عادل الجبوري ||
حلّ يوم الحادي والثلاثين من شهر كانون الاول/ ديسمبر الماضي، وانتهى، حاله حال بقية الايام في العراق، فمن جانب، شهد جزءا من مظاهر احياء الذكرى السنوية الثانية لاستشهادة قادة النصر، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الايراني اللواء قاسم سليماني، ومن جانب، كان حافلا بحراك سياسي في مختلف الكواليس، من اجل حسم الخلافات وفك التقاطعات قبل حلول موعد انعقاد الجلسة الاولى للبرلمان الجديد، المقررة وفق المرسوم الجمهوري في التاسع من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، ومن جانب اخر، شهد احتفالات ومهرجانات فرح هنا وهناك ببدء العام الميلادي الجديد في خضم الكثير من المشاكل والازمات السياسية والامنية والاقتصادية، فضلا عن انشغال اوساط سياسية وشعبية مختلفة، بمجزرة ناحية جبلة وملابساتها الغامضة والمثيرة للجدل.
والغريب ان انهاء الوجود الاميركي او الانسحاب من العراق، المقرر في هذا اليوم، لم يشغل ولو حيزا صغيرا من اهتمام الدولة والحكومة والشخصيات والزعامات السياسية العراقية، بحيث بدا كما لو انه اما حدث عابر لا قيمة له ولا اهمية، او لا اساس له ولا مصداق على الارض، لانه في اي بلد من بلدان العالم، لابد ان يحظى حدث من هذا القبيل، يرتبط بالسيادة الوطنية، وترسيخ وتكريس الاستقلال، بأهتمام كبير واستثنائي، حتى يصبح عيدا وطنيا متميزا.
ذلك المرور العابر ليوم انهاء التواجد الاجنبي من ارض البلاد، اثار العديد من التساؤلات والاستفهامات، عن حقيقة خروج الاميركان ومغادرتهم، وفيما اذا كان كل ما جرى من كلام، لا يتعدى الخداع والتضليل ليس الا؟.
هل فعلا انسحب الاميركان من العراق، وهل انتهى الوجود الاجنبي بحلول الحادي والثلاثين من كانون الاول/ ديسمبر2021؟.
مجمل الوقائع والمؤشرات والمعطيات تذهب الى خلاف ذلك تماما، ومن بين تلك الوقائع والمؤشرات والمعطيات:
ـ التصريحات الاميركية المسبقة، التي جاءت على لسان شخصيات سياسية وعسكرية وامنية اميركية رفيعة المستوى، تؤكد بوضوح وتعيد التأكيد، على مدى شهور عديدة، ان القوات الاميركية لن تنسحب من العراق، وانما ستغير مهامها من مهام قتالية الى استشارة وتدريب وتمكين للقوات العسكرية والامنية العراقية.
ـ الابحاث والدراسات والمقالات والتقارير التي حفلت بها وسائل الاعلام ومراكز الدراسات والبحوث الاميركية التي ما فتأت تحذرات من مخاطر وتبعات واثار مغادرة الاميركان للعراق، وتشدد على اهمية تجنب تكرار خطأ الانسحاب المتسرع وغير المدروس بالقدر الكافي من افغانستان، علما ان وسائل الاعلام ومراكز الدراسات والبحوث المتبنية لهذا التوجه، هي اما مساهمة بشكل او باخر بصنع وبلورة السياسات والمواقف والقرارات الرسمية، او انها قريبة من دوائر صنع القرار وممولة ومدعومة منها.
ـ الاتفاق المبرم بين رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي والرئيس الاميركي جو بايدن، خلال زيارة الكاظمي لواشنطن اواخر شهر تموز/ يوليو الماضي، لم يتضمن اي تأكيد او اشارة الى انسحاب للقوات الاميركية من العراق، وانما تحدث عن تغيير مهام، بحسب ما تطلبه الحكومة العراقية ضمن هذا الاطار.
ـ لم يطرأ تغييرا كبيرا على مجمل السياقات الامنية والادارية للقواعد العسكرية التي يتواجد فيها مئات او الاف الجنود الاميركان، مثل قاعدة عين الاسد في الانبار، وقاعدة فيكتوري قرب مطار بغداد في العاصمة بغداد، وقاعدة حرير في اربيل.
ولم يبدو اعلان بعض الجهات الرسمية العراقية، عن تعيين ضباط برتب عليا في مواقع مسؤوليات للاشراف على قاعدتي عين الاسد وفيكتوري، مقنعا وفيه ما هو بمثابة تغيير حقيقي، ناهيك عن ان الامور في قاعدة حرير لم يطرأ عليها اي تغيير يعتد به، ناهيك عن قواعد عسكرية اخرى يتواجد فيها الجنود الاميركان بأعداد غير قليلة.
كل هذا، وربما غيره، يتعلق بما قبل الحادي والثلاثين من كانون الاول/ ديسمبر 2021، مضافا اليه غياب ما شهده وتخلله من وقائع واحداث من اي شيء يرتبط بحدث الانسحاب التاريخي المفترض والمنتظر.
أما ما يتعلق بما بعد الحادي والثلاثين، فهو:
ـ في هذا اليوم، لم يتم الاعلان بصورة رسمية واضحة من قبل الادارة الاميركية بسحب قواتها من العراق، ولم يظهر شيء اكثر مما اعلنته في وقت سابق، وتحديدا في التاسع من الشهر الماضي، بأنتهاء مهامها القتالية في العراق، قبل الموعد المقرر.
ـ خلال الايام الخمسة او الستة الماضية، تعرضت قاعدتي عين الاسد وفيكتوري لعدة هجمات بطائرات مسيّرة، وبصرف النظر عن الجهة المسؤولة عن تلك الهجمات، فأن ذلك يمثل اشارة واضحة بأن القوات الاميركية مازالت متواجدة بنفس الاعداد والاليات وحتى وفق ذات السياقات السابقة، وما يثبت هذا الامر، ان منظومات الدفاع الجوي التابعة لقوات التحالف الدولي، التي هي في واقع الامر بمجملها قوات اميركية، او تأتمر بأوامر القادة الاميركان، هي من تصدت للطائرات المهاجمة، وهذا ما ذكرته وتناولته واكدته عدد من وسائل الاعلام الاميركية والبريطانية واسعة الانتشار.
ـ هناك الكثير من التسريبات من داخل بعض الكواليس الامنية والسياسية الخاصة، تؤكد ان واشنطن اتجهت بقوة مؤخرا الى تفعيل وتعزيز حضور قوات حلف شمال الاطلسي (الناتو) في العراق، لسد وشغل الفراغات التي يمكن ان تنشأ جراء اي عمليات اعادة هيكلة او انتشار او تقليص، او حتى تغيير مهام اذا صح ذلك، علما ان عددا لايستهان به من عناصر قوات الناتو هم من الاميركان.
ـ وحتى بالنسبة لتغيير مهام القوات الاميركية من قتالية الى تدريب واستشارة وتمكين، فهو في حال تحقق فعلا، فأنه ينطوي على مخاطر ومحاذير وتهديدات كبيرة جدا للامن الوطني العراقي، بأعتبار ان المهام الجديدة تتيح للاميركان الاطلاع على كل التفاصيل والجزئيات في المنظومات العسكرية والامنية والاستخباراتية العراقية، فضلا عن الهيمنة والتأثير بشكل او باخر على مختلف المفاصل والقيادات.
وفوق ذلك كله، فأن الوجود الاميركي، ايا كانت طبيعة المهام والادوار الذي يضطلع بها، سواء بطلب من الحكومة العراقية او بدونه، سيبقى يشكل عامل قلق واضطراب وفتنة، وباب لعودة الارهاب في اي وقت.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha