محمد صالح صدقيان ||
06/08/2023
🚨 يواجه الملف الإيراني حالة من الجمود بفعل تعثر المباحثات غير المباشرة التي أجراها مسؤولون أمنيون إيرانيون مع نظرائهم الأمريكيين في سلطنة عمان، في الوقت الذي دعّمت الولايات المتحدة حضورها العسكري في المنطقة بطائرات مقاتلة من نوع "إف 16" و"إف 35" وبارجة حربية وفرقة من قوات التدخل السريع "المارينز"، وسط جمود في مسار تطبيع العلاقات بين طهران والرياض.
هذه الأجواء دفعت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وسلطان عمان هيثم بن طارق إلی إجراء إتصال هاتفي في الأسبوع الماضي لتحريك المياه الراكدة ومحاولة التوصل مع الجانب الأمريكي إلى صفقة لتبادل المعتقلين حيث قام معاون وزير الخارجية الإيراني علي باقري بزيارة سلطنة عمان لمتابعة ما تم الاتفاق عليه بين الرجلين.
ونقلت مصادر على تماس مع هذه المباحثات أن صفقة تبادل المعتقلين كانت بلغت نهايتها لولا إصرار الأمريكيين في اللحظات الأخيرة على إضافة إسم خامس علی لائحة تضم أربعة أسماء لمعتقلين كان من المقرر مبادلتهم، وأشارت المصادر إلى أن باقري حمل خلال زيارته إلى مسقط الخميس الفائت أفكاراً جديدة لإتمام صفقة تبادل المعتقلين مقابل الإفراج عن الودائع الإيرانية في العراق وكوريا الجنوبية وصندوق النقد الدولي والمقدرة بنحو 24 مليار دولار.
ويسود إعتقاد بأن تنفيذ هاتين الصفقتين من شأنه إيجاد أرضية أوسع للتفاهم بشأن الملف النووي خصوصاً وأن جميع الأطراف علی مقربة من استحقاق 18 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، تاريخ نهاية المهل الزمنية المتعلقة بالمنظومة الصاروخية والتسليحية الإيرانية الواردة في الإتفاق النووي الذي تمسكت فيه إيران وبقية المجموعة الغربية بعد انسحاب الجانب الأمريكي منه في العام 2018.
وفي الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة لاستخدام آلية “سناب باك” من قبل الدول الأوروبية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا بالعودة إلى العقوبات الدولية إستناداً إلی بنود الإتفاق النووي، إلا أن هذه الدول لم تبدِ حماسة لذلك بل تُفضّل فرض عقوبات علی التسليح الإيراني بما ينسجم مع قراءتها للوضع الأمني في منطقة الشرق الأوسط.
وحدّد الاتفاق النووي الموقع في يوليو/تموز 2015 يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر 2023 “يوم الإنتقال” الذي تُلغی فيه القيود علی الأفراد والكيانات المشاركة في برامج إيران الصاروخية والنووية وغيرها من برامج الأسلحة وإزالة العقوبات علی أكثر من 300 فرد وكيان تم تحديدها منذ تنفيذ الاتفاق النووي إلی جانب العقوبات الأخری علی مستوی القطاعات التي تم تعليقها في الوقت ذاته؛ ورفع الحظر عن نقل جيمع أنواع الأسلحة والتكنولوجيا المتعلقة بالصواريخ البالستية إلی إيران؛ والغاء العقوبات علی المعاملات المتعلقة بأنواع معينة من المعادن والبرمجيات إضافة إلی إلغاء الحظر علی تقديم خدمات الطيران والشحن والسفن المشتبه بتورطها في نشاط غير مشروع.
ونصت “خطة العمل الشاملة المشتركة” المسماة “الإتفاق النووي” على أن تعمل الحكومة الإيرانية في “يوم الإنتقال” على تقديم مقترح للبرلمان الإيراني للمصادقة علی البروتوكول الملحق بمعاهدة حظر الإنتشار النووي الذي يتيح لفرق التفتيش الدولية القيام بجولات مباغتة للمنشآت النووية الإيرانية في الوقت الذي تقدم الحكومة الأمريكية خطة العمل المشتركة للكونغرس من أجل المصادقة عليها. لكن هذا البند لن يكون متاحاً بسبب انسحاب الجانب الأمريكي من الإتفاق.
وفي مثل هذه الأجواء، من المستبعد أن تكون خطوة تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة الخليجية ذات صلة باستحقاق “يوم الإنتقال” لأن الإدارة الأمريكية تجاوزت الخطة “ألف” التي تندرج في إطار تنفيذ الإتفاق النووي؛ كما أنها تجاوزت الخطة “ب” التي تستند علی الخيار العسكري، وبالتالي باتت تعمل حالياً ضمن الخطة “ج”، أي تفعيل الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى تفاهمات مع الجانب الإيراني وخلق أجواء إيجابية وصولاً إلی إتفاقيات مؤقتة؛ مكتوبة أحياناً؛ وغير مكتوبة أحياناً أخری لتمرير الاستحقاق الإنتخابي الرئاسي الأمريكي في 2024.
يبقی السؤال المطروح؛ إلى ماذا تهدف الولايات المتحدة من إرسال أسلحة وتجهيزات عسكرية جديدة، وماذا تريد إيران من إجراء مناورات في المياه الخليجية؟ .
من الطبيعي أن يزيد الجانب الأمريكي قوته الردعية في المنطقة لأنه لطالما كان يستند علی قاعدة القوة في العمل الدبلوماسي وهو يعمل علی إدارة الأوضاع السائدة في المنطقة، في ظل إنشغاله بتداعيات الأوضاع الدولية ما بعد الأزمة الأوكرانية. كما أنه يحاول إدارة أي مواجهة محدودة يمكن أن تحصل في منطقة غارقة في بحر من الرمال المتحركة. في الجانب الآخر، لا تريد إيران مواجهة مباشرة مع الجانب الأمريكي كما أنها لا تريد أيضاً أن تخرج من أية مواجهة محتملة بكلف باهظة ولذلك فهي تعمل علی:
أولاً؛ زيادة قوتها الرادعة من خلال منظومتها الصاروخية وتجهيزاتها العسكرية التي تقوم علی تطويرها باستمرار.
ثانياً؛ تكثيف جهودها الدبلوماسية واستخدام كافة أوراقها السياسية خصوصاً تلك التي يقدمها أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة الخليجية كسلطنة عمان وقطر.
ثالثاً؛ تقليل الضغوط الأمريكية وتطويقها في المجالات السياسية والإقتصادية والحفاظ علی “توازن الرعب” مع اللاعبين الأمريكي والإسرائيلي والعمل علی التوصل إلى تفاهمات تكتيكية محتملة مع الجانب الأمريكي.
واستناداً إلى المعلومات المتوفرة والتطورات التي تشهدها المنطقة، من غير المستبعد التوصل إلی تنفيذ صفقة تبادل المعتقلين خلال الأسابيع المقبلة بما يخلق أجواء مشجعة للتفاهم علی قضايا أخری قبل الانتخابات الأمريكية المقررة في خريف العام 2024. (U2saleh@gmail.com
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha