عادل الجبوري ||
خلال اسبوع واحد فقط، تعرضت قوات البيشمركة الكردية الى هجومين داعشيين، اسفرا عن استشهاد واصابة عدد من الضباط والجنود.
الهجوم الاول، وقع ليلة الثاني من شهر كانون الاول-ديسمبر الجاري، على قرية خضر جيجه التابع لقضاء مخمور الواقع بين محافظات اربيل وكركوك والموصل، واسفر عن مصرع تسعة من قوات البيشمركة وثلاثة مواطنين من ابناء القرية، فضلا عن اصابة عدد اخر من الجنود والمدنيين.
وبحسب بيان لوزارة البيشمركة في حكومة اربيل المحلية، "موقع لواء تابع لقوات البيشمركة في أطراف كركوك".
اما الهجوم الثاني، فقد وقع بعد اربعة على حدوث الهجوم الاول، حيث استهدف موقع اللواء ١٢٦ التابع لقوات البيشمركة بالقرب من قرية "قره سالم" في قضاء كفري، على تخوم محافظة كركوك، وادى ذلك الهجوم الى استشهاد سبعة عناصر من القوات الكردية،
والى جانب هذين الهجومين، كانت عدة محاور ممسكوكة من البيشمركة قد تعرضت لهجمات وخروقات داعشية خلال الشهرين الماضيين، بيد ان الاخيرين كانا الاشد والاكبر، ارتباطا بالخسائر البشرية اللذين تسببا بهما.
ولعل هناك ملاحظات واشارات جوهرية، لابد من ايرادها والتوقف عندها للاحاطة بأبعاد وخلفيات ودوافع تلك الهجمات من حيث الزمان والمكان:
*الملاحظة الاولى، تتمثل في ان الهجمات هذه المرة بدت موجهة حصرا لقوات البيشمركة الكردية، لانها وقعت في مناطق ومواقع لا وجود فيها لقوات الجيش العراقي الاتحادية، ولا الحشد الشعبي.
*الملاحظة الثانية، هي ان ضعف او انعدام التنسيق والتعاون الامني والاستخباراتي والعسكري في بعض ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، اتاح لعصابات داعش التسلل والنفوذ بيسر وسهولة، دون ان يعني ذلك عدم تعرض بعض مواقع الجيش والحشد الشعبي لهجمات وخروقات داعشية في اوقات سابقة.
*الملاحظة الثالثة، من حيث الزمان، بدا واضحا، تصاعد وتيرة العمليات الارهابية في المدن والمناطق المتاخمة لاقليم كردستان مع بدء العد التنازلي لحلول موعد خروج القوات الاميركية بشكل كامل من الاراضي العراقية بنهائة العام الجاري، اي فترة زمنية اقصاها ثلاثة اسابيع.
*الملاحظة الرابعة، ربما لم يكن التصعيد الارهابي الداعشي بعيدا من حيث التوقيت عن الاوضاع المضطربة والقلقة في عدد من مدن اقليم كردستان، لاسباب ودواع اقتصادية-حياتية في جانب كبير منها، ناهيك عن اجندات ودوافع سياسية داخلية.
كذلك، فأن ذلك التصعيد الارهابي، لم يكن بعيدا من حيث التوقيت عن مجمل الارتباك السياسي في المشهد العراقي العام، ارتباطا بالنتائج المثيرة للجدل التي افرزتها انتخابات العاشر من تشرين الاول-اكتوبر الماضي.
واذا كان يمكن وضع الهجمات الاخيرة على مواقع قوات البيشمركة الكردية في اطار تحليلي، لايخرج عن سياق الاجندات والمخططات الاميركية الساعية الى الابقاء على التواجد العسكري وغير العسكري الاميركي ليس في العراق فحسب وانما في عموم المنطقة، وهو ما يريده ويسعى اليه بقوة الكيان الصهيوني، فأن التفجير الارهابي الاخيرة الذي وقع وسط محافظة البصرة جنوبي العراق، واسفر عن استشهاد واصابة عدد من المدنيين، يندرج في هذا الاطار، مع اهمية التأكيد والاشارة الى ان الوضع الامني في البصرة مستتب بصورة نسبية، بحيث لم تشهد منذ فترة طويلة عمليات ارهابية، ماعدا النزاعات العشائرية التي من الصعب وضعها وتصنيفها في خانة الاجندات والمشاريع التخريبية الخارجية، رغم ان هناك اطرافا قد تقوم بصب الزيت على النار بأساليب وطرق ووسائل مختلفة لتهديد السلم المجتمعي والتعايش الاهلي في العراق، وخصوصا في مدن ومناطق الجنوبوالفرات الاوسط ذات الاغلبية الشيعية.
وفي الاسابيع او الشهور القلائل الماضية، راحت صحف ووسائل اعلام غربية واسعة الانتشار، ومعها مراكز ابحاث ودراسات ومؤسسات استراتيجية عن سلبيات وتبعات الانسحاب الاميركي الكامل من العراق، وضرورات الحفاظ على وجود يعتد بها هناك.
وقبل اسابيع خلصت مراكز بحثية قريبة جدا من مراكز القرار السياسي الاميركي في البيت الابيض والخارجية والبنتاغون والسي اي ايه، الى "أن أفضل الخيارات أمام واشنطن يتمثل في التوسط في أمر الانسحاب بمعنى الحفاظ على قوة صغيرة من المستشارين والمدربين، اذ لابد من دعم عراق مستقر وصديق يخدم المصالح الأمريكية طويلة الأمد، فضلا عن أن التواجد الأمريكي طويل الأمد سيحافظ أيضا على النفوذ الأمريكي في العراق، وبالتالي يمكن أن يساعد في تخفيف النفوذين الإيراني والروسي وأشكال أخرى من النفوذ الخبيث"!.
ولعله من الطبيعي والمتوقع ان تنبري جهات وشخصيات سياسية عراقية-ومن بينها كردية بالتاكيد-الى الدعوة المياشرة او غير المباشرة الى بقاء القوات الاميركية في العراق، تحت يافطة اهمية تأمين استمرار الدعم الدولي للعراق في مواجهة تنظيم داعش. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فأن رئيس اقليم كردستان نيجرفان البارزاني، حذر خلال اجتماع طاريء مع كبار قيادات قوات البيشمركة اثر الهجمات الداعشية الاخيرة، من ان هجمات داعش الاخيرة تمثل مخاطر حقيقية على امن واستقرار العراق والمنطقة وحتى على الأمن في العالم"، لافتاً إلى "ضرورة تمتين دعم المجتمع الدولي والتحالف الدولي للعراق وإقليم كوردستان وان يعمل العراق وشركاءه بشكل جدي اكبر للتصدي للارهاب والقضاء عليه". ومعروف ان الاكراد على وجه العموم يؤيدون بقاء القوات الاميركية في العراق، ويعدون ذلك ضمانة اساسية لامن الاقليم.
ومثلما اقدمت واشنطن على خلط الاوراق في اوقات سابقة من خلال التنظيمات الجماعات الارهابية المسلحة، فأنها من غير المستبعد ان تعمد الى تكرار ذات السيناريوهات في حال وجدت الظروف متاحة لها.
https://telegram.me/buratha