تطرق الناطق الرسمي باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أبو عبيدة، الى مفردة "العقد الثامن"، في خطابه الأخير، فيما أكد أن "زمن أسطورة الجيش الذي لا يُقهر قد ولّى، وإن المعركة الحالية ستكون فاصلة في تاريخ الأمة".
وقال أن زمن انكسار الصهيونية قد بدأ، ولعنة العقد الثامن ستحل عليهم وليرجعوا إلى توراتهم وتلمودهم ليقرؤوا ذلك جيداً ولينتظروا أوان ذلّتهم بفارغ الصبر". وهو ما دفع عدداً كبيراً إلى التساؤل حول النبوءة التي تتحدث عن لعنة العقد الثامن.
وأضاف أبو عبيدة، في خطابه، أنه في قلب التقاليد اليهودية تحظى نبوءة تلمودية عمرها قرون بمكانة خاصة من التبجيل والاهتمام؛ إذ تحذر النبوءة من لعنة العقد الثامن على الدولة اليهودية، ولطالما كان لهذه النبوءة المثيرة للاهتمام تأثير عميق على ساسة وحاخامات إسرائيل.. يتعمق هذا المقال في أصول النبوة التلمودية وتأثيرها على قادة إسرائيل.
لعنة العقد الثامن وإسرائيل
حسب موقع "mizrachi" الإسرائيلي، تقول إحدى النبوءات الموجودة بالعهد القديم إن سقوط إسرائيل له أسباب داخلية، والتي تنتج عن صراعات بين القبائل الإسرائيلية، في النهاية سيفعل الله ما فعله في مملكة الملك سليمان التي انهارت. وكانت هذه النبوءة محور خطاب الإسرائيليين مع وصول إسرائيل إلى عقدها الثامن، بالتزامن من تزايد حدة الخلافات والانقسام الداخلي.
وخلال السنوات الأخيرة بدأ يكثر ذكر نبوءة العقد الثامن، خاصة مع وصول نظام الاحتلال إلى 75 عاماً؛ ما دفع إلى تداول موضوع النبوءة هذه بكثرة في الأوساط السياسية والدينية والثقافية الإسرائيلية، إذ عبَّر العديد من السياسيين الإسرائيليين عن قلقهم البالغ بشأن مستقبل إسرائيل مع قرب دخولها العقد الثامن.
من بين الأوائل الذين تحدثوا عن لعنة العقد الثامن واستحضروه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي ادعى قبل 6 سنوات أن بقاءه رئيساً للوزراء هو الضمان الوحيد لاستمرارية إسرائيل بعد عقدها الثامن وما يزيد على قرن، على خلاف الحال مع ممالك إسرائيل التاريخية السابقة.
ثم جاءت كلمة نفتالي بينيت، رئيس وزراء إسرائيل السابق، في حملته الانتخابية لعام 2020، والتي ردد فيها المشاعر نفسها، وحث الناخبين اليهود على الوقوف خلف الائتلاف الذي يقوده، من أجل التغلب على لعنة العقد الثامن.
بالإضافة إلى نتنياهو ونفتالي، أعرب رئيس الوزراء الأسبق "إيهود باراك" عن نفس المخاوف التي تندد بقرب زوال إسرائيل قبل حلول عقدها الثامن، مستشهداً بالتاريخ اليهودي الذي يقضي بأنه لم تقُم لليهود دولة أكثر من 80 سنة.
عقدة 80 سنة والتجارب التاريخية
بالعودة إلى تاريخ إسرائيل والتاريخ اليهودي نجد تحليلاً مثيراً للاهتمام عن مدى استدامة دولة إسرائيل على مرّ التاريخ. فحسب نفس المصدر، قال إيهود باراك، الذي شغل مناصب وزير الأمن ورئيس الوزراء الإسرائيلي سابقاً، إنه على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين تمثلت في فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم.
مملكة داود القديمة:
مملكة إسرائيل الموحدة هو اسم أطلقه مؤرخو التناخ/العهد القديم، استناداً على ما ورد فيه، على مملكة شاول، داود وسليمان التي توصف في سفري صموئيل الأول والثاني كاتحاد لأسباط بني إسرائيل.
ويفرق مؤرخو العهد القديم بين مملكة إسرائيل الموحدة ومملكة إسرائيل الشمالية، أو مملكة إفرايم، التي انفصلت عنها في فترة لاحقة. ومن تحليل نصوص السفرين، يقدر معظم مؤرخي العهد القديم تبعأً لما ورد فيه فترة وجود مملكة إسرائيل الموحدة بأكثر من 100 عام، أي منذ سنة 1050 قبل الميلاد وحتى سنة 930 قبل الميلاد تقريباً فيما تشير كتب تاريخية إلى أنها لم تتجاوز 81 سنة.
اسم "مملكة داود القديمة" لا يدل على دولة إسرائيل الموجودة حالياً في الشرق الأوسط، غير أن اليهود المعاصرين ينسبون أنفسهم إلى أبناء مملكة يهوذا الجنوبية التي انفصلت عن مملكة إسرائيل الموحدة، ويرى معظمهم أحداث هذه المملكة التاريخية جزءاً من التاريخ الأزلي للشعب اليهودي ودولة إسرائيل، كما يتم تدريس ذلك في مناهجهم الدراسية. وهذا هو أحد أسباب اختيار اسم "إسرائيل" للدولة اليهودية عند تأسيسها عام 1948.
مملكة الحشمونائيم:
مملكة الحشمونائيم، كانت السلالة الحشمونية الحاكمة في يهودا بين عامَي 37 قبل الميلاد و140 قبل الميلاد خلال العصور القديمة، وانتهت مملكة الحشمونائيم بعد غزو الإمبراطورية الرومانية لها.
واستمرت مملكة الحشمونائيم لمدة 77 عاماً كمملكة موحدة وذات سيادة.
وتفككت هذه المملكة في العقد الثامن من عمرها بسبب الاقتتال الداخلي.
المشروع الصهيوني:
باراك يصف المشروع الصهيوني بأنه المحاولة الثالثة في التاريخ، حيث يتحدث عن تجاهل صارخ لتحذيرات التلمود والكراهية المجانية.
الانقسامات الداخلية وبداية الخطر
في ظل الأحداث الجارية في إسرائيل وتهديداتها المستمرة من الخارج، يبدو أن باراك حذَّر من الانقسام الداخلي كخطر رئيسي يهدد استقرار الدولة الإسرائيلية. إن هذا الانقسام الداخلي يظهر بوضوح قائم حتى قبل العوامل الخارجية المهمة مثل التهديدات الفلسطينية والتدخلات الإيرانية ووكلائها في المنطقة.
إسرائيل، كونها كياناً متعدد الثقافات والأعراق، تحمل تحديات كبيرة للحفاظ على وحدتها. يتجلى ذلك في تنوعها العرقي والثقافي، واختلاف الانتماءات والأيديولوجيات بين مواطنيها. حتى الديانة اليهودية، التي تجمع معظمهم تحت لوائها، لا تمكن بذاتها من بناء وحدة صلبة. بالعكس، هناك توترات دينية داخلية قد تشكل تهديداً خطيراً يمكن أن يؤدي إلى نشوب حروب دينية داخلية تهدد بتدمير إسرائيل نفسها.
هذه التوترات الداخلية دفعت رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت في عام 2021 إلى التأكيد على أهمية تجنب الانهيار الداخلي، حيث وصف الانفجار الداخلي بأنه "أخطر ما يواجه إسرائيل". وأضاف أن الخطر الرئيسي يكمن في التفكك الداخلي، وبالتالي، في خطر اندثار الدولة نفسها، تاركاً وراءه تاريخ مملكات يهودية سابقة اندثرت بسبب الانقسامات الداخلية.
وإلى جانب هذا الخطر، فإن التنافس السياسي والديني الحاد الذي أدى إلى سقوط حكومة بينيت وتولي حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة الحكم، زاد من حدة الانقسام والتمزق الداخلي. وقد جعل هذا التوتر إسرائيل أقرب من أي وقت مضى إلى خطر التفكك الوطني، الذي دمر الدولتين اليهوديتين المستقلتين في السابق وتسبب في تكرار السيادة اليهودية للمرة الثالثة.
من المهم أن ندرك أن هذا الانقسام الداخلي يمكن أن يكون أخطر تهديد لاستقرار إسرائيل على المدى البعيد. لذا، يجب على القادة الإسرائيليين العمل بحذر لتجنب تفاقم هذا الخطر والبحث عن وسائل لتعزيز التوحيد وتعزيز الاستقرار الداخلي.
https://telegram.me/buratha