التقارير

الدور التركي في العراق: أمن استراتيجي أو أطماع؟!

2238 2022-04-22

عادل الجبوري ||

 

   في ذروة العمليات العسكرية التركية الجوية والبرية الأخيرة المتواصلة منذ عدة أيام في داخل الأراضي العراقية بذريعة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني التركي المعارض (pkk)، وفي خضم ردود الفعل العراقية الغاضبة على الصعيدين السياسي والشعبي، خرج وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو بتصريح غريب ومفاجئ يعكس إلى حد كبير تناقضات أنقرة وازدواجيتها في التعامل مع مختلف القضايا والملفات.

   مما قاله الوزير اوغلو في رده على أسئلة وجهت له خلال تجمع رمضاني بولاية اوشاك، إن بلاده "تحمي وتدعم وحدة الأراضي العراقية من خلال محاربة الإرهاب، وان تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تعمل من أجل السلام والاستقرار في المنطقة، وليس لديها أطماع بأراضي العراق"، مؤكدًا استمرار العملية العسكرية التي أطلق عليها (المخلب) ضد حزب العمال في مناطق متينا والزاب وافشين - باسيان شمال العراق.

   وبنفس المعنى تحدث زميله وزير الدفاع خلوصي اكار، الذي قال في كلمة له بولاية بورصة "ان العمليات العسكرية ستتواصل حتى تحييد آخر إرهابي، مع مراعاة احترام سيادة ووحدة أراضي دول الجوار"، مشيرًا إلى إن "إطلاق العملية العسكرية ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني شمالي العراق يمنع الممر الإرهابي المقرر إقامته على الحدود الجنوبية لتركيا، اذ انه لو لم تطلق تركيا عملية "المخلب- القفل" لكانت البلاد والمنطقة ستواجهان تهديدات ومخاطر أكبر في المستقبل".

   في مقابل ذلك، كانت ردود الأفعال العراقية على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي، واضحة وصريحة وحادة، فرئاسة الجمهورية طالبت في بيان لها تركيا بوقف عملياتها العسكرية ووضع حد لانتهاك السيادة الوطنية العراقية، فيما استدعت وزارة الخارجية السفير التركي في بغداد علي رضا كوناي، وسلمته مذكرة احتجاج بهذا الخصوص، هذا الى جانب مواقف الادانة والاستنكار والرفض للتجاوزات التركية من قبل مختلف القوى والاحزاب والزعامات السياسية العراقية، التي حذرت من تبعات ومخاطر واثار تكرار العدوان التركي على العراق، معتبرة ان التصدي لحزب العمال لا يتم بهذه الطريقة، مضافا الى ذلك خروج مئات المواطنين العراقيين في عدة مدن بتظاهرات احتجاجية غاضبة ضد تركيا.

  بيد أن هناك حقائق لا بد من ايرادها والتوقف عندها من أجل اكتمال صورة الحدث من مختلف جوانبها وزواياها واتجاهاتها، ومن هذه الحقائق:

- لا يمكن التوفيق بين أفعال تركيا وأقوالها، فكيف تدفع بالآلاف من جنودها في عمق الأراضي العراقية وتفعل ما تشاء، مستغلة ضعف قبضة الحكومة الاتحادية، وتشظي المواقف الكردية، وفي ذات الوقت تدعي حرصها واحترامها والتزامها بالسيادة الوطنية العراقية؟ وكيف أنها في الوقت الذي لا تتوقف فيه عن تكرار ادعاءاتها بأهمية بناء علاقات ايجابية قائمة على أساس المصالح المتبادلة مع العراق، لا تترك مناسبة ولا فرصة إلا وتلحق فيها الأذى والضرر به، سواء من خلال أدوارها السلبية في التدخل بالعملية السياسية، أو من خلال السياسات المائية القائمة على أساس الاستفادة بأقصى قدر ممكن من مياه نهري دجلة والفرات دون مراعاة مصالح وأوضاع وحقوق العراق.

- لم تلتزم تركيا، سواء بما يتعلق بالانتهاكات العسكرية أو غيرها، بأي من الاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم المبرمة بينها وبين الجانب العراقي على امتداد عقود طويلة، وهي بدلًا من ذلك، لم تتردد يومًا في استغلال الظروف الاستثنائية التي كان -وما زال- يعيشها العراق في مختلف المراحل، لتحقيق المزيد من المكاسب والامتيازات، متسلحة بسياسة الأمر الواقع، ومستفيدة من التزام المجتمع الدولي الصمت حيال تجاوزاتها وانتهاكاتها المتكررة والمتواصلة.

- ما شجع تركيا على التمادي في انتهاكاتها وتجاوزاتها، هو الموقف العراقي الرسمي الضعيف الذي لا يتعدى اصدار بيانات الاستنكار والادانة واستدعاء السفير التركي وتسليمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، ناهيك عن بيانات وتصريحات مماثلة لقوى وشخصيات سياسية مختلفة، تعرف أنقرة تمامًا أنها لن تتجاوز حدود الكلام. بل أكثر من ذلك، هناك أطراف وقوى سياسية تدعم وتساند وتشجع بطريقة أو بأخرى انتهاكات أنقرة وتجاوزاتها على السيادة الوطنية العراقية.

- وارتباطًا بالنقطة الآنفة الذكر، فإن المفارقة هنا تتمثل في أن الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حينما قصف الحرس الثوري الايراني مقرًا لجهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد) في مدينة اربيل شمالي العراق، علمًا أن ذلك القصف لم يوقع خسائر بشرية في صفوف المواطنين المدنيين، صمتوا تمامًا وهم يشاهدون الطائرات التركية تلقي حمم نيرانها على المواطنين العزل في القرى الجبلية لتقتلهم وتدمر بيوتهم وممتلكاتهم بحجة استهداف عناصر حزب العمال.

- واذا كانت تركيا تستهدف وتلاحق حزب العمال المعارض (PKK)، فلماذا انشأت عشرات القواعد والمعسكرات في مختلف مدن ومناطق اقليم كردستان، ناهيك عن العديد من المقرات التابعة لجهاز الاستخبارات التركي (MIT)؟       

- الملفت أن تركيا التي لا تتوقف عن مساعيها وجهودها المحمومة لاضعاف العراق، والتصريح بأحقيتها بالموصل وكركوك، والافصاح عن طموحاتها باستعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية، فإنها يوما بعد آخر تقوي وتعزز علاقاتها مع الكيان الصهيوني، ذلك الكيان الذي لا يمر يوم إلا ويرتكب المزيد من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني المضطهد والمظلوم، حتى أنه في الوقت الذي كان أفراد جيش الكيان الغاصب ومعهم المستوطنون المتطرفون يدنسون قدسية المسجد الأقصى قبل بضعة أيام، كانت تنطلق التصريحات من أعلى مراكز القرار في أنقرة بأهمية تعزيز العلاقات مع "تل ابيب". وفيما يتعلق بالعراق، لعل الكثيرين من المطلعين على خفايا الأمور يعرفون حجم التعاون والتنسيق بين جهاز الـ(MIT) التركي وجهاز الموساد الاسرائيلي.  

   وبلا أدنى شك، فإن سياسات تركيا السلبية - سياسيًا وأمنيًا ومائيًا واقتصاديًا - ضد العراق لن تتوقف ما دامت الصورة بهذا الشكل، ولن تقدم بيانات الادانات والاستنكارات شيئًا، ما لم تكن مقرونة بأفعال وخطوات عملية رادعة ومؤثرة، وهذا لن يتحقق ما دامت المواقف والتوجهات متشابكة، والمصالح متقاطعة، والارادات غائبة أو مغيبة.

ـــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك