( بقلم : السيد معد البطاط – استراليا)
بسم الله الرحمن الرحيم لماذا البكاء على الحسين عليه السلام،ولماذا نقيم المآتم عليه كل عام؟هذا التساؤل يطرحه البعض وهو يستنكر الحزن والبكاء،اضافة الى من يفتي منهم بحرمته،،فهل ان طرحهم هذا صحيح؟ وللاجابة على ذلك نحتاج الى عدة نقاط وبتسريح النظر فيها يتضح رجحان هذا الامر وان اللوم سيقع على من لم يعتن بهذه المآتم ومن لم يهتم بالحزن على سيد شباب اهل الجنة،والمقدمات هي:اولا: قال الله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إن الله غفور شكور} الشورى23... فمن المتعذر على المسلم ان يؤدي شكر وأجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو طلب منه ذلك،والى هذا فقد حكى عنه القرآن الكريم:{... وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها...}آل عمران 103.. فالذي ينقذنا- ونحن على حافة السقوط في النار-لا يمكن لنا بحال ان نؤدي أجره..! ومع انه لم يطلب منا أجر انقاذه الا امراً واحداً وهو مودة قرباه والحسين عليه السلام من قرباه الذين خصهم في حديث الكساء المشهور بين طوائف المسلمين ،فجعلهم اهل بيته دون سواهم(1) وما نقله الطبراني في المعجم الكبير وغيره(عن بن عباس (رض) قال لما نزلت :(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قالوا:يا رسول الله(ص)ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟قال:علي وفاطمة وابناهما). اذن يتوجب علينا والحال هذا أن نجتهد لنظهر حبنا لقرباه كي نؤدي جزءاً من هذا الأجر الذي أمرنا رسول الله(ص) به..ومن أصدق مصاديق الحب هو الفرح لفرحهم والحزن لحزنهم والبكاء على مصائبهم.! اضف الى ان الله تعالى ورسوله (ص) لم يأمرونا بالمودة لعلة القربى،وانما لأمر ديني،وقد شدد النبي(ص) على أن نحب في الله ونبغض في الله،واليك ما في صحيح البخاري(قال النبي (ص):لا يجد أحد حلاوة الايمان حتى يحب المرء لا يحبه الا لله..).! اذن هذا الحث على المودة الذي جعله الله أجرا لثقل الرسالة- كما في الآية اعلاه- يكون مودة في الله وهو ما بينته الآية 47 من سورة سبأ :{ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله ..} أي أن أجر الرسالة (المودة للقربى) يرجع الينا،،أما كيفية هذا الرجوع،فربما تبينه هذه الاية من سورة الفرقان { قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً }57 وهل هناك افضل من أهل البيت كي يكون السبيل الى الله؟ثانياً: قال تعالى:{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }الاحزاب21،وقال تعالى ايضاً: {... وما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا...}..وقد نقلت مصادر السنة والشيعة روايات كثيرة حول بكاء النبي(ص)على الحسين(ع)قبل أن يستشهد بعشرات السنين، وكمثال نسوقه للبيان نأخذ هذه الرواية(الصحيحة)في مجمع الزوائد للهيثمي :(عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ذات يوم في بيتي قال لا يدخل علي أحد فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي،فقلت والله ما علمت حين دخل فقال إن جبريل عليه السلام في البيت قال أفتحبه قلت أما في الدنيا فنعم قال إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء فتناول جبريل من تربتها فأراها النبي صلى الله عليه وسلم. هذا رسول الله(ص) يبكي بكاءً شديدا حتى يسمع نشيجه من خارج الدار والحسين (ع) لم يقتل بعد،فما بالنا لو كان الرسول (ص)حاضراً اثناء الواقعة وبعدها وما حدث من الحصار ومنع الماء وقتل الذرية والاطفال وذبح الحسين(ع)،ثم لا يكتفى بذلك حتى يرفع رأسه على القنا يهدى من بلد الى بلد،ونساؤه سبايا من غير غطاء ولا وطاء يضربهن الاعادي كأنهن من سبي الكفار او المشركين، يسوقوهن الى ملك جلس بأسم النبي (ص) وقد سلب الخلافة؟؟ فأذا كان النبي (ص) بكى على الحسين (ع) وعلى استشهاده فهذه اذن سنة ينبغي على المسلمين التأسي بها كما يأمر القرآن الكريم وقد افتتحنا هذه النقطة بالاية الشريفة. ربما يقال ان النبي (ص) بكى على الحسين (ع)مرة او اكثر من مرة،لكنكم تبكون كل سنة وهذا خلاف السنة،،فنقول ان السنة تعني قول النبي(ص)وفعله وتقريره وهي تثبت بمرة واحدة وهذا لا خلاف فيه،فعلى سبيل المثال الحجامة ثبتت انها سنّة وأن فعلها ليس بمحرم ويصح عملها كل سنة لان النبي فعلها، بغض النظر عن عدد المرات التي حجم فيها(ص) وهكذا في كثير من الموارد.ثالثا: قال تعالى: {وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم}يوسف84 هذه الآية من جملة الآيات التي قصها القرآن الكريم لنا من خبر النبي يعقوب وابنه النبي يوسف عليهما السلام،والآية هنا تشير الى حزن هذا النبي المبتلى بفقد ولده يوسف عليهما السلام، ومن شدة الحزن والبكاء على يوسف وصل به الحال الى حد أن عميت عيناه وهو نبي لم يخالف شرع الله،وهذا القرآن الكريم لم ينكر عليه ذلك،،!هذا في الوقت الذي لم نجد آية قرآنية تحث يعقوب على مودة يوسف،اما نحن المسلمون فلدينا آية شريفة واحاديث كثيرة(2) تحثنا على مودة القربى فيحق لنا ان نبكي ويحق لنا ان نقيم مآتم الحزن على الحسين وأهل بيته عليهم السلام كما حزن هذا النبي الكريم مع اننا لم يصل بنا حزننا ان تبيض الاعين.رابعا: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}119،التوبة،،فقد نقل الحاكم في المستدرك عن النبي (ص)انه قال:(اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله واهل بيتي وانهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)وقال هذا حديث صحيح الاسناد..وعن حنش الكناني قال سمعت أباذر(رض) يقول وهو آخذ بباب الكعبة من عرفني فانا من عرفتم ومن أنكرني فانا أبو ذر سمعت رسول(ص)يقول(مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق). قال الحاكم هذا حديث صحيح. هذه الاحاديث الصحيحة وغيرها تأمرنا بأتباع منهج اهل البيت عليهم السلام وان في مخالفتهم الضلال والهلاك،وهم عليهم السلام- كما نعتقد - امرونا بأقامة العزاء والبكاء على الحسين عليه السلام،وان الروايات جاءت صحيحة عنهم (ع) و كثيرة في هذا الموضوع،فخذ هذا المثال عما نقله الحر العاملي في وسائل الشيعة عن الامام علي بن الحسين عليهما السلام،يقول: ( أيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خديه بوأه الله بها غرفاً يسكنها احقاباً..) وعن ابي عبد الله(ع)قال:(تجلسون وتتحدثون؟ قلت نعم.قال:تلك المجالس احبها فأحيوا أمرنا رحم الله من احيى امرنا).خامسا: قال تعالى:{ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}29الدخان.ان استشهاد الحسين (ع) اهتز له الوجود بأسره فقد ابكى السماء والارض والجن والانس وقد ذكرنا سابقا بكاء رسول الله (ص)،وفي كتاب معارج الاصول الى معرفة فضل آل الرسول للزرندي الشافعي قال[..وقال السدي (رح) لما قتل الحسين(رض)بكت السماء وبكاؤها حمرتها وقال الامام ابو الفرج ابن الجوزي:لما كان الغضبان يحمر وجهه عند الغضب يستدل بذلك على غضبه وأنه امارة السخط والحق سبحانه ليس بجسم فأظهر تأثر غضبه على من قتل الحسين(ع) بحمرة الافق وذلك دليل على عظم الجناية]. اما في تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر عن ابن سيرين فقد قال: لم تبك السماء على احد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي.. وفي نفس المصدرعن علي ابن مدرك عن جده الاسود بن قيس قال: احمرت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة اشهر يرى ذلك في آفاق السماء كأنها الدم.. وفي مجمع الزوائد عن ام حكيم قالت: قتل الحسين وانا يومئذ جويرية فمكثت السماء أياماً مثل العلقة...كما نقل ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق( وقال ابو غالب قال حدثني بواب عبيد الله بن زياد أنه لما جيء برأس الحسين فوضع بين يديه رأيت حيطان دار الامارة تسايل دماً ). وكذا في المصدر السابق عن عيسى بن الحرث الكندي قال:( لما قتل الحسين مكثنا سبعة أيام اذا صلينا العصر نضرنا الى السماء على اطراف الحيطان كأنها الملاحف المصفرة ونظرنا الى الكواكب يضرب بعضها بعضا)...!وفي نفس المصدر ايضاً عن ابي قبيل قال: لما قتل الحسين احتزوا رأسه وقعدوا في اول مرحلة يشربون النبيذ يتحيون بالرأس فخرج إليهم قلم من حديد من حائط فكتب بسطر دم : أترجوا أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم الحساب فهربوا وتركوا الرأس ثم رجعوا...! وفي نفس المصدركذلك عن ابي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا انها هي. وهكذا ورد في ذات السياق وفي المصدر السابق ايضاً عن الزهري قال: قال لي عبد الملك أي واحد أنت ان اعلمتني اي علامة كانت يوم قتل الحسين؟ فقال قلت لم ترفع حصاة ببيت المقدس الا وجد تحتها دم عبيط ،فقال لي عبد الملك: إني وأياك في هذا الحديث لقرينان. وعن ام سلمة قالت:( سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي)المصدر ذاته. وكذلك عنها قالت:(ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي (ص) إلا الليلة وما أرى أبني الا قبض تعني الحسين(رض)...)..وعن ابي جناب الكلبي قال حدثني الجصاصون قالوا كنا اذا خرجنا الى الجبان بالليل عند مقتل الحسين سمعنا الجن ينوحون عليه ويقولون: مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود ابواه من عليا قريش جده خير الجدود ونقل ابن حبان في كتابه الثقات:( لما قتل الحسين بن علي مطرت السماء دماً فأصبح جرارنا وكل شيء لنا ملأى دماً ). ويؤيد هذا ما كتبه احد البريطانيين في كتابه (the anglo-saxon chronicle )الذي يتحدث عن تاريخ بريطانيا فيذكر احداث السنين فيذكر سنة685 ميلادية فيقول: ( مطرت السماء دما واصبح الناس في بريطانيا فوجدوا ان البانهم وازبادهم تحولت الى دم) وبتحويل التاريخ من الميلادي الى الهجري يكون الفارق ما يقارب من اربع سنين بعد استشهاد الحسين عليه السلام ،وهنا تجدر الاشارة ان الاحداث الغير مرتبطة بأمور واضحة يختلف في تأريخها عادة كميلاد الشخصيات،وان مصادرنا ذكرت هذا الحدث ومصادرهم كذلك فأن الحق هو ما ذكره علماء المسلمين من ارتباط ذلك بأستشهاد الحسين عليه السلام فهم متفقون على الحدث مختلفون في التأريخ. وعن حميد الطحان قال:كنت في خزاعة فجاؤوا بشيء من تركة الحسين فقيل لهم ننحر او نبيع قال انحروا فجلست على جفنة فلما جلست فارت نارا. وفي مجمع الزوائد عن دويد الجعفي عن ابيه قال: لما قتل الحسين انتهبت جزور من عسكره فلما طبخت اذا هي دم.وفي تاريخ مدينة دمشق عن ابن ابي عمار ان ابن عباس رأى النبي(ص) في منامه يوما بنصف النهار وهو اشعث اغبر وبيده قارورة فيها دم فقلت يا رسول الله ما هذا الدم؟ فقال: دم الحسين لم ازل التقطه منذ اليوم.وفي نفس المصدرعن سلمى قالت دخلت على ام سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله (ص)في المنام وعلى رأسه و لحيته التراب فقلت مالك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا...! وفي معارج الوصول للزرندي الشافعي ذكر قصيدة للشافعي يرثي بها الحسين منها البيت التالي : تزلزلت الدنيا لآل محمد وكادت لهم صم الجبال تذوب عن ابي رجاء العطاردي قال: لا تسبوا عليا ولا احدا من اهل البيت فان جارا لنا من بلهجم قال الم ترو الى هذا ((الفاسق)) الحسين بن علي قتله الله. فرماه الله بكوكبين في عينيه فطمس الله بصره// رواه الطبراني .وفي تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر عن ابن عباس قال: اوحى الله تعالى الى محمد(ص) اني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين الفا وانا قاتل بابن ابنتك سبعين الفا وسبعين الفا. هذا بعض ما روته كتب مدرسة المذاهب السنية حين استشهاد الحسين وكثير غير ذلك لم نذكره روما للاختصار،وكثير من هذه الروايات صحيحة السند فضلا عما ذكر عن طريق اتباع اهل البيت عليهم السلام،فاذا كان غضب الله الى هذا الحد وقد اظهره في ألافاق حيث بكت السماء بأحمرارها ومطرها دما على الحسين عليه السلام،والارض بظهور الدم تحت احجارها والحيطان بتسايل دمائها والجن ناحوا عليه و انقلاب الجزور المسلوبة الى دم بأذن الله، وما الى ذلك،،ألا يحق لنا ان نبكي وان نواسي النبي محمد (ص) وهو اشعث مغبر حزناً على الحسين عليه السلام؟؟ انا شخصياً لا اضرب رأسي بمدية(عملية التطبير)ولا أحبذ ذلك ككثير من ابناء الشيعة،ولكنني حينما أقرأ هذه الاحداث الجسام التي جرت على الامام الحسين عليه السلام وبعد استشهاده أتوقف كثيراً قبل ان اطلق اية كلمة فيها اية قسوة ضد هؤلاء...!خاصة وانا أقرأ كل هذه التأكيدات على وجود الدماء في السماء والارض والبناء من خلال هذه الروايات وغيرها أكثر.! سادسا: قال تعالى: {وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه و قد فصل لكم ما حرم عليكم..}هنا قد بين الله تعالى الحرام، اي ان الاصل في الاشياء الأباحة وان التحريم طارئ وقد نزل تفصيله.ففي مجمع الزوائد عن ابي الدرداء قال: قال رسول الله(ص):( ما احل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته..)رواه البزار ورجاله ثقات...وقال العيني في عمدة القاري (..الاصل في الاشياء الاباحة،والتحريم عارض ولا يجوز العكس..). اذن فالمجالس واقامة العزاء والبكاء على الحسين عليه السلام لم يرد اي نص بحرمتها، بل نجد العكس من ذلك تماماً،و الاصل في الاشياء- كما ذكرنا- الاباحة،وفي حال اضفنا اليها النقاط الأخرى فسيكون الامر راجحاً حتماً. سابعا : قال تعالى: {و لا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار..}113هود... في سياق هذه الاية الشريفة الواضحة لا يمكن لمسلم ان يقبل بإمرة وتسلط شخص مثل يزيد بن معاوية بن ابي سفيان وهو من قد علم الناس بحاله وفسقه وظلمه،بل ورثه ابوه خلافة المسلمين بغير مشورة المسلمين، واكثر من ذلك صار الحكم له ملكاً عضوضاً، وهنا نستطيع ان نستبين حجم الانحراف والضياع الذي سيلحق بالامة والاسلام كون ان ((الناس على دين ملوكها)). الحسين يعلم ان النبي (ص) جاهد وبذل كل وجوده لنشر الدعوة والتي هي الخاتمة الى يوم القيامة،وهذه الجهود وصلت الى حد يخشى عليها من الضياع على يد أغيلمة بني أمية(3)فماذا يصنع الحسين وهو يرى الامة هامدة كالجسد الميت؟كيف يرجعها الى رشدها والى الدين الحقيقي؟لذا فقد خرج الى العراق،واصطحب معه أهل بيته وهم من ليس على الارض من يشبههم(4) من الرجال و النساء والاطفال حتى زينت الكبرى بنت فاطمة الزهراء عليها السلام مع انها متزوجة وهو يعلم انه مقتول وانهن سبايا،بصريح قوله عليه السلام :(شاء الله ان يراهن سبايا) ولم يأخذ برأي من حاول صده عن المسير،ثم يصل الى المعركة فيقدم اصحابه واهل بيته الى الموت واحدا تلو الاخر حتى الطفل الرضيع،ثم يتقدم هو الى القتل ليبدأ السبي لأهل بيت النبوة.وهنا يأتي السؤال الضرورة: لماذا هذا الخروج وهذه التضحيات؟؟ اراد الحسين عليه السلام ان يحرك الامة بدمه الزكي و بمظلوميته،فهو يعلم منزلته في الامة فأراد ان يهز الامة ويوقضها من هذا السبات بهذه الفاجعة، كي تلفض وترفض يزيد واشباهه الذين افسدوا في الامة، واراد الحسين عليه السلام ان تتبع الامة نهج الحق المتمثل باهل البيت عليهم السلام ،الذين حملوا الدين المحمدي الاصيل.. فبدمائه الزاكية اراد ايقاض ضمير الامة واراد تكملة المشوار لصعوبته ان يتم بدور السبايا وعلى رأسهم اخته السيدة زينب الكبرى عليها السلام،وتتبع ذلك ادوار اثارة هذه العاطفة والصحوة في آفاق الامة من قبل الائمة عليهم السلام يثيرون هذه العاطفة عند المسلمين ويذكرونهم بهذه المأساة،وهو ما بدأ به مباشرة بعد واقعة كربلاء الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام حتى عد من البكائين لكثرة ما بكى على الحسين(ع)،وهكذا بقية الائمة من بعده فكانوا يجلبون الشعراء لرثاء الحسين عليه السلام ويحثونهم على الشعر وعلى البكاء والابكاء(5) حتى انهم عليهم السلام ارادوا من شيعتهم الثبات على ذكر الحسين والبكاء عليه وذكر مصيبته لكي يكون هذا العمل عاملاً مهماً في بيان احقية الحسين واهل البيت في منهجهم الصحيح ،وفي عدم الركون للظلمة. على هذا فإن المآتم الحسينية تربي الاجيال الاسلامية على منهج مودة اهل البيت عليهم السلام والابتعاد عن الركون الى الظالمين،وكذلك نشر علوم اهل البيت ومواقفهم وادوارهم في حفظ الرسالة الاسلامية.وهنا يكون حب اهل البيت واتباعهم من افضل الاعمال عند الله. ثامنا: في مجمع الزوائد(عن ابي هريمة قال كنت مع علي (رض) بنهر كربلاء فمر بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ منه قبضة فشمها ثم قال يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب/ رواه الطبراني ورجاله ثقات)...لهذا الحديث علاقة بما تكونت به مدينة كربلاء بعد استشهاد الحسين عليه السلام،فسكانها من الشيعة وبدأ دفن اموات المسلمين هناك حتى اليوم،والحديث يذكر ان الذين يدخلون الجنة بغير حساب من هذا الظهر سبعون الف فضلا عمن يحاسب وكما هو معروف ان الشيعة يقيمون المآتم والبكاء على الحسين وهذا يعني ان هذا العمل مرضي عند الله سبحانه وأن محسنيهم من اهل الجنة. شبهات و ردود تتعلق بالبحث:1: هناك من يقول : أن شيعة العراق هم الذين قتلوا الحسين وهم يبكون عليه اليوم. نعرف بطلان هذه التهمة من خلال قوله تعالى:{..ولا تكسب كل نفس إلا عليها و لا تزر وازرة وزر أخرى ..)164الانعام..فالاية هنا صريحة تقرر ان كل انسان يحاسب على ذنبه ولا يؤخذ بذنب غيره،نعم ربما يحاسب على مقدار رضاه بذاك العمل،اما نحن فنبرأ الى الله من قتلة الحسين عليه السلام،ولكن في غيرنا من لا يتبرأ منهم فهم اولى بهذا الذنب منا،هذا كله اذا سلمنا ان الشيعة هم الذين قتلوا الحسين عليه السلام كما نتهم بذلك،،! نظرة مبتسرة على الحادثة تعطينا خلاف هذا الاتهام،لان الكوفة اسسها عمر بن الخطاب للعسكر وهي خليط من من بلدان كثيرة من اليمن والحجاز وفارس وغيرها،وفيها ولاة بني امية واتباعهم وكذلك فيها شيعة اهل البيت عليهم السلام،وحينما جاء الحسين عليه السلام كان ابن زياد قد ضيق عليهم وقتل من قتل والقى بالسجن نماذج مهمة منهم كالمختار ثم جعل الشرطة تراقب الناس لئلا يلتحقوا بمعسكر الحسين عليه السلام،حتى ان حبيب بن مظاهر حينما اراد الخروج ارسل جواده بيد مولاه امامه وتسلل هو خلفه حتى وصل الى الحسين عليه السلام. ثم ها نحن نقرأ خطاب الامام الحسين عليه السلام لاعدائه:( يا شيعة آل ابي سفيان)،وكذا يؤيد هذا المعنى ما قام به المختار من ثورته في الكوفة بالثأر من قتلة الحسين عليه السلام، وقد ناصره فيها الشيعة،لكن اعداءهم من الكوفيين قاموا بالثورة ضد المختار وحاصروه بعد ان ارسل ابراهيم على جيشه لقتال الامويين بالشام. فالكوفة اذن هي خليط ومزيج من اقوام فلم يكن كل سكانها عراقيين،ولم يكونوا شيعة حتى يقال ان العراقيين او الشيعة هم الذين قتلوا الحسين عليه السلام.2: يستهزء البعض بالروايات التي تثبت ثواب البكاء على الحسين(ع) وانه يدخل الجنة.! فيما يتعلق بثواب البكاء لابد من النظر في سند هذه الروايات، أهي صحيحة السند أم لا؟ فإن كانت صحيحة السند لابد من اخذ الايات والروايات الاخرى لاثبات ذلك ،اذ المقصود هو دخول الجنة دون اي قيد،وقد اوضح ذلك في مثل هذه الروايات الامام الرضا عليه السلام في حديث سلسلة الذهب(6) فالحديث بشروطه والبكاء الحقيقي وبأستيفاء كل شروطه تتحقق الاحاديث،لان البكاء يجب ان يكون من المحب لان من الذين قتلوا الحسين(ع) ايضا فيهم من بكى عليه كعمر بن سعد،والبكاء من محبيه لا يكون حقيقي والمحبة لا تكون صادقة الا اذا كان ذلك مقروناً بأتباع الحسين(ع) والاخذ بسيرته(7)فإذا اخذ المحب(الباكي)بسيرة الحسين(ع)فسيكون جزاؤه الجنة حتماً. العجيب ان يثير البعض هذه الضجة وفي كتب الاخوة السنة مثل ذلك بل اشد،وخذ مثلاً ما جاء في سنن الترمذي(ان النبي (ص)اخذ بيد حسن وحسين قال:من أحبني و أحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة ) فالحديث يذكر انه لم يدخل الجنة فحسب بل يكون بدرجة النبي(ص).وجاء كذلك في صحيح البخاري(عن ابي ذر(رض) قال قال رسول الله(ص):أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق)،،!فهذا الحديث جعل الغير مشرك يدخل الجنة بدون قيد الا بقيد الشرك حتى الايمان بالنبي (ص)لم يشترطه الحديث وان عمل ما عمل من موبقات وظاهر الحديث لا يقبل استثناء آخر،وهذا اشد من حديثنا في الحسين عليه السلام. 3: من القضايا التي تثار ايضاً قولهم ان الحسين عليه السلام من اهل الجنة،فلم كل هذا البكاء عليه ؟المفروض ابدال الدمعة بالابتسامة.! على الرغم من ان جواب هذه الشبهة قد اتى فيما مر، لكن يمكن ان نضيف هنا : ان النبي (ص) وهو سيد الحكماء والذي يرى بعين الغيب كان قد بكى على الشهداء وهم من اهل الجنة- بكى على عمه حمزة وعلى جعفر الطيار وعلى اصحابه وعلى أمه بعد زيارتها كما هو ثابت- بل كان صلى الله عليه وآله وسلم يشجع الناس ان تبكي الشهداء، فقد نقل ابن سعد في الطبقات الكبرى في ذكر معركة أحد(...وسمع رسول الله(ص)البكاء في بني عبد الاشهل على قتلاهم فقال رسول الله(ص):لكن حمزة لا بواكي له. فسمع ذلك سعد بن معاذ فرجع الى نساء بني عبد الاشهل فساقهم الى باب رسول الله(ص) فبكين على حمزة،فسمع ذلك رسول الله (ص) فدعا لهن و ردهن فلم تبك امرأة من الانصار بعد ذلك الى اليوم على ميت الا بدأت بالبكاء على حمزة ثم بكت ميتها. فاذا ما نظرنا الى الاسباب التي تثير حزن الانسان لفقيده نجد ان أهمها:الحب،منزلة القتيل،اسباب القتل،طريقة الموت وغيرها) فإذا علمنا باجتماعها في شخص كالحسين(ع) وهو مصداق أقصى الحدود في هذه العناوين حيث نجده في الحب وقد أمرنا القران الكريم والسنة الشريفة في حبه،بل اوجبوه على المسلمين،واما منزلته فهو واخوه الحسن سيدا شباب اهل الجنة وهو ابن بنت النبي و ريحانته من الدنيا، وهو ابن علي بن ابي طالب خليفة المسلمين وابن عم النبي(ص)،واما الدعوة فالذي يريد السرقة فيُقتل ليس كمن يريد انقاذ غريق فيموت دونه،وهذا هو الفارق بين التأثر على الحسين عليه السلام الذي ثار في دعوته لاجل انقاذ ديننا من الانحراف وخلاصنا من استعباد الظلمة..واما الطريقة التي قتل بها فهي في قمة ما تعنيه كلمة مأساوية وفاجعة وكارثة حلت بالمسلمين.. الى الحال الذي بلغ الحقد والتسافل عند اعدائه ان يسحقون جسده الشريف بالخيل ثم يحتزون رأسه فيرفعونه ابتهاجاً على رمح طويل ليتقدم ثقله المسبي وعيالاته المفجوعة.الهوامش: (1)جاء في سنن الترمذي:[عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله قال إنك إلى خير] قال هذا حديث حسن،وقريب منه في صحيح مسلم. (2) من هذه الأحاديث الشريفة ما رواه الطبراني في المعجم الاوسط [ قال (ص)لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله فيما انفقه ومن أين اكتسبه وعن حبنا أهل البيت](3) في المستدرك [ ابو هريرة يقول ان فساد امتي على يدي أغيلمة من قريش] وذكر ابن حجر في فتح الباري..وهو يشرح حديث البخاري القريب من لفض حديثنا فقال عقد حديث لابي هريرة(..وفي هذا اشارة الى ان اول الاغيلمة كان في سنة ستين وهو كذلك فان يزيد بن معاوية استخلف فيها )(4) نقل الزرندي الشافعي في كتابه معارج الوصول: قال الحسن البصري ما كان لهم يومئذ على وجه الارض شبه.(5) ففي كامل الزيلرات عن أبي هارون المكفوف قال قال ابو عبد الله- اي الامام الصادق- يا ابا هارون انشدني في الحسين عليه السلام قال فأنشدته فبكى فقال انشدني كما تنشدون - يعني بالرقة.. ثم ذكر له ثواب البكاء فهم عليهم السلام يأمرون بطريقة النعي الرقيقة. (6) في معاني الاخبار عن الامام الرضا عليه السلام في القصة المعروفة قال [...لااله الا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي قال فلما مرت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها ].(7) في امالي الشيخ الصدوق نقل عن الامام الصادق عليه السلام قوله: ( ما احب الله عز و جل من عصاه ثم تمثل فقال: تعصي الإله و انت تظهر حبه هذا محال في الفعال بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته ان المحب لمن أحب مطيعاشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha