عادل الجبوري ||
بعد أقل من شهر على توليه منصب رئاسة الوزراء في العراق، اختار محمد شياع السوداني الأردن لتكون محطته الخارجية الأولى، وبعدها مباشرة الكويت، حيث قام بزيارة سريعة وخاطفة للجارة الغربية في العشرين من الشهر الجاري، دامت ساعات قلائل اجتمع خلالها بالعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، ليتبعها بعد يومين بزيارة مماثلة لدولة الكويت، التقى فيها ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الصباح، ونظيره الكويتي الشيخ أحمد النواف الأحمد الصباح.
ولا شك أن اختيار السوداني لهاتين الدولتين الجارتين لم يأتِ اعتباطًا، وانما بدا مرتبطًا في جانب كبير منه بأولويات الحكومة العراقية الجديدة، المتمثلة بمحاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة والمجرمين والسراق المطلوبين للقضاء، وتعزيز الأوضاع الاقتصادية، وتحسين الخدمات الأساسية، وتنمية العلاقات مع المحيط الاقليمي، والعمل على تطويق المشاكل والأزمات والقضايا العالقة، كجزء من التوجه لتكريس سياسة خارجية قائمة على تعضيد مصالح العراق من خلال تحقيق التوازن بين ما يمنحه للآخرين، وما يجنيه منهم.
ومن العاصمة الأردنية عمّان وكذلك من بغداد، ذكرت الأوساط السياسية ووسائل الاعلام أن رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني بحث مع الملك عبد الله الثاني آخر المستجدات الإقليمية وأزمات المنطقة والحرب على الإرهاب، ومواجهة التطرف على أساس التعاون والتنسيق العالي بين البلدين، والتأكيد على ضرورة مواصلة التنسيق والتشاور حيال مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وبما يحقق مصالحهما ويخدم القضايا العربية. وهو ما أعاد السوداني التأكيد عليه خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي يوم الثلاثاء الماضي.
ومن الكويت تمت الاشارة إلى ذات المفردات والمحاور والموضوعات التي تتمحور أساسًا على ضرورة تعزيز وتنمية وتطوير العلاقات بأبعادها وجوانبها السياسية والاقتصادية والأمنية بين الطرفين.
ورغم تباين وتفاوت مسارات علاقات العراق مع كل من الأردن والكويت، واختلاف الظروف والعوامل التي شكلت تلك المسارات وتداخل وتشابك البعض منها، خصوصًا ما تعلق منها بغزو دولة الكويت من قبل نظام صدام في عام 1990 وموقف الأردن ازاء ذلك، إلا أن التغيرات والتحولات الجذرية الكبرى في العراق والمنطقة خلال العقدين الماضيين، فرضت التعاطي بواقعية، والعمل على تذويب الخلافات والاختلافات، انطلاقًا من مبدأ المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة، وعدم جدوى التشبث بعقد واشكاليات الماضي. وهذا ما راح يتبلور شيئًا فشيئًا بعد الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، بل وحتى قبل ذلك بالنسبة لدولة الكويت التي حرصت بعد تحريرها عام 1991 على مد الجسور والتواصل مع مختلف قوى المعارضة العراقية في سبيل التخلص من كابوس نظام صدام، وهو ما مثل في حينه هدفًا عراقيًا كويتيًا مشتركًا.
واليوم فإن السوداني الذي تصدى لرئاسة الوزراء بعد مخاض سياسي عسير استمر لأكثر من عام، وفي خضم تذمر واستياء واحباط مجتمعي واسع جراء الفساد المالي والاداري، وضعف مؤسسات الدولة وتراجع هيبتها، وتدني الخدمات الاساسية، يرى أن معالجة مكامن الخلل المشار اليها وغيرها، تتطلب إلى جانب الاجراءات الحازمة والسريعة على الصعيد الداخلي، تواصلًا على الصعيد الخارجي يتجاوز السياقات الدبلوماسية والمجاملات السياسية والخطابات الانشائية التقليدية، إلى التوجه الجاد والحقيقي نحو حل ومعالجة العقد والمشاكل والملفات الكبرى، من قبيل الفساد ونهب الأموال ودعم الارهاب، الذي وجد أصحابه في بعض دول الجوار والاقليم ملاذات آمنة لغسيل الأموال والافلات من العقاب، ولعل ذلك ينطبق على الاردن أكثر بكثير مما ينطبق على الكويت، التي حاولت أن تنأى بنفسها عن كل ما يثير حفيظة جارها الشمالي، دون أن يعني ذلك عدم وجود مشاكل ونقاط خلافية معها تحتاج إلى مراجعة ومعالجة وتفكيك.
ويبدو أن مبدأ الحكومة العراقية الجديدة ورئيسها السوداني، يتمثل بأن التعاون مع الآخرين، سواء الاردن والكويت أو سواهما، ينبغي أن لا يقتصر على المكاسب التي تجنيها من العراق فحسب، وانما ما يمكن أن يكسبه الأخير في مقابل ذلك. ولعل استرداد الأموال العراقية المنهوبة يعد قضية أساسية، ومعها استرداد المجرمين، وهو ما يمثل اختبارًا حقيقيًا لصدق نوايا وجدية توجهات أشقاء وأصدقاء وجيران العراق.
ولا شك أن الاشارات الأولية التي ترافقت مع زيارة السوداني لكل من عمّان والكويت، تبدو ايجابية، ففي الوقت الذي تميزت عموم التصريحات والقراءات من عمّان بالتأكيد والتشديد على العمل المشترك بين الطرفين لما من شأنه تعزيز المصالح المتبادلة وتذليل العقبات القائمة، فإنه من الكويت اتسمت التصريحات بوضوح اكبر، عبر التأكيد الصريح على أن الكويت ستساعد الحكومة العراقية باسترداد الأموال المهربة إلى الخارج، وعلى عمق الشراكة الحقيقية بين الطرفين.
ويرى الكثير من الساسة وأصحاب الرأي، أن مفتاح الاستقرار الداخلي للبلاد، على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والمجتمعية العامة، يكمن في طبيعة العلاقات مع الأطرف الخارجية، الاقليمية منها والدولية. وطبيعي أنه ستكون هناك جولات ومحطات اقليمية ودولية أخرى للسوداني في المستقبل القريب وكذلك المتوسط، فهو بلا شك سيزور ايران والسعودية والامارات ومصر وتركيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول أوربية أخرى، وهذه دول بين بعضها البعض، الكثير من التقاطعات والاختلافات والخلافات، الأمر الذي يتوجب على العراق التعاطي معها بصورة عقلانية ومحسوبة بدقة وعمق وفق المصالح والثوابت الوطنية السليمة. وفي كل الأحوال فإن النجاح على الصعيد الخارجي سيعزز النجاحات على الصعيد الداخلي، والعكس صحيح.
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha