عادل الجبوري ||
في الكثير من الأحيان تكون زلات وسقطات اللسان بمثابة فرص ذهبية للكشف عن الحقائق الخافية أو التي يراد اخفاؤها لأغراض وأهداف ودوافع معينة، لا سيما إذا كانت تلك الحقائق مشينة أو مؤلمة أو تترتب عليها نتائج كارثية على ملايين البشر.
ولعل زلة اللسان التي وقع فيها الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش (الابن) مؤخرًا، حينما وصف الحرب على العراق بالعدوان الوحشي قبل أن يستدرك مصححًا "اعني اوكرانيا"، ليبرر ذلك الخطأ باستحقاقات التقدم في العمر، لعل هذه الزلة واحدة من الزلات الكثيرة التي اوردت وشخصت حقيقة الحرب على العراق.
واذا وضعنا زلة لسان بوش على مقياس قول أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام "المرء مخبوء تحت لسانه"، عندها يمكن استنتاج أن الرئيس الأميركي الأسبق لم يكن قد أخطأ بسبب شيخوخته بعد أن بلغ الخمسة والسبعين عاما من العمر، كما برر ذلك، وانما هو في الواقع نطق بالحقيقة الراسخة في أعماقه، والتي نطق بها آخرون قبله ممن ساهموا بشكل أو بآخر بدمار العراق وبالكوارث والمآسي التي حلت به، وفي مقدمة هؤلاء، رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير، الذي كان الحليف والداعم الرئيسي لبوش في كل قراراته وخطواته نحو تدمير العراق، حيث قال بلير ردًا على انتقادات حادة وجهت إليه من قبل لجنة تحقيق بريطانية أصدرت تقريرها بخصوص خلفيات الحرب في عام 2016، وأعرب بلير في حينه عن أسفه للتطورات المأساوية في العراق، لكنه اعتبر أن وضع هذا البلد أصبح أفضل أيضًا بعد إسقاط صدام، مشيرًا إلى أن هناك حكومة شرعية ومنتخبة في العراق اليوم. كما أنه أعرب عن قناعته بأن لندن لو رفضت المشاركة في العملية العسكرية في العراق، لتدخلت واشنطن لإسقاط صدام حسين وحدها.
وقال انه "يدرك أن كثيرين لن يعفوا عنه أبدا، وسيتمسكون باعتقاد أنه كان يكذب على الحكومة والشعب حول الخطر الذي مثله نظام صدام"، لكنه أصر على أن القرار بالتدخل عسكريا "اتخذ بحسن نية"، موضحًا أنه "اتضح لاحقا أن التقييمات الاستخباراتية التي تم تقديمها عندما كنا نتوجه للحرب كانت مغلوطة، والعواقب كانت تحمل طابعا أكثر عدائية ودموية وأطول مدة مما كنا نتصوره وقت اتخاذ القرار بالتدخل".
قد يكون الهدف المعلن من قبل الولايات المتحدة الاميركية لشن الحرب وهو اسقاط نظام صدام، مقبولًا ومعقولًا ومرحبًا به حتى من قبل قسم كبير من العراقيين، نظرا لما لاقوه من ظلم وطغيان ودموية واجرام ذلك النظام على امتداد نصف قرن من الزمن، مع معرفتهم وادراكهم وتيقنهم بأن صدام ما كان له أن يصل الى السلطة ويقترف ما اقترف من جرائم يندى لها جبين الانسانية بحق ابناء شعبه وجيرانه، لولا دعم ومساندة وتشجيع القوى الدولية الكبرى والاطراف الاقليمية التابعة لها.
وما هو مؤكد ان واشنطن وحلفاءها لم يكتشفوا فجأة أن نظام صدام يعد نظاما ديكتاتوريا استبداديا يهدد امن العالم واستقراره، لانهم هم من دفعوه بهذا الاتجاه، ولماذا اصبح كذلك بعد غزوه لدولة الكويت، ولم يكن كذلك حينما شن الحرب على ايران في عام 1980؟ ولماذا لم يتم اسقاطه والتخلص منه بعد تحرير الكويت، أو السماح للشعب العراقي الذي انتفض عليه بالقيام بذلك؟ ولماذا جوّعت وأذلت اميركا الشعب العراقي تحت غطاء فرض الحصار والعقوبات الدولية على نظام صدام لتبادر الى اسقاطه بعد اثني عشر عاما؟
الفرق بين حرب أميركا على العراق في السابق، وتأييدها ومساندتها لاوكرانيا بوجه روسيا حاليا، هو أنها في ذلك الوقت لم تعد بحاجة الى صدام، بينما الآن تشعر أنها ما زالت بحاجة الى الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي، مع العلم أنها وحلفاءها الغربيين لم يساندوه بقوة كما كان يأمل ارتباطًا بحسابات واجندات معينة، سوف تتكشف كل خيوطها وخطوطها مستقبلا، وهي ربما لا ترغب بوضع حد للحرب بأسرع وقت -مثلما تدعي- بل إنها أغلب الظن تسعى الى استمرارها وادامتها لأطول فترة ممكنة في اطار الرهان على استنزاف واضعاف موسكو، وبالتالي استسلامها في نهاية المطاف، بيد أنه بعد مرور اكثر من ثلاثة شهور على اندلاع الحرب، يبدو ان مساراتها ومخرجاتها ونتائجها المتحققة لم تأت مثلما كانت تخطط وتتطلع واشنطن.
بلا أدنى شك، فإن آثار وتبعات حرب اسقاط نظام صدام، وما سبقها من مقدمات طويلة أكبر وأشمل من آثار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وصفة "الوحشية" التي استخدمها بوش في كلمته، تبدو منسجمة مع الاولى اكثر من الثانية.
https://telegram.me/buratha