عادل الجبوري ||
لانبالغ اذا وصفنا ما حصل في اربيل مؤخرا هو فضيحة من العيار الثقيل، للممولين والمنظمين والداعمين والمساهمين، ولانبالغ اذا اعتبرناه ولد ميتا، ولانبالغ ايضا اذا قلنا انه اوضح وثبت حقيقة الموقف العراقي السياسي والشعبي والنخبوي من التطبيع مع الكيان الصهيوني، وفي ذات الوقت كشف خداع ونفاق وانهزامية وتخاذل بعض الاطراف.
هذه صورة اجمالية عامة لمؤتمر التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي عقد في الخامس والعشرين من شهر ايلول-سبتمبر الجاري، في مدينة اربيل بأقليم كردستان العراق، برعاية مركز اتصالات السلام الاميركي اليهودي، وتحت عنوان(السلام والاسترداد).
وضمن اطار هذه الصورة يمكن ان نجد ونكتشف حقائق ومعطيات دامغة لاتقبل ولاتحتمل الكثير من الجدل والبحث والنقاش.
وحينما نصف ذلك المؤتمر بالفضيحة من العيار الثقيل، فلأن الجميع تبروا منه حتى قبل نهايته، ومعروف ان اي عمل ايجابي لايتنكر اصحابه منه، بل على العكس من ذلك تماما، يفتخرون به ويعدونه انجازا ومكسبا لهم، والتنكر والتبري يكون من الفعل المخزي والشنيع.
من تلوا البيانات وقرأوا الكلمات في المؤتمر، ومنهم رئيس مجلس الصحوات سابقا وسام الحردان، ادعوا انهم لم يطلعوا على موضوع وتفاصيل وهدف المؤتمر، وانهم تفاجئوا بمضمونه وموضوعه، ومن استضافوا المؤتمر ووفروا له الامكانيات والمتطلبات اللوجيستية والغطاء الامني، ادعوا انهم لم يعلموا بعقده مطلقا، بينما تضمنت الكلمة الافتتاحية للمؤتمر شكر وتقدير للقيادة الكردية والاجهزة الامنية الكردية على تسهيلهم عقد المؤتمر وتأمين الحماية اللازمة لهم.
وهل يمكن ان يصدق عاقل، دخول اكثر من ثلاثمائة شخص من ست محافظات عراقية لمدينة اربيل، وقبل ذلك، انشغال اكثر من جهة للتحضير والتهيئة للمؤتمر على مدى اسابيع، وحضور وسائل الاعلام وشخصيات كردية، دون علم رئاسة اقليم كردستان ولا وزارة داخلية حكومة الاقليم ولا الاجهزة الامنية هناك، علما ان المواطن العادي من اي مدينة عراقية لابد ان يخضع لاجراءات امنية دقيقة قبل ان يدخل الى مدن الاقليم. فكيف بمؤتمر بهذا العدد من الحضور وبذلك القدر من الحساسية والخطورة؟.
ومن غير الواضح فيما اذا كان تزامن عقد المؤتمر المذكور مع الذكرى السنوية الرابعة لاجراء الاستفتاء على انفصال اقليم كردستان عن العراق، كان عفويا ام انه جاء مقصودا؟.
ومن شاركوا في المؤتمر من بعض شيوخ العشائر، سارعوا الى عقد مؤتمرات صحفية واصدار بيانات، تبرءوا فيها من المؤتمر، واتهموا وسام الحردان بخداعهم وتضليلهم، وقالوا "وجهت لنا الدعوة بالحضور من قبل المدعو وسام الحردان على انه مؤتمر لإرجاع المفسوخة عقودهم من الصحوات ولزيادة رواتبهم بالاضافة الى ضمهم إلى المؤسسات الأمنية الحكومية، لكن الذي حصل اننا تفاجئنا بأن الموضوع مختلف تماما ولا علاقة له بالأسباب التي دعينا للحضور من اجلها.. لذلك نحمل المدعو وسام الحردان المسؤولية الكاملة قانونيا وعشائريا، ونؤكد أن لا صلة لنا بهذا الأمر من قريب ولا من بعيد، وموقفنا واضح ومعروف في دعم الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه الكاملة ونحن ضد التطبيع".
فضلا عن ذلك، فأن القبيلة التي ينحدر منها الحردان، لم تتأخر في اعلان البراءة منه، وكذلك فأن وزارة الثقافة، ادانت مشاركة الموظفة التابعة لها سحر الطائي، في مؤتمر اربيل التطبيعي، واكدت انها لم تعلم بموضوع مشاركتها، ونفس الشيء تقريبا فعلته اللجنة الاولمبية العراقية بخصوص مشاركة الرئيس السابق لاتحاد الفنون القتالية سعد العاني، اذ اكدت في بيان لها ان المذكور، ترك الرياضة والعمل في المجال الرياضي، بعد ان غادر البلاد في عام 2007.
الى جانب ذلك، فأن الجهة المنظمة للمؤتمر، المتمثلة بمركز اتصالات السلام، التزمت الصمت، ولم تعلق بشيء، رغم ردود الافعال وسيل المواقف الرافضة والمستهجنة للمؤتمر، الا ما قاله رئيس المركز، الاميركي اليهودي من اصول عراقية، جوزيف برادوي، بأن "المؤتمر نجح في استقطاب نحو 300 شخصية عراقية (أكراد، وسنة، وشيعة)، من ست محافظات هي بغداد والموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وبابل"، ولكن من الخطأ ان يكون عدد الحضور وانتماءاهم الى ست محافظات من مجموع ثماني عشرة محافظة عراقية، معيارا كافيا للتقييم الدقيق، ناهيك عن ان الامارات العربية المتحدة، التي تؤكد مؤشرات ومصادر عديدة، انها الممول والراعي والداعم الرئيسي للمؤتمر، لم تتوقع ان تكون ردود الافعال بهذا المستوى، من نخب المكون السني، وربما السفر المفاجيء لرئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي الى ابو ظبي، بعيّد المؤتمر مباشرة، جاء لبحث تطويق واحتواء التداعيات السلبية التي انتجها وسينتجها مؤتمر التطبيع لاحقا.
وسواء كان الهدف من المؤتمر هو القاء حجر في بحر الماء العراقي، او بمثابة جس نبض، او لاحداث ولو شرخ صغير في جدار الرفض العراقي للتطبيع، او السعي الى خلق فتنة داخلية، فأن الجواب جاء سريعا وواضحا ووبليغا وقويا وحازما، من قوى وفاعليات وشخصيات سياسية ودينية وعشائرية وثقافية واكاديمية تنتمي الى-وتمثل- كل المكونات دون استثناء، على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي.
وتبقى فقاعة اربيل، حالها حال فقاعات اخرى سابقة، من قبيل زيارة ناب برلماني عراقي للكيان الصهيوني، او مصافحة سياسي عراقي لسياسي صهيوني في محفل معين، او انشاء صفحة على موقع الفيسبوك او غيره للترويج لثقافة التطبيع بشكل بائس ويائس. فأجتماع ثلاثمائة شخص، جلهم نكرات لاقيمة لها ولا تأثير، في مكان ما لقاء ثمن بخس، لايعني شيئا قبال ملايين ترفض رفضا قاطعا التطبيع بكل اشكاله ومظاهره وصوره.
https://telegram.me/buratha