهاد الكبير واللحوق بالركب الخالد لشهداء آل الحكيم المعظمين والشهداء الآخرين شهداء العلم والفضيلة في العراق. فاجعة النجف الأشرف اليوم واستشهاد هذا السيد الجليل والعالم المجاهد كانت بلاشك في طريق خدمة أهداف أمريكا والصهاينة من قبل منفذيها. الشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم (قدس سرّه) كان مظهراً يجسّد الأهداف الحقّة لشعب كان يرى دينه واستقلاله ومستقبل بلده عرضةً للتهديد، يتصرّف الأجنبـي بوطنه، وهو يريد الدفاع عن هويته الدينية والوطنية أمام المحتلين الأجانب. شهادة هذا السيد الكبير ، مصيبة عظمى لـلشعب العراقي و وثيقة أخرى على جرائم المحتلين الذين وفروا الرعب والهرج والمرج بحضورهم اللامشروع في العراق.
شهادة قائد حزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله
والسيد الحكيم فيما لايعرفه الناس وخلال عشرين عاما أو أكثر من أشد الداعمين والمساندين لحركة المقاومة الإسلامية في لبنان ولم يكن يتوانى عن أي دعم يقدمه، وفي أكثر من لقاء كان يطلب مني بالرغم من إنشغاله وإنشغال المجاهدين كان يطلب أن يشارك شباب ومجاهدون عراقيون وبإصرار بالغ وإلحاح أن يشتركوا معنا في الجهاد ..وكان يقول: لكي نؤكد على أنّ الصراع مع هذا العدو ليس صراعا لبنانيا أو فلسطينيا، ولنؤكد على هوية وعنوان المعركة التي نخوضها مع هذا العدو.
والسيد الشهيد يمثل ضمانة وطنية عراقية وضمانة إسلامية كبرى .. قبل سقوط النظام وبعد سقوط النظام... منطق السيد الحكيم الوطني والقومي والإسلامي والإنساني الحريص على وحدة العراق وسلامة العراق لأنّه كان يدرك حقيقة المشروع الصهيوني الامريكي.
عقيلة الشهيد الحاجة ام صادق
إن الشهيد حينما كان يذهب إلى الحج يتمسك بأستار الكعبة يبكي ويطلب الشهادة ويرسمها لنفسه فيقول رب ارزقني الشهادة في سبيلك لاكون قطعة قطعة في سبيلك, وكان السيد يرى المستحبات واجبة فبالنسبة للنوافل اذا فاتت عليه نافلة يقضيها, كان شغوفاً رؤوفاً يحب الاطفال كثيراً حتى لو لم يكونوا أطفاله وخصوصاً عوائل الشهداء فكانت الدموع تترقرق من عينيه عندما يضمهم الى صدره وتأخذه رقة عجيبة.
اللقاء مع السيد الحكيم
كنت جالسا بلقاء خاص مع المرحوم اية الله المفكر والمؤرخ الاسلامي الكبير السيد مرتضى العسكري مع اخوين عزيزين اخرين عندما رن التلفون وكان على الطرف الثاني من الخط اية الله الشهيد السيد اسد الله المدني الطباطبائي وكان ممثلا للامام الحكيم في اذربايجان ايران وممثل الامام الخميني فيها كذلك. قال كما فهمنا نحن الحاضرون في ذاك المجلس المبارك ان السيد محمد باقر الحكيم شرّف بالوصول عندنا ويريد ان يتحدث مع سماحتكم...وسمعت السيد العسكري يقول له اذهب الى الامام فانه قائد الامة واطلب منه التوجيه وقل له انا سهم بين يديك فارمي به انّى شئت...لم اسمع ما كان جواب السيد الحكيم وانما بعد ايام قليلة زرته والاخوين الذين كانا جلسين معنا في ذاك اللقاء للترحيب بمقدمه من جهة ولتدارس شؤون العمل والتحرك ثانيا ولابداء كامل الاستعداد للعمل تحت لوائه ثالثا.. على صعيد حركي اتخذنا قرارا ان تقوم حركتنا بالدعم الكامل للسيد الحكيم في تحركه واستمرت اللقاءات ثم اقترح سيدنا الحكيم ان نلتقي مع سماحة المرحوم اخيه السيد عبد العزيز وكان يومها الامين العام لحركة المجاهدين العراقيين وتمت اللقاءات وكانت هناك نقاشات جادة بيني وبين السيد ابو عمار للالية الفضلى في دعم تحرك السيد محمد باقر الحكيم.
تواصل العمل
وتدريجيا وبعد التفاهم على معظم الخطوط الاساسية شرعنا بالعمل المشترك بقيادة السيد محمد باقر الحكيم.
كان التحرك الاسلامي للعراقيين في ايران يوم ذاك يشوبه الكثير من التلكؤ والمشاكل واجمالا لم يكن متبلورا في اطار واضح يعبر عن الهوية العراقية ...كانت بعض الخطوط في ايران تطعن بشدة كل التحرك الاسلامي العراقي لا سيما المرتبط بحركة الامام شهيد العصر المرجع السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه...وقد واجهت هذه الخطوط الصدرية حملة مضادة قادها مهدي الهاشمي ومن انضوى تحت لواء تحركه..عندما جاء السيد الحكيم الى طهران كان تحركه في اوائل ايام مجيئه هو المحور الذي رجعت اليه كل الخطوط الصدرية والجماهير العراقية...
شرع سيدنا الحكيم بالعمل وكان محور عمله بناء جماعة علماء قادرة على قيادة حركة الشعب العراقي ضد الدكتاتورية الصدامية العفلقية...فتاسست جماعة العلماء وكان السيد محمد باقر الحكيم محورها وامينها العام...واستلمنا نحن مجموعة من الكوادر الحركية العمل بالمكتب الاعلامي لحركة جماعة العلماء.
واخذت الامور تتبلور اكثر واكثر وكان التفافنا ونحن عدد قليل من الرجال حول السيد. كانت لنا في تلك الايام سلسلة من الجلسات التاسيسة لتحرك خط المرجعية الرشيدة في الساحة العراقية...في هذه الجلسات تم نقاش المحاور التالية:
1- رؤية السيد محمد باقر الحكيم التاريخية لمسيرة الحركة الاسلامية العراقية
2- مشروع عمله السياسي لاسقاط نظام صدام الدكتاتوري
3- ملابسات الوضع العراقي الاسلامي يوم ذاك
4- اراء وتصورات الاخوة المشاركين في تلك الجلسات التأسيسة فيما يتعلق بالنقطتين السالفتين
(نحتفظ بمحاضر جلسات هذه اللقاءات وعليها تعليقات الشهيد الحكيم وسننشرها في الكتاب)
وانبثق عملنا بعدها عملنا. اذكر من الحاضرين يوم ذاك المرحوم سماحة السيد ابو عمار عبد العزيز الحكيم وكاتب هذه السطور السيد ابو هاشم علاء الموسوي الجوادي والسيد ابو اسراء اكرم الحكيم والاخ المرحوم الحاج ابو عباس حاكم الجنابي. واخذنا نلتقي لقاءات عمل يومية لمتابعة مستجدات الساحة وتقرير ما ينبغي لنا القيام به من اعمال.
وتتابع قدوم الاخوة الى طهران بعيد ذلك فالتحق الاخ السيد محمد الحيدري والاخ الشيخ محمد تقي المولى والاخ الحاج ابو ابراهيم الشيخ همام حمودي والسيد صدر الدين القبانجي واخرون.
تأسيس مكتب العراق
اخذت ثمار التحرك الجاد تاتي أكلها وتبلورت فكرة تأسيس مكتب الثورة الاسلامية في العراق. وكان المرشح الامثل يوم ذاك لاستلام الاشراف على المكتب هو سماحة السيد الحكيم. وتناقشنا ساعات طويلة وايام لبلورة وصياغة اطروحة هذا المشروع. وتوفقنا بعد جهد متواصل من اعداد صيغة المشروع ونظامه الداخلي. ( نحتفظ بكل تفاصيل ووثائق هذا المشروع وسننشرها ضمن الكتاب).
كان الاشراف على مكتب العراق للسيد الحكيم واعضاء المكتب هم:
1- السيد ابو اسراء اكرم الحكيم المدير المفوض.
2- السيد ابو عمار عبد العزيز الحكيم مسؤول العلاقات الخارجية ويشاركه في المهمه السيدين ابو اسراء وابو هاشم.
3- السيد ابو هاشم علاء الموسوي مسؤول الشؤون الداخلية
ولضخامة المشروع اضيف اليه سريعا الاخوين:
4- الحاج ابو ابراهيم الشيخ همام حمودي لاحقا مسؤولا عن الاعلام وكان له دور تأسيس صحيفة لواء الصدر.
5- والحاج ابو عباس الشيخ حاكم الجنابي مسؤولا للتعبئة العسكرية.
ومن باب الشيئ بالشيئ يذكر فان الاخ العزيز سيد اكرم ليس من ال الحكيم اسرة السيد محسن الحكيم التي تنحدر من السادة الطباطبائية الحسنية، وانما هو مجرد اشتراك باللقب واللقب هو لقب مهنة اذ ان اجداد الاسرتين كانوا يمتهنون مهنة الطب. وانما السيد اكرم من اسرة رضوية علوية هاشمية تنحدر من سلالة السيد احمد بن موسى المبرقع بن الامام الجواد بن الامام الرضا بن الامام موسى الكاظم.
كانت اجتماعاتنا في هذه المرحلة بخطين هما:
1- المجلس الاستشاري لخط المرجعية وهو موسع
2- اجتماعات مكتب الثورة الاسلامية في العراق
ومن الطرائف التي لا تنسى لانها كادت ان تكون قاتلة هو بينما كنا في اجتماع من اجتماعات المكتب كان الاخ المرحوم ابو عباس يعيد تركيب مسدسه الذي استلمه توا وكنت انا اشاور السيد الحكيم وفمي يقترب من اذنه لاهمس له ببعض الامور الخاصة بالعمل واذا باطلاقة المسدس تنطلق صوبنا وتمر من بين فمي واذن السيد ولكن الاعمار بيد الله فلم يكن منا الا الضحك على هذه المفارقة التي لو لم تمر بسلام لكان البكاء هو البديل.
في هذه الفترة اقترح علي السيد الشهيد الحكيم ما يلي:
1- اعداد منهاجا لدورة ثقافية سياسية اسلامية للاشخاص العاملين والمرتبطين معنا
2- التهيئة لسلسلة كراسات مبسطة للتثقيف الفكري والسياسي للجماهير
3- اصدار كراسات بمواضيع حيوية وحركية وحساسة للسيد الشهيد الصدر
4- اعداد دراسات رصينة بشكل كتب
ونجحنا باعداد المنهاج للدورة وحاضر بهذه الدورة عدد من الاخوة اذكر منهم اكرم الحكيم وصدر الدين القبانجي وابو ابراهيم همام حمودي والشيخ فاضل المالكي والمتحدث الذي وقع عليه العبئ الاكبر في انجاح مهمة هذه الدورة وقد حضرها عدد من العاملين معنا واصبح بعض منهم بعد سقوط النظام وزراء وسفراء ومسؤولين.
وعلى صعيد المقترح الثاني فقد اصدرت ضمن المكتب الاعلامي لجماعة العلماء المجاهدين في العراق الكراسات التالية"
1- ولاية الفقيه/ من تأليفي
2- دور العلماء في قيادة الامة/ من تأليفي
3- الكفاح المسلح/ تأليف السيد محمد باقر الحكيم
4- نظرات في حزب الله/ من تأليفي
5- ثورة الحسين هزة ضمير/ تأليف السيد محمد باقر الحكيم
وعلى الصعيد الثالث اصدر المكتب عددا من الكراسات تتضمن بحوثا للسيد الصدر الاول قدس الله نفسه الزكية ومن امثلة ذلك:
1- اطروحة المرجعية الصالحة
2- دور الائمة في الحياة الاسلامية
3- حب الدنيا
4- العمل الصالح في القران
وعلى الصعيد الرابع فقد كان لي شرف ان كتبت اول كتاب -على الاغلب- عن السيد الشهيد الصدر وهو كتاب " الشاهد الشهيد" ونشرته بالاسم المستعار الذب كنت انشر به لحد سنة 1986 كان ( ع. نجف ) تسترا على اسمي الحقيقي. وخشية على اهلي واخوتي الاربعة في العراق. وكتب اخي العلامة السيد صدر الدين القبانجي كراسا بعنوان " الفكر السياسي عند الامام الشهيد" وكتب كذلك كتابا اخر بعنوان " الجهاد السياسي للامام الشهيد الصدر" وكتب كراسا اخر بعنوان "البعد الديني السياسي لتحرك الشهيد الصدر. كما كتب السيد ابو اسراء اكرم الحكيم عددا من الكتب السياسية حول العراق والاستعمار وطبيعة النظام البعثي العفلقي في العراق وعن جرائم صدام.
ونحن نستعرض اولئك الكتّاب لا بد لي من الاشارة ان الاخ الشيخ جلال الصغير كان لولب المكتب الاعلامي عملا واخراجا وكان المسؤول التنفيذي لمجلة جماعة العلماء هذه والتي كان اسمها صوت العراق.
وساقدم استعراضا مصورا للكراس الذي كتبه السيد الحكيم تحت عنوان " الكفاح المسلح" في هذه السلسلة للتوعية الجماهيرية في تلك الايام. ولعله سيكون مفيدا في تفهم طبيعة عملنا يومذاك لما اشتمل عليه من افاق فكرية كنا نتناولها تلك المرحلة من نضالنا ضد الدكتاتورية.
https://telegram.me/buratha