دراسات

دراسة عن الشورى في القرآن ... منطلق حضاري نحو التغيير

5366 04:33:00 2006-12-20

( بقلم : السيد حسن الهاشمي )

(بسم الله الرحمن الرحيم)(الشورى في القرآن منطلق حضاري نحو التغيير)بقلم: السيد حسن الهاشمي*المقدمة*الشورى لغة واصطلاحا ودلالة*مجال الشورى*أهمية الشورى*الشورى الصادقة والكاذبة*الحرية أساس الشورى*من استبد برأيه هلك*الشورى وأثرها في تنمية الحوار*ما هي علاقة الشورى بالإنتخابات؟*من هو المستشار وما هي شروطه؟*الإنسان بمفرده عاجزالمقدمة:من منا لا يرغب أن يكون رأيه حصيفا سديدا رشيدا بعيدا عن الهزل والعشوائية والخواء!؟من منا لا يرغب أن يسير في واحة غناء، يستضيء من خلالها بنور الهدى والرشاد والسعادة، ويستنشق منها عبير النجاح والبركة والتوفيق، ويتوارى عن العطب والعجز والجهالة، ويحذر من الانزلاق في وحل الخيبة والندامة، ويسعى دائما لكي يتحرر من أسار الشقاء والوحشة، ويدأب جاهدا على أن لا ينحدر نحو المخاطرة والهلاك!؟من منا لا يرغب أن يكون مجتمعه مجتمعا تسوده العدالة، ويكون منبتا لإظهار الكفاءات ومرتعا للتقدم نحو الرخاء والرفاه، بعيدا عن الظلم وغمط الحقوق، وبعيدا عن تولد الآفات الضارة المتمثلة بالمتملقين والمتزلفين، الذين لا يجلبون على الأمة سوى الويلات والدمار والضياع!؟وأخيرا وليس آخرا من منا لا يرغب نحو بيئة صالحة، وحضارة وضاءة وخير وارف في الدنيا والآخرة، بموجبه يرقى الإنسان سلم التقدم والكمال، ويدع وراءه موجبات الشر والضلال والعصيان!؟ هذا هو الخط البياني الفاصل بين المجتمع الاستشاري والانفرادي- إذا صح التعبير- ومن الطبيعي أن من أهم وأبرز مقومات الدولة الحضارية، هي الروح الاستشارية، وإذا ما عبقت أريج هذه الروح في الأمة، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، فإنها ترتقي سلم النهوض على كافة المستويات، وتكون الأخطار المحدقة بها أقل بكثير لو قارناها بالأمة التي تتخذ قراراتها بشكل منفرد.ومما لا يختلف فيه اثنان... إننا نشترك مع الحيوانات في أمور كثيرة، ونختلف عنها في أمور، فالحيوانات بحاجة إلى طعام ومسكن، ولديها رغبات وشهوات وكذلك نحن، أما أبرز ما نختلف فيه عنها... أننا بشر، ولابد أن نعيش مع من يماثلنا من البشر، ولابد من السعي الحثيث لتحقيق الهدف السامي الذي خلق الإنسان من أجله، وهو صيانة الدنيا والآخرة من الآفات والنكبات والأهوال، وليست الصيانة سوى التعايش السليم الهادف الذي يؤثر بدوره على مدى العلاقات الحميمة التي تربط فيما بين بني البشر.ويتجلى هذا المعنى واضحا إذا عرفنا أن( القرآن هو أول دستور مكتوب عرفته الإنسانية، جاء ناظما لشؤون الدين والدنيا معا، ومنه اقتبست الإنسانية مثلها، وطرق التقنين المكتوبة لحماية الفرد والجماعة في علاقاتهم العامة والخاصة، شاملة لذلك بين الجنسين الذكر والأنثى، وجاعلة الإنسانية كلها من أصل واحد، لا فرق بين عربي وعجمي، وبين أبيض وأسود، إذ الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله) (1) وكذلك أحبهم إلى الله وأكثرهم حظوة وقربا عنده، ألزمهم لطاعته وامتثال أوامره ونواهيه( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير) (2) وبهذه المقاييس العظيمة الجليلة، تسقط كل المحسوبيات والقوميات والجغرافيات والعرقيات والإثنيات... وغيرها التي غالبا ما تكون سائدة في العلاقات المادية.ومن البديهي في القول أن اليد الواحدة لا تصفق، وأن الاثنين خير من الواحد وأن اعلم الناس من جمع علوم الناس إلى علمه، وأعقلهم من جمع عقول الآخرين إلى عقله، ولا اعتقد أن الذي يرنو إزاء الحل الأمثل لمشاكل الحياة أن ينزل الميدان لوحده، فالإنسان مهما بلغ من العبقرية والذكاء فانه لا يستطيع أن يرى قفاه... وهكذا غوامض الأمور لا يمكن إدراكها وفهمها إلا باجتماع الأفكار والعقول، وأن الله قسم العقل بين عباده... وعلى الإنسان أن يضم عقول الآخرين إلى عقله حتى يتجنب المزالق، ويهتدي إلى سواء السبيل.ما أحوجنا اليوم ونحن نعيش في أجواء بعيدة عن مبدأ التعاون والتناصر والتعاضد، أن نأخذ بناصية الشورى، لتحلق بنا في سماء النجاة والصفاء والزهو والاعتلاء، وتدلنا على سبل الخير والرفاه، وتنتشلنا من مهاوي الاستبداد، الذي لا يجلب إلى الأمة سوى الدمار والفتك والتخلف والتقهقر والانتكاس.لهذه المعاني النبيلة، فقد قمنا بوضع مبدأ الشورى على طاولة البحث والنقاش، مستلين منها المعنى اللغوي والاصطلاحي، والمجال الذي يمكن أن تتحرك فيه، وأهميتها القصوى- لاسيما في عالمنا الإسلامي الذي هو أحوج ما يكون إليها اليوم من أي وقت مضى- وكيفية تمييز الشورى الصادقة عن الكاذبة، وأنها منشأ الخير والحرية والحوار، وكذلك عن أهم المواصفات التي ينبغي أن تتوفر في المستشار، وأخيرا أن التجارب علمتنا أن(يد الله مع الجماعة) والإنسان بمفرده عاجز عن أن يقوم بأوهن الأشياء فضلا عن أعظمها.التجارب والعقل والنقل كل هذه الأمور ترشدنا إلى تبني هذا المبدأ العظيم، لما فيه من الخير الوارف، ولما فيه من كوامن التقدم والتطور والإبداع.الشورى لغةً واصطلاحاً ودلالة:ذكرنا فيما سبق انه يوجد في القرآن الكريم ثمة قوانين جاءت لحماية الفرد من الناحية الاجتماعية، ومن ضمن هذه القوانين(الشورى) ومعناها اللغوي هو الاستخراج والإظهار( ويقال شرت العسل إذا أخذته من موضعه) (3) أما المعنى الاصطلاحي للشورى وهو عبارة عن استطاع الآراء لاستظهار الرأي الأصوب. لسنا الآن بصدد أن نستعرض الآراء بشأن مدلول آيتي الشورى على الوجوب أو عدمها، بقدر ما يهمنا استلهام الأفكار الحضارية التي تحثنا على السير قدماً إزاء ما يكرس هذا المفهوم نصاً وفهماً ودلالة. فالآية الأولى: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (4) في معرض الاستدلال بها نقول لو سلم أن السياق لا يدل على وجوب المشورة، فان الأمر في (وشاورهم) ظاهر في الوجوب.أما قوله تعالى( فإذا عزمت فتوكل) ألا يدل على أن الأمر كان لاسترضائهم وليس الأخذ بآرائهم، وإن كانت صائبة؟ يؤيده في ذلك أن مدلول الآية الكريمة يؤكد على أن الرسول الأعظم(ص) هو العازم الوحيد؟تعقيبا على هذه الأسئلة، الذي يلقي نظرة فاحصة في الآية ينتهي إلى أن( فإذا عزمت) جاءت بعد(شاورهم) وهو ظاهر أن العزم منبعث عن نتائج المشورة، لا أنه في قبالها، ألا ترى أنك إذا قلت: شاور الطبيب فإذا عزمت فتوكل، كان معناه العزيمة المنبعثة عن مشورته. ولكي نخرج العزيمة من معناها التجملي إلى معناها الحقيقي، لابد وأن نؤكد على أن العزيمة المنبعثة عن المشورة تشمل الرسول وأولي الأمر على حد سواء- ودافعها في الرسول والأوصياء من بعده يكون للتأسي، أما في غيره يكون لاستظهار الرأي الأصوب، هذا دليل على وجوب المشورة على ولي الأمر.أما وجوبها على سائر المسلمين فانه يستدل بالآية الكريمة(فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، وإذا ما غضبوا هم يغفرون، والذين استجابوا لربهم، وأقاموا الصلاة، وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) (5) وهي في باب الحكم واجبة حيث ذكرت ضمن صفات المؤمنين كما أنها ذكرت في عداد اجتناب الكبائر وإقامة الصلاة وما أشبه من الواجبات، وهو دليل على الوجوب سياقا واتصافا، ودلالة الوصف على الوجوب أقوى من دلالة السياق لوجود الغفران عند الغضب في عداد الأحكام، وهو بالاتفاق ليس بواجب، يمكن القول ومن خلال النصين الشريفين إن الإلزام في الشورى إن لم يكن مستندا إلى الوجوب فهو مستند إلى الأرجحية في الحاكم والمحكوم على حدّ سواء.والأرجحية بديهية ليست بحاجة إلى كثير بيان وتفصيل، فمثل الشورى والاستبداد كمثل الحسن والقبح العقليين، فالبشرية متفقة على(أن للأفعال قيما ذاتية عند العقل مع قطع النظر عن حكم الشرع، فمنها ما هو حسن في نفسه كالصدق، ومنها ما هو قبيح في نفسه كالكذب، ومنها ما ليس له هذان الوصفان، لا هو حسن في ذاته ولا هو قبيح في ذاته كلعب الكرة مثلا، والشارع المقدس لا يأمر إلا بما هو حسن، ولا ينهى إلا عما هو قبيح، فالصدق في نفسه حسن، ولحسنه أمر الله تعالى به، لا انه أمر الله تعالى به فصار حسنا. والكذب في نفسه قبيح، ولذلك نهى الله تعالى عنه، لا انه نهى عنه فصار قبيحا) (6)وهكذا الشورى فأنها في نفسها حسنة لما فيها من تلاقح الأفكار واصطفاء الأصوب منها وما يترتب عليه من الخير والرفاه والتقدم، ولحسنها أمر الله تعالى بها، والاستبداد في نفسه قبيح لما فيه من إجحاف وغمط للحقوق وظلم وجور وتعسف، وما يعقبه من ضياع وإسفاف وسقوط، ولقبحه فقد نهى الله تعالى عنه.(حسن الشورى وقبح الاستبداد) هذا المبدأ الإنساني الذي يؤيده العقل والشرع، فقد تبناه الإسلام لما يحمل بين طياته من موجبات السعادة والرخاء، ولكي يترسخ هذا المبدأ أكثر وتتبناه البشرية قاطبة في حياتهم اليومية، فإننا نعرج على بعض الحوادث التاريخية التي تحكي عن أن الرسول الأعظم(ص) بالرغم من كماله كيف كان يستشير أصحابه! ويعزم على الرأي المتمخض عن المشورة، وإن كان خاطئا في بعض الحالات؟!نقل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل(انه في يوم بدر، جاء النبي(ص) أدنى ماء من بدر، فنزل عنده، فقال(الحباب بن المنذر) يا رسول الله(ص) أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزله الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال(ص): بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله ليس هذا بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه إلى آخر ما قال... فقال له النبي(ص) (لقد أشرت بالرأي) وعمل برأيه) (7)وشاور رسول الله(ص) أصحابه في واقعة(أحد) في المدينة، هل يتحصّن فيها أو يخرج إلى العدو؟ فأشار جمهورهم بالخروج، فخرج إليهم، والمرحوم الشيخ النائيني في كتابه(تنبيه الأمة وتنزيه الملة) يقول(بالرغم من أن الرسول(ص) مع عدد من أصحابه كان رأيهم التحصن بالمدينة وعدم الخروج منها، بيد انه رجح رأي الأكثرية التي كانت تطالب بالخروج إلى أحد، وبهذه الموافقة تحمل الإسلام والمسلمين كل تلك المصاعب والمتاعب والأهوال. نزولا عند رغبة الأكثرية، وعلم الجميع بعد النكسة مدى صحة رأي الرسول(ص) والثلة المؤيدة له في عدم الخروج) (8)

مجال الشورى: وعلى هذا فالإنسان مهما بلغ من الذكاء والعظمة، فانه لا يصل إلى مرتبة الرسول الأعظم(ص) باعتبار انه ليس بحاجة إلى الأخذ بآراء الآخرين لأنه مسدد بالوحي الإلهي، وبطبيعة الحال أن الذي يتحمل أعباء الرسالة يكون أكثر ذكاء وفهما من الآخرين. إذا عرفت كل ذلك، إذن لماذا أمر الله نبيه (ص) أن يشاورهم في الأمر؟الرسول الأعظم نفسه يجيب عن هذا التساؤل بقوله(أما أن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا) (9)اتضح أن الهدف من مشورة الرسول(ص) لأصحابه ليس لاكتساب المعلومات أو صيانة النفس عن الخطأ والاشتباه، بل يمكن أن يكون أحد الأمور التالية:اختلف أهل التأويل في الهدف من المشاورة على أقوال، قال ابن هشام( وشاورهم في الأمر أي لتريهم أنك تسمع منهم، وتستعين بهم، وإن كنت غنيا عنهم، تألفا لهم بذلك على دينهم) (10) (وذكر ابن جرير مشاورة أصحابه في مكائد الحرب، وعند لقاء العدو وتطييبا منه بذلك أنفسهم، وتألفا على دينهم، وليروا أن يسمع منهم ويستعين بهم وإن كان الله عز وجل قد أغناه بتدبيره له أموره... وقال آخرين: أمره في ذلك وإن كان له الرأي وأصوب الأمور في التدبير، لما علم في المشورة من الفضل، وقال بعضهم، ليتبعه المؤمنون بعده) (11) وذكروا وجوها أخر منها: لإجلال الصحابة، واقتداء الأمة بالرسول (ص) ولا يرونها منزلة نقيصة، ولئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم، ولارتقاء المستوى الثقافي والفكري للأمة، ولمعرفة المسلم الواقعي من المنافق، ولمعرفة الرأي والنظر من عوام الناس.( والآن نرى في أي المواضيع كان يشاور الرسول الأعظم أصحابه؟ صحيح أن كلمة الأمر في قوله تعالى(وشاورهم في الأمر) ذات مفهوم واسع يشمل جميع الأمور، ولكن من المسلم أيضا أن النبي(ص) لم يشاور الناس في الأحكام الإلهية مطلقا، بل كان في هذا المجال يتبع الوحي فقط، وعلى هذا الأساس: كانت المشاورة في كيفية تنفيذ التعاليم والأحكام الإلهية على أرض الواقع) (12) وكذلك آية(وأمرهم شورى بينهم) فاستعمال ضمير(هم) أي أن الأمور العائدة إلى المسلمين في تدبير شؤونهم الحياتية، فهذا موكول لهم وتركت تفاصيلها إليهم مما سماها بعض الفقهاء بمنطقة الفراغ، أي تلك المنطقة التي ليس فيها نص واضح، وإنما وضع المشرع لها حدودها وأطرها العامة وقواعدها الفقهية، وترك التفاصيل إلى الأمة لتختار الأسلوب المناسب. فمجال الشورى إذن ينحصر في الأمور التطبيقية للأحكام، أو الأمور التنظيمية الأخرى التي لم يرد فيها نص قاطع، والتي تمس مصالح المسلمين في شؤونهم العامة والخاصة، وعلاقاتهم مع الغير.وهناك مقارنة جميلة بين استشارة الرسول(ص) لأصحابه، واستشارة أولي الأمر للمسلمين، أجاد بها الأستاذ نور الدين العراقي، وذكرها لا يخلو من فائدة حيث قال(اعلم انه بحسب حكم العقل تكون المشورة حسنة، إذ هي موجبة لاجتماع الآراء وتقوية العقول المدبرة للسياسات بعضها ببعض، والعقول المتعددة أعلى من العقل الواحد مع المطابقة قطعا، ولكن هذا المطلب إنما يكون في صورة لا يكون عقل واحد منهم أعلى من الجميع أو من جميع الخلائق، وإلاّ فلا وجه للمشورة إلاّ لأجل الرفق والاعتناء بالشأن، وتأليف القلوب، وما نحن فيه من هذا القبيل كما هو الظاهر من سوق الآية، إذ جعل ذلك من الأمور المترتبة على اللينة لهم، وجعل في صورة عزم النبي(ص) أن يمشي على عزمه ويتوكل على الله، فان الله يحب المتوكلين، والنصر من عند الله ومن يخذله الله لا ناصر له) (13)أهمية الشورى:الأدلة العقلية والنقلية والحوادث التاريخية تؤكد على أهمية الشورى في الإسلام، وكيف انه كان السباق إلى اتخاذها( مبدأ للحكم، مفروضا على الحاكم من ناحية، وصفة لحال المؤمنين في شؤونهم العامة من ناحية أخرى، يؤكد لنا أهمية هذا المبدأ وضرورة استمراره في حياة الأمم وفي جميع شؤونهم العامة والخاصة، وفي النصين الكريمين يتبين لنا أن الأمر للنبي(ص) في المشاورة إنما جاء على سبيل الإلزام باعتباره ولي المؤمنين، النبي(ص) ليس بحاجة إلى هذه المشورة كما بيّنا، وإنما هي فريضة فرضها رب العالمين على أولي الأمر ليستشيروا في كل ما يمس الأمة في مصالحها جميعا كما هو فرض على أصحاب الرأي بأن يبدوا آراءهم في كل هذه الأمور، إذ ليس لحاكم أن يستبد برأيه في شؤون الأمة، وليس للأمة أن تسكت عما يمس مصالحها فيما إذا تعرضت مصالحها للضرر بتصرف ولي الأمر الخارج على دستور المسلمين) (14)وعلى هذا فالشورى في الإسلام تختلف عما هو موجود حاليا في الدول الغربية الديمقراطية والتي تجري فيها الانتخابات وهي غالبا مزيفة، حيث أن المال المجتمع في أيدي القلة، يجمع حول نفسه، الجماعات الضاغطة والإعلام والضمائر المشتراة، وبذلك يكون الحكم بيد من يريده رأس المال لا بيد من يريده الشعب، وهذه ديكتاتورية مغلفة بغلاف من الديمقراطية والحرية، وتكون النتيجة الاستبداد، لكن مشوبا بشيء من الحرية الصورية، ولا علاج للشعب في مثل هذه الحكومات إلاّ أن يراقب عدم تجمع المال، وإنما ينتفي(التجمع) إذا كان المال في قبال خمسة أشياء فحسب(العمل الجسدي، والعمل الفكري، وشرائط الزمان والمكان، والعلاقات الاجتماعية، والمواد الأصلية) وحينذاك يكون المال بيد الكل، كل بقدر حقه الطبيعي، وليس هناك تجمع غير مشروع للمال، ولذلك لا يكون للمال قبضة على الإعلام والجماعات الضاغطة والضمائر، ويكون الدور لإرادة الشعب في من ينتخبه.أما الدول الإسلامية التي فيها مجالس الشعب، والأنظمة الملكية التي بجانبها سلطة شعبية تمثيلية أو تنصيبية، أو المجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية في زماننا الحاضر، فهي غنية عن التعريف، إذ أن معظم هذه المجالس- إلا ما خرج بالدليل- ما هي إلا بيارق يتلاعب بها السلطان المستبد كيفما يشاء، فهي لا حول لها ولا قوة، بل أنها تردد كالببغاء ما يقوله الحاكم، وفلسفة وجودها مردّه إلى يقظة الشعوب الحقيقية، التي أضحت تخيف الحكام المستبدين، فعمد هؤلاء الحكام إلى التظاهر بان الحكم للشعب، وفي الحقيقة أن الشعب بعيد كل البعد عما يخطط ويجرى باسمه، فعلاوة على مبدأ الشورى، أين هذه المؤسسات من قانون كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؟!، وأين هذه المجالس من مبدأ الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يشمل جميع المسلمين!؟ وأين هذه اللجان من الحديث النبوي القائل من رأى منكم منكرا فليغيره بيده وبلسانه وبقلبه وذلك أضعف الإيمان!؟ والتدرج إنما جاء مواكبا للظروف المختلفة التي يعيشها المسلم، وهذه الأمور وإن لم تكن استشارية، إذ ليس فيها طرفان احدهما المستشير والآخر المستشار، ولكن تفعيلها يصب في مبدأ الشورى وهو إشراك الأمة في اتخاذ القرار، وصيانة الحاكم من الانحراف.وإذا ما طالب المرء بحقه، ومارس الشورى في حياته، سيتولد عندنا وبمرور الزمن مجتمعا صالحا رشيدا، تكون عاداته وتقاليده كلها صالحة، وستنبثق تبعا لذلك سلسلة متراصة من الخير والصلاح والإصلاح، وستفرز مؤسسات مجتمع مدني ولجان استشارية وتعاونيات وأحزاب وصحافة حرة، تراقب الحكام والمسئولين على أن لا يحيدوا عن جادة الصواب، أما في المجتمع الذي يقوم على أساس العقلية الضيقة، وعلى أساس الأنانية والسلوك المنفرد، وفي غيبة الشورى والحرية ستنمو في ذلك المجتمع بذرة الانحطاط والإسفاف والذلة مما يؤدي إلى حالة الانتقام التي ستستفحل بين أفراده، وانه لا يتحمل أية عادات أو تقاليد مغايرة لطريقته وسلوكه في الحياة، لذا تراه يلجأ إلى الانتقام، وهذا سيؤدي إلى سلسلة طويلة من حالة الفوضى والحقد والضغينة قد تسود ذلك المجتمع، بخلاف المجتمع الصالح الذي يقوم على أساس النصح والتسامح، فانه قد يرتكب أفراده خطأ ما، ولكنه لا يتحول إلى حالة من الحقد والانتقام وإنما يمتص ذلك الخطأ، ويسامح مرتكبه، وتقال عثرته وتغفر زلته.وعلى هذا فالاستشارة ليست أمرا تجميليا أو زائدا عن حياتنا اليومية، بل أنها حالة طبيعية حضارية، تستسيغها الفطرة الإنسانية، بل وتحبذها على من سواها، لأنها مدعاة لتطور الإنسان، وتفتق عقله وإبداعه، وبالتالي سيؤدي إلى رقيه ورفعته في كل شؤون الحياة، علاوة على ما ذكر فان الاستشارة تعطي ثمارها سريعا حينما تصبح جزءا من العمل والإجراء والتطبيق، كما الملح حينما يعطي تأثيره في الطعام.الشورى الصادقة والكاذبة:بعد معرفة أهمية الشورى في الإسلام، هل يوجد ثمة مائز بين المشورة التي تؤكد عليها النصوص الإسلامية والمشورة القائمة فعلا في الكثير من أنظمة العالم الإسلامي؟ وبعبارة أدق كيف يمكن التمييز بين المشورة الصادقة عن الكاذبة؟ في عصرنا الحاضر نرى أن الكثير من الأنظمة تدعي الشورى، ولكنها بعيدة كل البعد عن آثارها، وقبل الخوض في هذا الموضوع لابد من تقديم مقدمة ضرورية تسلط الضوء على الجانب المعنوي في الحاكم والمحكوم في ظل النظام الاستشاري الإسلامي إذ( كانت طبيعة الحكم قبل الإسلام تقوم على الاستبداد الفردي المطلق، ولم تكن هناك ضوابط أو قواعد تحد من انطلاق الحاكم المستبد، وإنما هي شخصيته الفردية وما عليها من تأثيرات فورية تكون غالبا هي المحركة لتصرفات هذا الحاكم، وإنما كانت الحياة تقوم على العرف السائد الذي يفرضه السلطان الحاكم أو أمراؤه في المقاطعات، وكانت تسوده الوساطات والشفاعات، وتؤثر عليه الأهواء والمصالح الشخصية، إذ تنعدم فيه الروادع والزواجر الداخلية أو العقيدية- كما نراه اليوم ومع بالغ الأسف، ولكن بنسب متفاوتة في الكثير من أنظمة الحكم في دول العالم الثالث- ولما جاء الإسلام وتأسست دولته، قامت هذه الدولة على دستور مكتوب ملزم، له قواعده وزواجره، والقرآن الكريم الذي هو دستور المسلمين يحكم تصرفاتهم ويحدد حقوقهم وواجباتهم بصفة عامة، ويرسم لهم الخطوط والمناهج العامة التي لا يصح أن يتعدوها، ويدع لهم ما دون ذلك من المناهج والتفصيلات) (15) ( فالدستور الإسلامي علاوة على الرادع الدنيوي بما فرضه من عقوبات وحدود، هناك زواجر وجدانية أخرى ذات تأثير كبير على أفراد الأمة كلها، إذ اعتبرت أن الإنسان متروك لنفسه، فنفسه أقدر على ردعه، عندها يلتفت إلى المحاسبة النفسية، وان لم تكن هذه الروادع كافية للحيلولة دونه ودون الانغماس في الآثام، فلا شك انه بحاجة إلى رادع اكبر، واثر أبقى وأدوم، وهو الحساب الأخروي) (16)وبهذه المقدمة نعود إلى صلب الموضوع ونؤكد على أن( الشورى في الإسلام مبدأ إلزامي لا يجوز العدول عنه، ولهذا يعتبر الحكم الإسلامي قائما على الشورى، وكل حكم لا يتخذ الشورى مبدأ له، لا يكون حكما إسلاميا، لمخالفته هذا المبدأ الأساسي من مبادئ التشريع، وهناك صور من الحكم تتخذ الشورى وسيلة لإلباس الصفة الشرعية أو الدستورية على حكمها، ولا تكون هذه الشورى إلا أبواقا تردد إرادة الحاكم المستبد كما أسلفنا، فلا تغني عنه شيئا، ويستفاد من مفهوم الشورى أنها تفسح المجال للمعارضة، وإبداء الرأي ولو كان مخالفا لرأي ولي الأمر، وان الشورى لا تكون إلا في جو من الحرية حتى تصح فيه وتنتج آثارها، وعندما يتحقق هذا المبدأ ويتم تطبيقه بشكل صحيح فانه يكون قد أشرك المجموعة الواعية من الأمة في بحث معضلات الأمور والتعرف على أسرار الحكم، والإسهام في حمل أعباء الدولة، والتعاون على البر والتقوى في جميع مناحي الحياة) (17) ولكن كيف تتم المشورة الصادقة البعيدة عن الخداع والتضليل؟ والتي تؤدي إلى تقدم الأمة وتطور البلاد وازدهارها، ولكي يتحقق الهدف السامي من المشورة لابد أن يتخذ ولي الأمر ثلاثة أمور:(أولها: أن يعرض الموضوعات العامة لأخذ الرأي فيها، ويستحث ذوي الفكر أن يبدوا آراءهم.ثانيها: تشجيع القول المخالف، كما يريد القول الموافق، فان المخالف يأتي الحاكم بجديد من الفكر، فيكون مرشدا، والموافق يأتيه بما عنده، وليعلم أن من يوافق دائما لا يرجو إلا نفع نفسه، ويحسب أن ذلك يدل على إخلاصه، إنما هو ممالئ مخادع، ومحض النصح لا يكون إلا من مخلصين.ثالثا: أن يختار ولي الأمر بطانة صالحة تقرب ما بينه وبين الناس، ولا تبعدهم عنه، ليعلم حال الأمة وما تريد، وينزل هو على إرادتها، ولا يحاول أن يحملها على فضل رأيه، فان كان خلاف اجتمع بالمخالفين، عساهم يقنعونه، وعساهم يوافقونه من غير رغب ولا رهب، بل لإرادة الخير وابتغاء مرضاة الله، وعلى هذا فالمعنى الثاني للشورى هو أن يبدي كل مستشار رأيه حرا مختارا، ينطق به ويؤيده ويدعو إليه ويجادل عنه، غير متوان ولا مقصر ولا مجامل ولا ممالئ، وهذه هي الشورى حقا وصدقا، وهي أكمل أنواع الحكم وأسلمها من الفساد، إذا خلصت النيات واستقامت العقول والقلوب) (18)وإذا ما عرف الإنسان أن له حقوق وعليه واجبات، فانه يسعى من خلال المطالبة بحقوقه والالتزام بالطاعة والانزجار عن المعصية- أن يكون تحركه هذا ضمن الأطر الشرعية الضامنة لرقيه وتكامله، ولهذا فان الشورى في الإسلام ليست بالألفاظ ولا بتسطير دستور يتضمن نصه الحريات والعدالة، وما أشبه ذلك، بل علامة الشورى الصادقة، انتخاب الأمة لنوابها بكل حرية، وجعل النواب(أو الأمة مباشرة) للسلطة التنفيذية، وتمكن النواب من إبداء الرأي، وتأطير القوانين وان يعطي كل فرد وجماعة حريته في نطاق الدستور الإسلامي، وحينذاك يكون الميزان في التقدم والكفاءة، ولكل أن يعمل حسبما يريد في إطار الدستور، ويكون السائد: رأيها في كل شيء، فالشورى حقيقة في باطن الحكم حالها حال الروح السائدة في الجسد، لا في الألفاظ والإعلام والدستور- فحسب- ويعرف وجودها وعدمها من آثارها فان ظهرت تلك الآثار، فالشورى موجودة وإلا فهي مفقودة.وعندها تكون مفردات القيم والتقوى والصلاح هي الحاكمة في الأمة، فان المستشير- وهو الحاكم- والمستشار- وهم النخبة من أهل الرأي والنظر في الأمة- ستكون ضالتهم المنشودة، هي الحقيقة، فالحاكم ينشدها حتى لو كانت مخالفة لرأيه ونظره، ولا يغره بذلك الحكم والسلطان والقوة والصولجان، إذ أن العذاب الوجداني والعذاب الأخروي يكون أمضى من القوة المادية الفانية التي بحوزته، لذا تراه يرجح الحقيقة على ما سواها، لا فرق سواء انطلقت من عنده أو من مستشاريه، أما النخبة فأنها وفي هذه الأجواء المعنوية التي وفرها الإسلام لها، تستطيع أن تبدي رأيها بكل جرأة وشجاعة ورباطة جأش، وتبين الحقيقة من دون خوف من بطش السلطان وظلمه، وأنها تبحث دائما وأبدا عن الحقيقة، أنّى وجدتها تتبنّاها. الحرية أساس الشورى:( وبما أن الأمر شورى بين المؤمنين، وكان ولي أمرهم مفروضاً فيه أن يشاورهم أيضاًَ، فمعنى ذلك أن يتم التداول علناً في القضايا العامة التي تؤثر في مصلحة الأمة، ويتوجب عندئذ على كل ذي رأي أن يبين وجهة نظره فيما يعرض عليه، ولا يهاب في الله لومة لائم، وأن يفتح ولي الأمر صدره لتلقي كل ما قد لا يتفق ووجهة نظره، وأن يبارك هذه الحرية في الرأي التي لا تهدف إلاّ المصلحة العامة وأن يشجعها ويفسح لها المجال في توجيه النقد وإبداء الرأي دون خوف أو وجل، وإلاّ كان مسبباً في كتم الرأي وحجب النصيحة، وهذا لا يتفق والتعاليم الإسلامية التي شجعت على قول الحق وإسداء النصيحة الخالصة لله، فكتم الحق أو التخلف عن إسداء النصيحة ليست من الإسلام، وبذلك تكون حرية الرأي مصونة في الإسلام، ومفروضاً وجودها بنص القرآن الكريم( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (19) وطالما أن برعم الشورى لا يمكن له أن يتفتق إلاّ في بستان الحرية، ولولاها فالشورى سالبة لانتفاء موضوعها، وكل داعية وقبل الخوض في غمار دعوته لابد أن يمر بمحطة الحرية والإنعتاق من قيود الجبابرة والظلمة كيما يؤدي دوره الريادي دون قيد أو شرط.وليس خافياً على أحد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير لا تتحقق إلاّ مع وجود حرية الرأي والتشجيع عليه، (ولما كان ولي الأمر يفترض أن يكون مسلما لقوله تعالى( وأولي الأمر منكم) (20) أي ممن يؤمنون بمبادئ الإسلام ويحرصون على تطبيقها، لذلك فان من يخرج عن هذه القاعدة، يعتبر خارجاً عن الإسلام ومحارباً له، ولا يكون من المسلمين، ولا يصح طاعته لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) (21) الثلة المؤمنة الداعية إلى الخير لا يمكن لها أن تؤدي وظيفتها إلاّ من خلال مبدأ الإلزام في الشورى للحاكم والمحكوم، والإلزام هذا يعد من أفضل أساليب الحكم، لأنه لا يتأتى إلاّ من خلال بسط الحرية نفوذها في كافة مناحي الحياة، وكيف لا؟ وفي الحرية تظهر الكرامة الإنسانية من جانب، والكفاءة الذاتية من جانب آخر، وتبعاً لذلك فان في مثل تلك الأجواء تنمو الملكات وتبرز العبقريات وترصد الأخطاء وتسدد الأعمال، وربما تشكل هذه العوامل مجتمعة أو منفردة روافد خير تصب في بحر التطور والإبداع، فيظهر في الحياة الأصلح دائماً من دون مواربة أو تزييف، وهو يوجب إعطاء الإنسان حاجاته ويقدمه إلى الأمام، لأن التنافس البريء يعطي للإنسان زخماً إزاء الرقي والكمال، كما أن المراقبة الدائمة من الرقباء والفرقاء، توجب وقوف المتصدي للمسؤولية على خلله وعيبه ونقصانه، لاسيما إذا كانت أروقة مجلس النواب والصحافة الحرة له بالمرصاد، كما أن أعضاء مجلس النواب لابد لهم من العمل الجاد المثمر، ومادام مجيئهم إلى المجلس منوطاً بخدمة الشعب، فلابد أن لا يألوا جهداً إلاّ ويبذلوه في هذا السبيل، وإلاّ فقد يحيدوا عن جادة الصواب، وحينئذ تسقط حرمتهم عند الجماهير، وتفضحهم الصحافة المسؤولة، وينقطع أملهم في الفوز بالإنتخابات لاحقاً.الملاحظ من النصوص المتقدمة أن الشورى تهيئ الأجواء بأن يطرح الكل موقفه ورأيه، ولا يتحقق ذلك إلاّ مع وجود حرية الرأي كما بيّنّا، وهذا بدوره يؤدي إلى فتح باب الحريات في الميادين المختلفة، فالأصل في الإسلام هو الحرية، الناس كلهم أحرار، حيث التحرر الثقافي، فلكل إنسان أن يصل إلى ما يريده من العلم والثقافة والمعرفة، والتحرر الاجتماعي، الذي يتجلى في أبسط صوره في انعدام الامتيازات الطبقية القائمة على أساس الجنسية أو القومية أو اللغة أو اللون أو الإقليم، والتحرر الذاتي من كافة أشكال العبودية لغير الله سبحانه، إذ أن العبودية لله هي رمز الحرية وجوهرها.فعندما دوى شعار الرسول الأعظم(ص)... (لا اله إلاّ الله) في الآفاق، منذ بزوغ الإسلام، فإن هذا الشعار قد فجر الثورة على كل الأصنام الحجرية والبشرية، وأعلن أنه لا سيد إلاّ سيد واحد، ولا معبود سواه، وهذا السيد والمعبود هو الله سبحانه، إذ أن العلاقة بين التوحيد والحرية علاقة مطردة، وبمقدار ما تترسخ عقيدة التوحيد في ذات الإنسان يشعر بالحرية ويمارسها بفاعلية واسعة وحيوية ناشطة.بعد معرفة كل ذلك فأن ثمة سؤال يتلوى من بين الأسطر ويطرح نفسه بقوة، وهو ما علاقة التطور بالحرية؟ وما هي المراحل التي تنمو من خلالها الحياة، وتزدهر الحضارات، ويصل الفرد والمجتمع إلى قمة الرقي والتقدم؟يصل الواحد منا إلى مراده في حياة هانئة وحضارة مزدهرة، إذا ما توافرت لديه الحريات الكافية، وتكاملت عنده الشرائط والمقتضيات، والشرائط هي توافر الآلات التي جعلها الله سبحانه في متناوله من الكون الرحب والأرض وما عليها والبحار وما فيها، والمقتضيات هي الملكات والعلوم والفنون التي بموجبها يمكنه التصرف بالشرائط بأفضل وجه، وبالعكس لو اختلت الشرائط وانعدمت المؤهلات ، فأن الحياة تذبل وتذهب بهجتها، إلى أن تصل إلى مادة جوفاء لا حس فيها ولا حراك.وعلى هذا فمن اللازم إطلاق الحريات، وتوفير شرائطها من ناحية، وتحديدها بحدود الصلاح والحكمة من ناحية أخرى، وقد لاحظ الإسلام الناحيتين معاً، ووضع الخطط العامة للسير بالبشرية نحو التقدم والرقي بدقة وإتقان.ولكن ما هي حدود الحرية في الإسلام، وما هي مقومات وجودها؟ الدين الإسلامي بما أنه دين المنطق والفضيلة والفطرة الإنسانية، وبما أنه أفضل الأديان وأكملها، فانه دعا الإنسانية للدخول في هذا الدين القيم بالحكمة والقناعة والمنطق، وليس بالإكراه والإجبار والتهديد، لهذا فإننا لم نسمع من خلال التاريخ الإسلامي أن الرسول الأعظم(ص) أو الإمام علي(ع) قد أجبرا أحداً على تغيير عقيدته بالرغم من أنهما استوليا على دول كثيرة تنتحل ديانات متعددة كاليهودية والمسيحية والمجوسية وحتى المشركين، وإنما دخل من دخل إلى الإسلام لما رأى من صحة عقيدته وحسن سلوكياته وسلامة قوانينه.نعم لا يجوز التعرض لضروريات الدين بالنقد والاستهزاء والاستهانة، لأن التعرض والتهكم على المعتقدات- بذريعة حرية الفكر والرأي والعقيدة- هي في الحقيقة ضربة قاصمة للحرية، وانتصار لجبابرة الأرض، بهدف تكريس سلطانهم، وتدنيس المعاني الجليلة التي تستبطنها الحرية، من الانعتاق والتحرر من الشوائب والرق والشؤم واللؤم والانصياع لأوامر الخالق المتعال، الذي ضمن لعباده الحياة السعيدة الهانئة في الدنيا والآخرة.ولقد لخص الإسلام حدود الحرية بقاعدته المشهورة(لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) حيث أن الأكل والشرب مثلاً المضرين ضرراً بالغاً لا يجوز تناولهما، لأنهما إضرار بالآخرين، فالإنسان يمكن له مزاولة الحرية في كافة مناحي الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية ضمن حدود هذه القاعدة الفقهية.وأهم المقومات التي تكون سبباً في بروز الحرية وازدهارها في المجتمع، هي وجود المنظمات والنقابات والأحزاب والصحافة الحرة، فإنها ستولد حالة من الموازنة والرقابة على مؤسسات الدولة وعلى سياسة الحاكم، ما يؤدي إلى تصحيح المسيرة وازدهار الأمة، بعيداً عن مضاعفات الاستبداد والتجبر الذي سيؤول إلى الدمار والضياع الشامل. من استبد برأيه هلك:وقبل كل شيء لابد من اجتثاث جذور الاستبداد من أنفسنا، وليس للحاكم أو المحكوم حق الديكتاتورية مطلقاً، وكل حاكم يستبد فانه يعزل عن منصبه تلقائياً في نظر الإسلام، لأن العدالة من شرط الحاكم، والاستبداد الذي معناه التصرف خارج النطاق الإسلامي أو خارج نطاق رضى الأمة، أي تصرف الحاكم في شئونها الخاصة، هذا ظلم مسقط له عن العدالة، فالظالم الذي من طبيعته الظلم يتوغل في جرمه وجريرته من غير فرق بين المظلومين، أكانوا من شعبه أم من شعب آخر، والإيغال في الظلم والتجبر هو الذي يوصل الإنسان إلى مهاوي الاستبداد وإلغاء الآخر، وليس شوائبه المتعلقة في نفوس كل واحد منّا، التي يمكن ترويضها ومعالجتها وإلجامها بالرياضات الروحية المنصوصة. الظلم من شيم النفوس وإن تجد ذا عفـــــــــــــة فلعلة لا يــظلموفي المثل أن عجلة الديكتاتورية إذا تحركت تسحق حتى أقرب المقربين إلى الديكتاتور، وعن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق(ع) قال(من أعجب بنفسه هلك، ومن أعجب برأيه هلك، وأن عيسى بن مريم(ع) قال: داويت المرضى فشفيتهم بإذن الله، وعالجت الموتى فأحييتهم بإذن الله، وعالجت الأحمق فلم أقدر على إصلاحه، فقيل يا روح الله وما الأحمق؟ قال المعجب برأيه ونفسه، الذي يرى الفضل كله له لا عليه، ويوجب الحق كله لنفسه ولا يوجب عليها حقا، فذاك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته) (22) أهم ميزة يمتاز بها الديكتاتور هي استهانته بعقول وأفكار الآخرين، بخلاف الحاكم الذي يستشير، فانه يعطي الآخرين من عقله ويأخذ من عقولهم، ويقلب آرائهم وينتخب الأصلح من الآراء، لعله يكون فيه أنجع الدواء في معالجة المشاكل والأهواء، وانه يشارك الآخرين في عقولهم، ويجعل عقله جزءا من عقول المجتمع وليس العقل الأوحد، ولهذا السبب فقد حذر الإمام علي (عليه السلام) من مغبة الاستبداد بالرأي ورغّب في المشاورة بقوله(من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها) (23) وكذلك قال – عليه السلام- (مكتوب في التوراة...ومن لم يستشر يندم) (24) ولكي لا نقع في شباك الهلكة أو الندامة فلا مناص من أن تتحول الاستشارة إلى ثقافة متداولة بين الأفراد والأسر، وانه من الصواب أن يستشير الفرد جميع الذين في حوزته من صغير وكبير وزوجة وأخوة وأخوات... هكذا يفهم من نصوص الشريعة الغراء، ولا يمكن أن يستغني أحد من الاستشارة مهما بلغ من الذكاء الخارق والفكر الوقاد( فالنبي(ص) رغم انه كان يملك- بغض النظر عن الوحي الإلهي- قدرة فكرية كبيرة تؤهله لتسيير الأمور وتصريفها دون حاجة إلى مشاورة احد، إلا انه (ص) كيما يشعر المسلمين بأهمية المشاورة وفوائدها حتى يتخذونها ركنا أساسيا في برامجهم، وحتى ينمي فيهم قواهم العقلية والفكرية- نجده يشاور أصحابه في أمور المسلمين العامة التي تتعلق بتنفيذ القوانين والأحكام الإلهية( لا أصل الأحكام والتشريعات التي مدارها الوحي، ويقيم لآراء مشيريه أهمية خاصة ويعطيها قيمتها اللائقة بها، ويمكن القول بان هذا الأمر بالذات كان احد العوامل المؤثرة وراء نجاح الرسول الأكرم في تحقيق أهدافه الإسلامية العليا) (25)ومن هذا المنطلق فان الحكام والسلاطين أحوج ما يكونون لمشاورة أهل الرأي والاختصاص، لأنهم يتحكمون بالعباد والبلاد فالتحكم هذا بحاجة إلى تفويض من رب العباد، وذلك بتوفر موجبات الحكم من التقوى والصلاح والعلم والعدالة والإنصاف، وكذلك بتفويض من العباد، لأن الحاكم إنما يكون وكيلا عنهم في تمشية أمورهم الدنيوية والأخروية، والوكيل لا يمكن أن يحيد عن موكله، ما دامت المطالبات تصب في خانة القانون الإلهي الذي يجلب على الإنسانية جمعاء السعادة والرخاء.وها هو القرآن الكريم يحض على استعمال المشورة في أدنى الأعمال، كإرضاع الولد وفطامه، ولم يبح لأحد الوالدين الاستبداد بذلك دون الآخر، بقوله تعالى( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) (26) فما بالك بأجل الأعمال خطرا وأعظمها فائدة، وهي قيادة الأمة وتقرير مصيرها! فهل بعد هذا من شك في حاجة الملوك والأمراء والرؤساء الركون إلى المشورة في تربية الأمم وتدبير شؤونها نحو الأحسن والأفضل وفي شتى مجالات الحياة؟!ومادام الشرع يهتف بنا قائلاً: من استبد برأيه هلك، فلنعمل على قلع جذور الاستبداد من أعماق ذواتنا قبل أن نستأثر بالحكم والمنصب، فان الملك عقيم، وإذا ما تعلقت شوائب الاستبداد في قلوبنا وتبوءنا مركزاً سلطوياً في المجتمع، فسنرتكب الموبقات والجرائم والآثام، وبمرور الزمن سنلغي في أنفسنا حق الآخرين حتى في التنفس وسنشك في أنهم بشر مثلنا! مثلما ارتكب الطغاة كل تلك الأمور وعلى مر العصور الغابرة والحاضرة، ما هو الحل إذن للفرار من هذا المستنقع الآسن؟ علينا بالشورى والتي تفتح أمامنا كل سبل الخير والتقدم ومن ضمنها الحوار... كلمة ما أجملها، ما أروعها، ما أبهاها.

الشورى وأثرها في تنمية الحوار:المشورة بالإضافة إلى أنها تمهد الطريق أمام ظهور الحريات المشروعة في المجتمع، فإنها تهيئ الأجواء كذلك لفتح باب الحوار والإقناع والتفاهم، وهدف الحوار التوصل إلى رؤية مشتركة تضمن حقوق جميع الأطراف، وذلك بتوسيع دائرة المشتركات الفكرية وتقليص دائرة الخلافات من دون إجحاف بفئة دون أخرى.وعالم اليوم الذي أصبح بمثابة قرية صغيرة نظراً للتطور الهائل الذي حصل في الاتصالات السمعية والمرئية، حري به أن يرنو نحو الحوار والتفاهم لا إلى العنف وإلغاء الدور، حيث أن وصد أبواب الحوار يعتبر في حد ذاته طريقاً نحو تأجيج النزاع والتشجيع على ممارسته، لأن الطرف المؤجج للنزاع قد لا يعلم رأي ووجهة نظر الطرف الآخر، بينما إذا ما تعرف عليها من خلال فتح الحوار، فانه يمكن تفادي وقوع التشاجر والحرب والقطيعة... لا فرق في ذلك سواء ساد الحوار بين الأصدقاء أو الأعداء.تعالوا لنتعلم من القرآن الكريم أسلوب الحوار والتوافق والاستشارة والإقناع. تعالوا لنتحاور جميعاً، فإن في المحاورة عزنا وسؤددنا وطريقنا إلى الخلاص والرشاد، حينما نتدبر القرآن في بعض آياته، نجد أن الله تعالى قد حاور مخالفيه حواراً أخلاقياً منطقياً عقلائياً، فانه قام بسرد كلام واحتجاج الذين خالفوه، بل قام بذكر كلام أولئك الذين أنكروا وجود الله وحججهم وما استدلوا إليه كالكفار والدهريين وأصحاب الديانات الباطلة، ومن ثم قام بدحض أقاويلهم بالحوار المستدل المتكي على الفطرة السليمة التي تصب دائماً في خانة الحق والحقيقة. وكمثال للتوضيح لا للتقصي، قوله تعالى( وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) (27) يقول المفسرون جاء أبي بن خلف الجحفي ومعه عظم نخر ففركه، ثم قال يا محمد من يحيي العظام وهي رميم؟ وأراد بذلك نسف مبدأ المعاد في الشريعة؟ فأنطق الله محمداً بمحكم آياته وبهته ببرهان نبوته قال: قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم، فانصرف مبهوتاً، وبذلك أثبت الله سبحانه مبدأ المعاد بالبرهان الحي والفطرة الإنسانية السليمة.والذي لديه أقل إلمام بالتاريخ يجد بعض الحقائق لا يمكن التغاضي عنها: ألم يفتح الرسول الأعظم(ص) حواراً مع عباد الأصنام والمشركين في مكة، وانه لم يلغهم من الوجود، بالرغم من أنهم كانوا على باطل والذي على باطل لا يستدعي القضاء عليه إلاّ من شهر سيفه بوجه الإسلام، أو أراد الفتك بالمقدسات أو إلحاق الضرر بالمسلمين، ففي هذه الحالات تستخدم القوة للدفاع وهي كالضرورة تقدر بقدرها. ماذا كانت سوابق الذين قاتلوا مع رسول الله(ص) وكانوا تحت لواءه، هل كانوا إلاّ مشركين ويهود ونصارى في الجاهلية ما عدى النفر القليل كالإمام علي(ع)!؟ فلو كان رسول الله(ص) يغلق باب الحوار عليهم، ويفتح باب السيف في وجوههم، لما كان سلمان وأبو ذر وحمزة يؤمنون، وما كان خيرة أصحاب الرسول(ص) يدخلون إلى الإسلام ويدافعون عنه ذلك الدفاع المستميت! وهناك مسألة واضحة وهي أن الذي يلجأ عادة إلى الحوار، يكون على حق ووعي ودراية، فهو مطمئن من نفسه بإلجام الطرف الآخر فيما إذا دخل معه في حوار أو مناقشة، فلا يخشى أبداً ولا يهاب من خالفه أو نصب له العداء، بينما نجد أن الذي يدعو للباطل هو الذي يخشى فتح الحوار مع غيره، فالذي يعيش سليماً لا يخشى من النور، حتى ما إذا سلط النور عليه بغتة من دون علمه، بل هو الذي يسلط النور على نفسه وعلى الآخرين، أما الذي يعيش سقيماً فان حالته تكون مزرية للغاية، فمثله كمثل العاري، فانه يخشى النور من أن يسلط عليه سواء كان من نفسه أو من الآخرين. دعوة مفتوحة إلى الإنسانية الرشيدة تستحثها على أن تستلهم من القرآن روحه، وترتشف من معينه الفوار، معاني الحكمة والموعظة والحوار والمشورة.وبما أن الإسلام ليس دين طائفة معينة، ولا هو مختص لقوم دون آخر، بل أنه لسعادة البشرية جمعاء وإنقاذها من التيه وحيرة الضلالة إلى الرخاء ونور الهداية، فانه لا يجوز لمعتنقيه التقوقع على أنفسهم، بل عليهم فتح باب الحوار على مصراعيه حتى مع الأعداء فضلاً عن الأصدقاء، المصلحة والمسؤولية تحتم على العلماء عامة أن يقوموا بدور الهداية، هداية البشرية من ظلمات الجهل الكالحة إلى أنوار الحقيقة الساطعة، هداية الناس من الرواسب المادية والعلاقات المصلحية الضيقة إلى الأخلاق الفاضلة والعلاقات القائمة على أساس التقوى والنصح والقيم المعنوية الخالدة.الكلام هذا يجري عن المحاورين الذين يرومون التوصل إلى الحقيقة دونما مواقف مسبقة تجاه الطرف الآخر، أما الثقافات والاتجاهات الفكرية والحضارية الأخرى، ما هو موقفنا تجاهها؟ استناداً إلى ما سبق، فالإنسان يمكن أن يتوصل مع الآخرين إلى نقاط مشتركة عن طريق المحاورة والنقاش، بعد الثبات- طبعا- على الأهداف والمرونة في الوسائل، خدمة للمصلحة العامة وإرساء للصلح القائم على العدالة وتثبيتاً للتطور والازدهار الحضاري للبشرية.مهما أمكن، فالإنسان ينبغي أن يسلك طريق الحوار، لأنه أفضل الطرق وأقصرها للوصول إلى الأهداف التي يرمي الوصول إليها، وتزداد الحاجة إلى الحوار في أيامنا هذه أكثر من أي وقت مضى، ذلك لأن عالم اليوم تلتهمه الصراعات والفتن والأطماع والتهاترات والتوترات، فحري بنا أن نتبنى سياسة(حوار الحضارات) لكي نجنب العالم مخاطر الحرب والقطيعة والدمار. وها هو الإسلام مستعد وبما عنده من مفاهيم إنسانية رفيعة وقيم عادلة وأخلاق فاضلة بأن يستمع للآخرين شريطة أن يستمعوا له، وإساءة الفهم يجب أن لا تفسد أصل القضية، وهو الحوار من أجل الصلح القائم على أساس العدالة وإحقاق الحقوق وتكافؤ الفرص وإرساء المحبة والوئام المبني على العدالة في توزيع الأدوار واتخاذ القرار، ولا بد من إيجاد مراكز ومؤسسات دولية للمناقشة والحوار حتى نصل إلى عالم متحضر تسوده العدالة والكرامة الإنسانية، بعيداً عن الحرب والقطيعة والإخضاع القسري المباشر أو غيره، وأن الإخضاع هذا يعد موقداً لمرجل الفتن والصراعات والعنف والعنف المضاد، ويكون بمثابة النار تحت الرماد، يظنها المستبد أنها خامدة، ولكنها في حقيقة الأمر هي براكين غاضبة سرعانما تلفح وجوه الظالمين وأذنابهم، إذا ما هبت رياح التغيير والحرية والإنعتاق في المجتمع. ما هي علاقة الشورى بالانتخابات؟ما مدى علاقة الشورى بالإنتخابات، وهل أن الانتخابات لها مسوّغ شرعي مثلما هو الحال في الشورى، وإذا كانت الانتخابات هي إحدى مصاديق الشورى، هل أن مفادهما واحد، أو أن الشورى تبحث في الماهيات والثوابت والمسببات والانتخابات تتناول الكليات والأساليب والأسباب؟ في معرض الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها نقول: مما لا يختلف فيه اثنان أن ثمة فرق واضح بين الشورى والانتخابات، فموضوع الشورى ينصب في كل ما يقوّم الأمة في أمورهم الدينية والدنيوية، وهو ما يتطلب توفر شروط معينة في المستشار والمستشير كيما يتم تداولها بالطرق الشرعية المنصوصة، بينما الرجوع إلى الأمة في الانتخابات هو في القضايا المحددة والعامة دون الخوض في القضايا الجوهرية، من قبيل انتخاب أحد الخيارات في رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أو انتخاب أعضاء في مجلس النواب أو البلدية أو المحافظة، وكذلك الاستفتاء على الدستور أو على شكل النظام والحكم الذي سيحكمها.لا يوجد نص واضح في وجوب الانتخابات لا في القرآن الكريم ولا في الأحاديث الشريفة، وإنما الوجوب الشرعي إذا ما ثبت في مبدأ الشورى، لا ينسحب على الانتخابات، لاختلاف الأمرين تصوّراً وتصديقاً.فالشورى تنظر في حيثياتها مبدأ الاختصاص في المستشار والمستشير، والهدف منها أن لا ينفرد ولي الأمر باتخاذ قرار له نتائجه الكبيرة دون مشورة، وولي الأمر بعد تطبيقه لهذا المبدأ غير ملزم بالأخذ بما يشار عليه سيما إذا لم يكن أصح من رأيه، وهو جار في المعصوم خاصة، ويكون ملزماً في غيره- كما أسلفنا سابقاً- إذ المهم أن تتحقق الشورى عملياً، مادامت المبدأ الواجب الإتباع في تسيير أمور الدولة وشؤونها الخاصة والعامة.من الواضح أن الحيثيّات المذكورة آنفاً غير موجودة في الانتخابات من الناحية الموضوعية التي يترتب عليها الحكم الشرعي، بيد أننا ومن الناحية العقلية يمكن أن نرى للانتخابات المسوغ الكافي لإجرائها، لا سيما إذا توقفنا على حقيقة أن الانتخابات الأصيلة هي التي تكرس مطالب الأمة في العيش بحرية وكرامة دون وصاية من أحد، في انتخاب الحكم والحاكم والحكومة، بكل شفافية ومن دون إكراه أو إرهاب أو تزوير، خصوصاً من ذوي النفوذ والقوة والسطوة.وما دامت الانتخابات تتوخى تفعيل المشاركة وتنضيج الرؤى، فأنها تشبه إلى حد ما الشورى من ناحية استشارة الأمة في انتخاب الأفضل الذي يلبي طموحاتها المستقبلية، فالعلاقة بينهما علاقة العموم والخصوص من وجه، فالالتقاء بانتخاب الأفضل من وجهة نظر الأمة، والاختلاف في عدم توفر شروط المستشار والمستشير ومادة الاستشارة.الحكم الديمقراطي الذي يفرز عن طريق الانتخابات يكون أكثر استقراراً من غيره، لأنه يعبر عن حال الأكثرية، بشرط أن لا يؤدي إلى إجحاف الأقليات الدينية والإثنية والقومية المنضوية تحت لواءها.فالانتخابات هي بمثابة استشارة الحاكم أو أهل الحل والعقد أو ماشئت فعبر- استشارة الأمة في انتخاب الأصلح في صيغة الحكم أو طبيعة الحاكم، الموضوعة من قبلهم في عدة خيارات، ولهذه المعادلة صغرى وكبرى ونتيجة، وطالما أن الانتخابات هي نوع من أنواع الاستشارة، وبما أن كل استشارة ظاهرة حضارية، فالانتخابات ظاهرة حضارية.وأن أبرز ما يتمخض عن الانتخابات حكم الأكثرية، فمن حق الأكثرية في كل بلد أن تحكم، ومن حقها أن تتبوأ المراكز الحساسة في الدولة، ومن حقها أن تقرر مصيرها بنفسها من دون وصاية من أحد، ومادمنا نعزف على وتر الديمقراطية، فان حكم الأكثرية من ابرز مصاديقها ومن تداعياتها التي تتمخض عنها. وطالما أن الشعب ومن خلال الديمقراطية من حقه أن يقرر مصيره بمحض إرادته، وينتخب المسئولين الذين يعبرون عن طموحاته، ويوفرون له سبل العيش الرغيد في مستقبله الواعد، وطالما أن هذه الفكرة قد تبنتها معظم الدول والمجتمعات في العالم إزاء المعطيات المستجدة التي تطرأ على الساحة وكيفية معالجتها، ولا تزال بوادر تلك السياسة نراها جلية واضحة في جميع بلدان العالم المتحضر، وطالما أنها أضحت مسيلاً للعاب المصلحين والتواقين إلى التحرر والانعتاق نحو التقدم والازدهار وصولاً إلى المدينة الفاضلة الأفلاطونية، أو البلد الأمين كما جاء في الطرح الإسلامي. فان البلدان الإسلامية ليست شواذاً عن تلك القاعدة العقلية، ولا هي مفصومة عن التواصل المجتمعي الذي باتت نسائمه تهب على كل من هب ودب في العصر المعلوماتي، وما دمنا نعيش هذه الأجواء فمن حقنا أن نستنشق رياح التغيير الحضاري دونما إجحاف لفئة أو طائفة مهما تضاءلت، وهو ما يتحقق في حكم الأكثرية العادلة.النظام في حكم الأكثرية يتصور فيه عدة وجوه مثلما يتصور في نظام حكم الأقلية، ولو استعرضنا عملية التسقيط في حساب الاحتمالات، فإما أن يكون النظام عادلاً لجميع شرائح المجتمع وإما أن يكون ظالماً للجميع، وإما يكون عادلاً للطائفة التي ينتمي إليها وظالماً لبقية الطوائف، أو ظالماً لطائفته وعادلاً للبقية، فان العدل المطلق من كلا النظامين ممدوح، والظلم المطلق من كلاهما مذموم، أما احتمال الظلم للطائفة التي ينتمي إليها والعدل لغيرها، فانه غير وارد، لأنه مخالف للفطرة والذوق والعقل السليم.بقي احتمال العدل للطائفة التي ينتمي إليها والظلم لبقية الطوائف وهو إذا ما قبلناه على مضض، لانعدام بقيه الاحتمالات، فهو في حكم الأكثرية أوجه منه في حكم الأقلية، إذ أن الطائفة التي تقع تحت طاولة الظلم هي أقلية مقارنة بالأكثرية التي تتمتع بحقوقها، مع تأكيدنا على أن الظلم قبيح بذاته سواء بدر من شخص تجاه شخص آخر، أو نزل بساحة نفر أو امة من الناس. لا فرق في ذلك، ولكن من باب دفع السيئ بالأسوأ، فلو خيّر الإنسان بظلم الأكثرية أو الأقلية، فالعاقل يختار ظلم الأقلية درءاً للخطر الأكبر وهو ظلم الأكثرية.هذه المقارنة مقارنة عقلية أما بشأن الشريعة الإسلامية، فأنها أشبعت نظرية الحكم بحثاً وتمحيصاً وتدقيقاً، وأكدت فيما نحن بصدده على أن ما حكم به العقل حكم به الشرع، وهو ينساق تجاه المصلحة العامة ويفضّلها على ما سواها من المصالح الضيقة أو النوعية. فالإسلام ليس مخالفاً لإنزال الظلم والحيف على الأقلية فحسب، بل أمر بالإحسان إليها ومعاملتها معاملة الأكثرية في الحقوق والواجبات، والتاريخ الإسلامي زاخر بنماذج كثيرة من سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) أبان حكمهما، وهو يدل على أن الجميع ينعمون بالعدل والبر تحت مظلة الحكم الإسلامي العتيد، وان أحكامه وسيرته لا تطال بالظلم والعدوان ولو فرداً واحداً من الأقليات، بل لا تنال حتى أعداء النظام الإسلامي، والأدهى من ذلك كله لا تنال حتى المنافقين والأشرار الذين لم يشهروا السلاح بوجه النظام، فكيف ببقية الطوائف الإسلامية من الأقليات في المجتمع!يذكر لنا التاريخ ( أن كافراً افتقده النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أياما، فسأل عنه، فقيل: انه مريض، فعاده النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في ناس من أصحابه) (28)وفي مجال الاقتصاد، وضمان معيشة الأقليات سواء كانت تابعة للدين الإسلامي أو لديانات أخرى، لم يدع الإمام علي (عليه السلام) أيام حكومته فقيراً واحداً من أهل الكتاب إلاّ وضمن معيشته، حتى انه عندما رأى فقيراً نصرانياً يستعطي استنكر (عليه السلام) هذه الظاهرة الغريبة وقال :(أنفقوا عليه من بيت المال) (29) كذلك لم يعاقب الإمام علي (عليه السلام) معارضيه بعد ما وضعت الحرب أوزارها في الجمل وصفين والنهروان، أولئك الذين أثاروا الفتن وأشعلوا نار الحرب، بالرغم من انتصاره عليهم، وتمكنه من رقابهم، وغير ذلك الكثير من المواقف البطولية النبيلة التي سطرها التاريخ بأحرف من نور.من هو المستشار وما هي شروطه؟وبعد أن تعرفنا على أن المشورة هي الأساس في بزوغ شمس الحرية والحوار والديمقراطية في سماء الإنسانية، بقي أمر مهم ينبغي الإشارة إليه وهو مع من نتشاور ونطلب النصح والرأي؟ الإمام علي(ع) يجيبنا قائلاً(خير من شاورت ذوي النهى والعلم وأولوا التجارب والحزم) (30) من المسلم أن للمشورة أهلها، وهم أولئك الذين ذكرهم الإمام علي(ع)، فلا يصح استشارة غيرهم، فلربما توجب مشورة الجهال والأشرار والبخلاء فساد الرأي وانحطاط العمل، ومن ثم يؤول الأمر إلى الاندثار والسقوط. ولذلك نبه الإمام علي(ع) في نهج البلاغة في عهده لمالك الأشتر من مغبة مشورة البخيل والجبان والحريص بقوله( ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور، فان البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله).ولا تدخلنّ في مشورتك جاهلاً، فان فاقد الشيء لا يعطيه، ولا مثقفاً علمانياً يزيغك عن طريق الهدى بأسلوب منمق ولباقة أخّاذة، ولا عالماً مجرداً عن التقوى، يبرر أعمالك المنحرفة ويزين لك طريق الشيطان بتفسيره المغالط والمخادع للنصوص الدينية، ولا متهوراً شريراً يزج بك في المهالك، وينفخ فيك روح العداوة والبغضاء والشحناء، ولا ساذجاً بسيطاً يمكّن منك العدو ظناً منه أنه يعمل ويشير خيراً. فالمشورة لها أهلها وأصحابها وروادها، فإن أردت أن تصيب كبد الحق والحقيقة والواقع، فعليك استشارة ذوي النهى والدين والعلوم، وأولي التجارب والحزم والاختصاص.وذكر بعض العلماء والمفسرين شروطاً أخر ينبغي توفرها في المستشار، وهي العقل والعدالة والحرية والتدين والمؤاخاة والحكمة وحفظ السر وكتمانه، والذي يترك مشورة أهل العلم والدين والأخلاق، يتولى مشورته- شاء أم أبى- أهل الجهل والزيغ والضلال، هذا إذا لم يتردّ في الحضيض جرّاء طيشه واستبداده وتفرده في اتخاذ القرار! وما أجمل ما قاله أبو مسلم في هذا الصدد:ومن رعى غنماً في أرض معشبة ونام عنها تولى رعيها الأسدوإذا ما توفرت هذه الشروط أو بعضها عند شخص ما، فعليه أن يضع الله نصب عينيه، ويتجرّد عن المصالح والأهواء، ويقوم فقط بنصح من استشاره، وذلك لأنه مؤتمن، فعن النبي(ص)( المستشار مؤتمن فإذا استشير فليشر بما هو صانع نفسه) (31) أما إذا لم يفعل المستشار ذلك، يقول الرسول(ص) بشأنه(من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشده فقد خانه) (32) وتترتب على الخيانة أمران وكلاهما قبيح، الأول: دنيوي وهو فساد الأمر- كما أسلفنا- الثاني:أخروي وهو سخط الرسول(ص) وغضبه، فعنه(ص)( من غش المسلمين في مشورة فقد برئت منه) (33)ولعل المعنى يقترب إلى الذهن أكثر إذا ما أمعنا النظر في هذه القصة المعبرة، التي تحمل بين طيّاتها المواعظ والحكم والفوائد الجمّة، تلك التي تترتب على استشارة الحكماء والعلماء وأهل الرأي والعلم والدين، ينقل عن أحد السلاطين المنحرفين، في إحدى الدول الإسلامية، الذي حطّم بلاده سياسياً وثقافياً واقتصادياً ودينياً، بسبب سياسته الحمقاء وخضوعه لسلطة الأجنبي، وكان ضمن ما عمل: أن هدّم المساجد وجعلها إسطبلات، وخرّب المدارس العلمية، وجعلها مراقص وملاهي ومخامر ومقامر، وفرض السفور الإجباري على النساء... ذات مرّة طلب السلطان إمام جمعة العاصمة وقال له: عليك أن تشكل حفلاً مختلطاً من الرجال المطربين والنساء الراقصات، وتدعو باعتبارك خطيب مفوّه ذو وجاهة اجتماعية إلى الحفل المزمع عقده رجال الدين والخطباء والعلماء، وإن لم تفعل ذلك فسوف أقتلك وأصادر أموالك! قال إمام الجمعة: تحيّرت في أمري، واستمهلت الحاكم الظالم أسبوعاً واحداً حتى أفكر فيما أصنع، وقد خطر ببالي أن أذهب إلى أحد العلماء الكبار كي أستشيره في الأمر. فذهبت إليه وقلت: بم تشير عليّ؟ فقال: اعلم أن للإنسان مالاً وجسماً وعرضاً وديناً، وعليه أن يضحّي بماله في سبيل جسمه، وإذا دار الأمر بين التضحية بالجسم أو العرض، فعليه أن يرخص جسمه حفاظاً على عرضه، وإذا دار الأمر بين( المال والجسم والعرض) وبين الدين فالواجب أن يفدي بهذه الثلاثة في سبيل الدين. ثم قال لي: يا فلان، إنك عمرت طويلاً، ولم يبق من عمرك إلاّ القليل، وأنك إذا قتلت في سبيل الدين، فسوف تذهب إلى جنات الخلد، أما لو عملت بما طلبه منك الطاغوت، فمصيرك في الدنيا العار، وفي الآخرة النار، اذهب إليه وقل لا أخضع لما طلبت، وافعل بي ما شئت. وأضاف إمام الجمعة: استقرت نفسي بعد المشورة، ولما حلّ الموعد ذهبت إلى السلطان الجائر فأفسدت عليه رأيه بقولي: لست مستعداً أن أبيع ديني بدنياي، غضب الملك وهددني بالتعذيب والقتل! قلت له لا يهمني ذلك، وأن أقتل الآن في طاعة الله خير لي من أن ألقاه وقد عصيته، فاستشاط الملك غضباً وحنقاً وحقداً، ولكني توسلت إلى الله سبحانه أن ينقذني من شرّ هذا الطاغوت، فعلاً استجاب الله دعائي، ولم يصلني منه سوء، وحفظت ديني ودنياي ببركة استشارة ذلك العالم! الإنسان بمفرده عاجز:يتبين مما سبق أنه لا يوجد تحديد لنصاب أهل الرأي، وإنما نجد أن الشورى تكون إما فيمن يختار ولي الأمر أو المستشير كما في القصة المذكورة، أو أن ولي الأمر يأخذ بالرأي الذي يتضح له رجحانه من غيره ولو صدر عن شخص واحد، كما حدث في النزول على الماء في بدر، فالقلة والكثرة في المستشارين غير مأخوذة في المشورة، بقدر ما هو مأخوذ فيها هدفها وما ترمي الوصول إليه.(وإذا أخذنا مبدأ الشورى الذي جاء به الإسلام، وبحثنا في الهدف المقصود منه لوجدنا أنه يهدف إلى عدم اقتصار الإنسان على رأيه والاعتداد بنفسه وبعقله، إذ أن التجارب في الحياة قد علمتنا أن الإنسان بمفرده عاجز عن أن يحيط بكثير من الأمور التي لا يستطيع بمفرده تصورها وسبر غورها، وإنما بتعاونه مع غيره، والتعاون في الإسلام فريضة ملزمة، ليتمكن من الوصول إلى تحقيق هدفه بشكل أفضل مما انفرد به لوحده. ومن الحكمة أن ترك الإسلام مبدأ الشورى في مثل هذه المرونة من دون تبيان شكلها وشروطها والأسس التي تقوم عليها حتى تكون قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، وحتى يتمكن المسلمون من استخلاص ما يصلح لهم ضمن حدود ما رسمه الشرع، وما جرى عليه المشهود لهم بالصلاح والتقوى. وما دامت القاعدة الإسلامية في كل نزاع ترد المتنازعين إلى الله ورسوله لينزل الجميع على حكم الله، فلا خوف على الراعي والرعية-على حد سواء- فالمطلوب من الراعي أن يخلص لرعيته، لأنه أمين عليها ومسئول عنها، والمطلوب من الرعية أن تخلص النصح للراعي لأن مردود تصرفه عليها. ومن النصح للراعي أن تقومه رعيته إذا اعوج سلوكه، ومن النصح للرعية أن يستقيم أمرهم باستقامة سلوك راعيها) (34) وإننا إذا استجبنا لنداء الإسلام في أحكامه الرفيعة وأهدافه النبيلة هذه لاسيما مبدأ الشورى فانه لسنا قادرين على إصلاح أنفسنا فحسب، بل إصلاحها وإصلاح العالم برمته من براثن الظلم والجور والتعسف. ويتضح هذا المعنى أكثر، إذا عرفنا أن الإسلام قد أعطى للإنسان حقوقاً متعددة، تفوق بكثير تلك الحقوق التي وهبتها له الأنظمة الوضعية، ومبدأ الشورى أحد هذه الحقوق وهو بمثابة الأرضية الصالحة لبروز الكثير من منابت الخير في المجتمع، وإذا ما أخذنا الشروط التي ينبغي توفرها في المجتمع الاستشاري بنظر الاعتبار، فأنه سينبثق لنا مجتمع تكاملي تسوده المحبة والوئام، وتربطه روابط الثقة والاحترام المتبادل، فباستطاعة أي أحد أن يتبوأ أكبر مسؤولية في البلاد، شريطة أن تتوفر فيه المؤهلات الدينية والأخلاقية والعلمية ورضى الأمة به، ويتسم أفراد المجتمع الاستشاري كذلك بالروح المتسامية، وسعة الصدر والتسامح والعفو عن المسيء والغفران له، ويمكن ملاحظة ثمار متعددة لهذا المجتمع، نلخصها في النقاط التالية:1- حرية إبداء الرأي، وحرية الصحافة والنشر، وحرية تأسيس إذاعة وتلفزيون، وشبكات انترنيت، حيث الكل باستطاعته أن يبدي وجهة نظره، ويقوم بإسداء النصيحة للمسئولين، ويقوم بعملية النقد البنّاء بكل حرية وشفافية، دونما ترهيب أو تهديد أو سجن أو إقصاء، شريطة أن يكون التحرك والنقد ضمن الإطار الإسلامي وضمن الأطر القانونية السائدة في البلاد.2- ولي الأمر يكون ملزماً باستشارة أهل الخبرة والرأي والاختصاص في الحقول الدينية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية وكلما يتعلق بمصير الأمة ومستقبلها-لا فرق في ذلك سواء كان الخبراء موافقين أم مخالفين لفكره ومنهجه- كل حسب اختصاصه وعلمه وخبرته، ليكون الرأي الذي يعزم عليه القائد بعد الاستشارة أقرب من الصواب فيما إذا قارناه بالرأي المنفرد المضطرب.3- تنبثق عن الشورى تشكيل الأحزاب والنقابات العمالية والتعاونيات ومؤسسات المجتمع المدني، التي تدافع عن القطاعات المختلفة للشعب، ويتم تبديد المال والإعلام والقدرة والإمكانات الخدمية الأخرى بينها، لئلاّ يجتمع المال والإعلام والقوة بيد شخص واحد أو حزب واحد، الذي يؤول بطبيعة الحال إلى الاستبداد، وإلغاء الرأي الآخر.4- في ظل مبدأ الشورى يتم تفتق وظهور الكفاءات العلمية والعقول المتفكرة الخلاقة على أرض الواقع، وتبوؤها مراكز حساسة في الدولة بدلا من الوساطات والمحسوبيات والانتماءات الحزبية الضيقة، التي عادة ما نراها في الأنظمة الاستبدادية حيث تدفع إلى السلطة أفراد متملقين متزلفين تسيرهم الأهواء والمصالح، وتتجاذبهم رياح التملق والانحناء.5- الإيثار والتعاون والمواساة، هذه المفردات تكون رائدة في أوساط المجتمع الاستشاري، وهي بمثابة محطة معنوية عظيمة تضخ الإنسان نفحات خلاّقة، تكون ذا أثر بالغ في سموه وتعاليه وتحلقه في سماء الفضيلة والقيم والمقدسات.6- إذا ما أضحت الشورى صفة لازمة للمؤمنين، فإنها تقوم بدور الهداية لأرشد الأمور وأحسنها في حياتهم اليومية، فالمرء لا يقوم بأي عمل ولا يقدم على أي شيء إلاّ بعد استشارة أهل الخبرة والفضل والعلم. وبذلك تتلاشى الأخطاء وتردم الفجوات وتزال العقبات أمامه، ويهتدي إلى سبل الرشاد والفلاح والنجاح.7- عادة ما نشهد في ظل مبدأ الشورى قفزة نوعية في المجال العلمي والثقافي والاجتماعي والصناعي والتكنولوجي، حيث أن الأجواء مفتّحة، والإمكانات متاحة، والتسهيلات متوفرة للجميع، لا أنها حكر على فئة حزبية معينة أو عائلة مالكة أو ثلة متملقة للزعيم الأوحد، وهذه الصفات نراها جلية واضحة في معظم الأنظمة المستبدة، وما يعقب ذلك من تخلف وجهل وتبعية واندثار.8- الديكتاتورية إذا ما عشعشت من شأنها أن تلغي العقول، وتحكم العقل الأوحد، ولا ضير أن يستشير الحاكم المستبد، ولكن استشارته تكون منصبة لدعم حكمه وسلطانه، وليس لصالح المجتمع وتطوره، وهذا ما يخلق وضعاً كارثياً لا يعرف مداه إلاّ الله سبحانه والراسخون في العلم، ولهذا جاء الرفض القاطع من قبل الشريعة والعقل السليم- لكل أشكال الاستبداد مهما كانت مسوغاته ومهما كانت تبريراته ودوافعه.9- من أبرز مصاديق الشورى الانتخابات، فهي إشراك الأمة في انتخاب الحكم الذي تريد والحاكم الذي يدبر أمرها، فهي معه مادام يعمل على تحقيق العدالة والأهداف التي تؤمن بها، وإذا ما حاد عنها فانه يقع لا محالة تحت مطرقة المسائلة والمحاسبة وحتى المعاقبة إذا تطلب الأمر ذلك.10- يتمخض عن الشورى والانتخابات حكم الأكثرية، مع احترام الأقليات الدينية والإثنية والقومية التي تعيش ضمن المجتمع الإسلامي، وتمثيلها في مجالس اتخاذ القرار المختلفة بما يتناسب مع تركيبتها السكانية والثقافية في البلاد.فمبدأ الشورى بحاجة إلى همم عالية ولا علو الجبال الشواهق، وبحاجة إلى التحصن بالعلم والعمل والإخلاص، وبحاجة إلى إحداث هزة عنيفة في ضمير كل غيور حريص على دينه ورسالته، وذلك للانشغال بقضايا الأمة المصيرية ووضع الحلول الناجعة لها، وترك القضايا الهامشية التي لا تغني ولا تسمن من جوع.إنه عبث لا طائل من وراءه بل تضييع للجهد وتبديد للوقت واستنزاف للطاقات، إذا لم ينتبه المتصدون إلى ضرورة إعادة ترتيب الأوليات في نشاطهم، وإذا لم يدرك الجميع هذه القيمة الهائلة لقضية الشورى وما يتبعها من مفاهيم كالحرية والانتخابات والحوار، فإننا سنظل في حلقة مفرغة نعدو كثيراً ونلهث كثيراً، ولا نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، هذا إذا لم ننتكس إلى الوراء! أما الشورى فهي تهدي الإخوان لأرشد الأمور، وأما الحرية فأنها تقوم بدور إسداء النصيحة لولي الأمر والمسئولين، وأما الحوار هدفه التوصل إلى تفاهم مشترك يضمن حقوق جميع الأطراف ، وأما الانتخابات فهي إشراك الأمة في اتخاذ القرار ومراقبة المسئولين في تقديم الخدمات على أتم وجه، بعيداً عن كل أشكال الظلم والاحتيال والفساد.نحن بحاجة إلى تغيير يبدأ من أنفسنا ومن ثم يعم المجتمع والعالم بأسره(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (35) ومن دون إعادة الترتيب والتدرج في التغيير، فان أعمالنا تكون بمثابة خرط القتاد(*).الهوامش:(1) الشورى في الإسلام- محمود بابللي- ص33.(2) سورة الحجرات- آية 13. (3) القاموس المحيط - ج2، ص65.(4) سورة آل عمران-آية 159.(5) سورة الشورى- آية 36، 37،38. (6) أصول الفقه- الشيخ محمد رضا المظفر- ج1، ص216.(7) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل- الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج2، ص750.(8) تنبيه الأمة وتنزيه الملة- المرحوم الشيخ النائيني- ص54.(9) تفسير الدر المنثور- ج2، ص90.(10) سيرة بن هشام-ج3، ص123.(11) تفسير الطبري-ج4، ص100.(12) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل- الشيخ الشيرازي - ج2، ص749.(13) القرآن والعقل- نور الدين العراقي- ص264.(14) الشورى في الإسلام- محمود بابللي- ص38.(15) الإسلام وأوضاعنا السياسية- عبد القادر عودة- ص72.(16) الشورى في الإسلام- محمود بابللي- ص33.(17) الشورى في الإسلام- محمود بابللي- ص50.(18) الشورى في الإسلام- محمود بابللي- ص28.(19) سورة آل عمران- آية 104.(20) سورة النساء- آية59.(21) الشورى في الإسلام- محمود بابللي- ص79، 80.(22) الاختصاص للمفيد، ص221.(23) بحار الأنوار- ج75، ص104.(24) بحار الأنوار- ج75، ص104.(25) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل- الشيخ الشيرازي- ج2، ص750.(26) سورة البقرة- آية233.(27) سورة يس- آية 78، 79 .(28) بحار الأنوار ج22 ص73.(29) الوسائل باب19 /أبواب جهاد العدو ج1.(30) كتاب الغرر والدرر-ج3-ص428.(31) الجامع الصغير-ج2- ص326.(32) أدب المفرد- ص40-(33) عيون أخبار الرضا-ج2- ص66.(34) الشورى في الإسلام، محمود بابللي، ص115-116.(35) سورة الرعد، آية11.(*) بعض الأفكار التي ذكرت في هذا البحث، قد استلت من كتب آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي(قدس سره) وبالتحديد من: السبيل إلى إنهاض المسلمين، الشورى في الإسلام، الفقه السياسة(بتصرف في الجميع)ملخص بحث الشورى منطلق حضاري نحو التغيير:من البديهي في القول أن اليد الواحدة لا تصفق، وأن الاثنين خير من الواحد، وأن أعلم الناس من جمع علوم الناس إلى علمه، وأعقلهم من جمع عقول الآخرين إلى عقله، ولا أعتقد أن الذي يرنو إزاء الحل الأمثل لمشاكل الحياة أن ينزل الميدان لوحده، فالإنسان مهما بلغ من العبقرية والذكاء فانه لا يستطيع أن يرى قفاه... وهكذا غوامض الأمور لا يمكن إدراكها وفهمها إلا باجتماع الأفكار والعقول، وأن الله قسم العقل بين عباده... وعلى الإنسان أن يضم عقول الآخرين إلى عقله حتى يتجنب المزالق، ويهتدي إلى سواء السبيل.ما أحوجنا اليوم ونحن نعيش في أجواء بعيدة عن مبدأ التعاون والتناصر والتعاضد، أن نأخذ بناصية الشورى، لتحلق بنا في سماء النجاة والصفاء والزهو والاعتلاء، وتدلنا على سبل الخير والرفاه، وتنتشلنا من مهاوي الاستبداد، الذي لا يجلب إلى الأمة سوى الدمار والفتك والتخلف والتقهقر والانتكاس.التجارب والعقل والنقل كل هذه الأمور ترشدنا إلى تبني هذا المبدأ العظيم، لما فيه من الخير الوارف، ولما فيه من كوامن التقدم والتطور والإبداع.ثمة قوانين جاء ذكرها في القرآن الكريم هدفها حماية الفرد من الناحية الاجتماعية، ومن ضمنها (الشورى) ومعناها اللغوي هو الاستخراج والإظهار( ويقال شرت العسل إذا أخذته من موضعه) (القاموس المحيط-ج2 ص65) أما المعنى الاصطلاحي للشورى وهو عبارة عن استطاع الآراء لاستظهار الرأي الأصوب. ويوجد دليلان على وجوب الشورى أحدهما مختص بولي الأمر، والآخر يشمل المسلمين قاطبة.فيما يرتبط بولي الأمر، وفي معرض الاستدلال على قوله (وشاورهم في الأمر) (سورة آل عمران-آية159) نقول لو سلم أن السياق لا يدل على وجوب المشورة، فان الأمر في (وشاورهم) ظاهر في الوجوب. نستنتج من هذا أن الإنسان مهما بلغ من الذكاء والعظمة، فانه لا يصل إلى مرتبة الرسول الأعظم(ص) باعتبار انه ليس بحاجة إلى الأخذ بآراء الآخرين لأنه مسدد بالوحي الإلهي، وبطبيعة الحال أن الذي يتحمل أعباء الرسالة يكون أكثر ذكاء وفهما من الآخرين. إذا عرفت كل ذلك، إذن لماذا أمر الله نبيه (ص) أن يشاورهم في الأمر؟الرسول الأعظم نفسه يجيب عن هذا التساؤل بقوله(أما أن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا) (تفسير الدر المنثور-ج2،ص90)اتضح أن الهدف من مشورة الرسول(ص) لأصحابه ليس لاكتساب المعلومات أو صيانة النفس عن الخطأ والاشتباه، بل يمكن أن يكون لاقتداء الأمة لاسيما الولاة بالرسول (ص) ولا يرونها منزلة نقيصة، ولئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم، ولارتقاء المستوى الثقافي والفكري للأمة، والتعرض لنفحات الرشد والصواب والابتعاد عن سموم الغي والانحراف.أما وجوبها على سائر المسلمين فانه يستدل بالآية الكريمة(وأمرهم شورى بينهم) (سورة الشورى-آية38) وهي في باب الحكم واجبة حيث ذكرت ضمن صفات المؤمنين كما أنها ذكرت في عداد اجتناب الكبائر وإقامة الصلاة وما أشبه من الواجبات، وهو دليل على الوجوب سياقا واتصافا، ودلالة الوصف على الوجوب أقوى من دلالة السياق لوجود الغفران عند الغضب في عداد الأحكام، وهو بالاتفاق ليس بواجب، يمكن القول ومن خلال النصين الشريفين إن الإلزام في الشورى إن لم يكن مستندا إلى الوجوب فهو مستند إلى الأرجحية في الحاكم والمحكوم على حدّ سواء.والأرجحية بديهية ليست بحاجة إلى كثير بيان وتفصيل، فمثل الشورى والاستبداد كمثل الحسن والقبح العقليين، فالبشرية متفقة على(أن للأفعال قيما ذاتية عند العقل مع قطع النظر عن حكم الشرع، فمنها ما هو حسن في نفسه كالصدق، ومنها ما هو قبيح في نفسه كالكذب، ومنها ما ليس له هذان الوصفان، لا هو حسن في ذاته ولا هو قبيح في ذاته كلعب الكرة مثلا، والشارع المقدس لا يأمر إلا بما هو حسن، ولا ينهى إلا عما هو قبيح، فالصدق في نفسه حسن، ولحسنه أمر الله تعالى به، لا انه أمر الله تعالى به فصار حسنا. والكذب في نفسه قبيح، ولذلك نهى الله تعالى عنه، لا انه نهى عنه فصار قبيحا) (أصول الفقه- الشيخ المظفر-ج1، ص216)وهكذا الشورى فأنها في نفسها حسنة لما فيها من تلاقح الأفكار واصطفاء الأصوب منها وما يترتب عليه من الخير والرفاه والتقدم، ولحسنها أمر الله تعالى بها، والاستبداد في نفسه قبيح لما فيه من إجحاف وغمط للحقوق وظلم وجور وتعسف، وما يعقبه من ضياع وإسفاف وسقوط، ولقبحه فقد نهى الله تعالى عنه.وفي النصين الكريمين يتبين لنا أن الأمر للنبي(ص) في المشاورة إنما جاء على سبيل الإلزام باعتباره ولي المؤمنين، النبي(ص) ليس بحاجة إلى هذه المشورة كما بيّنا، وإنما هي فريضة فرضها رب العالمين على أولي الأمر ليستشيروا في كل ما يمس الأمة في مصالحها جميعا كما هو فرض على أصحاب الرأي بأن يبدوا آراءهم في كل هذه الأمور، إذ ليس لحاكم أن يستبد برأيه في شؤون الأمة، وليس للأمة أن تسكت عما يمس مصالحها فيما إذا تعرضت مصالحها للضرر بتصرف ولي الأمر الخارج على دستور المسلمين) (الشورى في الإسلام- محمود بابللي- ص38)وعندها تكون مفردات القيم والتقوى والصلاح هي الحاكمة في الأمة، فان المستشير- وهو الحاكم- والمستشار- وهم النخبة من أهل الرأي والنظر في الأمة- ستكون ضالتهم المنشودة، هي الحقيقة، فالحاكم ينشدها حتى لو كانت مخالفة لرأيه ونظره، ولا يغره بذلك الحكم والسلطان والقوة والصولجان، إذ أن العذاب الوجداني والعذاب الأخروي يكون أمضى من القوة المادية الفانية التي بحوزته، لذا تراه يرجح الحقيقة على ما سواها، لا فرق سواء انطلقت من عنده أو من مستشاريه، أما النخبة فأنها وفي هذه الأجواء المعنوية التي وفرها الإسلام لها، تستطيع أن تبدي رأيها بكل جرأة وشجاعة ورباطة جأش، وتبين الحقيقة من دون خوف من بطش السلطان وظلمه، وأنها تبحث دائما وأبدا عن الحقيقة، أنّى وجدتها تتبنّاها. ومن هذا المنطلق فان الحكام والسلاطين أحوج ما يكونون لمشاورة أهل الرأي والاختصاص، لأنهم يتحكمون بالعباد والبلاد، فالتحكم هذا بحاجة إلى تفويض من رب العباد، وذلك بتوفر موجبات الحكم من التقوى والصلاح والعلم والعدالة والإنصاف، وكذلك بتفويض من العباد، لأن الحاكم إنما يكون وكيلا عنهم في تمشية أمورهم الدنيوية والأخروية، والوكيل لا يمكن أن يحيد عن موكله، ما دامت المطالبات تصب في خانة القانون الإلهي الذي يجلب على الإنسانية جمعاء السعادة والرخاء.وإذا ما طالب المرء بحقه، ومارس الشورى في حياته، سيتولد عندنا وبمرور الزمن مجتمعا صالحا رشيدا، تكون عاداته وتقاليده كلها صالحة، وستنبثق تبعا لذلك سلسلة متراصة من الخير والصلاح والإصلاح، وستفرز مؤسسات مجتمع مدني ولجان استشارية وتعاونيات وأحزاب وصحافة حرة، تراقب الحكام والمسئولين على أن لا يحيدوا عن جادة الصواب، أما في المجتمع الذي يقوم على أساس العقلية الضيقة، وعلى أساس الأنانية والسلوك المنفرد، وفي غيبة الشورى والحرية ستنمو في ذلك المجتمع بذرة الانحطاط والإسفاف والذلة مما يؤدي إلى حالة الانتقام التي ستستفحل بين أفراده، وانه لا يتحمل أية عادات أو تقاليد مغايرة لطريقته وسلوكه في الحياة، لذا تراه يلجأ إلى الانتقام، وهذا سيؤدي إلى سلسلة طويلة من حالة الفوضى والحقد والضغينة قد تسود ذلك المجتمع، بخلاف المجتمع الصالح الذي يقوم على أساس النصح والتسامح، فانه قد يرتكب أفراده خطأ ما، ولكنه لا يتحول إلى حالة من الحقد والانتقام وإنما يمتص ذلك الخطأ، ويسامح مرتكبه، وتقال عثرته وتغفر زلته.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك