عادل الجبوري ||
بشهادة الجميع تقريبا، اشرت الصورة الاجمالية لمراسم افتتاح بطولة خليجي 25 في مدينة البصرة العراقية في السادس من شهر كانون الثاني-يناير الجاري، نجاحا مبهرا ومتميزا، ربما لم يسبق له مثيل، منذ انطلاق هذه البطولة في عام 1970 من البحرين، وحتى نسختها الـ 24 بدولة قطر في عام 2019.
وقد بدا واضحا ان العراق، بمختلف مؤسساته الحكومية وغير الحكومية المعنية بملف تنظيم وانجاح البطولة، يخوض غمار تحدي كبير جدا، لايحتمل بأي حال من الاحوال ان ينتهي بالفشل والاخفاق، لاسيما وان مشروع استضافة العراق للبطولة انطلق قبل اكثر من عشرة اعوام، حينما كان مقررا ان يستضيف البطولة بنسختها الـ 21، بيد انه لاسباب فنية لم يتحقق ذلك، وتكرر الامر مع البطولات اللاحقة 22 و 23 و 24.
وللعراق مع بطولة كأس الخليج-او خليجي كما اطلق عليها فيما بعد-قصة طويلة فيها الكثير من التشعبات والتعقيدات والتداخلات، وهي جزء من ملفه الرياضي العام، الذي القت السياسة بظلالها الثقيلة عليه على امتداد اكثر من اربعة عقود من الزمن.
فهو-اي العراق-حرم من تنظيم واستضافة بطولة كأس الخليج والبطولات الرياضية الاخرى، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، في البداية بسبب الحرب العراقية-الايرانية التي اندلعت في شهر ايلول-سبتمبر من عام 1980، اي بعد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية بحوالي عام ونصف العام، واستمرت ثمانية اعوام متواصلة.
ولم يكد يلتقط انفاسه بعد ان وضعت حرب الثماني اعوام اوزارها، حتى اقدم النظام الحاكم حينذاك بزعامة صدام حسين على غزو دولة الكويت في صيف عام 1990، لتنفتح ابواب الجحيم على العراق والعراقيين، عبر الحصار والعقوبات والحرب العسكرية، لينتهي الحال الى عزلة كاملة او شبه كاملة على مختلف الصعد والمستويات، حيث كان للرياضة نصيب واضح منها.
وبينما حرم العراق في عقد الثمانينيات من استضافة البطولات الرياضية، ومنها بطولة كأس الخليج، فأنه بعد غزو الكويت وتحريرها، حرم من المشاركة فيها ايضا، حتى سقوط نظام صدام في ربيع عام 2003، ليستأنف حضوره في عام 2004، ولتبدأ بعد اعوام قلائل مساعيه وجهوده ومحاولاته لاستضافة البطولة مرة اخرى بعد استضافته الاولى لها عام 1979.
وهنا واجه العراق جملة عراقيل ومعوقات كان عليه التغلب عليها لكي تتمهد السبل لاستضافة الفعاليات والبطولات الرياضية، ومن بين تلك العراقيل والعقبات، الحظر المفروض من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم(الفيفا) الذي كان يحول دون اجراء اي مباراة دولية على الملاعب العراقية، وكذلك افتقار الملاعب والمنشات الرياضية لمجمل المعايير والشروط والمستلزمات المطلوب توافرها، جراء ظروف الحصار والعقوبات، اضف الى ذلك الاوضاع الامنية غير المستقرة خلال الاعوام التي اعقبت سقوط نظام صدام، بسبب الاحتلال الاميركي وظهور الجماعات والتنظيمات الارهابية المسلحة، كتنظيم القاعدة وتنظيم داعش وغيرهما من العناوين والمسميات الاخرى.
ليس هذا فحسب، بل ان المواقف والتوجهات السياسية لبعض دول الخليج ودول اخرى في المنطقة، حيال النظام السياسي الجديد في العراق بعد التاسع من نيسان-ابريل 2003، كان لها الاثر الكبير والواضح في ابقاء العراق معزولا وغارقا في المشاكل والازمات السياسية والامنية والاقتصادية والخدمية والحياتية المختلفة.
ولاشك ان الاسقاطات والمؤثرات السياسية على الفعاليات والانشطة والبطولات الرياضية، كانت حاضرة في مختلف الاوقات ، لاسيما على الصعيد الدولي.
فبعد الحرب العالمية الاولى حرمت الاطراف الخاسرة فيها، وهي كل من ألمانيا والنمسا والمجر وبلغاريا وتركيا من المشاركة في أولمبياد 1920 في بلجيكا، كما حرمت ألمانيا من المشاركة في أولمبياد 1924 بفرنسا. وحدث نفس الشيء بعد الحرب العالمية الثانية، اذ تم حرمان ألمانيا واليابان من المشاركة في أولمبياد لندن عام 1948.
وقبل انطلاق اولمبياد 1976 في مدينة مونتريال الكندية، انسحبت 28 دولة أفريقية احتجاجا على رفض اللجنة الأولمبية الدولية استبعاد نيوزيلندا من المشاركة في الدورة بسبب زيارة المنتخب النيوزيلندي لجنوب أفريقيا الموقوفة من قبل اللجنة الأولمبية الدولية ذاتها عن المشاركة في الدورات الأولمبية ما بين عامي 1964 و1988 بسبب سياسة الفصل العنصري التي كان ينتهجها النظام الحاكم هناك.
وفي عهد الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، شهدت الدورات الاولمبية الدولية مقاطعات عديدة، فبينما قاطعت الولايات المتحدة الاميركية وعدد من بلدان المنظومة الغربية اولمبياد موسكو احتجاجا على الغزو السوفياتي لافغانستان، رد الاتحاد السوفياتي ومعه دول المعسكر الاشتراكي على تلك الخطوة بعد اربعة اعوام بمقاطعة اولمبياد لوس انجلوس في الولايات المتحدة.
وبالنسبة لبطولة كأس الخليج، فقد شهدت هي الاخرى انسحابات ومقاطعات، بعضها لاسباب سياسية واضحة، وبعضها الاخر لاسباب ومبررات ارتبطت في ظاهرها بامور فنية من قبيل سوء التحكيم والتحيز.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، انسحبت السعودية من بطولة عام 1990 التي نظمتها الكويت، لان شعار البطولة اشتمل على الحصان الذي استخدمه الكويتيون في معركة الجهراء عام 1920، التي دارت رحاها بين حاكم امارة الكويت حينذاك الشيخ سالم المبارك الصباح من جهة، وقبائل مدعومة من قبل حاكم امارة نجد-السعودية فيما بعد- الشيخ عبد العزيز ال سعود.
وفي نفس البطولة انسحب العراق، نتيجة اخطاء تحكيمية خلال مبارياته مع نظيره الاماراتي، التي اعتبرها الاتحاد العراقي لكرة القدم حينذاك، انها مقصودة ومبيتة، الا ان بعض خفايا الامور، اشرت الى ان ذلك الانسحاب، كان جزءا من عملية تهيئة الاجواء لغزو الكويت ليس الا.
الى جانب ذلك، فأن الحسابات السياسية هي التي اتاحت لليمن البعيدة عن ضفاف الخليج الانضمام الى بطولة الخليج منذ عام 2003، مع السعي لضم الاردن، في مقابل ابقاء ايران بعيدة عنها وهي الدولة الخليجية الاكبر!.
وفي الواقع، نجح العراق بتحسين اوضاعه الامنية الى حد كبير، وكذلك نجح في رفع الحظر بالكامل عن ملاعبه، وفقا لقرار صادر عن (الفيفا) اواخر شهر شباط-فبراير من العام الماضي، فضلا عن احداث قفزة نوعية لافتة في انشاء وتطوير الملاعب والمنشات الرياضية في العاصمة بغداد وبمختلف المدن العراقية، بحيث بات متاحا استضافة الفرق الخارجية وتنظيم البطولات المختلفة.
وثمة نقطة اهم من كل النقاط الانفة الذكر، الا وهي البعد السياسي، الذي لم يكن ممكنا في اي وقت من الاوقات التغافل عنه وتجاهله. فلو لم تكن هناك ارادة سياسية عليا من قبل اصحاب القرار في العواصم الخليجية، اكبر من قرارات وتقديرات الاتحادات الرياضية، ما كان بامكان العراق استضافة بطولة الخليج، حتى لو كانت المسائل الفنية واللوجستية والامنية متكاملة ولا يشوبها اي نقص او قصور. اذ ان تنظيم هذه البطولة جاء في ظل انفتاح سياسي وتحولات ايجابية في علاقات العراق مع محيطه العربي، لاسيما مع الاطراف الذي تبنت سياسات ومواقف وتوجهات سلبية حيال النظام السياسي الديمقراطي المتشكل بعد الاطاحة بنظام حزب البعث المنحل في عام 2003، وكان لها دور في دعم واسناد وتمويل التنظيمات والجماعات الارهابية المسلحة طيلة عدة اعوام.
ولاشك ان بطولة خليجي 25 وارتباطا بالنجاح والتميز العراقي بتنظيمها، يمكن ان تشكل عاملا اضافيا اخر يسهم بتعزيز مكانة العراق السياسية في فضائه العربي والاقليمي، وحتى الدولي، وتوفر له افاقا اوسع واشمل لحلحلة بعض مشاكل وازمات المنطقة، التي غالبا ما كانت لها انعكاسات وتأثيرات سلبية على عموم المشهد العراقي بحكم تداخل الملفات، وتشابك المصالح، وتشابه الاجندات.
وهناك عامل اخر مهم للغاية، يتمثل بالبعد الاقتصادي الذي يمكن ان تتبلور مخرجاته ومعطياته الايجابية من خلال استعادة العراق حضوره الرياضي، ليس عبر المشاركة في البطولات الرياضية المختلفة فحسب، وانما في تنظيمها واستضافتها. ففضلا عن المكاسب الاقتصادية الانية، فأن نجاح التنظيم من مختلف الجوانب، من شأنه ان يعزز فرص الاستثمار وينشط الدورة الاقتصادية من خلال جلب واستقطاب رؤوس الاموال الخارجية، التي هي الاخرى ترتبط اساسا بالمواقف والتوجهات السياسية.
ولعل الافاق والفرص الاقتصادية تتعزز بقدر اكبر، حينما تكون بطولة خليجي 25 بداية ومنطلقا نحو تنظيم بطولات اخرى، سواء في البصرة او غيرها من المدن العراقية، ومثلما المح الى ذلك محافظة البصرة اسعد العيداني، الذي اشار في تصريحات له الى السعي لاستضافة بطولة كأس امم اسيا خلال الاعوام المقبلة.
واذا كانت "السياسة" قد اسقطت كل سلبياتها وسوءاتها على المشهد الرياضي العراقي طيلة اربعة عقود من الزمن، فأنها هي ذاتها –السياسة-يمكن ان تفتح الابواب الموصدة والعقد المستحكمة، وتصحح المسارات المضطربة، لكن دون ان تجعل من "الرياضة" اداة لتشكيل محاور سياسية ضيقة، ووسيلة لاستهداف وضرب هذا الخصم او ذاك، وميدانا لتصفية الحسابات وتصنيف الاصدقاء والاعداء.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha