حليمة الساعدي ||
ليس العجب من وجود جاسوسة اسرائيلية اليزابيث سوركوف في بغداد كانت تسرح وتمرح من شمال العراق لجنوبه دون ان يشك بها شاك، لكن العجب ان يتم القبض عليها من قبل جهة عراقية!! فقد تعودنا على وجود (الجواسيس المعلنين وغير المعلنين ) وهذه تسمية ليس لها سابقة في العرف الدولي الا في العراق فكل دول العالم تتعقب الجواسيس المختبئين خلف عناوين شتى و وتعتقلهم وتنزل بهم اقسى العقوبات الا في بلدي فأن (الجواسيس المعلنين) يتم اختيارهم لشغل مناصب مهمة في الدولة. رغم ان الدولة تعلم انهم متهمين بتهمة التخابر والتواصل مع الاعداء الاصدقاء، والاصدقاء الاعداء، ومنهم من يتفاخر بجاسوسيته وعمالته وتخابره فلم تعد كلمة جاسوس تعيبه او تخجله لانه وجد له رفاق مهنة في العراق يعملون نفس عمله ويتجسسون على بلدهم ويبيعون أمنه واسراره بأبخس الاثمان..
كم وزير وكم وكيل وزير وكم مدير عام وكم رئيس منظمة حكومية وغير حكومية وكم زعيم حزب وكم برلماني و مسؤول مرتبط ارتباطا وثيقا بالموساد الاسرائيلي والبنتاغون الامريكي (CIA) وكم جهاز مخابرات لدول عربية واجنبية فتحت لها مكاتب ومؤسسات ودوائر تحت عناوين مختلفة.
لو ان الدستور العراقي كُتب بإحكام لكان من اول بنوده ان تكون خيانة الوطن هي الخيانة العظمى تستحق الموت رميا بالرصاص في الساحات العامة ولو انه كتب بشيء من الوطنية لجعل شرط اشغال اي منصب ان لا يكون شاغلهُ حاملاً لأي جنسية اجنبية الى جانب الجنسية العراقية حتى وان ادعى التخلي عنها لأن تخليه عنها لا يعني انها سقطت عنه او انه سيلتزم بعدم التعاطي مع تلك الدولة.
لو تتبعنا تاريخ العراق القديم والحديث لوجدنا انه مليء بشخصيات جاسوسية وعملاء تسببوا باسقاط الحكم واثارة النعرات الطائفية ونشب الحروب المحلية والاقليمية وليس ببعيد عنا قصة حياة الجاسوس البريطاني هنري كوم تينانت الذي وُلد في نيث عام 1913، وكان بطلا في الحرب العالمية الثانية عندما خاض عمليات خاصة ثم قام بعد الحرب بمهمات جاسوسية لحساب جهاز الاستخبارات البريطاني (MI 6) .
في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي انتقل إلى العراق في عام 1959.
وبعد ان انكشف امره ووقع بيد القوات الامنية والشرطة العراقية آن ذاك تعرض لكثير من التعذيب في سجون بغداد أدى إلى تغيير نظرته للعالم بشكل جذري فاصبح راهباً.
وكذلك الجاسوس العراقي اليهودي الديانة والذي جندته اسرائيل في ستينيات القرن الماضي المدعو منير جميل حبيب روفا حيث تمكن سنة ١٩٦٦ من الهروب بطائرة عراقية ميغ ٢١ تابعة للقوات العراقية وهبط بمطار تل ابيب واشتهرت بعملية 007، التي تفاخر الموساد بها واعتبرها من انجح عمليات الموساد . وليس هذا فحسب بل ان الجانب الاسرائيلي قام بعملية رديفة تمكن خلالها من تهريب جميع افراد عائلة الجاسوس روفا وتوطينهم في تل ابيب .
ويبدوا ان المقبور صدام حسين نفسه كان يعمل لدى الموساد الاسرائلي منذ العام ١٩٦٩ والى لحظة سقوطه حين قال قولته الشهيرة ( وغدر الغادرون ) ويقصد امريكا واسرائيل.
ولاننسى الدور التركي في زرع جواسيس واجهزة مخابرات تديرها السفارة التركية ولديها عيون واعوان عراقيين وعرب واكراد واتراك وجميع دول التحالف الذين تحالفوا مع الامريكان في عدوانها وحربها على العراق جميعهم لديهم جواسيس واجهزة مخابرات داخله وتحت عناوين ومسميات شركات استثمار او منظمات دولية ومنظمات انسانية مدنية.
وكما يقول المثل الشائع الاقارب عقارب فان اخطر الجواسيس واخبثهم هم جواسيس الدول العربية، شركائنا في التاريخ والدين واللغة، هؤلاء عاثوا فتكا وفسادا بالعراق من خلال جواسيسهم وعملائهم وسفاراتهم، استطاعوا ان يشتروا ذمم سياسيين كبار وزعماء وقادة عراقيين ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات اعلامية مؤثرة.
ان احد اهم اسباب تهديم البنى التحتية وتخريبها والاعتراض على اعادة بنائها هم الدول الخليجية والسعودية ومصر والاردن ويتم ذلك من خلال اذرعهم وعملائهم وجواسيسهم داخل الرئاسات الثلاث وفي البرلمان والحكومات المتعاقبة.
ان الجاسوسية مسألة خطيرة وهي سبب تأخر العراق وهدر ثرواته وقتل ابنائه واشعال الحروب الداخلية والفتن وهي سبب دخول داعش للعراق وهي سبب قتل الشهيدين العظيمين ابو مهدي المهندس والجنرال قاسم سليماني فلولا شبكة الجواسيس المرتبطة بالموساد الاسرائيلي (CIA) الامريكي وتعاون مخابرات عدد من الدول العربية الملاصقة للعراق لما نجحت عملية الاغتيال المشؤومة فتباً لكل الجواسيس وتباً لكل الخونة..
على الحكومة العراقية هيكلة الاجهزة الامنية المخابراتية والاستخباراتية التي تغط في نوم عميق والجواسيس تدوس على كروشهم وتعبر الى اي اتجاه شاءت من الوطن دون عائق او رادع او تحقق من غايات هذه الكائنات الغريبة التي تجوب العراق..
العراق بلد الحدود المفتوحة المشرعة يدخلها كل من هب ودب فلو ان جهة امنية متفضلة القت القبض على الجاسوسة اليزابيث بجلبابها المحتشم "الذي فاق ربات الخدور احتشاما" ، فأقول لها تحسسوا الديار ستجدون ان مئات الجواسيس لا زالت تصول وتجول بأزياء واقنعة وجنسيات واهداف وغايات واجهزة متطورة وحديثة تسهل عليهم عناء المهمات الصعبة.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha