دراسات

كيف تؤثر تكنولوجيا المعلومات في قدرة الإنسان على التفكير ؟

2804 08:34:00 2013-12-22

 

جــودت هـوشــيار

jawhoshyar@yahoo.com

التغير المستمر لوسائل الأعلام تحت ضغط ثورة تكنولوجيا المعلومات ، يؤثر ، ليس فقط في طرق الحصول على المعلومات ، بل في عملية التفكير أيضاً . واذا رجعنا الى الوراء قليلا ، نجد ان اختراع آلة الطباعة سنة 1450م ، من قبل يوهان غوتنبرغ ( 1398- 1468م). قد غير أسلوب تفكير المجتمع بأسره . واجبر الناس لأول مرة على التركيز على افكار محددة . والذي كان سابقاً حكراً على النخب العلمية والثقافية ورجال الدين ، اما بعد ظهور الطباعة فقد أصبح ذلك ميسورا لكل المجتمع .آلة الطباعة لعبت دورا بالغ الأهمية في تطور نماذج تفكير جديدة غيرت المجتمع في القرون اللاحقة .

واليوم نجد ان شبكة الانترنيت تلعب دورا لا يقل أهمية عن اختراع الطباعة في تغيير المجتمع .

ان أهم ما تتميز به شبكة الانترنيت عن وسائل الأعلام الأخرى مثل الراديو والتلفزيون، ليس نقل الصوت والصورة فقط ، بل انتاج النص ايضاً .والنص المكتوب يلعب دوراً جد مهم في التطور الفكري والثقافي للإنسان . وحتى وقت قريب كان النص ينتشر بشكله المطبوع ، وكان القارئ يغرق في عالم المؤلف و يتأمل أفكاره ، وبظهور الانترنيت أخذ النص ينتشر بشكله الالكتروني ، كما الصوت والصورة ، وبهذا رجع الإنسان الى عادته القديمة أي الى التفكير العشوائي ، وتلقي المعلومات على نحو سريع وسطحي .

لماذا يحدث كل ذلك ؟ يقول العلماء ان دماغ الإنسان يتمتع بمرونة عالية ويستطيع التكيف مع الظروف المستجدة 0وكان عالم وسائل الاتصال الجماهيري -الكندي -مارشال ماكلوهان (1911 ـ 1980م) اول من بيَن كيف أن التكنولوجيا يغيَر وعينا ببطء ولكن بثبات .

وقد أجريت خلال السنوات الأخيرة بحوث كثيرة حول تأثير التكنولوجيا الحديثة وبخاصة الإنترنيت في الدماغ البشري وظهرت كتب عديدة من بينها ، كتاب « المياه الضحلة The Shallows « لنيكولاس كارر . ويعد العلماء هذا التأثير مسألة مهمة وجادة لسببين

- الأول ، تعاظم قدرة البحث عن المعلومات وتلقي كم هائل منها ومعالجتها ،عن طريق محركات البحث في الإنترنيت (غوغل ، ياهو ، اوبرا ، يانديكس وغيرها كثير).

وثانيا ، أصبحنا قادرين على القيام بعدة مهام في آن واحد باستخدام الكومبيوتر و الأجهزة الذكية ، مثل كتابة وصياغة نصوص ،إجراء حوارات عبر الشات في الفيسبوك ، تبادل الرسائل عبر الإيميل ، وقراءة آخر الأخبار في التويتر . ولكن في الوقت نفسه ، نفقد معظم قدراتنا على الانتباه و التركيز والتأمل والتحليل المعمق ، .ولن يكون بوسعنا التفكير بهدوء حول أمر محدد واحد ،ومن يعيش في العالم الافتراضي أو يقضي ساعات طويلة في تصفح المواقع الالكترونية ونوافذها الكثيرة وروابطها المتعددة ، لن تكون لديه الرغبة في قراءة الكتب الجادة و تأمل محتواها .

ان الحصول الفوري على المعلومات و تدفق تيارات غزيرة ومتنوعة منها ، عبر نوافذ كثيرة - عن طريق محركات البحث - قد ادى الى انخفاض القدرة على تذكرها وحفظها لمدة طويلة . ولم يعد لدى المتصفح الوقت الكافي والرغبة في قراءة النصوص المطولة ، ولهذا السبب لجأ بعض المواقع الالكترونية الأجنبية الى نشر نصوص لا يزيد طول احداها عن ( 400 ) حرفاً . ومع كل هذا التأثير السلبي لتكنولوجيا المعلومات ، فأن من الصعب العيش بمعزل عن شبكة الانترنيت ، التي أخذت تقتحم كل مجالات الحياة و أصبحت النافذة التي يطل منها الإنسان المعاصر على ما يحدث في العالم من حولنا في شتى المجالات الفكرية و العلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية ، ناهيك عما توفره الشبكة من شتى أشكال التسلية والترفيه .

القدرة على التفكير تعني في المقام الأول استخدام المعارف المتوفرة للتوصل الى استنتاجات منطقية أكثر تعقيداً ، واذا أردنا تبسيط الأمر ، يمكننا القول ان نوعية الاستنتاجات الفكرية هي حاصل ضرب للمعرفة في القدرة التفكيرية . وبتعبير آخر لا يمكنك الحصول على استنتاجات صحيحة ، الا باستخدام كلا العاملين معاً على حد سواء ، وحتى اذا كانت لديك معرفة واسعة فأنك لن تكون قادراً على تنظيمها بشكل صحيح من دون القدرة على التفكير بنفس المستوى ، وفي نهاية المطاف تحصل على كومة مواد مهضومة الى هذا الحد او ذاك ولكن مكدسة في كومة غير متجانسة ، ومن جهة ثانية مهما كانت قدراتك العقلية عظيمة فأن عملك الفكري لن يكون اكثر من مجرد تعبير عن الرأي ، اذا لم يستند الى المعرفة .

الثورة الصناعية الأولى وفرت للإنسان وسائط نقل جديدة مثل القطار والسيارة وأدت الى اضعاف قدرات الإنسان الجسدية والحركية والى تغيير مظهره الخارجي ، وقد انتبه الناس الى التأثير السلبي لهذه الوسائط على أبدانهم و لجأ الكثير منهم الى ممارسة رياضة المشي والركض لتدريب الجسم والتغلب على الضعف الذي لحق به . ما يحدث اليوم نتيجة لثورة تكنولوجيا المعلومات ، ربما أشد خطورة ، لأنه يحرمنا القدرة على التركيز والتفكير ، وبعد سنوات قليلة ستكون الحاجة ماسة الى وسائل جديدة لتدريب الدماغ الإنساني .

21/5/131222

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
مهدي العراقي
2014-01-03
موضوع روعة وعاشت ايدك وحقيقة الامر انه فعلا يصعب التفكير والتدقيق في الامور اذا كنت من هواة الانترنيت ... تحياتنا لك
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك