محمد صادق الحسيني ||
صحيح ان تسونامي ، او امواج عاتية ، من التحليلات والتعليقات التي تدور حول موضوع مناورة القاذفات الاستراتيجية الروسية الصينية المشتركة ، التي جرى تنفيذها في اجواء بحر الصين الشرقي وبحر اليابان يوم امس الاول،الاربعاء ٣٠/١١/٢٠٢٢ ، الا ان اهمية الحدث تجعل من الضروري الاضاءة ، بشكل افضل ، على جوانب وابعاد أكثر عمقًا واوسع تأثيراً من المناورة الاستراتيجية ، التي تم تنفيذها بنجاح كامل ، ودون ان تقوم هذه القاذفات العملاقة ،وما يرافقها من مقاتلات اعتراضية روسية ، من طراز سوخوي ٣٠ وسوخوي ٣٥ ، ومقاتلات اعتراضية صينية ، من طراز J 16 ، بمخالفة القوانين الدولية او اختراق المجال الجوي لاي من دول المنطقة ، على الرغم من قيام اليابان بتنفيذ خطوة استعراضية ، عندما اطلقت مقاتلات يابانية ، من طراز إف ١٦ لمرافقة التشكيلات العسكرية الروسيه الصينية المشتركة ،عن بعد طبعاً .
اذن ، وبالنظر الى اهمية تفاصيل هذه الطلعة الجوية الاستراتيجية ، التي تحمل العديد من الرسائل للغرب الجماعي ، وليس فقط للولايات المتحدة ، فاننا نرى ان من بين اهم الرسائل التي حملتها هذه التدريبات المشتركة ، هي :
١) عملية هبوط القاذفات الاستراتيجية الروسية في قاعدة جوية صينية ، في اقليم شي جيانغ / Zhejiang ، وهي القاعدة التي لا تبعد سوى خمسمائة كيلومتر عن عاصمة الجزيرة الصينية المنشقة ، تايوان، / وهبوط القاذفات الاستراتيجية الصينية في قاعدة : اوكراينكا /Ukrainka / الجوية الروسية ، الواقعة في مقاطعة آمور / Amur Province / في جنوب شرق روسيا ، على بعد ٢٨ كيلو متر من مدينة : بيليغورسك / Belegorsk / الروسية .
ومن الجدير بالذكر ان هذه القاعدة الجوية الروسية هي اكبر القواعد الجوية ، المخصصة للقاذفات الاستراتيجية القادرة على حمل اسلحة نووية ، وهي مجهزة لاستيعاب اربعين قاذفة استراتيجية في نفس الوقت .
كما لا بد من الاشارة الى ان هذه القاعدة تقع بالقرب من مدينة روسية ، في اقليم آمور ( نسبة الى نهر آمور الذي يجري في تلك المقاطعة ، وهي مقاطعة حدودية مع جمهورية الصين الشعبية ، التي تتشارك مع روسيا الاتحادية بحدود يبلغ طولها : اربعة آلاف ومائتين وتسع كيلو مترات .
٢) اذاً ، وبالنظر الى مواقع القواعد الجوية ، الروسية والصينية ، المستخدمة في عمليات الهبوط المتبادل ، للقاذفات الاستراتيجية من البلدين ، فلا بد من النظر الى ان مثل هذه العمليات تستدعي تنسيقاً فنياً عملياتياً متقدماً جدًا ، يشمل عمليات التزود بالوقود ومايمكن ان يلزم من عمليات صيانة وتجهيز وتذكير ، لهذه القاذفات العملاقة .
اي ان الامر لا يقتصر على زيارة مجاملة ، بل هو يضع الاسس لعملية تنسيق وتكامل استراتيجي ، بين القوات الجوفضائية الاستراتيجية لكلا البلدين ، خاصة وان مواقع القواعد الجوية التي استخدمت في هذه العملية هي قواعد جوية قريبةً من مسرح العمليات في بحار الصين ، الجنوبي والشرقي وصولاً الى بحر اليابان ، القريب من اليابان نفسها وما فيها من قواعد عسكرية اميركية ، جوية وبحرية ، وكذلك بقربها من جمهورية كوريا الديموقراطية ( الشمالية ) ، وما يعنيه ذلك في ضمان الاستقرار الاستراتيجي ليس فقط لهذه المنطقة وانما لكامل منطقة جنوب شرق آسيا وصولاً الى بحر الفلبين وغرب المحيط الهادئ ، حيث تقع القواعد الجوية والبحرية الاميركية في جزيرة غوام .
ولا بد ، في هذا السياق ، من الاشارة الى قرب دخول القاذفة الاستراتيجية الصينية ، من طراز H 20 الى الخدمة الفعلية ، وهي القاذفة التي تتمتع بميزات عالية ليس آخرها المدى الذي يمكنها الوصول اليه والبالغ عشرة آلاف كيلومتر ، وما لذلك من تأثير في تعزيز قدرات الردع الاستراتيجي ، للدول الرافضة للهيمنة الاميركية ، في منطقة جنوب شرق آسيا وفي الاعلام اجمع .
٣) وعليه ، فان جمهورية الصين الشعبية وجمهورية روسيا الاتحادية قد اقامتا خط دفاع جديد ضد الهيمنة الاميركية ، في جنوب شرق آسيا ، اضافة الى خط الدفاع الاول ، في وجه الغرب الجماعي ، الذي تتولى الدفاع عنه القوات المسلحة الروسية ، على الجبهة الغربية لمنطقة أورو آسيا ، اي على الجبهة الاوكرانية .
كما ان هذا التدريب الجوي المشترك ، للقاذفات الاستراتيجية الروسية الصينية ، يشكل رسالة غاية في القوة للغطرسة الاميركية في جنوب شرق آسيا ،والتي تجلت مؤخراً في تنفيذ سلاح الجو الاميركي مناورات جوية مشتركة ، مع عملائه في كل من اليابان وكوريا الجنوبية ، شاركت فيها مئات الطائرات الحربية ، من البلدان الثلاثة ، ليجئ الرد الروسي الصيني بالقاذفات الاستراتيجية ، تعبيراً عن استعداد موسكو وبكين ، للذهاب الى ابعد الحدود ، في الدفاع عن مصالحهما المشتركة ، في تلك المنطقة وفي العالم اجمع .
وهذا ما يشحد المزاعم الغربية حول موقف الصين ، من المواجهة الروسية الاطلسية على الجبهة الغربية ( اوكرانيا ) والتي تزعم وجود خلافات بين الصين وروسيا ، في ما يتعلق بتلك المواجهة .
٤) كما لا بد من الاشارة الى ان هذا التعاون الاستراتيجي ، بين موسكو وبكين لن يقتصر على منطقة جنوب شرق آسيا فقط ، وانما سيشمل ايضاً تعاوناً مماثلاً سيصل الى منغوليا وكازاخستان ، على حدود الصين الشمالية والشمالية الغربية ، وغيرها من دول آسيا الوسطى ، التي تتكامل مع الجمهورية الاسلامية الايرانية ، التي تخوض مواجهة استراتيجية مع قوى الارهاب الدولي ، الممول والموجه من واشنطن وتل ابيب ، والذي يستهدف فيما يستهدف ايضاً، فتح جبهة جنوبية ضد روسيا ، يتطلع الغرب الجماعي فيما يتطلع، الى استنزاف القدرات العسكرية الروسية من خلالها ، وصولاً الى تغيير موازين القوى الميدانية الاستراتيجية ، في مسرح العمليات الاوكراني ، حيث تواصل القوات المسلحة الروسية الامساك بزمام المبادرة الاستراتيجي هناك ، وتدير المعركة بحِرَفية عالية جداً ،. وتستنزف قدرات الغرب الجماعي ، المالية والعسكرية ، الامر الذي يؤكد فشل المخططات الغربية ، في استنزاف القدرات الروسية ، الاقتصادية والعسكرية ، واخضاع روسيا والسيطرة على مقدراتها واعادة عجلة التاريخ الى الوراء .
عالم القطبية الاحادية يتهاوى ويرحل رويدا رويدا.
*بعدنا طيبين قولوا الله*