بقلم: الأستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
توطئة:تاريخيا تعتبر جامعة الدول العربية اقدم تاسيساً من مجلس التعاون الخليجي (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) ، إذ انها تاسست في (22/آذار/1945م) وفق نصوص (بروتوكول الاسكندرية) في حين تأسس مجلس التعاون الخليجي في (25/أيار/1981م) اي بحدود (37) عاما، لكن كلا المنظومتين لم تتمكن من تصبح منظومة سياسية مؤثرة في السياسية الدولية، فالغرب بقي ينظر الى قرارات جامعة الدول العربية باعتبارها قرارات غير مهمة دوليا وهي قلما تصبح ذات فائدة داخل منظمة الجامعة (هنري كيسنجر في مقابلة مع يو أس أي تودي)، كما ان هذه القرارات لم تتمكن من ايجاد حلول حقيقية لتطوير مفهوم الجامعة ولعل السبب الرئيسي في عدم كفاءة جامعة الدول العربية هو التباينات الشديدة في مناهج التفكير والتباينات السياسية والفكرية والعقائدية هذا غير إختلاف المعايير الانسانية والاجتماعية وحتى الاقتصادية بين اعضائها مما اعاق تقدم الجامعة دوليا وفشلت تأثيراتها في السياسات الدولية والمحلية.واما مجلس التعاون الخليجي، فهو الاخر يفتقر الى المعايير السياسية والفكرية والاجتماعية، ولعل هناك بعض العوامل التي تشكل الخط العام للمجلس اهمها:1- طبيعة منظومة الحكم الملكية.2- النزعة القبلية3- الثراء النفطي المحدث.4- الشكل المذهبي.وغير ذلك لا توجدت مشتركات حقيقية الا اذا اعتبرنا سجلهم التاريخي في عائديتهم للاستعمار البريطاني وتحولهم بعد ذلك ليكونوا ضمن صفحات السجل الامريكي.نحن في هذا الدراسة سنحاول تحليل العوامل التاريخية لفشل منظومتي جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي في ضوء التطورات التاريخية الاخيرة التي قادتها الحركات الشبابية من جانب، وعملية ضم الاردن والمغرب الى منظومة مجلس التعاون الخليجي من جانب آخر مع ملاحظة ان هاتين الدولتين لا تملك اي منهما حدودا على الخليجي الفارسي الذي هو عنوان مجلس التعاون حيث اعتبر في عنوانه ان الذي يجمع اعضائه هو وقوعهم على سواحل الخليج الفارسي ومنه جاء الجانب الجغرافي في التعامل مع الاسم.في القسم الاول من هذه الدراسة سنركز على عوامل فشل جامعة الدول العربية ودور مجلس التعاون الخليجي في تهميش دورها واضعافها ثم اسقاطها.واما القسم الثاني من الدراسة فسنخصصه لدور مجلس التعاون الخليجي في اضعاف الامة العربية والاسلامية واستغلال المال والسلطة في قهر الشعوب وتصدير الارهاب الدولي وتقديم صورة سيئة ومتعمدة عن الاسلام مما ساعد في خلق (الاسلاموفوبيا).
القسم الاول- سلبيات الجامعة العربية:في العديد من دراساتنا السابقة عن تردي الوضع العربي وفشل منظومة القومية العربية في عملية الصراع مع اسرائيل حللنا جوانب ضعف جامعة الدول العربية واسباب فشلها ونحن هنا نلقي المزيد من الضوء على سلبياتها:مقدمة أولى في الجانب السياسي: منذ تأسيسها في الاشهر الاخيرة من الحرب العالمية الثانية لم تقدم جامعة الدول العربية مفهوما واقعيا للموقف السياسي العربي الموحد بل انها في هذا الجانب قد فشلت في العديد من المواقف اذا لم تكن كلها، فهي لم تتمكن من تقديم تصور عقلاني لمجمل الاحداث السياسية داخليا وخارجيا، كما لم تتمكن من طرح حلول سياسية تكون بمنأى عن القرار الغربي:أولاً: فشل في تقييم الواقع: فشلت جامعة الدول العربية في تقييمها للواقع السياسي في كل مرحلة من مراحل التاريخ المعاصر مما كشف ترددها في تقديم اية حلول سياسية واقعية لمعالجة مشاكل اعضائها، بل ساعدت على تقويض منظومات حكم لاعضاء مؤسسين فيها بسبب اختلاف في وجهات النظر او بسبب الصراعات الشخصية.ثانيا: فشل المواقف السياسية: فشلت الجامعة العربية في ان تتبنى موقفا سياسيا موحدا تجاه العديد من القضايا الدولية، وصارت قراراتها غير ملزمة، بل ان الاعضاء انفسهم قد تعودوا على ممارسة تجاهل القرارات اذا تناقضت ومصلحة السلطة الحاكمة. فمثلا اتخذت جامعة الدول العربية موقفا مضادا تجاه معاهدة كامب ديفيد وقتها وابعدت مصر ثم غيرت مقرها الى تونس ولكنها لم تتمكن من الحفاظ على هذا الاتجاه بل انها صارت تدعو للتعامل مع اسرائيل وتبني قضية السلام المزعومة.ثالثا: منظمة لحماية الحكام: تحول الجامعة العربية من منظومة دولية الى منظمة مهمتها حماية الحكام والعروش وضرب الشعوب من اجل بقاء السلطات الحاكمة وقد شذ التعامل مع القذافي عن هذه القاعدة لاسباب شخصية كما حدث ذات الامر مع صدام (بسبب خلافه مع دول الخليج الفارسي) ولو ان المنظومة العربية تراجعت مرة اخرى عن موقفها الداعم للسلطات بعد وصول سلطة في العراق حسبت سياسيا ومذهبيا على الشيعة.رابعا: استغلال الموقع الجغرافي: لم تستغل الجامعة العربية موقعها الجغرافي الذي ذكرناه في التوطئة، ولم تتمكن من الاستفادة من موقعها الجغرافي وتواجدها على سواحل ومداخل ومخارج البحرين الابيض والاحمر وعلى الخليج الفارسي، وعجزت عن أن تؤسس لمنظومة سياسية قوية تجاه اطماع الغرب في ثرواتها أو لتحقق شكلا من اشكال الضغط السياسي على القرارات الدولية التي صبت في مصلحة اسرائيل خلال اكثر من نصف قرن.خامسا: التبادل السياسي: فشلت الجامعة العربية في تحقيق مفهوم التبادل السياسي للمناصب بين الاعضاء، فبقيت رئآستها محصورة في مصر فيما عدا الفترة (1979-1990) التي كان مقرها في تونس برئاسة الشاذلي القليبي وهو تونسي، فمحاولة حصر رئآستها في مصر حول الجامعة العربية الى مجرد مكتب في وزارة الخارجية المصرية ولهذا كانت قراراتها تتفق اساسا والموقف المصري ولم تحول عنه.سادسا: غياب المنهجية: شكل خوف الملوك والامراء والحكام من فقدان مناصبهم او اجبارهم على التخلي عنها كما يحدث مؤخرا احد اسباب ضعف الجامعة العربية بعد ان تحولت الكثير من مفرداتها الى ما يشبه المنظمة السرية، لتكون مهمتها الحفاظ على عروش الحكام. ولهاذا فانها تتصرف في الكثير من الاحيان بما يقترب من مفهوم المافيات في حل نزاعاتها البينية، فالكثير من الاغتيالات السياسية كانت لتصفيات على مواقع القرار الداخلي.سابعا: إشكاليات الاقتراب من اسرائيل: لم تكن كامب ديفيد أول الاتفاقيات مع اسرائيل، فقد كشفنا في الكثير من دراساتنا السابقة حول اسباب تأسيس بعض الدول كالسعودية لتكون ممرا الى تأسيس اسرائيل، مما يعكس وجود تناغم (عربي- اسرائيلي)، او على الاصح (خليجي- اسرائيلي)، حيث كشفنا عن العديد من الوثائق التي تشير الى علاقات لدول عربية وخاصة خليجية مع اسرائيل قبل وبعد كامب ديفيد، هذا غير البروتوكولات في التعاون الاقتصادي والاستثماري والتي سنشير اليها لاحقا. من هنا نفهم كيف صارت العلاقة مع اسرائيل معيارا للعلاقات العربية مع الغرب وخاصة امريكا والاتحاد الاوربي.لاشك ان التردي الحقيقي يكمن في التحريض داخل الدول الاعضاء ضد بعضهم البعض في تنافس لا يتبع الاصول السياسية والعلمية، فتبني الجامعة للقرارات الدولية بالتدخل الاجنبي في ليبيا يعكس موقفا شخصيا في عملية الصراع، خاصة ان القذافي يعيش حالة صراع شخصي مع عروش الخليج الفارسي وبالذات السعودية وقطر، فتحويل موقف شخصي الى فعل دولي يعكس تفاهة التنظير داخل عقل الجامعة والمجموعة الخليجية على السواء. فكان على الجامعة تبني مواقف سياسية اكثر جدية لاحراج القذافي وكشف جرائمة، لكن الجامعة تعاني بسبب التراكم السلبي لسياسات اعضائها ولهذا لم تنجح، فهي ذاتها وبالتناغم مع دول المجلس كانت قد استدعت الجيوش الغربية لتحرير الكويت ولم تتمكن من اخراج صدام منها مع وجود ما يسمى جزافا بدرع الجزيرة، مع ملاحظة ان قرارات الدفاع العربي المشترك لم تدعم لبنان ضد اسرائيل بل على العكس.
مقدمة أولى في الشكل الاقتصادي:في الجغرافية السياسية والاقتصادية لتوزيع دول جامعة الدول العربية، يتبين لنا ان خارطتها الجغرافية تكشف ان أعضائها (الدول العربية) يتوزعون على مساحة جغرافية كبيرة تسيطر على مداخل البحرين الابيض المتوسط والاحمر، بل انهم يسيطرون على اهم ممر مائي دولي (قناة السويس) كما تقع دولهم على طرفي الخليج الفارسي وتطل سواحلهم على المحيط الاطلسي من جانب والمحيط الهندي من جانب آخر، ومع كل ذلك فهم لم يحققوا اية إنجازات أقتصادية تطرح شكلا من أشكال الاستقلال الاقتصادي كما لم يتمكنوا من تحويل مواقعهم الى أداة اقتصادية ضاغطة في الصراع السياسي الدولي، كما فشلوا تماما في استغلال هذه المواقع الجغرافية الهامة اقتصاديا، فليس هناك اساطيل تجارية أو عسكرية مستقلة بالمفهوم المتخصص، والحركة الملاحية بين دول السواحل ضعيفة او غير فاعلة، والتجارة البينية تكاد لا تشكل قيمة في المعيار التجاري الدولي. في حين ان دولة صغيرة مثل اسرائيل بمنفذ بحري ضيق على خليج العقبة تمكنت من تمرير اعظم الضغوط الاقتصادية والسياسية مستغلة التعاطف الغربي معها، في المقابل فان كل ملوك وأمراء وحكام دول الجامعة العربية لم يكونوا مؤثرين في تطوير بلدانهم ولم يهتموا بذلك بقدر اهتمامهم بان يعملوا كوكلاء للولايات المتحدة في داخل إطار منظومتهم، حيث تقدم المصلحة الشخصية على الصالح العام ومن هنا فان الحكام والملوك والامراء كانوا وسطاء في العديد من الصفقات السرية وخاصة صفقات السلاح حيث تذهب العمولات لحساباتهم المصرفية الخاصة مما اضعف مكانتهم كملوك وأمراء وحكام، وفي ضوء هذه العمالة للغرب فشلوا ولم يتمكنوا من تحقيق (1%) من هذه الضغوط الدولية.الفشل الاقتصادي:1- فشل فكرة السوق العربية الموحد.2- فشل توحيد العملة.3- الفردية في اتخاذ القرارات الاقتصادية الهامة، وعدم الرجوع الى المشتركات.4- تغليب مصلحة الاسر الحاكمة (باعتبار الجمهوريات الملكية التي ذكرتها في دراساتي السابقة) على المصالح الاقتصادية للوطن الواحد او المصلحة الاقتصادية لدول الجامعة.5- الاعتماد الكلي على النفط في ضوء عدم وجود انتاج صناعي او زراعي يمكن ان يؤسس لمنظومة اقتصادية خارج انتاج النفط.6- في حال طرح حلول للاستثمار السياحي، فقد ظهر عدم الجدية وخاصة في قضية الديون المتراكمة بسبب المشاريع والوهمية وغير العقلانية التي صرفت عليها المليارات ولم تحقق الناتج المتوقع كما في اشكاليات ديون الامارات؟7- الخلط بين رأس المال العام ورأس المال الشخصي، فالملوك والامراء والحكام يعتبرون ثروة الدولة ثروة شخصية لهم مما اوجد حالة من الصراع بين الحسابات الخاصة وحسابات الدولة، فعندما يصبح بامكان الملك او الامير او الحاكم مد يده ليأخذ من حسابات الدولة دون ضمانات باعتبار انه حساب مفتوح يحق له الدخول عليه وقت يشاء فان ذلك سيؤدي الى خلل كبير في الموازنات العامة وتحميل الديون الشخصية لشركات الملوك والامراء على الشعوب.
القسم الثاني: المنظمة السرية للممالك الخليج الفارسي:إن المتتبع للسلوك السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمذهبي لسلطات مجلس التعاول الخليجي يجد انها تتصرف من واقع الخوف والتنافس على المصالح الشخصية، فالملوك والامراء يعيشون رعب الترقب المستمر لإنتفاضات شعوبهم، مما يكشف طبيعة العلاقة بين الحاكم والمجتمع، فحضور اللحظة الحرجة لحدوث فعل التغيير سيعني نهاية هذه الحكومات التي سخرت كل الموارد البشرية والاقتصادية والسياسية لاجل الاستمرار ولبقاء العروش وضخ الحياة فيها في المراحل التي كانت ستؤدي الى حدوث التغيير، ومن هنا نفهم عملية تقديم المصلحة الشخصية على المصلحة الوطنية عند الملوك والحكام، وفي حالة وجود فرض بم يلزم بتقديم الوطني على الشخصي كان الملك او الامير او الحاكم يدخل كوسيط ليحتفظ بعمولته في عملية التفضيل هذه.إن البحث في العلاقة بين افراد الاسر الحاكمة يكشف عن طبيعة محددة في توزيع المكاسب والحصص من موارد الدولة يقترب كثيرا بل يماثل عمل المنظمات السرية، حيث يعيش هؤلاء بعيدين عن حقيقة المجتمعمقدمة أولى: مافيا المذهبية في مواجهة المجتمع:منذ زواج السياسة بالدين الذي جمع بين ابن سعود وابن عبد الوهاب فقد انحرفت العلاقة بين الفكر الديني والمجتمع لتؤسس ارتدادا سلبيا كنت قد اعتبرته في دراساتي السابقة شكلا من اشكال الجاهلية المعاصرة بل احد اشهر عناوينها، ففي الوقت الذي تتهم في السعودية ومنظومتها ايران وحزب الله بنشر التشيع فان السعودي عملت جاهدة ومتعمدة باستعمال السلاح والمال على نشر المذهب الوهابي المنحرف في كل ارض الجزيرة العربية التي اطلق عليها جزافا اسم السعودية (علما ان النبي الخاتم (ص) لم يسمي الاراضي التي خضعت للاسلام باسم الدولة المحمدية!!)، ففيما عدا سلطنة عمان (تتبع المذهب الاباضي) فان كل دول الخليج الاخرى وهابية او يغلب عليها الاتجاه الوهابي، كما ان الاردن جديدة الانضمام هي الاخرى سارت في ذات الخط الذي انتقل الى شمال افريقيا ايضا، ومن هنا ندرك اهمية دخول الاردن نادي مافيا الممالك. ووفق هذا الاتجاه نفهم دخول السعودية حربها مع اليمن ضد الحوثيين الشيعة، ودخول جيش درع الجزيرة الى البحرين بقيادة سعودية لدعم الملك الوهابي ولضرب الشيعة الذين يمثلون من الناحية السكانية غالبية المجتمع البحريني (بحدود 90%) منه. ونفهم صراعهم مع حزب الله وايران وسوريا.
مقدمة اولى في تسخير المنظومة القبلية:شهدت محاولات اخضاع المجتمع البدوي للاتجاه الوهابي تطورا في العنف منذ التأسيس، حيث يورد (ناصر السعيد) في كتابه (تاريخ آل سعود) عددا لا يحصى من جرائم الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية لاخضاع قبائلها في الحجاز والعسير وفي حائل للفكر الوهابي المنحرف، والكتاب يسرد مئات الوثائق الاجرامية التي شكلت التاريخ الاسود للوهابية في شبه الجزيرة هذا غير حروبهم وغزواتهم للحدود العراقية ولسوريا والاردن التي ذكرناها في اجزاء كتابنا فلسفة التاريخ، أو في محاضراتنا عن تدمير الاثار الاسلامية. لقد تمكن ابن سعود الى حد كبير من ترهيب القبائل واخضاعها بالقتل ليتم توظيفها في حروبه ضد اعداءه ومناوئيه بمساعدة المخابرات البريطانية وفق (مذكرات مستر همفري)، ومذكرات (جون فيلبي).إستغل ابن سعود النزعة القبلية فأجج الصراعات بين القبائل ليتمكن من السيطرة عليها وتوجيه عنفها وبداوتها لتنفيذ سياسته، فالعلاقات القبلية - القبلية علاقات مصلحية وعلاقات الغلبة (غالب ومغلوب) قبل ان تكون علاقات تكاملية او تضامنية، وهي بقيت في مفاهيم النزاعات البينية ولهذا لا يمكن ان تصلح لقيادة الامة لانها تفتقر لمشروع مستقبلي في تفسير الحياة فخروج المجتمع القبلي من حالة التنقل والارتحال وراء الكلأ الى حالة السكن في المدن لم يجعل منهم مجتمعا مدنيا، والتحول من ركوب الجمال الى استعمال المفردات الحضارية المعاصرة لم تساعد على تطوير مفاهيمهم في البناء الحياتي والانساني، حيث بقيت الروح القبلية والنزعة العشائرية مسيطرة على الاتجاهات الفكرية بشكل قوي . من هنا يسهل علينا فهم العلاقات بين اعضاء دول مجلس (نادي المافيا) الخليجي.
الملكية في مواجهة الجمهوريات:أدرك اعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية فشل منظمة جامعة الدول العربية وضعفها خاصة ان منظمة مجلس التعاون تضم معظم الاعضاء الاثرياء في جامعة الدول العربية فكان لابد من العمل على انهاء هذا الكيان وتهميشه عبر اضعافه التدريجي ليحل محله كيان من الطفيليات الثرية، فمجلس التعاون استغل في البداية فكرة الجامعة ليؤسس من خلالها منظومته التي بناها على اساس العلاقة مع الغرب وفتح منافذ التواصل مع اسرائيل بشتى السبل اقتصاديا وسياحيا ورياضيا في محاولة لاقناع واشنطن وتل ابيب ان هذه المجموعة من الدول العربية قادرة على فهم الموقف الاسرائيلي، ولهذا تجنبت هذه المنظومة ومنذ تأسيسها اية صراعات حقيقية مع تل أبيب بل حاولت ان تلعب دور الوساطة في قضية السلام المزعومة من خلال بعض اعضائها، واما علاقتها بالجامعة العربية فقد عملت على اضعافها وتهميش دورها دوليا، ففي كل مرحلة من مراحل ضعف الجامعة كان المجلس يحصل على موطيء قدم في العلاقة مع الغرب واسرائيل. وبالتالي فقد وضع مجلس التعاون لدول الخليج العربية معيارية لعلاقة الدول العربية مع الغرب تقوم على تطوير العلاقة مع اسرائيل ولو على حساب القضايا العربية والطروحات الاسلامية، وهي ذات المعيارية التي يتبناها الغرب واسرائيل على السواء.لا شك ان غياب المفاهيم الحقيقية للحكم الجمهوري أو تهميشها من خلال ظهور نزعة التفرد الحزبي (حكم الحزب الواحد)، أو استلاب فكرة الحزب وحصرها في رأس النظام بحيث يصير الحاكم هو الحزب، كل ذلك قد أفرغ الجمهوريات من مبادئها الاساسية في الحكم، حتى اصبح هم رئيس الجمهورية هو البقاء في السلطة متجاوزا بذلك النصوص الدستورية التي اقسم على الحفاظ عليها، فهو يحاول لي القوانين والنصوص لتسمح له بالبقاء الى ما لانهاية في السلطة عبر التكرار المستمر لانتخابه أو عبر التوريث لأحد ابناءه كما هو الحاصل في السنوات العشر الاخيرة.كل ذلك أوجد أرضية خصبة لتدخل منظومة الملكيات بعد ان حاول الجمهوريون تقليدهم، في اساليب الحكم والتوريث حتى لم تعد هناك مسافة بين ما هو جمهوري وما هو ملكي.المجلس مافيا ملكية:أن البحث في العلاقات التكوينية لدول مجلي التعاون يضع امامنا عددا من المشتركات والتي تصب كلها في تحقيق مصلحة واحدة ألا وهي حماية العروش:أولا: طبيعة الانظمة: الدول حسب ترتيبها في سجلات المجلس هي: دولة الامارات العربية المتحدة، مملكة البحرين، المملكة العربية السعودية، سلطنة عمان، دولة قطر، دولة الكويت، ونظام الحكم هو ملكي (السعودية والبحرين)- أميري (الامارات، قطر، الكويت) وتتخذ عمان اسم السلطنة وهو اقرب للملكية منها للامارة. يلاحظ هنا ان استعمال لفظ دولة يترافق مع صغر مساحة ذلك العضو في حين ان الدول الكبيرة تكتفي بذكر عنوانها فقط دون الحاجة لاستعمال لفظ (دولة) مما يعكس احساساً بالنقص.ثانيا: جميعها تمتلك سواحل على الخليج الفارسي ما عدا سلطنة عمان فسواحلها على الخليج المسمى باسمها (خليج عمان وعلى بحر العرب المرتبط بالمحيط الهندي).ثالثا: تبادل السلطة: توارثي.رابعا: العائلات الحاكمة في اغلبها لا تعود مباشرة الى ذات الطبيعة الاجتماعية للبلد وإنما نزحت اليها من مواقع اخرى داخل الجزيرة العربية وخارجها، مثل عوائل آل سعود (وقد اثبتنا كما اثبت غيرنا تاريخ نسبهم الى يهود بنو قينقاع) وآل خليفة في البحرين ( ويعود نسبهم الى القبائل النجدية)، وآل الصباح في الكويت (يعود نسبهم لسعيد بن الصباح وكان مولى لابي جعفر المنصور فهم موالي وليس عرباً اقحاحاً) راجع المسعودي تاريخ الامم، الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد وأبن كثير وغيرهم، وآل سعيد في سلطنة عمان (قدموا من زنجبار). ولدينا بحوث في انسابهم ستنشر في دراسة لاحقة.خامسا: لعل اهم المشتركات هو ان كل الانظمة الحاكمة في دول المجلس كانت جزء من المستعمرات البريطانية أو أنها قد انشاتها بريطانيا ثم منحتها الاستقال الوهمي لتبقى في فلكها ثم لتدخل بعد ذلك الحضيرة الامريكية.سادسا: من المشتركات المميزة هو ان دول المجلس باتت قواعد عسكرية امريكية في المنطقة:أ-السعودية: قواعد امريكية في الخبر والدمام وغيرها، راجع، وليم آركن، الاسماء المشفرة.ب-قطر: قاعدتي السيلية والعيديد، ونظرا لحجم مساحة قطر فانها تعتبر كلها قاعدة عسكرية امريكية وخاصة ان بها اكبر تجمع للطائرات خارج الولايات المتحدة.ج-البحرين: مقر الاسطول الامريكي الخامس. وهو الاسطول المعني بحماية عروش الخليج وتوفير أمن حركة ملاحة القطع البحرية الامريكية والغربية في الخليج الفارسي، كما استعملته الكويت لحماية ناقلاتها خلال الحرب العراقية -الايرانية وبالتحديد منذ سنة 1986م. ووقتها قال وزير خارجية الولايات المتحدة في تصريحه الشهير: " دخلنا الخليج لنبقى ". ومع الاسف لم يدرك العرب والمسلمون حكاما وشعوبا حقيقة هذه المقولة وما تخفي ورائها. واما التواجد الامريكي في البحرين وعن (Global Security) هناك قاعدة اسناد الانشطة البحرية للقيادة الامريكية المركزية في منطقة الجفير، وهناك تسهيلات ومواقع للقطع البحرية الامريكية وللطائرات في ميناء سلمان ومطار المحرق وقاعدة عيسى.د-الامارات: مركز تبادل المال، وفيها معظم التبادلات المالية والتجارية في الخليج. وتعتبر واحدة من اكبر مراكز غسيل الاموال للمافيات العربية والغربية على السواء.هـ-الكويت: معبر قواعد عسكرية امريكية ومركز تجمع القطعات الامريكية في حرب العراق. وقد ضمت عدد من القواعد البرية والجوية اشهرها القاعدة الامريكية في المطلاع والتي اتخذت موقعها منذ اخراج صدام من الكويت، ومعسكر العريفجان جنوبي الكويت ويعتبر واحدة من اكبر القواعد الامريكية خارج الولايات المتحدة.سلطنة عمان: المعبر الغربي الى المحيط الهندي.ونحن في كل ذلك لا ننسى ان العراق بات هو الاخر مستعمرة امريكية ومحلا للقواعد العسكرية.
صفقات السلاح: تدفع دول الخليج مليارات الدولارات سنويا في صفقات الاسلحة التي تذهب كل عمولاتها للملوك والامراء وما تزال اصداء صفقة اليمامة للسعودية مع الولايات المتحدة وصفقة طائرار الهارير والتورنيدو البريطانية مع السعودية ايضا مثار جدل سياسي واقتصادي كشف عن حجم الفساد الذي احاط بهذه الصفقات وطبيعة وحجم العمولات وكيف اختفت. هذا غير الصفقات الحديثة من اجل التحضير الدولي لضرب ايران وحزب الله.من الملاحظ ان هذه الاسلحة على ثقلها فشلت في اخراج صادام من الكويت لولا التحالف الغربي وفشلت تماما في مواجهة البنادق الحوثية في الحملة (السعودية - اليمنية - الاردنية) على مواقع الحوثيين، مما يعكس الفشل الذريع للقيادات العسكرية الخليجية التي يقودها امراء تلبسوا بالزي العسكري مع انهم فشلوا في اجتياز امتحانت المؤسسات العسكرية الغربية التي درسوا فيها.قد يتسائل الانسان الخليجي عن اهمية شراء هذا الكم من الاسلحة والطائرات وبطاريات الصواريخ والقطع البحرية ما دام ان المنطقة لم تدخل حربا بعد اخراج صدام من الكويت سنة (1991م)، فلمن هذا السلاح ومن اجل من ولم يتم إطلاق رصاصة واحدة تجاه اسرائيل؟ وهنا سنجد الجواب جاهزاً بعد ان وضعت امريكا معيارا جديداً لمفهوم العدو حيث أقنعت دول الخليج ان العدو هو إيران لا إسرائيل فتبنى الاعلام العربي والخليجي هذه الطروحات الغربية وتم تحويل بوصلة الحرب باتجاه ايران.إختراق الحاجز القومي بالمنظومة القبلية:منذ البدء إستغلت الجامعة العربية الاتجاه القومي الذي بدأت تظهر ملامحه منذ بدايات الحرب العالمية الثانية ليكرسه جمال عبد الناصر بعد ثورة (يوليو1952م) غير ان الجامعة العربية التي جعلت عنوانها عربيا لم تتمكن من الحفاظ على الفكرة القومية في وجود نزعات فكرية متعددة، كما انها فشلت في تقديم برنامج قومي يكون اساسا لحركة مستقبلية. في ضوء هذا التراجع القومي وفشل المنظومة العربية في تحقيق هويتها تحركت المافيا الملكية الخليجية لتحتل الاتجاه التنظيري من منطلق قبلي ثم من منطلق عائلي ضيق مما دفع بعض الجمهوريات لتبني هذا الموقف لتتحول من الشكل الانتخابي الى الشكل الوراثي وهذا ما اسميناه في دراساتنا باسم (الجمهوريات الملكية) وقد يكون طاقم حافظ الاسد قد تمكن من احلال بشار محل ابيه فان هذه الفكرة كانت قد راودت كل من صدام، مبارك علي عبد الله صالح، القذافي وحاليا يتجه العراق لذات الفكرة، مما يعني ظهور نزعة سلبية في فهم العلاقة بين السلطة والمجتمع، فكل هذه الدول لم تتمكن من تحقيق قيم معرفية وفكرية لفهم قضية العقد الاجتماعي، وبالتالي سمحت للنزعة القبلية بالطغيان.
الاردن والمغرب اعضاء جدد في مافيا الملوك:مثل الاجتماع الاخير لدول مجلس التعاون الخليجي انعطافا خطيرا في العلاقات العربية - العربية، ودق آخر الاستفين في نعش جامعة الدول العربية من خلال انشاء مافيا الممالك، فإنضمام الاردن التي تملك حدودا مع كل من السعودية، العراق، سوريا، اسرائيل، سيعني ان مجلس التعاون اصبح منفتحا على الحدود الاسرائيلية وبالتالي فانه يبعث رسالة طمأنة لقادة تل ابيب باعتبار ان دول مجلس التعاون لم تبدي موقفا سلبيا من اسرائيل بل على العكس اتخذت موقفا سلبيا من حزب الله (لبنان) وسوريا اللتان تمثلان جبهة ضد اسرائيل. فمجلس التعاون ادان حزب الله وحرض عليه خلال حرب تموز (2006م) وهو اتجاه قادته السعودية وقطر والامارات والبحرين، وبتأييد مصر آنذاك والاردن وفعلت ذات الشيء خلال حرب غزة حين تم الاتفاق مع مصر في عهد مبارك على غلق المعابر وحصار الفلسطينيين. ولا ننسى العديد من المشتركات الاخرى بين الاردن ودول المجلس أقلها الشكل الملكي للحكم وكون ملوك الاردن لاينتمون قبليا الى الاردن بل جاؤا اليها من الحجاز، فهم ايضا اغراب على المنطقة كما كان ملوك العراق سابقاً.وأما المغرب فالمشتركات متماثلة، نظام ملكي وراثي، علاقات وثيقة مع الغرب، وعلاقات اوثق مع اسرائيل، وأما ملكها فهو ايضا من سلالة مهاجرة.
حتمية السقوط:إن وجود تجمع يضم دول مجلس التعاون الستة واضافة الاردن والمغرب (ثمانية دول) سيمثل ثقلا كبيرا داخل منظومة الجامعة العربية وخارجها مما يوجه تماما قراراتها وفق منظور هذا التكتل ولو بشراء بقية الاصوات اللازمة لاتخاذ اي قرار مستقبلي مما يقيد حركة الجامعة ويشل فعالياتها تماما وبالتالي سيعني حتمية سقوطها اذا اعتبرنا علاقات هذه الدول الثمانية بالغرب وباسرائيل، وحجم موازناتها الاقتصادية.لقد تمكنت المافيا الخليجية من تحجيم الجامعة ومحاصرتها بكل السبل عبر اخضاع قراراتها لمقتضيات المصلحة الخليجية وحصر تفاعلاتها في ما يحقق المنظور الخليجي فقط، وبالتالي فقدت جامعة الدول العربية خصوصيتها على الاقل في المنهج القومي، وقد ساعدت مصر خلال المراحل السابقة وحتى سقوط مبارك على افشال كل الطروحات العربية، فنراها قد حولت الجامعة الى مجرد مكتب في الخارجية المصرية مما سهل اضعافها وسمح للمافيا الخليجية بتقويض ما بقي منها.إن الجامعة العربية الان كيان غير قادر على تحقيق حلم الشعب العربي، وقد فقدت كل خصوصياتها وابتعدت كثيرا عن مباديء تاسيسها، فهي تعاني من طعنات المافيا الخليجية واصبحت مهمتها تنحصر في الحفاظ على خصوصيات الملوك والحكام واستمرارهم على ما هم عليه حيث لم تشهد كل هذه العقود على اي شكل من اشكال تطور مناهج العلاقة بين الحاكم والمحكوم ولم تتمكن الجامعة من ان تكون حكما عدلا في عملية الصراع بين المجتمع وطغيان السلطات واستبدادها، بل تراها كما ذكرنا قد ساعدت على إنتشار المزيد من الظلم تحت ستار القانون الوهمي.الأستاذ الدكتور وليد سعيد البياتيdr-albayati50@hotmail.co.ukhttp://al-muammal.blogspot.comالمملكة المتحدة - لندن24 / أيار / 2011
https://telegram.me/buratha