التقارير

في ذكرى تجفيف الاهوار والقضاء على نمط حياتي فريد


عباس سرحان ||

 

في مثل هذه الايام من عام 1992 اكتملت خطة تجفيف اهوار الحمّار التي كانت مساحتها نحو (3000 كيلومتراً مربعاً) والتي نفذها نظام صدام آنذاك لمعاقبة أهل الجنوب بعد انتفاضتهم على نظامه.

في هكذا أيام من العام المذكور بدأت البيئة التي ظلت رطبة من عهد الخليقة الاول بالتصحّر، فخسر العراق بفقدانه الاهوار موردا اقتصاديا وبيئيا مهما بعد نفوق أنواع نادرة من الاسماك المحلية، وهجرة مئات الأصناف من الطيور ونفوق انواع من المواشي لا تعيش إلا في الاهوار.

وتم تشريد نحو 500 الف شخص من سكان الاهوار الاصليين والقضاء على نمط نادر من الحياة البرية تعود جذوره الى آلاف السنين.

واللافت أن النظام العراقي السابق أقدم على تجفيف الاهوار في وقت كان العراق يعيش حصارا اقتصاديا دوليا خانقا، وكان السكان بحاجة ماسة الى مصادر المياه والثروة الطبيعية لمواجهة الجوع.

وبدلا من أن يساعد النظام في ايجاد بدائل محلية لمواجهة الحصار الدولي، فيوسع من تربية المواشي ويقيم بحيرات اصطناعية لتربية الاسماك مستفيدا من الاهوار.

أرسل وفدا الى تركيا طالبا تخفيض كميات المياه المتدفقة نحو العراق عبر دجلة والفرات ليتمكن من اكمال عملية التجفيف بعد ان واجهته صعوبات بالغة بسبب كميات المياه الكبيرة التي تسببت عدة مرات في انهيار السدود الترابية التي اقامها حول الاهوار.

ولو أخضعنا تصرف النظام آنذاك إلى أبسط مبادئ الوطنية المعتمدة في كل دول العالم لاستحق وصف "الخيانة العظمى" بكل جداره.

 كونه قضى على نمط انساني حضاري تميز به العراق ترجعه بعض الدراسات التاريخية الى العصر السومري.

ولأنه هدم نمطا اقتصاديا ومعيشيا يحظى باستقلال واضح كان يمكن ان يعزز من فرص مواجهة الحصار الاقتصادي، كما تسبب بمقتل المئات من سكان الاهوار وأحرق مساكنهم وأجبرهم على الهجرة الى خارج العراق.

وفوق ذلك منح تركيا ذريعة للتجاوز على حصة العراق المائية لاحقا بدعوى ان ما يصل الى العراق من المياه يفوق حاجته مستندة الى مطالبة الوفد الذي ارسله صدام لها مطلع تسعينيات القرن  الماضي بتخفيض كمية المياه المتدفقة نحو العراق.

وقد وصفت الأمم المتحدة تجفيف أهوار العراق بأنه "كارثة إنسانية وبيئية مأساوية" وشبّهته بجريمة  إزالة الغابات في  الأمازون المطيرة وتم وصفها من قبل مراقبين آخرين باعتبارها واحدة من أسوأ الكوارث البيئية في القرن العشرين.

والمحزن أن العراق لم يتمكن على الرغم من سقوط نظام صدام، من إعادة الحياة إلى الاهوار كما كانت عليه في السابق.

 حيث تمتنع تركيا من زيادة حصة العراق المائية واعادتها الى سابق عهدها قبل ما اتخذته من اجراءات انسجمت مع خطة صدام بتجفيف الاهوار.

لكن الجريمة تعتبر حدثا مفصليا ينبغي على المؤسسات الوطنية المعنية بالبيئة وحقوق الانسان أن تحيي ذكراها سنويا للتذكير بها وبمثيلاتها حتى لا تنساها الاجيال الشابة ولكي لا تتكرر لاحقا تحت اية ذريعة.

فنحن حين نذكّر بجرائم صدام لا نريد اجترارها ولا نتلذذ بما نحكيه عنها، إنما الهدف هو ان تصبح تلك الجرائم جزءا من الذاكرة الوطنية حتى يتحصن المجتمع معنويا من افعال شائنة مماثلة يمكن ان تحدث في أي وقت.

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك