عادل الجبوري ||
تتداول أوساط ومحافل سياسية عراقية مختلفة معلومات عن زيارة قريبة مرتقبة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان للعراق، وتتحدث بعض المصادر الخاصة عن أن الاستعدادات والتحضيرات للزيارة تجري على قدم وساق في كل من بغداد وأنقرة، وأن مكتب رئيس الوزراء العراقي ووزارة الخارجية العراقية على تواصل دائم مع الجهات المعنية في أنقرة لوضع برنامج مناسب وعملي للزيارة، التي ربما ستكون سريعة وببرنامح مكثف.
وفيما لو تمت زيارة أردوغان خلال وقت قريب، فإنها ستأتي متزامنة مع ارتباكات واضحة في العلاقات العراقية - التركية، ارتباطًا بجملة ملفات وقضايا خلافية عالقة، لعل من بينها -أو أبرزها- ملف المياه، الذي بات يؤرق العراق كثيرًا في ظل النقص الحاد في الكميات الواردة عبر نهري دجلة والفرات، وفي ظل فصل الصيف اللاهب وارتفاع معدلات الاحتباس الحراري في عموم العالم، وكذلك ملف التواجد العسكري التركي في شمال العراق، والأزمة المزمنة مع حزب العمال الكردستاني التركي المعارض (PKK)، الذي هو الآخر أصبح يمتلك تواجدًا كبيرًا في مدن ومناطق مختلفة من اقليم كردستان العراق وحتى خارجه.
وطيلة الشهور القلائل الماضية، لم يتوقف قصف سلاح الطيران التركي لعدد من المدن والقصبات العراقية الحدودية ضمن اقليم كردستان بشمال العراق، وقد خلف ذلك القصف المتواصل خسائر بشرية ومادية غير قليلة، وأربك الأوضاع الحياتية لأعداد لا يستهان بها من المواطنين العراقيين الأكراد، حتى أنه أرغم البعض منهم على الهجرة والنزوح الى أماكن أخرى أكثر أمانًا وهدوءًا وبعدًا عن مرمى نيران الجيش التركي.
وكالمعتاد، تبرر تركيا عملياتها العسكرية في الأراضي العراقية بملاحقة خلايا وتشكيلات حزب الـPKK، وقد تزامنت عمليات القصف التركي مع اجراءات أخرى، من قبيل تعليق رحلات الخطوط الجوية التركية من والى مطار السليمانية الدولي، بحجة استخدامه في تحركات بعض من قيادات حزب العمال وحركات أخرى قريبة منه، مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في إشارة إلى الزيارة التي قام بها قائد (قسد) مظلوم عبدي الى السليمانية بتنسيق مع رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل الطالباني مطلع شهر نيسان-ابريل الماضي، حيث تعرض عبدي في حينه لمحاولة اغتيال قرب المطار.
ومعروف أن أنقرة في تعاطيها مع مجمل الملف العراقي تلعب على التناقضات السياسية بين الفرقاء، سواء في بغداد أو في إقليم كردستان، وتراهن على ضعف الحكومات الاتحادية المتعاقبة، وصمت الولايات المتحدة الأميركية والقوى الكبرى حيال مجمل سياساتها ومواقفها، لاعتبارات مصلحية تتجاوز الحالة العراقية، وبالتالي فإنها لا تعير كثيراً من الاهتمام لاعتراضات بغداد الرسمية والشعبية منها.
في ذات الوقت، فإن هناك مصالح سياسية واقتصادية متشابكة بين انقرة وبغداد، تخطئ أنقرة كثيرًا حين تفرط أو تزهد بها، كما أن علاقاتها ومصالحها الإقليمية، بل وحتى الدولية، قد لا تتيح لها فعل ما تريده وحدها، بعيداً عن حسابات الآخرين ومصالحهم، ناهيك عن أن المراهنة على خلافات واختلافات الفرقاء الكرد في الإقليم، وعموم الفرقاء العراقيين، قد تأتي بنتائج إيجابية مرحلية لأنقرة، بيد أن الأمور على المدى البعيد ربما ستكون مختلفة، وخصوصاً أن المشهد السياسي العراقي مشهد فضفاض وخاضع للكثير من المتغيرات والتحولات السريعة والمفاجئة في المعادلات والمواقف والاصطفافات والمصالح.
وحتى اللعب بورقة المياه، فإنه قد يكون نافعًا لها في أوقات معينة، بيد أنه على المدى البعيد لن يكون كذلك، فهي على امتداد العقود الثلاثة أو الأربعة المنصرمة، أنشأت مشاريع استراتيجية كبرى، زراعية وصناعية، للاستفادة إلى أقصى قدر ممكن من مياه نهري دجلة والفرات على حساب كل من العراق وسوريا، وهو ما أوجد أو عمّق أزمة المياه في العراق تحديدًا، اذ استغلت تركيا الأوضاع والظروف الاستثنائية التي عاشها العراق بفعل الحروب والصراعات الداخلية والخارجية، ومن ثم الغزو والاحتلال الأميركي للبلاد، وبروز ظاهرة الإرهاب التكفيري فيه، لتحقق مكاسب وامتيازات أكثر وأكبر مما تستحقه.
ويرى الكثيرون أنه من الخطأ النظر إلى سياسات تركيا المائية وتأثيراتها وانعكاساتها السلبية على العراق بمعزل عن مجمل سياساتها وتوجهاتها الإقليمية، وأيضاً بمعزل عن ملفاتها السياسية والأمنية والاقتصادية مع العراق، فتركيا تسعى إلى التوسع والهيمنة، وإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، والقفز على كل الاتفاقيات التي أبرمتها مرغمة قبل 100 عام، بما يعيد إليها الموصل وكركوك، ويتيح لها أن تصول وتجول، ليس في أجزاء من إقليم كردستان في الشمال فقط، إنما خارجه أيضاً، وما وجود عشرات القواعد العسكرية والمقرات الاستخباراتية، والمراكز والمؤسسات الأكاديمية والثقافية والتجارية العلنية والسرية، إلا دلائل دامغة ومؤشرات واضحة على ذلك، وهي تلتقي وتتوافق في جانب كبير من مصالحها وحساباتها مع الكيان الصهيوني.
ولا شك أنه من غير المعقول ولا المنطقي تصور أن كل تلك المشاكل المعقدة والشائكة، يمكن أن تجد طريقها الى الحل بيسر وسهولة، مهما كانت النوايا صادقة، والارادات قوية، والمواقف حازمة، إلا أن ما يمكن تصوره هو تحديد مسارات واقعية متفق عليها بين الطرفين، مع اشراك اقليم كردستان بصورة حقيقية، والتباني على تقدير ومراعاة المصالح المتبادلة في إطارها الواسع والشامل. وزيارة أردوغان لبغداد إذا لم تتمحور حول هذه الأمور فإنها ستكون عبثية، ولن تتعدى الاستعراض السياسي والتسويق الإعلامي الشكلي العابر. والعراق لم يعد بحاجة إلى الاستعراضات الفارغة بقدر حاجته إلى الخطوات الفاعلة للتغلب على بعض مشاكله وأزماته، وإذا لم تكن المياه في مقدمتها، فإنها من بين أبرزها على الاطلاق.
ـــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha