عادل الجبوري||
من المفترض أن ينعكس الصعود الكبير لأسعار النفط في الأسواق العالمية بفعل الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها بصورة ايجابية على بلد مثل العراق، يعتمد بالدرجة الأساس في دخله الوطني على النفط، باعتباره أحد أبرز البلدان المصدرة له، حيث إنه يتصدر المراتب الأولى، بتزويد الأسواق العالمية بحوالي أربعة ملايين برميل يوميًا من هذه السلعة الاستراتيجية المهمة. لكن بدلًا من ذلك، فقد اتجهت الأمور إلى المزيد من الفوضى والارتباك الناتج عن ارتفاع أسعار الكثير من السلع والبضائع، لا سيما الأساسية منها، اذ تفاقمت وطأة الأزمة العالمية ببعدها الاقتصادي على العراق لافتقاره الى البنى الانتاجية الصناعية الكبيرة، التي تتيح له تأمين جزء من متطلبات سوقه المحلية بدلًا عن استيرادها من الخارج.
ويبدو واضحًا أن تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، لم تكن هي السبب الوحيد لما واجهه العراق من ارتباكات وفوضى وقلق داخل منظومة الحكم وفي الشارع، حيث إن تفاقم المشاكل الاقتصادية، وتزايد الضغوطات الحياتية على مختلف فئات وشرائح المجتمع العراقي، بدأت تبرز بصورة أوضح وأكبر مع قرار البنك المركزي العراقي في أواخر عام 2020 بخفض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الاميركي، ذلك القرار الذي رأت فيه الحكومة واحدا من الحلول والمعالجات العملية الواقعية لانقاذ اقتصاد البلد من الانهيار، بينما اعتبره المواطنون وأغلب النخب السياسية والثقافية والمجتمعية والمتخصصين بشؤون المال والاقتصاد، استهدافًا للطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة والمحدودة الدخل، من الموظفين والمتقاعدين والكسبة وأصحاب المهن البسيطة.
ومن الطبيعي جدًا أن تكون البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة والهشة، وتلك التي تعتمد على مصدر واحد لتأمين مواردها المالية، فضلًا عن تلك التي تمر بظروف وأوضاع سياسية وأمنية قلقة -كما هو الحال بالنسبة للعراق- هي الأكثر تأثرًا وعرضة للاهتزازات الكبرى الحاصلة جراء الأزمات العالمية، وحتى الارتفاع الكبير في أسعار النفط لا ينفع كثيرًا في ظل غياب الرؤى الاستراتيجية العميقة، وانعدام مراكز التفكير والتخطيط التي تحدد وتشخص مسارات وآليات استثمار المتغيرات والتحولات الدراماتيكية بشكل سريع.
ويتوقع خبراء اقتصاديون، أن يكون لارتفاع أسعار النفط انعكاسات سلبية على العراقيين وخاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الوقود الذي سيرهق المستهلك، انطلاقًا من حقيقة أن اعتماد العراق على الاستيراد خلّف الكثير من المشاكل التي جعلته ضعيفًا في مواجهة التحديات الاقتصادية الدولية، وغير قادر على معالجة التضخم الحاصل في المستوى العام للأسعار، مما يتطلب تخطيطًا وعملًا جادًا وشاملًا لمواجهة هذه التحديات.
وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار أعلن قبل عدة أيام، تحقيق بلاده أعلى إيرادات مالية شهرية عن بيع النفط منذ ما يزيد عن ثمانية أعوام - وأعلى معدل للتصدير منذ عامين- بلغت أكثر من 8.5 مليارات دولار. واعتبر المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح أن ارتفاع أسعار النفط "فرصة تاريخية"، للاستفادة من العائدات الإيجابية الناتجة عنها في تطوير عملية الاستثمار، فضلاً عن تطوير الإمكانيات الذاتية للبلد، وإنتاج ما يمكن إنتاجه من خلال ارتفاع أسعار النفط وتسخيرها لمصلحة النمو الاقتصادي، مؤكدًا أن المنفعة ستكون أكبر في حال تمت دراسة الأمور الإدارية والمالية والاقتصادية بصورة صحيحة.
بيد أنه من جانب آخر، يتحتم على العراق انفاق المزيد من الأموال لاستيراد الغاز والمشتقات النفطية الأخرى لتأمين احتياجاته الاستهلاكية منها، باعتبار أن مصافي النفط العراقية، لا تمتلك الطاقة الانتاجية الكافية لتغطية حاجة السوق المحلية، وربما كانت تلك احدى سلبيات ارتفاع أسعار النفط.
وفي هذا الشأن، يشير عضو لجنة الطاقة في البرلمان العراقي السابق غانم محمد الى أن "العراق يحتاج إلى 4000 متر مكعب من الغاز يوميا، فضلاً عن حاجته لأكثر من 22 مليون لتر من مادة البنزين، ويستورد المشتقات النفطية بقيمة 5 مليارات دولار سنويا، من بينها نحو 3.5 مليارات دولار لاستيراد البنزين والديزل، مما قد يزيد من نسبة الموجات التضخمية على الاقتصاد الوطني".
وبينما لم يلمس المواطن العادي ايجابيات ارتفاع اسعار النفط على واقعه الحياتي، ولا يبدو أنه سيلمسها قريبًا، ألقت موجات ارتفاع أسعار السوق بظلالها الثقيلة عليه، وعمقت الهواجس والمخاوف من الأسوأ فيما لو تواصلت الحرب بين موسكو وكييف لوقت أطول.
ولعل الحكومة العراقية استشعرت خطورة الأمر، لذلك سارعت الى اتخاذ اجراءات وقائية أو علاجية سريعة، من قبيل توزيع حصص غذائية اضافية، ضمن مشروع الحصة التموينية الشهرية، وتوزيع منح مالية معينة على قسم من الموظفين والمتقاعدين الذين يتقاضون رواتب محدودة، وكذلك المشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية ومعدومي الدخل، فضلا عن متابعة حركة السوق، والعمل على ضبط الاسعار وأساسية المستوردة من الخارج.
قد تساهم مثل هذه الاجراءات والخطوات العملية في تطويق بعض انعكاسات وتداعيات الازمة، لكنها بالتأكيد ليست ولن تكون كافية، خصوصًا مع استمرار وبقاء الأزمة العالمية الى أمد غير معلوم، وفي ظل المشهد السياسي العراقي المضطرب، بخضمّ التجاذبات والتقاطعات والاختلافات الحادة بين الفرقاء حول مسار وآليات وسياقات ادارة الدولة في المرحلة المقبلة.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha