بدءاً اتقدم الى كل ما هو بصري بالتهنئة المباركة في الذكرى الحادية والاربعين لميلاد هذا الصرح العلمي من صرح مدينتنا الفيحاء ألا وهو تأسيس جامعتنا الغراء جامعة البصرة ، هذا الصرح لم يتات له البناء والتكامل لولا تكامل ضروريات وجوده في مدينتنا الفيحاء تلك المدينة التي تميزت في واقعها المعاصر من بين مدن العالم بميزات عدة اهلتها لولادة هذا الصرح العلمي ومن بين هذه الميزات موقعها الجغرافي ومساحتها ومواردها البشرية والاقتصادية وتاريخها العريق .
موقعها الجغرافي
تقع البصرة الى الجنوب والجنوب الشرق وهي تمثل الحدود الدولية للعراق مع كل من الكويت وايران ، وتطل بما يقارب 60 كم على ساحل الخليج ، وتعد البصرة المنفذ البحري الوحيد للعراق وكانت تسمى ثغر الهند لانها الطرق الموصل للهند يوم ذاك ، واذا كان يطلق على العراق بانه عين الدنيا فان البصرة كانت تسمى عين العراق .
مساحتها
تعد البصرة من بين المدن الاكثر مساحة حتى انها تكبر مساحة بعض الدول ، هذه المساحة التي تؤهلها لتلعب دوراً حيوياً وعلى مختلف الاصعدة سواء على المستوى الاقتصادي او الجغرافي او السياسي او الاجتماعي .
مواردها البشرية
ان الموقع الجغرافي المتميز للبصرة ومساحتها الواسعة جعلها من المدن الاكثر كثافة للسكان حيث بلغ عدد سكانها حسب احصاء 1997 ما يقارب المليون نسمة ان هذا العدد من السكان بالتاكيد له اثر كبير من الناحية السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية او الفكرية اذا ما احسن استخدامه ، خاصة في يومنا الراهن ونحن نشهد تغييراً على الساحة العراقية وعلى مختلف الاصعدة .
مواردها الاقتصادية
ان الحديث عن موارد البصرة هو حديث ذو شجون ، فالبصرة متنوعة الموارد من الجوانب الاقتصادية ويأتي في مقدمة مواردها الاقتصادية ـ النفط ـ ذلك المورد الذي هو شريان حياة العالم اليوم وبسببه تتغير خرائط وتوضع خرائط جديدة ، فالبصرة من المدن النفطية المتميزة وهي ذات احتياطي كبير بالاضافة لذلك هناك مواردها الزراعية وفي مقدمتها ـ النخيل ـ إلا ان الحديث عن النخيل هو حديث في الماضي وليس الحاضر ، اذ بلغ عدد نخل البصرة اواخر السبعينات ما يقارب (22) مليون نخلة ، ولكن هذا العدد اخذ بالتضاؤل حتى ان اليوم لا نكاد نحصى مليون نخلة ، والسبب هي الحروب المستمرة والحصار الاقتصادي والسياسة القمعية التي مارسها النظام السابق ، ان هذا التدمير الذي تعرضت له البصرة ترك آثاراً سلبية على الاقتصاد العراقي عامة والبصري خاصة ، فبالاضافة لكون التمور تشكل مادة غذائية ، فانه يدخل في صناعات غذائية كثيرة بالاضافة الى انه من الموارد التي تصدر للخارج ، بالاضافة الى النخيل هناك موارد غذائية كثيرة كمحصول الطماطة الذي يغذي سائر العراق رغم ان هذا المحصول يقوم على جهود شخصية للافراد وليس للدولة دخل فيه ، فيا ترى كيف سيكون انتاجه اذا ما ابدت الدولة اهتمامها به وتاتي الثروة الحيوانية كموارد اقتصادية هامة كالاغنام والجاموس والابل بالاضافة الى الطيور في مناطق الاهوار .
اما الثروة البحرية ، فهي الثروة التي تتميز بها البصرة حيث انها تطل على (60) كم على ساحل الخليج العربي بالاضافة لشط العرب ولالتقاء نهري دجلة والفرات ، والمئات من الانهار الصغيرة المنتشرة في مدينة البصرة .
ان اهميتها البحرية تتضح من خلال انها الثغر الوحيد للعراق على الخليج العربي والعالم ، فتساهم في مسالة النقل البحري بالاضافة الى الموارد المائية والاسماك والمعادن واللؤلؤ في عمق البحر وغيرها ، وايضاً شكلت اهوار البصرة موارد اقتصادية على مستوى الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية والطيور خاصة .
تاريخها العريق
تعد البصرة اول مدينة اسلامية تبنى في ظل الاسلام ، حيث تم بناؤهم عام 14 هـ على يد الصحابي عتبة بن غزوان ، وكانت الطريق المتبعة ان يبنى اولاً المسجد ثم تبنى حوله الدور والاسواق ويعد مسجد البصرة ثاني مسجد بني في الاسلام بعد المسجد النبوي في المدينة المنورة .
تميزت البصرة بعد بنائها بميزات عدة من بينها اصبحت قاعدة للفتوحات الاسلامية في المشرق ثم مواقفها السياسية المتميزة وايضاً نشاط الحركة الثقافية .
اولاً : البصرة قاعدة الفتوحات الاسلامية
اصبحت مدينة البصرة قاعدة للفتوحات الاسلامية في المشرق والخليج ، حيث منح والي البصرة صلاحيات ذلك ، كان والي البصرة مسؤول عن اقاليم المشرق والخليج كالبحرين وهجر وغيرها ، والوالي نفسه مسؤول امام الخليفة سواء في المدينة ام الكوفة ام دمشق ام بغداد ، مضاف لذلك شكلت البصرة اداة لتعريب المناطق الشرقية حيث يروى ان الوالي الاموي زياد بن ابيه نقل (000, 50) خمسون الف عائلة بصرية ، ولما تولى الحجاج بن يوسف الثقفي نقل (000, 70) سبعون عائلة بصرية ، فانها شكلت على المدى البعيد اداة للتعريب وانتشار اللغة العربية في المناطق الشرقية .
ثانياً : المواقف السياسية لمدينة البصرة
اشيع عن البصرة انها كانت ( عثمانية تدين بالكف وتقول كن عبد الله المقتول ولا تكون عبد الله القاتل ) إلا ان هذا الرواية لا اساس لها على ارض الواقع ، بل ان البصرة في مقدمة المدن الاسلامية التي اتخذت مواقف سياسية حيث معركة الجمل فاتحة الحروب الاهلية في الاسلام التي ادت الى مجيء الامام علي عليه السلام مع ملاحظة ان اهل البصرة لم يشتركوا باجمعهم ضد الامام علي (ع) بل ان قسماً منهم كان ضد اهل الجمل واستشهد قسم منهم قبل المعركة ، وفي واقعة الطف التي كان للجانب الاعلامي اثر في تشويه صور آل البيت (ع) .
ومع ذلك فان كتب الامام (ع) قد وصلت الى زعماء البصرة وتروي الروايات ان عدداً من اهل البصرة خرج واشترك مع الحسين (ع) واتخذت احدى النساء من بيتها مكانا للدعوى لنصرة الامام الحسين (ع) ورغم الاجراءات القمعية التي اتخذها والي البصرة عبيد الله بن زياد بن ابيه ضد اهالي البصرة ، فقد كان عدد من اهالي البصرة مستعدا للخروج ونصرة الحسين (ع) واستمرت مواقف اهل البصرة من آل البيت حيث ساندوا ثورة ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب الثائر ضد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 145 هـ . وقد تمكن ابراهيم من الانتصار حتى ان الخليفة طلب فرساً لينهزم ، وهنا تشير الرواية ان سهما غارباً جاء الى ابراهيم وقتله ، وعندها فشلت ثورة وعلى اثرها ذاق اهالي البصرة الامرين من الدولة العباسية .
ان الولاء لآل البيت قد استمر رغم كل الاجراءات القسرية والقمعية طوال عصور الدولة الاموية والعباسية ثم الملكية والجمهورية ، وفي الامس القريب شهدنا الجماهير البصرية والتي تعد بمئات الالوف وهي تفد مشياً على الاقدام نحو مسجد البصرة الذي اخذ يعرف بخطوة الامام علي ( ع ) حيث لوحظ البصريون على اختلاف مستوياتهم وهم يأتون زرافات ووحداناً جاعلين من مسجد البصرة (خطوة الامام علي (ع) كربلاء البصرة ) وكانها اشارة للقول : كل يوم عاشوراء وكل ارض ( كربلاء البصرة ) ، فاصبحت البصرة من المدن الاسلامية المعروفة بولائها لال البيت (ع) .
وطول العصور التي تلت سقوط بغداد على يد المغول كان للبصرة نصيب من الصراع السياسي خاصة بين العثمانيين من جهة والصفويين ثم الجلائريين في ايران من جهة اخرى ثم بين النظام الملكي الشاهنشاهي في ايران والنظام الملكي ثم الجمهوري في العراق واخيراً بين النظام الحالي في ايران وبين النظام البعثي حيث لاقى اهل البصرة الامرين من تلك الحروب وخاصة التي شهدناها مع ايران ثم .مع الكويت وما تلا ذلك من حصار اقتصادي وسياسة قمعية استخدمها النظام ضد اهالي البصرة
ثالثاً : الحركة الثقافية في مدينة البصرة
يعد المسجد المكان العام لاكثر اوجه الحياة في المدينة الاسلامية ، حيث هو مقر الحكم وتقام فيه الصلاة وتفض فيه المنازعات ويلتقي فيه بالوفود وتعقد فيه الاتفاقيات ثم تعقد فيه حلقات الدرس ، كان مسجد البصرة اشبه بجامعة مصغرة تلقى فيه حلقات الدروس لمختلف العلوم كالفقه والحديث والقران واللغة والادب والعرض والكلام والفلسفة وغيرها .
وبعد مجيء الامام علي (ع) للبصرة بدأت الحركة الثقافية وبوجه جديد حيث استقر الامام في البصرة عدة اشهر والقى على اهل البصرة في مسجدها عدة خطب في مسائل متفرقة وقام باهم اجراء اقتصادي حيث ضرب اول عملة عربية اسلامية في البصرة وبعدها ولى عبد الله بن عباس المعروف بألمعيته العلمية والياً على البصرة ، فبدأت الحركة الثقافية تتطور في البصرة الى ان اصبحت البصرة السباقة في مختلف العلوم حيث ابي الاسود الدؤلي في النحو ، والخليل بن احمد الفراهيدي في العروض ، وفي الكلام واصل بن عطاء مؤسس الاعتزال ، وفي الفلسفة الكندي اول فيلسوف عند العرب ، وفي التاريخ ابن سعد وخليفة بن حياط ، واما في الشعر فكان سوق المربد يشهد على اسبقية اهل البصرة في هذا الميدان ويكفي ان من شعراء البصرة الفرزدق مثلاً ، وفي علم البصريات نجد ابن الهيثم وكان بدأ تأسيس مذهب الاشاعرة الكلامي على يد ابي الحسن الاشعري وهو من رجالات البصرة .
واستمرت الحركة الثقافية في البصرة في تطور مستمر ، ونحن نأمل في ان تكون جامعة البصرة اليوم وريثة لهذه الحركة الثقافية وان نسمع باعلام جامعة البصرة في مختلف العلوم كما سمعنا وقرأنا عنهم في العصور الماضية . وآخر دعوانا ان الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
19/5/13301
https://telegram.me/buratha