متابعة – نور الجبوري ||
تخطى الحدث الكروي هذا العام حدود الملاعب والساحرة المستديرة، ليشكل مناسبة لافتة لتدفق عدد من القضايا الاجتماعية وبروز تفاعل كبير حولها.
لم تقتصر مناسبة كأس العالم 2022 على مجرد مباريات، منتخبات تلعب وتتنافس، جماهير تشجع وتصفق لمنتخباتها، فرق تربح وتتأهل وفرق تخسر، مونديال قطر 2022، المونديال العربي الأول، تخطى حدود الملاعب والساحرة المستديرة ليشكل مناسبة لافتة لتدفق عدد من القضايا الاجتماعية وبروز تفاعل كبير حولها. الأمر بدا أشبه بتظاهرة كروية عالمية جمعت في طياتها ثقافات وصراعات ومواقف وقضايا تسترعي اهتمام الناس، بل ويشكل بعضها جزءاً من هويتهم الثقافية وتركيبتهم الاجتماعية ومواقفهم السياسية أيضاً.
اعتاد العالم أن يشهد في عدد من المحافل الدولية حملات دعم للقضية الفلسطينية والفلسطينين، ترافقت في الفترة الأخيرة مع حملات مقاطعة لـ"إسرائيل" ورفض للتطبيع الذي روّجته بعض الأنظمة والحكومات العربية. ولكن، أن يحصل ذلك في مناسبة رياضية هو بحد ذاته حدث كبير يبعث برسالة واضحة إلى العالم، مفادها أن شعوباً كثيرة ترفض مصادرة خياراتها وتأبى أن تصبح قضيتها الأم، أي القضية الفلسطينة، طي النسيان أو مادة للمساومة في أروقة السياسة.
منذ الأيام الأولى على انطلاق المونديال في قطر، استحضرت الجماهير العربية والإسلامية قضية فلسطين بجميع الوسائل، عبر الأغاني والشعارات والهتافات ورفع العلم الفلسطيني بألوانه الأربعة في المدرجات. كان الصوت عالياً: بالروح بالدم نفديك يا فلسطين. فلسطين حرة، وفلسطين الشهداء.
من الجمهور التونسي والمغربي واللبناني والخليجي، وصولاً إلى كل المشجعين الذين قدموا من مختلف البلدان العربية للمشاركة في هذا الحدث الكروي، اجتمعوا مرة جديدة على حب فلسطين وتأييدها.
ولكن، ما كان لافتاً هو انخراط جماهير من غير العرب والمسلمين في الدفاع عن فلسطين وتبني القضية، ففي المباراة التي واجهت فيها البرازيل صربيا والتي انتهت بفوز البرازيل على الأخيرة، احتفل الجمهور البرازيلي بالغناء لفلسطين.
إلى جانب الأغاني المؤيدة للقضية الفلسطينة بنكهة الفوز التي صدحت من حناجر البرازيليين، برز تفاعل آخر من مشجعين من الأوروغواي لدعم القضية الفلسطينة عبر ارتدائهم الزي الفلسطيني.
إظهار الدعم والحب لفلسطين في مونديال قطر 2022، كان بالتوازي مع التعامل الجماهيري بحزم مع مسألة التعامل مع الإعلاميين الإسرائيليين في قطر، ورفض أي شكل من أشكال التطبيع.
"أنتم غير مرحب بكم"، "اذهبوا من حيث جئتم"، "نرفض وجودكم هنا "، عبارات رد بها مشجعون على عدد من الصحافيين الإسرائيليين الذين وصلت إليهم رسائل المشجعين بنبذهم والتصدي لأي شكل من أشكال التعاطي معهم.
فبينما تتنقل في الأسواق التجارية، لا بد أن تلحظ الملصقات الكثيرة التي وضعت على واجهات المحال التجارية لمقاطعة الإسرائيليين، فيما تنتشر التجمعات الشعبية على الطرقات وتطلق الشعارات المناهضة لـ"اسرائيل" كشعار:" يلا يلا يلا إسرائيلي برا".
ازدواجية المعايير الغربية
خلق مشهد ظهور المنتخب الألماني في أولى مباراياته متذمراً من القوانين التي وضعتها قطر وعممتها "الفيفا"، والتي منعت بموجبها وضع أي شارة أو علامة تدل على المثلية، خلق حالاً من الرفض والامتعاض الجماهيري البارز إزاء إصرار هؤلاء على كسر قوانين البلد المضيف لكأس العالم وعدم احترام مبادئه.
ووسط حالة الرفض هذه التي أججها هذا الحدث، تواصلت ردود الأفعال الغربية على قرار منع أي مظهر من مظاهر المثلية في المونديال، حيث وضع كل من وزير الرياضة البريطاني ووزيرة داخلية ألمانيا شارة المثليين في أثناء وجودها في المدرجات، فيما اقتحم مشجع الملعب بعلم الألوان.
هذه الممارسات لاقت تفاعلاً واسع النطاق على صعيد الجمهور العربي والغربي على حد سواء، الذي رأى أن ما جرى يعد تحايلاً على الضوابط المنصوص عليها في المونديال، وأظهر مدى رفض بعض الغرب لوجود شعوب وحضارات وثقافات لا تقر بمعاييره ومعتقداته.
على مواقع التواصل كثير من التعليقات التي تمحورت حول ازدواجية المعايير الغربية في التعاطي مع مسألة احترام القوانين وتقبل الآخر، وهي تؤكد زيف ادعاءاتهم ودعمهم للحقوق، إذ يقول أحد الناشطين: "يدعون الناس إلى احترام قوانينهم لكنهم لا يحترمون قوانين غيرهم".
الجمهور الكروي: لا للتنمر والعنصرية
من القضايا اللافتة التي طفت إلى السطح خلال المونديال قضية رفض العنصرية والتنمر، إذ سجل مواقف في هذا الإطار بيّنت حجم الاستنكار الجماهيري ورفض وجود العنصريين على المدرجات وخارجها. وقد رفعت جماهير عربية صورة اللاعب مسعود أوزيل، بعد أن تعرض للإهانة والعنصرية وعدم الاحترام، بحسب ما نشر على حسابه في تويتر بعد صورة جمعته بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
الغضب الجماهيري تجلى أيضاً بعد تعرض مشجعين خليجيين للتنمر من أحد المعلقين في الإعلام الألماني بسبب ارتدائهم الزي الخليجي الخاص بالرجال، الذي وصفه "بثوب الحمام". الضغط الشعبي دفعه إلى الاعتذار، خصوصاً بعد تعرض المعلق لانتقادات من المتابعين والصحف.
إذاً، أدّت الجماهير دوراً فعالاً في رفض أشكال التنمر والعنصرية في المونديال، سواء وقع ضحيتها عربي أو أجنبي. وساهم تقديم النموذج والأيقونات إلى الجمهور مع بدء كأس العالم، كالشاب القطري غانم المفتاح المصاب بمتلازمة التراجع الذيلي في إيصال رسالة واضحة إلى كل العالم برفض التنمر ومقاومته ومقاومة الضغوط التي قد يتعرض لها الفرد اجتماعياً بسب اختلافه.
المصدر : الميادين نت
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha