دراسات

الخطابة في واقعها القديم والحديث.. حضور متجدد

6974 01:41:00 2006-11-11

( بقلم : نضير الخزرجي* )

 مرت وسائل الأعلام بتطورات جمة من حيث الوسيلة والأسلوب، تزامنت طرديا مع تطور المجتمعات البشرية، وكان لوسيلة الاتصال الأثر الكبير، في جعل الكرة الأرضية حارة وزقاق يعرف من يعيش في أقصى الزقاق ما يحل بصاحبه في أدناه، ولم تعد مقولة (القرية الكونية) ((Global Village التي قال بها الكاتب الكندي البريطاني الجنسية (Wyndham Lewis) (1882-1957م)، في كتابه (America and Cosmic Man)، الصادر في العام 1948م، قابلة للهضم المعرفي، كما لم يعد مقبولا المقولة نفسها التي قال بها الأكاديمي الكندي (Herbert Marshall McLuhan) (1911-1980م) في كتابه (The Gutenberg Galaxy: The Making of Typographical Man)، الصادر في العام 1962، في وصف تأثير عالم الاتصالات على تقريب المسافات، نظرا للقفزات الكبيرة التي شهدها عالم الاتصالات والإعلام، وبالقطع سيشهد العالم بعد فترة قصيرة نقلة كبيرة في عالم الاتصالات يجعل من الكرة الأرضية بيتا واحدا وليس زقاقا، أي بيتا عالميا كونيا (Global House) خارجا من إطار الحارة الكونية (Global Avenue)، الذي هو عليه اليوم.

ولأن القفزات سريعة وكبيرة، فان بعض وسائل الاتصال أصبحت من الماضي مثل (التلغراف)، لا يستعمل إلا في حدود ضيقة جدا، وبعضها في طريقها لان تصبح من الماضي رغم حداثة اكتشافها مثل (الفاكس)، وبعض وسائل الإعلام صار حالها حال الانسان تتطور من جيل الى آخر، فيقال هذه الآلة أو البرنامج من الجيل الأول أو الثاني أو الثالث، مثل برامج الحاسوب (الكمبيوتر).

ولكن رغم التطور العلمي، فان أدوات إعلامية ووسائل اتصال، تعاملت معها البشرية منذ القدم، حافظت الى يومنا هذا على بريقها ودورها الفاعل في عالم الإعلام، من أبرزها (الخطابة) التي بقيت رغم المنافسة الشديدة، الأسلوب التي لا يستغنى عنه مهما تنوعت وسائل الإعلام والاتصال، بوصفها الخامة الأولى لكل النتاج الإعلامي، كان ولا زال.

هذه الحقيقة أدركها صاحب دائرة المعارف الحسينية، آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، فقيّدها في دراسة مفصلة، جعلها مقدمة تمهيدية لمجلد معجم خطباء المنبر الحسيني، الذي صدر في العام 1420هـ (1999م)، في لندن، عن المركز الحسيني للدراسات، في 540 صفحة من القطع الوزيري، كواحد من 600 مجلد، بدأت ترى النور منذ العام 1987، تحقق في نهضة الامام الحسين، في أكثر من ستين بابا، ومئات العناوين الرئيسة، وآلاف العناوين الفرعية، وقد وجد رئيس محكمة الاستئناف العليا الشرعية الجعفرية في العاصمة البحرينية المنامة، العلامة الشيخ حميد بن ابراهيم المبارك، أن الدراسة تستحق إخراجها في إصدار مستقل، كيف لا؟ والموسوعة كما يراها القاضي المبارك: "أصبحت مرجعا في هذا الباب لا على مستوى الشرق وأعلامه فحسب بل على مستوى الغرب وأعلامه كذلك"، فكان أن أعدَّ كتاب "الخطابة في دراسة نوعية شاملة لآية الله الكرباسي"، في 256 صفحة من القطع المتوسط، صادر في بيروت عن بيت العلم للنابهين، صدّره بمقدمة تحت عنوان "المنبر الحسيني الى أين"، انتقد فيه حال المنبر الحسيني بوصفه أصدق مصاديق الخطابة، بلحاظ أن عطاء المنبر الحسيني في الوقت الحاضر لا: "يتقارب مع مقدار ما يسخّر له من طاقات، فالبون بينهما شاسع والمسافة كبيرة"، فالمجالس عبارة عن مكررات، كما: "أصبحت المحاضرات على المنابر الحسينية في الغالب أشبه بالشعر الحماسي الذي ينفذ الى الأحاسيس لكنه لا يلامس الأذهان ولا يثير دفائن العقول، وحتى لو حاول الخطيب أن يخرج عن المحفوظ المكرر فانه يبقى في مستوى الضفاف أو قريبا من ذلك" وهذا التكرار أشبه بالتكرار التي تشهده خطب صلوات الجمعة في البلد الواحد وربما في بلدان عدة، وفي جمعة واحدة.

لكن القاضي حميد المبارك، رغم انتقاده للخطاب المرفوع من على المنابر، فانه يرى أن الخطابة والفقاهة عدلان لا يفترقان في خدمة الدين وأهله، لخطورتهما على حد سواء، ومن هنا: "يتبين ما للخطابة من دور عظيم لا يستهان به، فإذا كان الفقيه هو العقل المدبر للنهضة الدينية، فالخطيب هو لسانها، فإذا كانت المرجعية مؤسسة تشريعية فالخطابة مؤسستها الإعلامية".

يتعرض الشيخ الكرباسي الى تعريف "الخطابة"، كما هو ديدنه في كل مصنفاته التي دأب فيها على تعريف ما يرد من مصطلحات، باعتبار أن التعريف أسلوب أكاديمي علمي وبوابة الى فهم الموضوع، فيرى بعد أن استعرض عددا من التعريفات، أن الخطابة بوصفها من الفنون، تعني قدرة التكلم مع الناس بشكل يفي بالغرض المطلوب، وكل خطبة منتصبة على ثلاثة قوائم: الخطيب، الجمهور، والمادة، وهو ما ذهب اليه من قبل، الفيلسوف اليوناني، أرسطوطاليس (Aristotle’s) (384-322 ق م) عندما حدد عناصر الخطابة بالخطيب والموضوع والسامع.

ولما كان لفظ "المنبر" كما يراه المصنف مفردة عربية، لصيقة بالخطيب كمرقى، فانه تعرض الى تعريفها وشرحها، وبيان تاريخ النشأة، وبخاصة في العهد الاسلامي الأول.

وتحت عنوان: "تاريخ الخطابة"، وصف المصنف الخطابة كونها أقدم من الشعر، وحسب تعبير الأكاديمي المصري الراحل، الدكتور احمد محمد الحوفي في كتاب فن الخطابة: 41: "لقد حفظها خط آشور المسماري، وقيدها خط الفراعنة الهيروغليفي، ثم رواها تاريخ اليونان السياسي والأدبي منذ القرن السابع قبل الميلاد، وبها أخضع بوذا (563-483 ق.م) الجموع الهندية لتعاليمه، وكان لها مكانها العظيم في مجامع العرب قبل الإسلام، وفي أسواقهم الأدبية بنوع خاص"، على أن كتب التاريخ تنسب الى النبي آدم (ع) أنه أول من أنشأ الشعر، وذلك عندما علم بمقتل ابنه هابيل، فأنشد:

تغيرت البلاد ومن عليها                ووجه الأرض مغبر قبيح

فها أنا بعدما هابيل و أمسى              قتيلا لا السقيم و لا الصحيح

تغير كل ذي طعم و لون               و قل بشاشة وجه صبيح

ولأن الخطابة تمتلك حين المخاطبة، خصوصية متميزة وأهمية كبرى، فانه: "في الإسلام تنوعت الأغراض، وقد استعملها الرسول (ص) في الدعوة الى الدين وفي المناسبات الاسلامية العامة والدينية الخاصة، ولأهمية الخطبة فقد جعلها الإسلام جزءاً من العبادة في بعض الموارد وصبغها صبغة الوجوب كخطبة الجمعة والعيدين، ولهذا أصبحت الخطبة في الإسلام مميزة، وازدهرت أكثر من الشعر وأصبح لها شأن هام في مجالات العمل الاسلامي بل وسائر المجالات"، ويرجع ابن رشيق أبو علي الحسن القيرواني (1000-1071م) في كتاب العمدة:1/66 ذلك الى: "إن الخطابة في عصر الدعوة صارت فوق الشعر لان الشعر اتجر به وأصبح مكسبا للشاعر، فلذلك أصبحت منزلة الخطيب أرفع من منزلة الشاعر في تخليد المآثر وحماية العشيرة". ولهذا اشتهر القادة في العصر الاسلامي الأول بحسن الخطابة، وكما يقول المؤرخ اللبناني الدكتور عمر فروخ (1906-1987م) في كتابه تاريخ الأدب العربي: 1/256: "فكان الرسول (ص) والخلفاء الراشدون وأمراء الجيوش وولاة الأمصار والقضاة من الخطباء ضرورة، غير أن بعضهم كان أخطب من بعض، فعلي بن أبي طالب كان خطيبا موهوبا فوق عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب، ولا غرو فكلام علي يأتي في مراتب البلاغة بعد القرآن والحديث"، وقراءة الدكتور فروخ الفاحصة، تعود بجذورها الى قول الامام علي (ع) في النبي محمد (ص) وأهل بيته (ع): (وإنا لأمراء الكلام وفينا تنشّبت عروقه وعلينا تهدّلت غصونه).

وبعد أن يورد المصنف جملة من خطب قادة الإسلام، يفصّل القول في موضوع "الخطابة الحسينية ومراحل تطورها"، فيؤسس للخطابة الحسينية ومراحلها التي عدّها سبع مراحل. تبدأ المرحلة الأولى مع استشهاد الامام الحسين بن علي (ع) في كربلاء المقدسة في العاشر من شهر محرم الحرام العام 61 هجرية، وكان رائد الخطابة في هذه المرحلة الامام السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (27-95هـ)، وهو أول من أسس لها وأصّلها، ومن النساء السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (6-62هـ)، والسيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب (9-61هـ)، والسيدة فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (51-117هـ)، حيث كانت خطاباتهم في الفترة التأسيسية: "تطير بسرعة فائقة في آفاق البلاد الاسلامية بجناحين: جناح العطف والتظلم وجناح فضح الظلم والظالم، بهذا الشكل تأسس جهاز الإعلام الحسيني"، وفي الفترة الانتقالية من المرحلة الأولى انعقدت رابطة قوية: "بين الخطابة الحسينية والمجالس الحسينية، فمتى ما انعقدت المجالس تواجدت الخطابة وكان المؤسس لهذه المجالس في الفترة التأسيسية والخطيب متحدين"، وفي هذه الفترة: "انضم الرثاء المنظوم الى الرثاء المنثور ليشكل ظاهرة جديدة في الخطابة الحسينية"، وفي هذه الفترة ظهرت جماعة المنشدين والنائحين، وبإزائهم ظهر عدد من الخطباء المحدثين والقصّاصين والنادبين، وتأسيسا على ذلك: "ربما تمكنا من القول بأن نواة الخطابة التقليدية نشأت في هذه الفترة". وفي الفترة الثالثة، وعلى عهد الحكم العباسي اصيبت الخطابة الحسينية بنكسة نتيجة لقيام خلفاء بني العباس باضطهاد أئمة أهل البيت (ع).

وتبدأ المرحلة الثانية بغيبة الأمام المهدي المنتظر (ولد 255هـ) في العام 329 هجرية، وقد مهدت دولة المهدي الفاطمي في تونس، ودولة الأدارسة بالمغرب، والدولة العلوية بطبرستان، والدولة الحمدانية في سوريا، الأرضية لنمو وتطور الخطابة.

وتبدأ المرحلة الثالثة من أوائل القرن السابع الهجري وتنتهي في أواخر القرن التاسع منه، وفيها: "ظلت الخطابة الحسينية بين مدّ وجزر تبعا لسياسة النظام الحاكم في هذه المنطقة أو تلك" حيث كانت تدول دولة وتقوم أختها مكانها، ولكن ما يلفت النظر: "إن الخطابة الحسينية في هذه المرحلة تطورت من ناحية أخرى وهي أنها عقدت في بيوت الموالين وتوسعت رقعتها جغرافيا، ويعد هذا أول عهدها بالبيوت".

وتبدأ المرحلة الرابعة من أوائل القرن العاشر الهجري أو قبله بقليل وتنتهي تقريبا في القرن الثالث عشر الهجري، حيث عمد عدد من الخطباء الى وضع كتب للخطباء يقرأون منه وعليه، لسد النقص في عدد الخطباء ولمواكبة الازدياد في عدد مجالس الخطابة الحسينية، فكان كتاب "روضة الشهداء" للكاشفي (ت 910هـ) و"المنتخب" للطريحي (979-1085هـ)، وغيرهما. وفي هذه المرحلة تطورت الخطابة على يد الخطيب السيد حسن آل طعمة الحائري (ت 1270هـ)، من القراءة على الكتاب الى القراءة عن ظهر قلب.

وتبدأ المرحلة الخامسة من منتصف القرن الثالث عشر الهجري وتنتهي بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وراح الخطباء في هذه المرحلة التي شهدت حركة الاستعمار الأوروبي للبلدان العربية والإسلامية، بالتعرض الى المسائل السياسية والحياتية اليومية، ومناقشة الأفكار الغريبة والواردة، وكان من رواد هذه المرحلة الشيخ كاظم السبتي (ت 1342هـ)، وهو الذي أحدث فن الربط بين الموضوع الذي يبدأ به الخطيب وبين المراثي الحسينية والمسمى بالگريز.

وعلى غرار معاهد الخطابة التي اشتهر بها الأزهر والزيتونة، فان معاهد خاصة بالخطابة الحسينية، انشأت في عدد من البلدان الاسلامية، مثل مدرسة الواعظين في مدينة لكهنو الهندية على يد السيد نجم الحسن الرضوي (1279-1357هـ)، ومدرسة الواعظين في لاهور الباكستانية في العام 1370هـ على يد السيد مرتضى حسين اللكهنوي (1341-1407هـ) والشيخ يوسف حسين اللكهنوي (1319-1408هـ)، ومدرسة الكتاب والعترة في كربلاء المقدسة في العام 1381هـ على يد الفقيه السيد محمد الشيرازي (1347-1422هـ)، ومعهد الخطابة في النجف الأشرف على يد الشيخ محمد رضا المظفر (1322-1390هـ) ومؤازرة الشيخ محمد شيخ الشريعة (1322-1398هـ).

وتبدأ المرحلة السادسة من بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري، حيث الحقبة الزمنية التي بدأت فيها الأوطان الاسلامية تستقل عن الاستعمار الغربي، وفيها تصدى الخطباء للأفكار الهدامة التي خلفها الاستعمار، وفي هذه المرحلة: "بل منذ بداية المرحلة السابقة بدأت الخطابة الحسينية تتجه نحو العمق الفكري والممارسة السياسية كما كانت على عهدها الأول في مرحلة الإنشاء"، ومن روادها السيد صالح الحلي (ت 1359هـ)، وخطيب ثورة العشرين بالضد من الاستعمار البريطاني للعراق في العام 1920م، الشيخ محسن أبو الحب الصغير (ت 1369هـ)، والشيخ أحمد الكافي (ت 1398هـ) في ايران، الذي استخدم المنبر لمهاجمة سياسة نظام الشاه الذي فتح الباب أمام التيارات العقائدية والفكرية المضادة للإٍسلام.

والمرحلة السابعة والأخيرة، فهي مرحلة مستقبلية: "يفرضها التطور العام في كل مرافق الحياة والتي لابد وأن تلبي حاجة المجتمعات المختلفة والشرائح المتنوعة من كافة طبقات الناس"، ويأمل المصنف أن يتحول مشروع الخطابة الى مؤسسة عالمية تتحقق فيه عناصر: التخصص والإقناع العلمي والتطبيق العملي، واللغة، والوسائل الحديثة.

وحتى يُعجم الحروف المهملة بالنقاط، فان المصنف وضع برنامجا لتأسيس نقابة عالمية للخطباء والمبلغين تقوم على عاتقها بمأسَسَة الخطابة، ورعاية الخطباء في حياتهم وبعدها، مهد له بعدد من الاجتماعات المستفيضة مع عدد من رواد المنبر الحسيني من جنسيات مختلفة، جرت في لندن، وقفت عليها ودونت محاضرها، ولو شاء للبرنامج أن يأخذ طريقه الى محيط التطبيق، لشهدنا نقلة نوعية في عالم الإرشاد والتبليغ الاسلامي.

ويتطرق المصنف في عناوين مختلفة الى: "التفنن في الخطابة" بحيث يكون الخطيب مفوها يجذب اليه قلوب الناس وعقولهم. ويتحدث عن: "الخطابة ودورها الإعلامي" مشيرا الى الإعلام في العصر اليوناني ودور أفلاطون (Platon) (427-347 ق.م) وسقراط (Socrates) (470-399 ق.م)، ومن ثم دور العرب في سوق عكاظ، ودور الخطابة في العهد الاسلامي وفي أوروبا القديمة والحديثة. ويستفيض المصنف في بيان نشأة وسائل الإعلام والمخاطبة من إذاعة وتلفزيون وقنوات فضائية. ويشير الى: "دور الخطباء في التبشير" وفاعليتهم في تبصير الناس حول حقيقة الإسلام وأهل بيت النبوة، مشيرا الى ما تركته مجالس الإرشاد الحسينية من تأثير بين العشائر العراقية السنية والشيعية. ويتحدث عن: "مسؤولية الخطيب وموقعه"، وما ينبغي عليه من قوله للناس. ويتحدث عن: "مكانة الخطيب"، التي ينبغي أن لا تضيع بعدم مراعاة الخطيب لمجلسه الخطابي ومستمعيه. ويتحدث عن: "أصناف الخطباء"، فيقسمهم الى: الخطيب المثالي، والخطيب المأجور، والخطيب المرائي، والخطيب المهني، والخطيب التبركي (من البركة)، واضعا بعض الأسس في كيفية: "التعامل مع الخطيب". ويتحدث عن: "المخاطَب" الذي يرتاد مجلس الخطابة، فهو إما: عالم رباني أو رجل متعلم، أو امرؤ معتاد، أو إنسان مغرور، أو شخص ناقد. ويتحدث عن: "الأجواء الخطابية" التي تقام فيها مجالس الخطابة، وهي إما: مناخ طبيعي تتوفر فيه الحرية والأمن، أو مناخ تعسفي تخلو من الحريات، أو مناخ مقيد، أو مناخ استثنائي تفرضها الأزمات، أو مناخ أجنبي خارج دائرة العالم الاسلامي، حيث ينبغي على الخطيب مراعاة الجو العام في كل بلد من هذه البلدان. ويتطرق الى: "المادة الخطابية" بوصفها من أركان الخطابة، حيث يعتبر القرآن الكريم، المادة الأولى للخطيب المسلم، تليها السنة الشريفة، ومن ثم الحوادث الواقعة، وسيرة الأنبياء والأئمة والأولياء، وأخيرا الأدب. ويتحدث عن العلاقة بين: "العلم والخطابة"، منتقدا الفوارق التي أوجدها البعض بين الخطيب والعالم، على أنهما صنفان، مع أنهما يمتحان من مصادر مشتركة.

وفي عناوين مستقلة، يتحدث المصنف عن: "الخطيب الحسيني" و"مواصفات الخطيب الحسيني" التي تدور في فلك المؤهلات الجسمية والنفسية والممارسة العملية والتحصيل العلمي، ويشدد المصنف على أن تكون اللغة العربية هي الأساس في التعليم والتعلم، ليكون الخطيب من أية لغة كانت، قادرا على تطويع اللغة العربية في خطاباته، لاستئناس المستمعين للنصوص بلغتها الأم، ومن جملة المواصفات: الإيمان والعمل والتقوى والإخلاص والأسلوب والأخلاق والصفاء والتواضع والأمانة والصبر والشجاعة. كما تحدث في: "الخطيب ومرادفاته" عن مرادفات كلمة الخطيب، من قبيل الواعظ والمرشد والذاكر والمبلّغ والمدّاح، وغيرها.

ورأى الشيخ الكرباسي في: "نوعية الخطابة" على خلاف ما يرى الخطيب الراحل الدكتور أحمد الوائلي (1927-2003م)، إن السياسة هي من صلب الخطيب والخطابة ولا مجال: "لإبعاد السياسة عن المنبر الحسيني بحجة أن السياسة لابد لها من اختصاص وهذا خارج عن اختصاص الخطباء"، ذلك: "إن حكم السياسة حكم سائر العلوم التي لابد للخطيب أن يكتسبها حتى يمكنه توعية الناس سياسيا فيما اذا احتاجت الأمة الى ذلك" ويؤيده القاضي المبارك في ذلك، حيث: "بدأ المنبر الحسيني سياسيا حين استخدمه الامام الحسين (ع) والسيدة زينب (ع) وسيبقى يحافظ على نمطه ما وجد في ذلك ضرورة".

وتحت عنوان "الوسائل التطبيقية"، يشير الكتاب الى مجموعة وسائل تطبيقية ذكرها الخطيب والباحث الاميركي ديل كارنيجي (Dale Carnegie) (1988-1955م)، في كتابه (الخطابة)، مع ذكر توصيات عدد من المختصين في مجال فن الخطابة.

وحتى يتكامل موضوع الخطابة، فان المصنف فصّل القول في زي الخطيب، وشفّعه بصور توضيحية. وشدّد في: "لغة الخطيب" على أن تكون اللغة العربية هي المحور، بخاصة في نقل الآيات القرآنية، إذ أن الترجمة لا تفي بالغرض، لان القرآن فيه ظاهر وباطن وتفسير وتأويل، وكذا الحال مع الأحاديث الشريفة.

وأفرد المصنف في: "آراء حول الخطابة والخطيب" مجموعة من أقوال المختصين حول موضوع الخطابة الحسينية، باعتبار أن التبليغ والإرشاد من عمل الأنبياء والرسل، وبلحاظ: "أن الخطابة الباب المشرع لدخول القلوب والعقول" كما يؤكد المعد. ويعدّد المصنف في: "إحياء المجالس الحسينية" الأيام والمناسبات التي اعتاد المؤمنون فيها إقامة مجالس الخطابة، ناهيك عن شهري محرم وصفر. ويقسم في: "طبقات الخطباء" درجات الخطباء بلحاظ قربهم وبعدهم من فن الخطابة وأصولها، الى ثلاث درجات: الطبقة المتقدمة ويشكلون حسب إحصائيات المصنف نحو 10 في المائة، والطبقة المتوسطة، ويشكلون نحو 75 في المائة، والطبقة البدائية، ويشكلون نحو 15 في المائة. والى جانب هذه الطبقات الثلاث من الخطباء، هناك: "المنشد والرادود. وينقل المصنف في: "شكوى"، وهو العنوان الأخير من عناوين الكتاب، شكوى طبقات من المجتمعات من أداء عدد من الخطباء الذين يسيئون استخدام أعواد المنبر، وابتعادهم عن مواكبة تطورات الحياة، وعدم مراعاتهم لاحتياجات المحيط الاجتماعي الذي يعملون فيه.

والكتاب في حقيقة الأمر، يصلح على ما فيه من تفاصيل وتفريعات، أن يكون منهاج دراسة وعمل للخطابة والتبليغ والإرشاد في المعاهد العلمية والدينية وكليات الشريعة.

* إعلامي وباحث عراقي

الرأي الآخر للدراسات – لندن

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك