عادل الجبوري ||
أخيرًا، وبعد خمسين يومًا من إجرائها، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في العاشر من شهر تشرين الاول - اكتوبر الماضي، دون أن تطرأ تغييرات كبيرة يعتد بها على النتائج الاولية التي كانت قد أعلنتها بعد خمسة أيام من الانتخابات.
وكانت المفوضية قد أعلنت في وقت سابق على لسان عضو الفريق الاعلامي للمفوضية عماد جميل محسن، أن الهيئة القضائية ستنهي النظر بالطعون الانتخابية البالغ عددها ألفًا واربعمائة وستة وثلاثين طعنا، والمصادقة عليها خلال وقت قصير، وستكون المفوضية أدت ما عليها وتستعد للإعلان عن نتائج الانتخابات وأسماء الفائزين حسب كل دائرة انتخابية بمن فيهم الفائزون بأعلى الأصوات وكوتا النساء وكوتا الأقليات في الأيام المقبلة عبر شاشات التلفاز.
وأوضحت المفوضية أن التغيير الذي حدث بموجب الطعون الأخيرة تمثل بخمسة مقاعد عما أعلنت عنه في النتائج الأولية في محافظات أربيل ونينوى وكركوك وبغداد والبصرة، والتغيير حصل جراء إلغاء نتائج بعض المحطات ما أدى إلى حدوث فرق بالأصوات بين الفائز والخاسر.
هذه هي الحصيلة التي خرجت بها مفوضية الانتخابات بعد ما يقارب الشهرين من السجالات المحتدمة، والاعتراضات والطعون والاعتصامات والتظاهرات، وبعد القدر الكبير من الادلة والبراهين والحقائق والمصاديق عن الأخطاء التي وقعت بها المفوضية، وفق ما أكدت القوى والاطراف الرافضة والمعترضة على النتائج، سواء كانت تلك الأخطاء مقصودة أو غير مقصودة، ناهيك عن عمليات التلاعب والتزوير التي قيل انها شابت العملية الانتخابية برمتها.
وبينما رحب زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، الذي احتلت كتلته المركز الاول باحرازها ثلاثة وسبعين مقعدا، بنتائج الانتخابات، عبر تغريدة من ثلاث كلمات هي (شكرا لمفوضية الانتخابات)، عبرت قوى الاطار التنسيقي في بيان مفصل لها، عن رفضها القاطع لنتائج الانتخابات، واتهامها للمفوضية والهيئة القضائية بعدم التعامل مع ملف الطعون بصورة جدية ووفق السياقات القانونية المعمول بها، مؤكدة "ان الادلة التي قدمتها القوى السياسية وأثبتتها تخبطات المفوضية كانت كافية للتوجه نحو العد والفرز اليدوي الشامل أو إجراء تغيير واضح في نتائج الاقتراع على أقل تقدير". وقالت قوى الاطار التنسيقي، الذي يضم تحالف الفتح بأطرافه المختلفة -منظمة بدر وحركة عصائب اهل الحق والمجلس الاعلى وحركة السند- وائتلاف دولة القانون، وتحالف القوى الوطنية، وتحالف العقد الوطني: "نجدد موقفنا الثابت المستند الى الادلة والوثائق بوجود تلاعب كبير في نتائج الاقتراع، ما يدعونا إلى رفض النتائج الحالية، والاستمرار بالدعوى المقامة أمام المحكمة الاتحادية لإلغاء الانتخابات فيما نأمل من المحكمة الابتعاد عن التأثيرات السياسية والتعامل بموضوعية وحيادية، وإنصاف الجماهير العراقية وحفظ أصواتها من الضياع".
والواضح من نبرة البيان، ومن مجمل الحراك السياسي والجماهيري طيلة الفترة التي اعقبت الانتخابات، ان قوى الاطار التنسيقي، تحرص على التعاطي بهدوء، وتجنب التصعيد واثارة الفوضى وتهديد السلم المجتمعي، وتعول على القضاء في البت باعتراضاتها وحسم الامور بصورة مرضية.
في ذات الوقت، هناك حراك سياسي متواصل في داخل الاروقة والكواليس السياسية المختلفة، على مستويين، الاول يتمثل في البحث عن صيغ ومخارج مناسبة ترفع الحيف والغبن عن القوى التي ترى انه لحق بها جراء سوء ادارة العلمية الانتخابية، او بفعل التلاعب والتزوير، والمستوى الثاني، يتمثل في بلورة الاجواء والمناخات الملائمة لانجاز الخطوات الاخرى المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة، وقبل ذلك اختيار الرئاسات الثلاث.
ورغم أن القوى المعترضة والرافضة جددت مطالبتها بإلغاء الانتخابات، إلا أن هذا الأمر مستبعد جدًا، إن لم يكن مستحيلًا، ولعل مجمل المؤشرات لا تذهب بهذا الاتجاه. فضلًا عن ذلك، فإن خيار الذهاب الى تشكيل حكومة أغلبية وطنية، كما دعا زعيم التيار الصدري، خيار تكتنفه الكثير من المصاعب والعقبات، ارتباطا بطبيعة المشهد السياسي العراقي وتعقيداته وتشابكاته، ناهيك عن الاوضاع الامنية القلقة في الاطار العام، التي تستوجب توسيع مساحة الحوارات والتفاهمات والتوافقات الى اقصى قدر ممكن، مع التأكيد على أن خيار التوافق في تشكيل الحكومة، هو الافضل والانجع، بل إنه ربما يكون الأقل ضررًا في المرحلة الراهنة، وهذا ما تقول به معظم القوى والشخصيات السياسية، وقد يكون حراك الشهرين المنصرمين في بغداد والنجف واربيل، قد أشار الى ذلك.
ولعل طبيعة النتائج التي خرجت بها انتخابات العاشر من تشرين الاول-اكتوبر 2021، بصرف النظر عن حجم الاعتراض والرفض والتحفظ، لانها اغلب الظن ستمرر بطريقة او بأخرى بعد الكثير من الشد والجذب- لا تتيح لأي طرف الذهاب بمفرده أو مع طرف أو طرفين أو ثلاثة أطراف أخرى من هذا المكون او ذاك، وحتى لو قرر ذلك، فإنه سيصل الى طريق مسدود، وهذا ينطبق بالدرجة الاساس على المكون الشيعي، الذي يفترض وبحسب العرف السياسي السائد، ان يكون رئيس الوزراء منه.
فلا الثلاثة وسبعين مقعدًا للتيار الصدري تؤهله لتشكيل الحكومة المقبلة مع طرف كردي وآخر سني، ولا قوى الاطار التنسيقي، التي قد يصل عدد مقاعدها الى ثمانين مقعدا، قادرة على ذلك، لانه في ذات الوقت، لا يمكن لأي طرف كردي أن يسير في أي طريق منفردًا ويدير ظهره لشركائه من نفس المكون، وذات الشيء بالنسبة للمكون السني.
هذا الواقع القائم، مع اسقاطاته السلبية، قد يساهم في صياغة معادلات متوازنة، ورسم مسارات سالكة، تكون مخرجاتها ايجابية، في حال اخرج مفهوم التوافق من قوالب المحاصصة، وانعتق من عقليات تقاسم الكعكعة، التي ما باتت مجدية ولا مقبولة ولا مرضية.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha