يتحدث تاريخ الجنس البشري عن بداياته كيف بدأ حياته في الأرض، وكيف أن حياته بدأها بالعصيان حسب ما ورد وجاءت به الأديان السماوية سواء اليهودية أو النصرانية أو الإسلامية، وكذلك حسب ما ورد ووصل إلينا من الأساطير القديمة (اليونانية والبابلية والفرعونية والرومانية).
فقد غذت كل الأديان ومنذ القدم شعور تأنيب الضمير والخطيئة وعززته بمفاهيم متنوعة ومختلفة عن الأوامر والنواهي والطقوس، ووضعت أسس الطاعة في الأرض لأشخاص تمثلوا بشخصيات إلوهية يملكون الحق المطلق في الأمر والنهي، وقد سعت غالبية الدول للاستفادة من شعور الإنسان بالإثم والخطيئة وإجباره على الاعتراف بالطاعة للآخرين (فروم، 1989). والإنسان الذي تسيطر عليه اتهامات الذات والشعور بالإثم يفقد قدرته على التفاعل البناء مع محيطه، وهذا ما أكدته دراسة شولتز (1987) على عينة أمريكية متكونة من (204) مفحوصاً. إن العدائية ظاهرة عامة، وإن مجالها واسع من حيث اختلاف النسبة والاتجاه والتعبير، فجميع الناس والأفراد الذين ينشئون في المجتمع الإنساني، يظهرون هذا الشعور بالعداوة تجاه غيرهم من الجماعات وقد يكون هذا الشعور قوياً أو ضعيفاً، إن مقدار العدائية يختلف بين الأفراد أو بين الجماعات (الرفاعي، 1969). ويمثل العدوان والعدائية في العصر الحديث ظاهرة سلوكية واسعة الانتشار تكاد تشمل العالم بأسره (المغربي، 1989).
ولهذا وجد الباحث أن المشكلة التي يعاني منها المجتمع في الوقت الحاضر هي تحول أفكار الإثم والعدوان والشعور بالخطيئة نتيجة الفشل والحرمان العائلي والعزلة الاجتماعية إلى أفكار سامية بحسب وجهة نظر الشخصية المضادة للمجتمع والآخرين، والتي قد تأخذ مساراً آخر أكثر تطرفاً فتتحول إلى شخصية إرهابية انتحارية قاتلة لأفراد المجتمع. وهي مشكلة كبيرة وخطيرة تواجه المجتمع وكيانه واستقراره وطمأنينته. ولهذا وجد الباحث أنها مشكلة تستحق الدراسة لفهم الأسباب والدوافع التي تقف وتحرك الشخصية الإرهابية ومن ثم تحليلها والوقوف على نمذجتها. وعليه فقد قام الباحث بتحليل الشخصية الإرهابية وما ينتابها من ادراكات نفسية وفكرية في محاولة للوصول إلى الحقائق العقلية والنفسية التي تحكمها وتسيرها وقد استخدم الباحث في سبيل ذلك نظرية التحليل النفسي والتي تتضمن عناصر (الشعور واللاشعور والآليات النفسية الأخرى) والتي يتحرك بها الإنسان سواء علم بذلك أم لا يعلم، وتكمن أهمية البحث في استخدامه لهذا الأسلوب في الدراسة الحالية.
عينة البحث: لقد احتوى البحث الحالي على نوعين من العينة وهي: 1- عينة الاستبانة المفتوحة وقد بلغت (30) فرداً ممن تم اختيارهم وفق مواصفات خاصة وذلك من أجل تحديد المفاهيم التي يتناولها البحث، وذلك لعدم تناولها من قبل المصادر السابقة أو العثور عليها في الدراسات السابقة. 2- عينة البحث من الأشخاص الإرهابيين وقد بلغت (30) فرداً في مجتمع قدره (150) إرهابياً تكونت من (20) ذكر و (10) إناث، ممن ألقي القبض عليه ضمن قاطع محافظة بابل أو المناطق المجاورة لها وثبتت عليهم تهمة الإرهاب وحكموا بذلك وفق القانون. وقد حدد الباحث أهداف البحث الحالي بما يلي:-
1- تحليل الشخصية الإرهابية بحسب نظرية التحليل النفسي ومبادئها.
2- ولغرض تباين وإيضاح الآلية النفسية للشخصية الإرهابية فقد قام الباحث بمقارنتها بالشخصية السايكوباثية. وقد حدد الباحث حدود بحثه بمنطقة محافظة بابل في العراق حدوداً جغرافية لبحثه نظراً للإمكانات المتوفرة له، والظروف الأمنية والاجتماعية السائدة في الوقت الحاضر. وقد قام بتحديد المصطلحات التي استخدمها، ومن المهم التنويه إلى عدم وجود تعريف للشخصية الإرهابية التي قام الباحث فيما بعد بوضع تعريف خاص لها، وقد استعرض الباحث جميع نظريات الشخصية والتي تناولت جميع جوانبها المختلفة كإطار نظري للبحث، ومن ثم استخدم أدوات وإجراءات شملت:
1- الاستبانة المفتوحة لأفراد تم انتخابهم من المجتمع.
2- نموذج بطاقة دراسة الحالة كأسلوب لدراسة أفراد عينة البحث والتي تكونت من (30) إرهابياً وبواقع (20) من الذكور و (10) من الإناث. 3
3- استخدام أسلوب المقابلة الفردية لأفراد العينة كإجراء بحثي لفحص وتعزيز نموذج بطاقة دراسة الحالة. وقد قام الباحث بعرض النتائج ومناقشتها في الفصل الرابع وحسب ما تم تحديده من أهداف للبحث الحالي، والتي أظهرت وجود فرق في البناء النفسي وحسب نظرية التحليل النفسي ما بين الشخصية الإرهابية والتي تعتمد في بنائها على (الهو والأنا الأعلى) والشخصية السايكوباثية والتي تعتمد في بنائها النفسي على (الهو والأنا)، وقد استنتج الباحث من خلال إجراءاته التي قام بها تعريفاً خاصاً للشخصية الإرهابية وهو:- الشخصية الإرهابية هي تلك الشخصية التي تتميز بشعور يتصف بالاستعلائية (Transcendental) ويصبغها بسلوك عدواني مع الآخرين، تحركه دوافع لا شعورية محددة بقطبي العوامل النفسي (الهو والأنا الأعلى)، وتنكر وجود المجتمع أو دورها فيه، وتتبنى اعتقاداً فكرياً خاصاً ومتشدداً. وقد استنتج الباحث ما يلي:
1- إن نموذج الشخصية الإرهابية نموذج له صفاته الشخصية، وتكوينه النفسي وسلوكه الخاص به.
2- إن عوامل التنشئة الأسرية والعوامل الاجتماعية الأخرى تلعب دوراً مهماً وأساسياً في تشكيل نموذج الشخصية الإرهابية. 3
3- إن الشخصية الإرهابية تجمع أكثر من صفة من صفات اضطرابات الشخصية الواردة في التصنيف العالمي للأمراض النفسية والعقلية (ICD-10).
وأوصى بما يلي:
1. إجراء دراسة عميقة لصفات الشخصية الإرهابية.
2. وضع مقياس نفسي لقياس اضطرابات الشخصية الإرهابية. 33. إجراء دراسة مستفيضة حول نماذج التنشئة الاجتماعية التي يمكن أن تؤدي إلى ظهور نموذج الشخصية الإرهابية.
34/5/140210 تحرير علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha