متابعة ـ جدل فاضل الصحاف ||
اسلام تايمز (طاجيكستان) - أفادت بعض المصادر المحلية بأن محمد باقر محمد باقروف، الزعيم الشيعي الطاجيكي وأحد القادة الشيعة في منطقة بدخشان بطاجيكستان، اغتيل بإطلاق النار عليه في مدينة خاروغ.
وتأتي هذه الخطوة بعد أيام فقط من الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها المدينة، والتي ألقت القوات الأمنية باللوم على باقروف فيها.
عاش محمد باقروف في منطقة "جورنو باداخشان" المتمتعة بالحكم الذاتي في طاجيكستان، وقتل برصاص قناص يوم الأحد، حسب شهود محليين. لكن المصادر الرسمية الطاجيكية لم تعلق على النبأ، ولم يتضح بالضبط من اغتال الزعيم الشيعي.
شهدت خاروغ، عاصمة إقليم بدخشان، احتجاجات خلال الأسابيع القليلة الماضية ضد الإطاحة بمحافظ المدينة، لكن القوات الحكومية شنت حملة قمع على المتظاهرين وقتلت وأصابت العشرات.
منطقة جورنو باداخشان المتمتعة بالحكم الذاتي، شهدت حربًا أهليةً استمرت خمس سنوات منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن المنطقة الآن هادئة.
وجاء اغتيال باقروف بعد أسبوع بالضبط من اقتحام عشرات الشبان في ولاية بدخشان لمحكمة المدينة، وأكدت وزارة الداخلية الطاجيكية مقتل شخص وإصابة ثلاثة من ضباط الشرطة في أعمال الشغب التي اندلعت في خاروغ.
أبرز ما في الاضطرابات هو أن مسؤولي الأمن الطاجيكيين ألقوا باللوم على باقروف في الحادث، وقدموه على أنه زعيم الجماعة الإجرامية في مدينة خاروغ، لكن محمد باقروف وصف التهم الموجهة إليه بأنها لا أساس لها من الصحة.
ولذلك، إذا ثبت تورط القوات الأمنية في اغتيال باقروف، فلن يساعد ذلك في حل الخلافات بين الجانبين فحسب، بل سيزيد الوضع الأمني سوءًا في هذه المنطقة.
منطقة غورنو باداخشان المتمتعة بالحكم الذاتي والمعروفة باسم بامير، تضم في الغالب مجموعةً عرقيةً تتحدث اللغة الباميرية. هذه المجموعة لها لغتها الخاصة، والتي تختلف عن اللغة الطاجيكية، وأيضًا من حيث الدين، فمعظم سكانها هم من الشيعة.
وتشهد المنطقة خلافات مع الحكومة المركزية منذ سنوات مع اشتباكات عرضية بين الجانبين. إلى الحد الذي أعلنت فيه الحكومة الطاجيكية أن المنطقة هي الجزء الأكثر نزاعًا في البلاد، والتي من المرجح أن تكون في حالة نزاع. وهذا الموقف المتشائم للحكومة تجاه هذه المنطقة قد أجَّج استياء الشيعة.
· الشيعة في طاجيكستان
يشكل الشيعة في طاجيكستان عددًا قليلاً جدًا من السكان، ويعيش جميعهم في مقاطعة بدخشان، ما يشير إلى أن الحكومة المركزية قد جمعت کل الشيعة في مكان واحد من أجل السيطرة عليهم.
كما يؤكد صراع الشيعة المستمر منذ عقود مع الحكومة المركزية، أن الشيعة في البلاد في وضع صعب. وحسب خبراء طاجيكيين، فإن الإعلان الرسمي عن التشيع في البلاد له عواقب وخيمة، نفسياً واجتماعياً، فضلاً عن مضايقات جسدية، لذا يضطر الغالبية إلى إخفاء مذهبهم ومعتقداتهم الشيعية.
كما أن خطر الوهابيين في طاجيكستان كبير جدًا بالنسبة للشيعة، وكما يقول الطاجيك، فإن الشيعة لا يتمتعون بالأمن علی حياتهم أو مالهم على الإطلاق. وكثيراً ما يدخل الوهابيون بين الناس بالزي الحنفي السني، وبعد أن يكتسبوا ثقتهم يهاجمون الشيعة ويشتمونهم.
كما يتسلل الوهابيون بين الشيعة لتحقيق هدفهم وتحديد عنوان محل إقامتهم وعملهم بخبث، ولا سيما السعي للتعرف على القيادات والفروع الرئيسية وقتلهم.
كما يخفي كثير من الناس خوفهم من تشيعهم ويؤدون أعمالهم وواجباتهم في الخفاء. لأنه إذا اكتشف الوهابيون ذلك، فسيتم معاملتهم بقسوة مثل الشيوعيين السوفييت ويُقتلون.
ومع ذلك، وعلى الرغم من التأثير الكبير للوهابيين والدعاية التي يقومون بها ضد التشيع، وتصرفاتهم وسلوكهم اللاإنساني، فقد جعلوا الناس أكثر رغبةً وميلًا للمذهب الشيعي.
وقال خبير طاجيكي رفيع عن الصعوبات التي يتعرض لها الشيعة: "طاجيكستان لا تقبلنا كشيعة وترفضنا، ولهذا السبب نواجه العديد من المشاكل عندما نقوم بأعمال ثقافية ودعائية. نتحدث بسهولة مع الأصدقاء والعائلة والأقارب، ولكن بالنسبة للآخرين علينا أن نقدم أنفسنا كأتباع للدين الحنفي، وإلا فسوف يتم اتهامنا والافتراء علينا، وستصبح الحياة صعبةً للغاية ولا تطاق بالنسبة لنا".
· توسُّع تأثير الوهابية في طاجيكستان
نظرًا لأن جميع الدول الإسلامية ليست في مأمن من تهديد الوهابية، فإن طاجيكستان أيضًا لم تسلم من تهديد هذه المجموعة.
وتحاول السلطات السعودية الترويج لفكرة الوهابية بين المجتمعات الإسلامية، وقد حاولت في هذا الصدد استخدام كل المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية لتحقيق أهدافها.
ودول آسيا الوسطى في دائرة اهتمام السعوديين، لأن غالبية سكانها من السنة. وطاجيكستان هي واحدة من البلدان التي يمكن رؤية الميول المتطرفة فيها، ولأنها تقع على حدود أفغانستان، فهناك خطر أكبر من تسلل المتطرفين إلى هذا البلد أكثر من أي دولة أخرى في آسيا الوسطى.
وبالنظر إلى أن الجماعات الراديكالية والمتطرفة ليس لديها معرفة وفهم دقيق للإسلام وأن دينهم تقليدي في الأكثر، فقد سهَّل ذلك نفوذ الفكر الوهابي.
في العقود الأخيرة، حاولت السعودية تصدير أيديولوجيتها الوهابية إلى طاجيكستان بطرق مختلفة، منها نشر الكتب الدينية بالقراءة الوهابية، تقديم المساعدة المالية للتيارات التابعة لها في طاجيكستان، إنشاء المساجد والمؤسسات التي تروِّج للوهابية، وكذلك إرسال الدعاة الوهابيين إلى طاجيكستان واستغلال الفقر المالي للمواطنين الطاجيكيين لجذبهم إلى الجماعات المتطرفة.
ويمكن رؤية تجذر الفكر الوهابي السلفي بين الشباب الطاجيكي بوضوح في الحرب السورية، حيث سافر المئات من الطاجيك إلى هذا البلد بدعم مالي من السعوديين، لفرض الشريعة والإمارة الإسلامية السلفية، والقتال إلى جانب إرهابيي داعش ضد الجيش السوري.
وقد أثار وجود الآلاف من الشباب الطاجيك في سوريا والعراق في السنوات الأخيرة، مخاوف المسؤولين الطاجيك الذين شعروا بالتهديد من عودتهم. لأن المتطرفين يمكنهم بسهولة نقل الأفكار السلفية إلى شباب طاجيكستان، وتقوية التيارات المتطرفة والتكفيرية في البلاد.
وقبل بضع سنوات، وبموجب اتفاق تم التوصل إليه بين السعودية وطاجيكستان، تقرر بناء ثماني مدارس ثانوية في المدن الطاجيكية، بتمويل من السعوديين. ما يظهر أن السعوديين يأملون في أن يستخدم الطلاب الطاجيكيون أيديولوجيتهم الوهابية في المدارس في المستقبل، لتعزيز خططهم.
ونظرًا لأن السعودية داعم رئيسي للجماعات السلفية والتكفيرية في المنطقة، ولا تقدم أي مساعدة لأي دولة دون النظر في الأهداف طويلة المدى، بما في ذلك انتشار الفكر الوهابي، لذا في المستقبل، ستظهر نتائج البنية التحتية الثقافية السعودية في طاجيكستان.
أظهر اغتيال الزعيم الشيعي في طاجيكستان مدى خطورة الکشف عن المعتقدات الشيعية في بعض البلدان، وأحيانًا سيکون الثمن هو التضحية بالحياة. ومثل هذه الأعمال التي تقوم بها قوات الأمن، ستعيد نکأ الجراح القديمة لعقود من الصراع، وتمهِّد الطريق للجماعات الإرهابية التي تبحث عن فرصة لتصعيد الأنشطة.
مصدر : موقع الوقت
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha