دراسات

ملاحظات اقتصادية حول عملية الخصخصة في العراق....بقلم: د. ستار جبار البياتي

2619 19:54:00 2013-03-07

 

كثر الحديث عن خصخصة المؤسسات والشركات الحكومية في العراق، على الرغم من عدم اتضاح الرؤى الخاصة بهذا الموضوع وعدم اتضاح توجهات الدولة الاقتصادية بالشكل الذي يتيح للباحثين والمحللين ترتيب افكارهم وصياغة مقترحاتهم بما يخدم الاقتصاد الوطني، فالصورة مازالت رمادية لا تعكس حقيقة ما يجري في العراق من الناحية الاقتصادية.

 وفي الوقت الذي كان فيه موضوع الخصخصة متداولا بين الاقتصاديين ـ ولاسيما الاكاديميين منهم ـ صار في مرحلة ما بعد عام 2003 حديث الشارع العراقي نظرا للتوجهات التي تنتاب العاملين في بعض مؤسسات الدولة التي ترشحها اداراتها أو الوزارات المعنية بها لعملية الخصخصة، كما ان الخوف لا يزال قائما من انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية على شرائح واسعة في المجتمع، وهي توجسات ومخاوف لاشك في انها مشروعة وتستحق الاهتمام.

لقد صارت الخصخصة في العراق اليوم من اهم مفردات الاصلاح الاقتصادي تزامنا مع العولمة والاستثمار الاجنبي والشفافية وحوكمة الشركات، وهي في حقيقتها مفاهيم العصر الجديد الذي صاغته التطورات الاقتصادية ومن جهة النظر الرأسمالية التي تحاول اليوم تعميم افكارها على مساحة واسعة من الكرة الارضية، تارة بالترغيب وتارة اخرى بالترهيب حتى لو اقتضى عدوانا عسكريا مهما كانت حججه ومبرراته غير مقنعة ولا تحظى بالشرعية.

وعلى الرغم من ان موقف الدولة سابقا كان يقوم على رفض الخصخصة تحديدا، الا ان الدولة كانت قد اقدمت في عام 1987 على خصخصة عدد من الشركات التابعة للقطاع العام، ثم تراجعت لاحقا عن قرارها هذا عندما الغت عملية البيع لبعض منها ربما تحسبا من انحراف فلسفتها نوعا ما والقائمة على التخطيط المركزي والقطاع العام.

ومع ذلك، ينبغي التأكيد على ملاحظة مهمة هنا، وهي ان عملية الخصخصة التي بدأت في العراق فعلا نهاية عقد الثمانينيات كان مردها إلى العجز المالي الكبير الذي كانت الحكومة تنوء بحمله ويشغل تفكيرها، حيث كانت موارد النفط متدنية جدا بسبب انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية، والحرب الايرانية ـ العراقية التي كانت قد استنزفت ما كان متاحا للعراق من موارد مالية، وهكذا جاءت الخصخصة لتؤمن بعض الموارد المالية للحكومة بالدرجة الاساس والتي سارت على محورين: الاول: رفع القيود عن القطاع الخاص والسماح له بمزاولة العديد من النشاطات الاقتصادية التي ربما لم يكن مسموحا له بمزاولتها.

الثاني ـ تحويل ملكية عدد من المؤسسات العامة إلى القطاع الخاص.

ولذلك صدرت العديد من القرارات لدعم هذا التوجه منها صدور قانون الاستثمارات العربية رقم (46) لسنة 1988، الذي منح الاستثمارات العربية امتيازات عديدة واعفاءات ضريبية وكمركية لتشجيع مساهمتها في مشاريع التنمية، وكذلك صدر القانون التجاري رقم (45) لسنة 1989، الذي استهدف تشجيع القطاع الخاص على زيادة مساهمته في النشاط التجاري.

وينبغي القول هنا، ان عملية الخصخصة قد اعتمدت كجزء من برنامج الاصلاح الاقتصادي في العديد من الدول مثل روسيا على اثر انهيار الاتحاد السوفيتي ورومانيا وحتى الصين حيث تتمتع الاخيرة اليوم كما هو معروف بنظامين اقتصاديين.

عربيا، يلاحظ ان معظم الدول العربية مثل مصر والاردن والمغرب وتونس تشترك في توجهاتها نحو تبني الاقكار الرأسمالية المقترحة من المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي في عملية الاصلاحات الاقتصادية التي تجري في بلدانها والتي تقوم اغلبها على الخصخصة وتحرير الاسعار وتحرير التجارة الخارجية من القيود والغاء الدعم الذي يقدم إلى المستهلكين وغير ذلك.

على المستوى العراقي، نجد ان المعالجات المطروحة اليوم لدعم الاقتصاد الوطني ما زالت قاصرة حقا عن اداء هذه المهمة، ونرى ان هذه المعالجات تتطلب اعادة النظر بكل السياسات الاقتصادية القديمة، وينبغي اخضاع أي فكرة في هذا المجال إلى دراسة ابعادها واستشارة الاقتصاديين وبيان مدى انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية على الاقتصاد والمجتمع معا، والاستفادة قدر المستطاع من الدروس التي خلفتها تجارب الدول الأخرى، ولاسيما تجنب التجربة الروسية والتي حصلت فيها الاصلاحات الاقتصادية باسلوب الصدمة، ومثالنا على ذلك ان مجموعة ما يسمى (الاوليغار) في روسيا دفعت ثمنا زهيدا للحصول على شركة البترول الروسية عن طريق الخصخصة، ثم استطاعت ان تسترجعه (أي تسترجع رأسمالها) خلال سنة واحدة من تصدير البترول.

المسألة المهمة الأخرى لاينبغي بأي حال من الأحوال استبدال احتكار الدولة أو القطاع العام باحتكار القطاع الخاص لأن الخصخصة في هذه الحالة لا تحقق الاهداف الاقتصادية من وراء اعتمادها، نحن لدينا قطاع خاص كان ولايزال له الدور الكبير في النهضة الصناعية التي شهدها العراق سابقا ونأمل له الدور الكبير في هذا المجال مستقبلا، لكن في مسألة الخصخصة يجب النظر اليها بتروٍ، وان نأخذ الوقت المناسب لدراسة ابعادها ومحاولة تهيئة متطلباتها، وعدم تكرار المآسي التي حصلت في اوربا الشرقية في العراق.

وفي ضوء ذلك، لابد من القول، إذا اردنا ان نجني فوائد الخصخصة وتحقيق اهدافها المتمثلة بزيادة الكفاءة الاقتصادية ورفع مستوى الانتاجية لتحقيق المنافسة التجارية في السوق الدولية عن طريق تحرير التجارة الخارجية وتحرير الاسعار وزيادة الطاقة الاستيعابية عن طريق الفرص الاستثمارية وتوسيع مشاركة المواطنين في ملكية الاصول العامة، إلى جانب تشجيع الاستثمار الاجنبي والاستفادة من خبراته التكنولوجية والحصول على المهارات الفنية عن طريق التدريب، نقول اذا اردنا ذلك، فلابد من تجنب اسلوب الصدمة واعتماد الاسلوب التدريجي، والتفكير مليا بمدى ملاءمة الخصخصة لطبيعة البيئة الاقتصادية والاجتماعية في العراق واشاعة ثقافة اقتصادية مجتمعية واعية والاهتمام بتوفير المناخ الاستثماري المطلوب والاطار القانوني والمؤسسي الذي يمنحنا القدرة على الضبط والسيطرة والقدرة على الحفاظ على المصالح المجتمعية من اجل ان لا تكون الخصخصة سبيلا لتحقيق الارباح الجشعة التي تقوم على استغلال الاخرين وانما نريدها عملية ذات جد ملاحظات اقتصادية حول عملية الخصخصة في العراق.

26/5/13307

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك