عادل الجبوري ||
مع مرور الوقت، تتضح وتتجلى المزيد من الدلائل والمؤشرات والمعطيات عن التداعيات والآثار الكارثية للحروب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية ضد دول وشعوب مختلفة، لا سيما خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلى الحد الذي جعل أوساط ومحافل سياسية وثقافية وأكاديمية ووسائل إعلام أميركية تميط اللثام عن جوانب خطيرة من الانعكاسات والآثار السلبية التي تجاوزت الشعوب المستهدفة، وامتدت إلى المجتمع الأميركي نفسه.
وفي هذا السياق، تحدثت صحيفة "ذي هيل" الأميركية الواسعة الانتشار في تقرير مفصل لها نشرته مؤخرًا، عما سببته حربا أميركا ضد العراق وأفغانستان من مشاكل وأزمات داخل صفوف الجيش الأميركي، أدت إلى تراجع كبير في أعداد الراغبين بالانخراط فيه.
وتقول الصحيفة إن "الحروب الكارثية للجيش الأميركي في العراق وأفغانستان أدت إلى زعزعة ثقة الناس بقيادات الجيش، وقد يكون الجيل الحالي الذي نشأ وسط الأزمة المالية وتداعيات وباء كورونا أصبح أكثر تجنبًا للمخاطر، لكن الأهم من ذلك أن 77% من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و24 عامًا غير مؤهلين للخدمة العسكرية بسبب عدم اللياقة البدنية والعقلية أو تعاطي المخدرات أو نقص التعليم".
وتؤكد الصحيفة أن "الجيش الأميركي يعيش أزمة غير مسبوقة في إعداد المتطوعين، مما يتسبب بتقليصه، حيث تبدو الخدمة العسكرية عاجزة عن الحفاظ على مستوى القوات الحالي، فضلا عن زيادته". وأشارت "ذي هيل" في تقريرها إلى أن "مخططي الجيش الأميركي دعوا الى زيادة القوات بمقدار 485 الف عسكري بحلول نهاية عام 2023، بيد انه وبسبب نقص التجنيد وعزوف الشباب عن التطوع خفض الكونجرس الرقم الى 330 الف عنصر فقط على الرغم من حقيقة ان الجيش لن يصل الى هذا الرقم ابدا هذا العام".
وحتى المغريات والمحفزات والوعود التي تطلقها المؤسسات الحاكمة في واشنطن لم تجدِ نفعًا في تلافي الأزمة ولو بصورة جزئية، حيث -وبحسب الصحيفة- هناك مجموعة من العوامل أدت إلى هذه الأزمة "ذلك أن مكافآت التجنيد الأعلى، والوعود بسداد ديون الدراسة، لم تعد تحظى بجاذبية بين مجاميع الشباب الأميركي غير المهتمين بالخدمة العسكرية والمتحمسين لاستكشاف فرص العمل في سوق العمل الضيق".
وتزيد القصص التي تتناقلها وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي عن المشاكل والأمراض النفسية التي يعانيها الكثير ممن شاركوا في الحروب السابقة، من تردد الشباب الأميركي في الانخراط بصفوف الجيش.
ليس هذا فحسب، بل إن الكثير من الأميركيين يرون أن الحروب التي شنها جيش بلادهم، لم تكن حروبًا عادلة، وأنها خلفت كوارث ومآسي لا مثيل لها، وفاقمت مشاعر العداء على الصعيد العالمي للولايات المتحدة الأميركية، ناهيك عن تراجع موقعها ونفوذها الدولي.
وفي واقع الأمر عجزت الإدارات الأميركية المتعاقبة عن محو أو تحسين الصورة السلبية التي ارتسمت لدى ملايين الناس، وخصوصًا لدى الشعوب التي تضررت كثيرا من الحروب العدوانية العبثية لواشنطن، مثل الشعب العراقي، الذي لا يمكن له أن ينسى جرائم التعذيب من قبل الجيش الاميركي في سجن ابو غريب، ولا جريمة شركة بلاك ووتر الامنية، وغيرها الكثير، ولا يمكن له أن يتجاهل حقيقة أن التنظيمات الارهابية التكفيرية كـ"القاعدة" و"داعش"، استباحت البلاد والعباد وارتكبت أبشع الجرائم تحت مرأى ومسمع الجيش الاميركي الذي كان يحتل العراق ويتحكم بكل شيء فيه.
ومما يعزز حقيقة تخبط المؤسسة العسكرية الاميركية، ما يردده العديد من الأوساط السياسية والاعلامية هناك من "ان الجيش الامريكي الآن في وتيرة عملياتية أعلى مما كان عليه في ذروة ما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب"، وانه "من دون إحداث تغييرات كبيرة في هيكل قواته أو مهامه، قد يصل الى نقطة الانهيار، على الرغم من أن أميركا ليست في حالة حرب".
وتتوازى الارتباكات والاضطرابات في الجيش الاميركي مع ارتباكات واضطرابات مجتمعية عنيفة تعصف بالمجتمع الاميركي، وانحسار في شعبية الولايات المتحدة حتى لدى اصدقائها وحلفائها، وتراجع مكانتها العالمية في ظل صعود وتنامي نفوذ وتأثير منافسيها وخصومها الكبار في الساحة العالمية.
كل هذا في ظل بروز ما كان خافيًا وغير مرصود، بدرجة أكبر من كوارث وويلات حروبها العدوانية الظالمة ضد العراق وغيره من البلدان.
ـــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha