التقارير

بريطانيا تصرُ على جرائمها وتعيدُ تكرار أخطائها


د. مصطفى يوسف اللداوي ||   يبدو أن بريطانيا التي تعهدت الحلم اليهودي قديماً، وأصدرت وعد بلفور المشؤوم، وأشرفت على تأسيس الكيان الصهيوني، ورعت وجوده وضمنت قوته، ودربت عصاباته وأهَّلت قواته، وزودته بالتقنية والسلاح، والعلم والمعرفة، وعملت على تفوقه، وصانت هويته، وحاربت إلى جانبه، واطمأنت إلى من خَلَفها في المسؤولية وحمل "الأمانة" من بعدها، وتعهد الكيان مثلها وأكثر، ومضى على نهجها وحافظ على سياستها تجاهه وأحسن، فنامت قريرة العين مطمئنة، غير قلقةٍ على لقيطتها المنبوذة، وغير خائفةٍ على صنيعتها الفاحشة، فقد باتت في أيدي أمينة وبرعايةٍ قويةٍ متينةٍ. يبدو أنها وحكوماتها المتعاقبة مصرة على جريمتها النكراء، وماضية في تكرار أخطائها الجسيمة ورهاناتها المدمرة، وحريصة على مواقفها المتوارثة وسياساتها المتعاقبة، وغير نادمة على ما أقدمت عليه وفعلته كافة حكوماتها السابقة، التي تكرر ذاتها ولا تراجع نفسها، ولا تحاسب قادتها، ولا تعترف بجرائمها، ولا تحاول تصحيح أخطائها والرجوع عن موبقاتها، وكأنها لم ترتكب جريمةً في حق شعبٍ بأكمله، ولم تعلن حرباً على أمةٍ بأسرها، ولم تتسبب في تهجير الملايين وشتاتهم، واحتلال أرضهم وضياع حقوقهم، وهي التي كانت بحكم دورها في الوصاية على فلسطين بموجب صك الانتداب، مسؤولة عما آلت إليه أوضاع الفلسطينيين عامةً، وتتحمل كامل المسؤولية عما جرى ويجري من حروبٍ ودمارٍ وعدوانٍ في المنطقة كلها. لم تكد تستلم السيدة ليز تراس رئاسة الحكومة البريطانية وتنتقل إلى مكتبها الجديد، حتى أعلنت عزمها نقل مقر السفارة البريطانية لدى الكيان الصهيوني إلى مدينة القدس المحتلة، وهي الخطوة التي كان يتمنى سلفها بوريس جونسون تنفيذها، أسوةً بصديقه الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، إلا أنه لم يتمكن فجاءت خليفته لتعلن عن نواياها التي لا تختلف كثيراً عن مواقفها السابقة المنحازة للكيان الصهيوني، والمؤيدة لسياساته، والمناوئة للشعب الفلسطيني والمعارضة لحقوقه المشروعة في أرضه ووطنه. فقد سبق للسيدة ليز تراس عندما كانت وزيرة للخارجية والتجارة البريطانية، أن وصفت مقاومة الشعب الفلسطيني بالإرهاب، واستنكرت مقتل المدنيين الإسرائيليين، وأبدت تفهمها لحق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، وأعلنت تأييدها لعمليات جيش الكيان في الضفة الغربية وحروبه على قطاع غزة، واعتبرت أن ما يقوم به شكل من أشكال محاربة الإرهاب واستئصال جذوره وتصفية قادته ورموزه. وهي نفسها التي أعلنت الحرب على حركة مقاطعة إسرائيل "BDS"، ووصفت ما تقوم به من أعمال بالعنصرية البغيضة، وبأنها ضد السامية، وتضر بالشعب اليهودي، ودعت إلى تجفيف منابعها، ومنع استثماراتها، والتضييق عليها ومحاربتها، وتشريع معاقبة المتبرعين لها والمساهمين فيها والمشرفين عليها، وتقنين محاسبتهم وحظر انتقالهم وسفرهم. لا تخفي ليز تراس مواقها العنصرية المنحازة للكيان الصهيوني، فقد سبق لها أن "طهرت" وزارة الخارجية البريطانية من المناوئين ل"إسرائيل"، وغير المؤمنين بحقوقها والمدافعين عنها، وتجاوزت بإجراءاتها التعسفية أصول حقوق الإنسان القائمة على حرية التعبير والاعتقاد، وحرية السلوك والتصرف في الفكر والولاء، وهي بالتأكيد لا تقبل بمن يؤيد الحق الفلسطيني ويدعو إلى نصرة الفلسطينيين وإنصافهم. وفي أغرب موقفٍ لها، إلى جانب تأييدها لحق الإسرائيليين في الاستيطان والتوسع الطبيعي في "دولتهم"، وتصويتها ضد أي قرارٍ دوليٍ يدينها أو يستنكر الاستيطان واعتداءات المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم، فقد اتهمت منظمة الأمم المتحدة بمعاداة السامية، واعتبرت قراراتها المؤيدة للشعب الفلسطيني، رغم أنها قرارات شكلية تفتقر إلى قوة التنفيذ، منافية "للحق والعدالة"، ومنحازة إلى الفلسطينيين وغير منصفة "لشعب إسرائيل"، وأنها تروج لأجندة عدائية مناهضة للسامية، وحملت المنظمة الأممية المسؤولية الكاملة عما يلحق بالإسرائيليين ويصيبهم. يبدو أن بريطانيا التي هي أساس أزمة الشعب الفلسطيني ومصيبته، وهي سبب نكبته وتشرده، وضياع حقه وحرمانه من أرضه وطنه، مصرة أن تبقى دائماً سبباً في جراحنا، وسباقةً في ألمنا، وسيفاً مسلطاً على رقابنا، وشريكةً مع العدو في ظلمنا والاعتداء علينا، ولا يبدو أنها يوماً والعدو الإسرائيلي ستكف بغير القوة عن بغيها، وستمتنع بغير الصمود والمواجهة عن صلفها، فهي دولة البغي الأولى وإمبراطورية الظلم الأسبق، فلا ود معها ينفع، ولا دبلوماسية معها تفيد، ولا خير منها يرتجى، ولا أخلاق إنسانية بها تلتزم، ولا قيم وقوانين دولية تحترم.   بيروت في 3/10/2022 moustafa.leddawi@gmail.com

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك