عادل الجبوري ||
مر عام كامل على تكليف محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة العراقية الثامنة بعد الإطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، ولم تتعد الفترة الزمنية المحصورة بين التكليف والتشكيل، والحصول على ثقة مجلس النواب، الثلاثة أسابيع، رغم ما شهدته مرحلة ما بعد انتخابات العاشر من شهر تشرين الأول- أكتوبر 2021 من تجاذبات واحتقانات وصراعات كادت أن توصل الأمور إلى طريق مسدود، لولا التقدير العقلاني والحكيم لبعض القوى والشخصيات السياسية الرئيسية والفاعلة والمؤثرة في العملية السياسية.
جاء السوداني للمنصب التنفيذي الأول ببرنامج حكومي شامل وناضج وفيه أولويات واضحة، عكست إلى حد كبير مقتضيات الواقع ومتطلباته. في الوقت ذاته، جاء وهو معزز بثقل برلماني كبير، ودعم وإجماع سياسي واسع من قبل مختلف المكونات، فضلا عن غياب وانكفاء المعارضة عن الميدانين السياسي والشعبي، وتأكيدها إعطاء فرصة للحكومة الجديدة لكي تثبت مدى كفاءاتها وقدرتها وجديتها في تنفيذ البرنامج الحكومي الخاص بها، وبالتالي الإيفاء بالوعود والعهود التي قطعتها على نفسها.
ومنذ البداية حدد السوداني، العارف بكل خبايا الأمور في منظومات الدولة ومفاصلها المختلفة، بحكم المناصب والمواقع التنفيذية والتشريعية التي تصدى لها وشغلها طيلة ثمانية عشر عاما، حدد منذ البداية أولوياته المتمثلة بمحاربة الفساد، وتحسين الخدمات في مختلف المجالات والمستويات، والنهوض بالقطاعات الزراعية والصناعية المختلفة، وتهيئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات المحلية في أسرع وقت ممكن.
ولعل ما اختلف فيه السوداني عن رؤساء الحكومات الذين سبقوه في المنصب وكذلك وزراء حكومته هو النزول الميداني المبكر والسريع إلى الشارع، واتخاذه خطوات وإجراءات عملية لمعالجة السلبيات ومكامن القصور والتقصير في قطاعات الصحة والتربية والتعليم والرعاية الاجتماعية والإسكان والزراعة والصناعة والاستثمار، وفتحه لملفات الفساد في المستويات العليا، عبر تفعيل عمل هيئة النزاهة وإخراجها من قوالب الرتابة والروتين وبيروقراطية وفساد المؤسسات المختلفة.
فضلا عن ذلك كله، فإن الحراك السياسي والدبلوماسي على المحيط الإقليمي والفضاء الدولي، بد محسوبا ومدروسا بعناية ودقة، ومتساوقا ومنسجما مع أولويات ومفردات البرنامج الحكومي، ومع طبيعة تفاعلات الوقائع والأحداث الإقليمية والدولية، بعيدا عن الاستعراضات الإعلامية والتسويق السياسي السطحي، وقد تجلى ذلك واضحا في الزيارات والجولات التي قام بها السوداني لكل من الكويت والسعودية وإيران والأردن وسوريا والإمارات وقطر وروسيا وألمانيا وفرنسا ودول أخرى، إلى جانب الانخراط الفاعل والمؤثر في المصالحات والتسويات الإقليمية، وفي دعم ومساندة القضايا الحقة والعادلة، من قبيل نضال الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه وكرامته وأرضه.
ولا شك ان مجمل الارقام والحقائق والمعطيات تؤشر الى ان السوداني وفريقه الحكومي، حقق نجاح ملحوظ وملفت خلال العام الاول من مهمته، بشكل فاق الى حد كبير ما تحقق على ايدي اسلافه، مع الاخذ بنظر الاعتبار اختلاف الاحوال والظروف، والمصاعب والتحديات.
وتشير بعض الاستبيانات إلى أن أكثر من 80 % من ابناء الشعب العراقي راضين عن أداء حكومة السوداني، ويعتقدون أنها عملت بصورة صحيحة خلال عامها الاول، ويرون ضرورة استمرارها وإكمالها المدة الدستورية. في ذات الوقت، تذهب نخب سياسية وأكاديمية الى أن أحد أبرز عوامل نجاح السوداني في مهمته الصعبة والمعقدة يتمثل بعدم خضوعه لإرادات القوى السياسية التي غالبا ما تضع مصالحها وحساباتها الخاصة قبل المصالح الوطنية العامة. وأكثر من ذلك، تشدد تلك النخب على أن النجاح في محاربة الفساد وإصلاح الخدمات يقترن بإخراج مفاصل الدولة ــ ولا سيما المعنية بهذه الجوانب ــ من سطوة الأحزاب والقوى السياسية المتنفذة. ولعل السوداني تحدث حول هذا الجانب بوضوح وصراحة في مناسبات عديدة.
ومن هنا، فإن التعاطي الإيجابي الخارجي إقليمي ودوليا تعزز بالمواقف والتوجهات الإيجابية الداخلية، فمضافا إلى تصريحات العديد من الساسة والمسؤولين الغربيين وتحديدا الأوربيين بشأن التعاون والتنسيق مع الحكومة العراقية برئاسة السوداني، فإن الرؤية الإيجابية والملاحظات الموضوعية للمبعوثة الأممية جينا بسخارت في إحاطاتها الدورية خلال هذا العام، التي قدمتها إلى مجلس الأمن الدولي عن مجمل الوضع العراقي، مثلت إشارات مهمة مقارنة بما كانت تتحدث به وتطرحه سابقا.
الى جانب ذلك، فان الرؤية الشعبية الإيجابية حيال حكومة السوداني، دعمتها وعززتها رؤية سياسية إيجابية من قبل معظم إن لم يكن جميع قوى ائتلاف إدارة الدولة المتشكل من الإطار التنسيقي الشيعي وتحالف السيادة السني والأحزاب الكردية الرئيسة، إلى جانب قوى أخرى صغيرة، وإن كان هناك نوع من الامتعاض من جانب البعض تجاه قسم من اجراءات وقرارات السوداني.
وإذا كانت قوى الإطار التنسيقي تحرص على نجاح الحكومة الحالية وإنجاحها، انطلاقا من أنها ولدت من رحم الإطار نفسه، وأنها تبنت مجمل رؤاه وتوجهاته في برنامجها الوزاري، فإن قوى المكون السني، سواء تلك المنضوية تحت مظلة تحالف السيادة (الحلبوسي- الخنجر)، أو التي بقيت خارجه من قوى سياسية وفعاليات عشائرية ومجتمعية فعالة ومؤثرة، ترى في وجود السوداني واستمراره في النهج الذي سار عليه أمرا إيجابيا ينبغي دعمه وإسناده.
وفي مقابل النجاحات والانجازات، فأنه كانت ــ ومازالت ــ هناك تحديات واجهت وتواجه السوداني، من بينها، الوجود الأميركي، وكيفية التعاطي مع ذلك الملف الشائك والمعقد، والذي يمكن أن يفتح أبواب التأزيم على مصاريعها في أي وقت، إذا لم يُصاَر إلى حسمه بطريقة واقعية ومُرضية ووفقاً للإرادات السياسية والشعبية، التي بلورتها جملة من الحقائق والمعطيات خلال الأعوام الثلاثة او الاربعة الماضية، وتحديداً منذ عملية اغتيال الشهيدين، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، قرب مطار بغداد الدولي، في الثالث من شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2020.
في حين يتمثل التحدي الآخر بالتيار الصدري، الذي وصفه البعض بـ"المعارضة الصامتة" منذ ان انسحب نوابه الـ73 من البرلمان، وأعلن زعيمه السيد مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي صيف العام الماضي وإفساحه الطريق أمام الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة وفق رؤيته، بالتحالف مع الشركاء السنة والأكراد. وحتى الآن، تشير المعطيات إلى أن السيد الصدر راضٍ بقدر ما عن أداء حكومة السوداني، وليس في نيته وضع العراقيل في طريقها، بيد أن تأييد الصدر الضمني لن يكون مفتوحاً، وهو قادر في أي وقت على تحريك الشارع عندما يرى ذلك ضرورياً وملحّاً، لاسيما وان قرار الصدر بعدم المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها في الثامن عشر من شهر كانون الاول/ ديسمبر المقبل، يبعث على قلق معظم القوى والنخب السياسية.
وبقدر ما يكون السوداني جادا وحازما في حسم ملف انهاء التواجد الاميركي، فأنه سيكون قريبا من الصدر وتياره، ومنسجما مع توجهاته في هذا الجانب، وهي ذات التوجهات التي تبنتها قوى الاطار التنسيقي وفصائل المقاومة.
وثمة تحديات اخرى لا يمكن بأي حال من الاحوال التغافل عنها او القفز عليها، وهي ترتبط بأوضاع اقليم كردستان العراق، وتواجد جماعات مسلحة خارجية فيه، وترتبط بملفات اقتصادية حساسة، من قبيل موارد العراق المالية وكيفية التحكم بها وادارتها بعيدا عن تحكم وسطوة واشنطن، وترتبط ايضا بالتفاعلات الاقليمية، وتحديدا، معركة "طوفان الاقصى"، وما يمكن ان تفضي اليه وتفرزه فيما لو استمرت وتوسعت زمانيا ومكانيا.
وفي الاطار العام إن نجاحات السوداني خلال عام، رسمت معالم وملامح المسار العام لحكومته، فضلا عن ذلك، التحديات التي تواجهه، تمثل اختبارا اخر لا بد من اجتيازه حتى تكتمل صورة النجاحات ولا تعرقلها او تبددها تلك التحديات.
وفي مقابل النجاحات والإنجازات، كانت وما زالت هناك تحديات واجهت وتواجه السوداني، من بينها، الوجود الأميركي، وكيفية التعاطي مع ذلك الملف الشائك والمعقد، والذي يمكن أن يفتح أبواب التأزيم على مصاريعها في أي وقت، إذا لم يصر إلى حسمه بطريقة واقعية ومرضية ووفقا للإرادات السياسية والشعبية، التي بلورتها جملة من الحقائق والمعطيات خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة الماضية، وتحديدا منذ عملية اغتيال الشهيدين، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، قرب مطار بغداد الدولي، في الثالث من شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2020.
في حين يتمثل التحدي الآخر بالتيار الصدري، الذي وصفه البعض بـ "المعارضة الصامتة" منذ أن انسحب نوابه الـ73 من البرلمان، وأعلن زعيمه السيد مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي صيف العام الماضي وإفساحه الطريق أمام الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة وفق رؤيته، بالتحالف مع الشركاء السنة والأكراد. وحتى الآن، تشير المعطيات إلى أن السيد الصدر راض بقدر ما عن أداء حكومة السوداني، وليس في نيته وضع العراقيل في طريقها، بيد أن تأييد الصدر الضمني لن يكون مفتوحا، وهو قادر في أي وقت على تحريك الشارع عندما يرى ذلك ضروريا وملحا، لا سيما وان قرار الصدر بعدم المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها في الثامن عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، يبعث على قلق معظم القوى والنخب السياسية.
وبقدر ما يكون السوداني جادا وحازما في حسم ملف إنهاء التواجد الأميركي، فأنه سيكون قريبا من الصدر وتياره، ومنسجما مع توجهاته في هذا الجانب، وهي ذات التوجهات التي تبنتها قوى الإطار التنسيقي وفصائل المقاومة.
وثمة تحديات أخرى لا يمكن بأي حال من الأحوال التغافل عنها أو القفز عليها، وهي ترتبط بأوضاع إقليم كردستان العراق، وتواجد جماعات مسلحة خارجية فيه، وترتبط بملفات اقتصادية حساسة، من قبيل موارد العراق المالية وكيفية التحكم بها وإدارتها بعيدا عن تحكم وسطوة واشنطن، وترتبط أيضا بالتفاعلات الإقليمية، وتحديدا، معركة "طوفان الأقصى"، وما يمكن أن تفضي إليه وتفرزه فيما لو استمرت وتوسعت زمانيا ومكانيا.
في الإطار العام إن نجاحات السوداني خلال عام، رسمت معالم وملامح المسار العام لحكومته، فضلا عن ذلك، التحديات التي تواجهه، تمثل اختبارا آخر لا بد من اجتيازه حتى تكتمل صورة النجاحات ولا تعرقلها أو تبددها تلك التحديات.
ــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha