التقارير

“المنازلة الكبرى”.. ممر إلزامي للشرق الأوسط الجديد؟


محمد صالح صدقيان ||

 

منطقة الشرق الأوسط تطورات تشي بأننا مقبلون علی صيف حار شديد السخونة. هذه التطورات متصلة بشكل أساسي بالملفين الإيراني والإسرائيلي اللذين يسيران بسرعة قياسية كأنهما علی موعد مع أحداث وتقلبات وممرات لا بد منها. يتحرك الملف الايراني بشكل دراماتيكي، بدءاً من قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإدانة إيران في الثامن من يونيو/حزيران الجاري، وما رافقه من ردود أفعال سريعة من طهران حيال مدير الوكالة رافائيل غروسي وسلوكه الذي لا ينسجم مع محاولة إضفاء مصداقية على عمل الوكالة، وبالتالي لا أعتقد أن ترميم العلاقة بين غروسي وإيران سيكون ممكناً في المدی القصير، اللهم الا اذا تم التوصل إلى اتفاق في مفاوضات فيينا، وهذا الأمر لا يبدو أنه سهل المنال. في المقابل، يتحرك الملف الإسرائيلي هذه المرة من زاوية حضوره في قيادة العمليات الوسطی للجيش الأمريكي المتمركزة في منطقة الشرق الأوسط بعدما كان سابقاً ضمن قيادة العمليات الأوروبية. هذا الحضور الجديد يعطی إسرائيل مهمة محاولة ملء الفراغ الإستراتيجي الأمريكي في المنطقة من خلال صياغة منظومة أمنية إقليمية تكون هي نواتها المتحركة في الوقت الذي تم طرح مشروع قانون في الكونغرس الأمريكي يدعو إلى استراتيجية دمج الدفاعات الجوية لعدد من الدول العربية وإسرائيل من أجل التصدي لما أسماها “اعتداءات ايران”، طالباً من البنتاغون تحضير استراتيجية عمل مشتركة ووضع مقاربة دفاعية لنشر قدرات جوية وصاروخية دفاعية لحماية المنطقة من “الاعتداءات الايرانية” و”المجموعات المدعومة من طهران”!

أمام هذين الملفين، يبدو أن إسرائيل تتحرك علی خط الملف الإيراني خصوصاً بعد الزيارة المثيرة للجدل والمستفزة التي قام بها رافائيل غروسي إلى إسرائيل قبل أيام من موعد انعقاد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية في فيينا؛ في محاولة منه لإضفاء مصداقية ما لإسرائيل باعتبارها المكان الذي يمدّ الوكالة بالتقارير والمعلومات بشأن الدول الأعضاء في هذه الوكالة، برغم عدم عضوية إسرائيل في الوكالة وعدم إنضمامها إلى معاهدة حظر الإنتشار النووي ورفضها السماح لمفتشي الوكالة بتفقد منشآتها النووية! لا توجد معطيات تشير إلی أن طهران أسيرة ضغوط قصوى تمارسها عليها اسرائيل والولايات المتحدة؛ بل على العكس من ذلك؛ ربما تكون بحاجة إلى ذريعة لمهاجمة اسرائيل، كما ردّد معاون الرئيس الايراني محسن رضائي؛ وهي ستستغل جميع الامكانات المتاحة لمواجهة التحرك الاسرائيلي الجديد بما في ذلك تداعيات الحقل الغازي المشترك مع لبنان، أي حقل “كاريش” المتنازع عليه والذي يعتبر مهماً لإعتبارات طاقوية تجعل إسرائيل مصممة علی التنقيب والإستخراج من هذا الحقل المشترك حتی قبل تسوية النزاع الحدودي البحري مع لبنان. لا أريد الدخول في جدوی التعاون الإسرائيلي ـ العربي الموجه ضد إيران لكن الموقف الذي أبداه أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت عبد الله الشايجي جدير بالانتباه عندما قال إن التحشيد الإسرائيلي الحالي ضد إيران “ليس من مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي وليس من مصلحة هذه الدول ان تكون جزءاً منه”؛ وزاد على ذلك “أن الحديث عن ناتو عربي خليجي بوجود إسرائيل هو مجرد خيالات لدی إسرائيل التي تستغل تعثر الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط”. وتساءل الشايجي عن جدوی التصعيد مع طهران “في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن اسرائيل لن تضحي بأي جندي من أجل حماية الخليجيين”. يؤشر ذلك كله إلى تبلور مناخات مواجهة قابلة للتصعيد بين ايران وإسرائيل تُسهم الولايات المتحدة بتأجيجها نتيجة سياساتها الخاطئة في الشرق الأوسط. صحيح أن إسرائيل اقتربت من الحدود الإيرانية في بعض القواطع؛ لكن الصحيح أيضاً أن إيران موجودة علی مرمی حجر من حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة وتتربص بإسرائيل الدوائر إن في المحيط السوري أو اللبناني أو الفلسطيني. واذا كانت إسرائيل ترغب بتوريط بعض الدول في مخططاتها مع إيران؛ فان ايران “مستعدة ـ كما تقول ـ للمنازلة” التي تستعد لها منذ أربعة عقود من الزمن. ليس من مصلحة دول المنطقة والاقليم بشكل عام نشوب حرب بين طهران وتل ابيب لأنها – كما قلت في مقالة سابقة – سوف لن تنحصر في حدود معينة وانما ستشمل كافة دول الاقليم اضافة إلی انها ستخلق معادلة جديدة للامن والردع والاشتباك؛ اذا لم تعمل علی خلق “شرق أوسط جديد” لا يكون هذه المرة علی المقاسات الأمريكية والإسرائيلية إنما علی مقاسات اقليمية تأخذ بالإعتبار تداعيات الحرب الأوكرانية والأزمة الاقتصادية التي تجتاح الدول الغربية وتحديداً الاوروبية منها اضافة إلی حاجة الاقليم للأمن المستدام الذي بالتأكيد لن يكون فيه محل لإسرائيل.

هذا التصور تدركه الدولة العبرية جيداً ولذلك تسعى لإشراك دول عدة في الشرق الاوسط في أي مواجهة محتملة مع إيران من أجل تقسيم الضرر على الجميع وحصر الفوائد بها وحدها.. ولا أعتقد أن هذه النقطة الاستراتيجية غائبة عن أذهان معظم دول المنطقة. U2saleh@gmail.com

ـــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك