التخريب الاقتصادي له مفاهيم ومداليل متعددة بل واساليب مختلفة، فهناك تخريب اقتصادي مُستهدف من قبل الجهة القائمة به، اي ان الجهة القائمة بعملية التخريب تعلم بذلك وهي تسعى الى اهداف معينة من تخريبها هذا، وهناك تخريب اقتصادي غير مستهدف اي ياتي عرضا، وبصورة ادق فان الجهة التي تتسبب بهذا التخريب لم يكن ضمن اهدافها المقصودة والمبيّته، الا ان الأضرار المترتبة على بعض هذه الاعمال يؤدي الى الاضرار والتخريب بمصلحة البلد والمجتمع كما هو الحال مع بعض الشركات والمقاولين الذين يستهدفون نسب ربح عالية مثلا، فيلجأ مثل هؤلاء الى اعطاء الرشاوي للجهات الحكومية المشرفة من اجل غض النظر فيما يخص عدم مطابقة مشاريعهم ومقاولاتهم مع المواصفات المطلوبة، وبالتالي فان الاطراف المشتركة بمثل هكذا عمل من مقاول والجهة الحكومية المشرفة على العمل ستساهم بالتخريب الاقتصادي للبلد سواء علموا بذلك ام لم يعلموا.
التخريب الاقتصادي ياخذ اشكالا وابعادا مختلفة ومتعددة، فالخبير الاقتصادي الامريكي جون بركينز في كتابه اعترافات قاتل اقتصادي يذكر انه جُند من قبل المخابرات الامريكية من اجل ان يمارس دور المخرب الاقتصادي، وقد اطلق على دوره هذا مصطلح "قاتل اقتصادي" وأراه محقا في اطلاقه لمثل هكذا مصطلح على مثل هذا الدور الذي يقوم به، فالادوار التي يقوم بها مثل هكذا خبير اقتصادي اذا مارس وقصد التخريب الاقتصادي يرقى الى مستوى القتل والتقتيل ليس لفرد واحد ولا لمجتمع بل للدول والشعوب.
ان الدور الذي تمارسه الامبراطوريات والدول الكبرى من اساليب ووسائل في المجال الاقتصادي ينبغي الانتباه له واخذ الحيطة والحذر، وفوق هذا فان هناك من المنظمات الدولية التي تمارس هذا الدور التخريبي، فهذه المنظمات والمؤسسات تحاول ضمان مصالح الدول الكبرى، لأن هذه المؤسسات والمنظمات اُنشأت اصلا من اجل تحقيق مصالح هذه الدول، فمؤسسة صندوق النقد الدولي مثلا اُنشات اصلا من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وفي حينها دار صراع بين الدول المنتصرة نفسها، ففي ذلك الوقت دار تنافس وصراع خفي بين مقترحات مندوب بريطانيا الاقتصادي المعروف جون ماينارد كينز ومقترحات الاقتصادي الامريكي هاري ديكستر وايت، واخيرا ونتيجة قوة امريكا الاقتصادية في حينها وتفوقها العسكري رجحت كفة امريكا على بريطانيا وبقية الدول المجتمعة، واُخذ بمقترحات مندوب امريكا، والحقيقة ان مقترحات امريكا حققت مصالحها ومصالح البلدان المنتصرة في حينها.
صحيح ان اهداف صندوق النقد الدولي هي مراقبة التطورات والسياسات الاقتصادية والمالية في البلدان الاعضاء وتقديم المشورة واقراض البلدان الاعضاء التي يمر ميزان مدفوعاتها بمشاكل، او من اجل دعم سياسات التصحيح والاصلاح الرامية الى حل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها بعض البلدان سيما البلدان النامية، الا ان بعض الشروط التي يمليها الصندوق تحقق مصالح الدول المقتدرة والمتفوقة وبالمقابل تزيد من ضعف وفقر البلدان الفقيرة، فهناك من النصائح التي يقدمها الصندوق لاتحقق مصالح الشعوب والمجتمعات المحرومة بقدر ماتحقق مصالح اقتصاديات بعض البلدان والتي هي اقتصاديات قوية ومقتدرة، وبالتالي فان هذا الامر يدعو حكومات البلدان النامية سيما العراق ان تسعى الى تحقيق مصالح ابناءها وشعبها قبل الاخذ باي نصيحة او مشورة يقدمها صندوق النقد الدولي والتي ربما يعتقد البعض ان الاخذ بمثل هذه النصائح يحقق مصلحة العراق ويدفع بالاقتصاد العراقي الى الامام. ينبغي دراسة كل مقترح ومشورة تقدمها المؤسسات الدولية ومن ثم الاخذ بالنصائح والمشورة التي تتفق مع مصلحة البلد والمجتمع العراقي، فالقاتل الاقتصادي جون بركينز – كما يُسمي هو نفسه – يقول اننا كنا نقدم دراسات ونصائح لبعض البلدان لا اساس لها من الصحة من الناحية الواقعية والاقتصادية بل هي دراسات مفبركة لمجرد خداع الاطراف المُقدمة لها المشورة، اي من اجل دفع الدول النامية ورؤسائها للموافقة على المشاريع المقترحة وبالتالي تحقيق المصالح الخاصة لشركات الدول المتقدمة وبلدانها، لذا فليست كل دراسة او مشورة او نصيحة مُقدمة من قبل الشركات الكبرى او من قبل المؤسسات الدولية وحتى من قبل الدول المتقدمة هي صحيحة وحقيقية. حذار حذار من التسليم بالنصائح والدراسات المُقدمة من اي جهة كانت حتى وان كانت من قبل دول او منظمات دولية، بل ينبغي التحقق من هذه الدراسات والمشورات ومن ثم اتخاذ قرار سليم وبما يتلائم مع مصلحة بلداننا وشعوبنا .
لو القينا نظرة سريعة على الساحة العراقية والاقتصاد العراقي لاتضح لنا الاتي:
1-هناك تخريب اقتصادي واضح في اغلب مؤسسات البلد، سواء كان هذا التخريب مقصودا او غير مقصود، ولو قامت احد المؤسسات العراقية البحثية بدراسة او تقييم المؤسسات والدوائر العراقية لراينا العجب العجاب، لكن مايؤسف له انه رغم وجود المؤسسات الرقابية المتعددة في البلد الا ان هذه المؤسسات الرقابية نفسها تعاني من الفساد على جميع الاصعدة وبالتالي ما يتمخض عن هذه المؤسسات الرقابية من نتائج لايتناسب مع كبر هذه المؤسسات وما تستنزفه من موارد كبيرة. في العراق لاتوجد عملية تقييم لمخرجات المؤسسات او الدوائر والمنضمات الحكومية قياسا بما تحصل عليه هذه المؤسسات من موارد او مدخلات، وبالتالي سيكون اداء هذه المؤسسات متدنيا لغياب التخطيط والتقييم والرقابة والمتابعة.
2-الفساد الاداري والمالي في العراق كبير وهو يمثل اكبر حالة تخريب يتعرّض لها البلد، وهي بحاجة الى وقفة حازمة من الجميع والا فان المشكلة تهدد البلد ومستقبله.
3-هناك نسبة كبيرة من المشاريع المُقامة في العراق لاتتطابق والمواصفات العالمية او والمواصفات التي اُنشات من اجلها، وبطبيعة الحال فان عدم تطابق هذه المشاريع والمواصفات الدولية يعني عدم الاستفادة المرجوة منها وبالتالي تاخير البلد والاضرار به، فهل هناك تخريب اكبر من هذا التخريب.
4-التاخير في انجاز المشاريع يعني فيما يعنيه تخريب اقتصادي وبامتياز، لأن التاخير في انجاز المشاريع يترتب عليه تكاليف عديدة، اهمها هو تاخير تطور البلد.
5-وضع الموظف غير المختص او الكفوء في مكان غير مكانه يعني فيما يعنيه هو التخريب الاقتصادي، لأن المؤسسة التي يقودها انسان قاصر سيقود بالظرورة المؤسسة الى الفشل والقصور، فماذا عسانا نتوقع من جاهل.
6-هناك دوائر ووزارات لازالت تُحكم من قبل لوبي قديم له اهداف سياسية يعمل على تحقيقها وهذه الاهداف تتمثل في افشال التجربة الجديدة، وبالتالي فهذا اللوبي هو الذي ساهم في تعطيل الكثير من القوانين او المشاريع المهمة، وهذا اللوبي هو الذي سعى ويسعى الى افساد الكثير من موظفي الدولة سيما الجدد منهم – سيما الخفيف منهم – ومايلاحظ من انتشار الفساد المالي والاداري وبهذه الصورة الفاضحة.
7-هناك تاخير واضح ومتعمد في انجاز معاملات الخبراء والكفاءات العراقية العائدة للبلد، والا فهل من المعقول ان معادلة شهادة او المصادقة عليها تستغرق كل هذا الوقت والذي يتجاوز في اقل التقادير العشرة اشهر او اكثر من ذلك!!! وفوق هذا توجد اساليب مختلفة من قتل وخطف لكفاءات البلد، والهدف من هذه الحملات هو افراغ البلد من كفاءاته، وهذا الامر يُعد قمة التخريب الاقتصادي.
8-التاخير في علاج مشاكل البلد من اجل بعث الياس في نفوس الناس، ومن اجل زيادة سرقة موارد البلد، والا فهل من الصعب انجاز قاعدة بيانات للبلد من اجل السيطرة على الفساد والتزوير، واعداد قاعدة بيانات للبلد ومؤسساته سيساهم في التخطيط السليم للبلد ومن ثم المساهمة في حل مشاكل البلد وازماته باسرع وقت. هذا التاخير في اعداد وانجاز وثائق الكترونية وقاعدة بيانات للبلد ومؤسساته هو التخريب الاقتصادي بعينه.
9-التغيير في خطط وزارات ومؤسسات البلد كلما جاء مسؤولا جديدا هو الذي ساهم ويساهم في تاخير تطور البلد، ولعل هذا الامر هو التخريب الاقتصادي بعينه.
خلاصة الامر نود القول ان على حكومة العراق المباشرة بتاسيس وانشاء مراكز دراسات ومؤسسة مستشارين على معرفة ودراية، ودون ان تدخل مثل هذه المؤسسات والمراكز ضمن المحاصصات السياسية والحزبية.
بعد تأسيس مثل هذه المؤسسات العلمية والمراكز البحثية يمكن الرجوع لها والاسترشاد باراءها، والا فان البلد سوف لن تقوم له قائمة، وخير دليل على القصور والتخبط الذي عانى ويعاني منه العراق خلال العشر سنوات الماضية هو هذه الموازنات الضخمة التي ترصد كل سنة، الا ان ماتمخض ويتمخض عن هذه الموازنات من مخرجات لايمكن مقارنته بالمدخلات اي بالمبالغ الكبيرة المصروفة، وخير دليل ايضا هو هذا القصور الحاصل في انجاز المشاريع كالكهرباء والماء والنظافة والصحة والمدارس وسواها الكثير الكثير.
14/5/1318
https://telegram.me/buratha